الباحث القرآني
قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا﴾؛ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في مَعْنى الحَبْلِ هَهُنا أنَّهُ القُرْآنُ؛ وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛ وقَتادَةَ؛ والسُّدِّيِّ؛ وقِيلَ: إنَّ المُرادَ بِهِ دِينُ اللَّهِ (تَعالى)؛ وقِيلَ: بِعَهْدِ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ سَبَبُ النَّجاةِ؛ كالحَبْلِ الَّذِي يُتَمَسَّكُ بِهِ لِلنَّجاةِ مِن غَرَقٍ؛ أوْ نَحْوِهِ؛ ويُسَمّى الأمانُ "اَلْحَبْلَ"؛ لِأنَّهُ سَبَبُ النَّجاةِ؛ وذَلِكَ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِنَ النّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٢]؛ يَعْنِي بِهِ الأمانَ؛ إلّا أنَّ قَوْلَهُ: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾؛ هو أمْرٌ بِالِاجْتِماعِ؛ ونَهْيٌ عَنِ الفُرْقَةِ؛ وأكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَفَرَّقُوا﴾؛ مَعْناهُ (p-٣١٤)التَّفَرُّقُ عَنْ دِينِ اللَّهِ (تَعالى) الَّذِي أُمِرُوا جَمِيعًا بِلُزُومِهِ؛ والِاجْتِماعِ عَلَيْهِ؛ ورُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛ وقَتادَةَ؛ وقالَ الحَسَنُ: ولا تَفَرَّقُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ وقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ فَرِيقانِ مِنَ النّاسِ؛ أحَدُهُما نُفاةُ القِياسِ والِاجْتِهادِ في أحْكامِ الحَوادِثِ؛ مِثْلُ النِّظامِ؛ وأمْثالِهِ مِنَ الرّافِضَةِ؛ والآخَرُ مَن يَقُولُ بِالقِياسِ والِاجْتِهادِ؛ ويَقُولُ مَعَ ذَلِكَ إنَّ الحَقَّ واحِدٌ مِن أقاوِيلِ المُخْتَلِفِينَ في مَسائِلِ الِاجْتِهادِ؛ ويُخَطِّئُ مَن لَمْ يُصِبِ الحَقَّ عِنْدَهُ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولا تَفَرَّقُوا﴾؛ فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ التَّفَرُّقُ والِاخْتِلافُ دِينًا لِلَّهِ (تَعالى)؛ مَعَ نَهْيِ اللَّهِ (تَعالى) عَنْهُ؛ ولَيْسَ هَذا عِنْدَنا كَما قالُوا؛ لِأنَّ أحْكامَ الشَّرْعِ في الأصْلِ عَلى أنْحاءَ؛ مِنها ما لا يَجُوزُ الخِلافُ فِيهِ؛ وهو الَّذِي دَلَّتِ العُقُولُ عَلى حَظْرِهِ في كُلِّ حالٍ؛ أوْ عَلى إيجابِهِ في كُلِّ حالٍ؛ فَأمّا ما جازَ أنْ يَكُونَ تارَةً واجِبًا؛ وتارَةً مَحْظُورًا؛ وتارَةً مُباحًا؛ فَإنَّ الِاخْتِلافَ في ذَلِكَ سائِغٌ؛ يَجُوزُ وُرُودُ العِبادَةِ بِهِ؛ كاخْتِلافِ حُكْمِ الطّاهِرِ والحائِضِ في الصَّوْمِ والصَّلاةِ؛ واخْتِلافِ حُكْمِ المُقِيمِ والمُسافِرِ في القَصْرِ والإتْمامِ؛ وما جَرى مُجْرى ذَلِكَ؛ فَمِن حَيْثُ جازَ وُرُودُ النَّصِّ بِاخْتِلافِ أحْكامِ النّاسِ فِيهِ؛ فَيَكُونُ بَعْضُهم مُتَعَبِّدًا بِخِلافِ ما تَعَبَّدَ بِهِ الآخَرُ؛ لَمْ يَمْتَنِعْ تَسْوِيغُ الِاجْتِهادِ فِيما يُؤَدِّي إلى الخِلافِ الَّذِي يَجُوزُ وُرُودُ النَّصِّ بِمِثْلِهِ؛ ولَوْ كانَ جَمِيعُ الِاخْتِلافِ مَذْمُومًا لَوَجَبَ ألّا يَجُوزَ وُرُودُ الِاخْتِلافِ في أحْكامِ الشَّرْعِ مِن طَرِيقِ النَّصِّ والتَّوْقِيفِ؛ فَما جازَ مِثْلُهُ في النَّصِّ جازَ في الِاجْتِهادِ؛ وقَدْ يَخْتَلِفُ المُجْتَهِدانِ في نَفَقاتِ الزَّوْجاتِ؛ وقِيَمِ المُتْلَفاتِ؛ وأُرُوشِ كَثِيرٍ مِنَ الجِناياتِ؛ فَلا يَلْحَقُ واحِدًا مِنهُما لَوْمٌ؛ ولا تَعْنِيفٌ؛ وهَذا حُكْمُ مَسائِلِ الِاجْتِهادِ؛ ولَوْ كانَ هَذا الضَّرْبُ مِنَ الِاخْتِلافِ مَذْمُومًا لَكانَ لِلصَّحابَةِ في ذَلِكَ الحَظُّ الأوْفَرُ؛ ولَما وجَدْناهم مُخْتَلِفِينَ في أحْكامِ الحَوادِثِ؛ وهم مَعَ ذَلِكَ مُتَواصِلُونَ؛ يُسَوِّغُ كُلُّ واحِدٍ مِنهم لِصاحِبِهِ مُخالَفَتَهُ مِن غَيْرِ لَوْمٍ؛ ولا تَعْنِيفٍ؛ فَقَدْ حَصَلَ مِنهم الِاتِّفاقُ عَلى تَسْوِيغِ هَذا الضَّرْبِ مِنَ الِاخْتِلافِ؛ وقَدْ حَكَمَ اللَّهُ (تَعالى) بِصِحَّةِ إجْماعِهِمْ؛ وثُبُوتِ حُجَّتِهِ؛ في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ مِن كِتابِهِ؛ ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «"اِخْتِلافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ"؛» وقالَ: «"لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلى ضَلالٍ"؛» فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ اللَّهَ (تَعالى) لَمْ يَنْهَنا بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَفَرَّقُوا﴾؛ عَنْ هَذا الضَّرْبِ مِنَ الِاخْتِلافِ؛ وأنَّ النَّهْيَ مُنْصَرِفٌ إلى أحَدِ وجْهَيْنِ؛ إمّا في النُّصُوصِ؛ أوْ فِيما قَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ؛ أوْ سَمْعِيٌّ؛ لا يَحْتَمِلُ إلّا مَعْنًى واحِدًا؛ وفي فَحْوى الآيَةِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ هو الِاخْتِلافُ؛ والتَّفَرُّقُ في أُصُولِ الدِّينِ؛ لا في فُرُوعِهِ؛ وما يَجُوزُ وُرُودُ العِبادَةِ بِالِاخْتِلافِ فِيهِ؛ وهو قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكم إذْ (p-٣١٥)كُنْتُمْ أعْداءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾؛ يَعْنِي: "بِالإسْلامِ"؛ وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ التَّفَرُّقَ المَذْمُومَ المَنهِيَّ عَنْهُ في الآيَةِ هو في أُصُولِ الدِّينِ؛ والإسْلامِ؛ لا في فُرُوعِهِ؛ واللَّهُ (تَعالى) أعْلَمُ.
{"ayah":"وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ فَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَ ٰنࣰا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق