الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢] بَيَّنَّا فيما سبق أن الله إذا صدَّر الخطاب بالنداء فهو دليل على العناية والاهتمام به، ثم إذا وُجِّه الخطاب إلى المؤمنين ففيه فوائد: أولًا: الإغراء والحث، كأنه قال: يا أيها الذين آمنوا لإيمانكم ولكونكم مؤمنين افعلوا كيت وكيت أو لا تفعلوا كذا وكذا.ثانيًا: أن ما يُذْكَر فهو من مقتضى الإيمان؛ ولهذا وجه للمؤمنين.ثالثًا: أن المخالفة في هذا الشيء تُنَقِّص الإيمان، فانتبهوا لهذا فصار عندنا أربعة أمور، تصدير الخطاب بالنداء يدل على الاهتمام به، وتوجيهه إلى المؤمنين يفيد ثلاث فوائد: الإغراء، وأن القيام بذلك من مقتضى الإيمان، وأن المخالفة فيه نقص في الإيمان.
يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ وما أكثر ما أمر الله بالتقوى في كتابه في آيات كثيرة بل جعلها الله تعالى وصيةً لجميع الخلق ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء ١٣١]، والتقوى مأخوذة من الوقاية؛ ولهذا يقال: إن أصلها وَقْوَى مُؤَنَّث، من الوقاية، والوقاية اتخاذ الإنسان ما يقيه الذي يضره؛ ولهذا نقول: إن أجمع تفسير للتقوى أن يقال: التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، هذا أجمع ما يقال.
وقوله عز وجل: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ ﴿حَقَّ﴾ هذا مفعول مطلق مُبِيِّنٌ لنوع التقوى التي أُمِرْنا بها، أي: اتقوا الله على هذا الوجه ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾.
ومعنى ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أن تتقوا الله ما استطعتم؛ لأن هذه هي التقوى التي أُمِرْنا بها بآيات أخرى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦] أي: ابذلوا كل ما تستطيعون في تقوى الله؛ ولهذا لا تظنوا أن هذه الآية ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ أنها تُهوِّن التقوى؛ لأن بعض الناس يتخذ من هذه الآية تهوينًا لأمر التقوى ويقول: اتقوا الله ما استطعتم، والحقيقة أنها بالعكس يعني: اتقوا الله بقدر ما تستطيعون، ابذلوا كل الجهد في تقوى الله عز وجل، فيكون قوله: ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ موازيًا لقوله: ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وبناء على هذا تكون الآية مُحْكَمَة، أي: غير منسوخة، وهذا القول هو الراجح، ومقابله أن الآية منسوخة وأنها أمر بما فيه مشقة، وأن المراد بتقوى الله أن يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، ويُطاعَ فلا يُعْصى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَر.
ولكن لدينا قاعدة مهمة جدًّا توجب أن لا يتسرع الإنسان في دعوى النسخ؛ لأن دعوى النسخ ليست دعوى، بسيطة فإن النسخ يتضمن إبطال حكم من الأحكام الشرعية، وإبطال الحكم من أحكام الشرعية ليس بالأمر السهل وإن كان بعض العلماء يتساهل وإذا عجز أن يُوَفِّق بين النصوص أو يرجح ادعى النسخ، وهذا غلط؛ لأنه يترتب عليه إلغاء حكم شرعي. فنحن نقول: ما دام النص من القرآن أو السنة يمكن أن يُحْمَل على وجه صحيح لا يُعارض النصوص الأخرى فهذا هو الواجب؛ لأننا إذا سلكنا هذا المسلك عملنا بكل النصوص، أما إذا قلنا: إن أحدهما منسوخ فإننا نلغي نصًّا جاء به الوحي، وهذا ليس بالأمر الهيِّن، فالصحيح أن الآية غير منسوخة؛ لأنها لا تخالف الآيات، هي مثل قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، والغريب أن الذين قالوا بالنسخ قالوا: إنها نسختها هذه الآية ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ لكن لا وجه لهذا، فالصحيح أن معنى ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أي: بقدر ما تستطيعون، وحَقُّ تقاته ما أمرنا به عز وجل في قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
وقال: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ هذه مما يدخل تحت الخطاب ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ يعني: إلا وأنتم مسلمون لله ظاهرًا وباطنًا، والإسلام هنا يدخل فيه الإيمان، وكما مر عليكم في آيات كثيرة الدعاء بأن يموت الإنسان مسلمًا ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف ١٢٦]، وفي سورة يوسف قال: ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف ١٠١]، لكن جاء في السنة أن الرسول ﷺ كان يقول في دعاء الميت: «اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمانِ»[[أخرجه أبو داود (٣٢٠١)، والترمذي (١٠٢٤) واللفظ له من حديث أبي هريرة.]] ففرق بين حال الحياة وحال الموت، والجواب عن ذلك أن نقول: إنما غَايَر النبي ﷺ بينهما؛ لأن صلاح الأمة على سبيل العموم بالإسلام إذا حَيَّت الأمة مسلمة انتظم أمرها؛ لأن الإسلام معناه الاستسلام، انتظم أمرها ولم يكن فيها ما يُوجب العناد والاستكبار، ولما قال: «مَنْ أَحْيَيْتَهُ فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ» صار قال: «وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» لأن المدار عند الموت على ما في القلب، لكن في هذه الآية وكذلك في الآيات الأخرى التي أشرنا إليها لم يُذْكَر الإيمان معه فيكون الإسلام هنا شاملا للإيمان.
قوله: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ لا تَمُتْ إلا وأنت مسلم، هذا يقتضي أن تكون مسلمًا من الآن، لا تنتظر، تقول: سأُسْلِم إذا جاء الموت، تكن مسلمًا من الآن، لماذا؟ لأنك لا تدري متى يَفْجَأُكَ الموت، فالآية لا تعني أن تُؤَخِّرَ الإسلام إلى عند الموت لأنك لا تدري، بل فيها الأمر بالمبادرة بالإسلام وبالثبات عليه إلى أيش؟ إلى الموت.
في هذه الآية: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ إشكال في قوله: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ﴾؛ لأننا لو أعربنا لا لقلنا: إنها نافية، نافية ولَّا ناهية؟
* الطلبة: ناهية.
* الشيخ: بالهاء ولا بالفاء؟
طلبة: بالفاء.
طلبة: بالهاء.
* الشيخ: طيب ماشي ما في واحد بعد ثالث يقول قول ثالث؟ الآن عندنا قولان: نافية بالفاء، ناهية بالهاء، هي لا شك أنها ناهية بالهاء ناهية ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ﴾؛ لأن عطف الطلب على الطلب أولى من عطف الخبر على الطلب.
﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ هذه طلبٌ أَمرٌ، ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ﴾ هذه طلب نهي، طلب بصيغة النهي، وعطف الطلب على الطلب أَوْلَى من عطف الخبر على الطلب، هي ناهية، وإذا كانت ناهية يُشْكِل علينا أن الفعل بعدها مرفوع تموتُ؛ لأن النون للتوكيد، فكيف كانت ناهية والفعل بعدها مرفوع، هذا إشكال؟
* طالب: الفعل مجزوم بحذف النون أصله تموتون.
* الشيخ: والنون هذه موجودة؟
* الطالب: النون هذه توكيد.
* الشيخ: توكيد؟ وين راحت؟
* الطالب: حذفت لالتقاء الساكنين، للتخفيف.
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: الواو حذفت للاتقاء الساكنين.
* الشيخ: أين الواو؟
* الطالب: واو ولا تموتون، وعوض عنها بالضمة للدلالة عليها.
* الشيخ: نشوف أصل الكلام عشان ما يطول علينا الوقت، تموتنَّ أصلها بدون نهي تموتونَنَّ كذا ولَّا لا؟ طيب وأيش عملنا؟ نقول: لما جاءت لا الناهية حذفت نون الإعراب، لما حذفت نون الإعراب التقت الواو بالنون، والنون المشددة نونان أولهما ساكن، الساكن لا يمكن أن يقابل ساكنًا آخر كما قال ابن مالك:
؎إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَــكُــنْ لَــيْــنًــا فَحَــذْفَــهُاسْتَحَــقْ
إذن نحذف الواو هنا؛ لأنها من حروف اللين، كذا؟ حذفنا الواو، وأيش بقي؟ بقيت الميم التي تليها الواو مضمومة تبقى الميم على ضمها، ونون التوكيد تبقى على حالها، فصار الإعراب واضحًا الآن، فـ(لا) ناهية، ﴿تَمُوتُنَّ﴾ فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين أيش هي؟ فاعل، والنون للتوكيد.
﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ جملة ﴿وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ حال، حال من أين؟ من الواو المحذوفة في قوله: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ﴾.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ [آل عمران ١٠٣] هذا داخل تحت قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فهي معطوفة على ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ هنا قال: ﴿اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾، وفيما سبق قال: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ﴾، والاعتصام بالله الاعتماد عليه والتوكل عليه والاستعانة به، والاعتصام بحبله أي: بشرعه، فحبل الله هو شرعه، وسُمِّي شرعه حبلًا؛ لأنه مُوصِل إليه، والحبل كما تعلمون يُوصِل إلى المقصود؛ فإن الإنسان إذا أراد أن يشرب من البئر أدلى الدلو بماذا؟ بالحبل بالرشاء، فحبل الله هو شرعه المُوصِل إليه كما يقال: حبل البئر الرشاء الموصل إلى الماء ليَستقي منه الساقي.
وأضيف إلى الله عز وجل لأمرين: الأمر الأول: أنه هو الذي وضعه سبحانه وتعالى، والأمر الثاني: أنه موصل إليه.
وقوله: ﴿جَمِيعًا﴾ حال من الواو في ﴿اعْتَصِمُوا﴾ يعني: اعتصموا كلكم، لا يَشُذ أحد عن هذا الاعتصام.
﴿وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ لا تفرقوا في أيش؟ في حبل الله كونوا جميعًا تحت المظلة الشرعية، لا يشذ أحد منكم، ولا تفرَّقوا أحزابًا ولا أفرادًا.
﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ اذكروا بألسنتكم، واذكروا بقلوبكم، الذكر بالقلب هو التذكُّر تذكر الإنسان حتى ولو كان وحده، لو كان وحده في بيته يتذكر الحال التي أشار الله سبحانه وتعالى إليها، اذكروا أيضًا بألسنتكم ثناء على الله بذلك وتحدُّثًا بنعمته.
﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ والنعمة بمعنى العطاء والرزق، وهذه النعمة التي ذكر الله هنا، وأمرنا أن نذكرها هي من أكبر النعم؛ ولهذا قال: ﴿إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾ هذا مَحلُّ أو بيان هذه النعمة ﴿إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾ أي: أن بعضكم عدو لبعض، ولا شك أنه مع العداوة لا يمكن أن تستقيم الأمة، فالعداوة التي كانت بينهم قبل الإسلام أزالها الله تعالى بالإسلام. ومن ذلك ما كان بين قبائل العرب من قريش وهوازن وغيرهم، وما كان بين قبائل الأنصار بين الأوس والخزرج حروب وفتن وعداوات وثأرات، شيء يعني إذا قرأه الإنسان في التاريخ يقول: إن من أكبر نعمة الله على العرب أن جاء بهذا الإسلام؛ ولهذا ذكَّرهم النبي ﷺ ذكَّر الأنصار بذلك حين قسم غنائم حُنَيْن، وكان رسول الله ﷺ حكيمًا أعطى المؤلفة قلوبهم عطاء كثيرًا حتى إنه يُعطِي الإنسان مئة ناقة، فصار في قلوب بعض الأنصار شيء، حتى إنهم قالوا: وجد أصحابه فأعطاهم أو كلمة نحوها. فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ فأمرهم أن يجتمعوا وأن لا يدخل معهم أحد، اجتمعوا فجاء إليهم وذكَّرهم بنعمة الله عز وجل عليهم وقال لهم: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُه أَمَنُّ. قال: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّه بِي؟» قالوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قال:«أَلَمْ أَجِدْكُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمْ اللَّهُ بِي؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. كلما قال شيئًا وذكَّرهم به اعترفوا بأن الله ورسوله أَمَنُّ، ولكنه عليه الصلاة والسلام لما ذكرهم بفضله عليهم قال: «لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ: جِئْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ» وذكر عليه الصلاة والسلام فضلهم عليه ثم قال: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى رِحَالِكُمْ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دَثَارٌ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٣٣٠)، ومسلم (١٠٦١ / ١٣٩) من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم. ]] حتى جعلوا يبكون وخَضَبُوا لِحاهم بدموعهم -رضي الله عنهم- واقتنعوا اقتناعًا كاملًا، الشاهد من هذا أنه ذكَّرهم صلوات الله وسلامه عليه أنهم كانوا متفرقين فجمعهم الله به وألفهم به. ولهذا يذكر الله سبحانه وتعالى هؤلاء فقال: ﴿إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ ﴿أَلَّفَ﴾ يعني جمع، ومنه قولنا: أَلَّفَ فلان كتابًا يعني جمعه، وقوله: ﴿بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ ولم يقل: بينكم؛ لأن الائتلاف في القلوب، وهذا هو الذي عليه المدار، ليس المدار الائتلاف بالأجسام. كم من أمة ائتلفت بأجسامها لكنَّ قلوبها متفرقة كما قال الله تعالى عن اليهود: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر ١٤] ولا فائدة من اجتماع الأبدان مع تفرُّق القلوب، الفائدة باجتماع القلوب وتآلف القلوب ولو تباعدت الأبدان، وكم من إنسان يكون بينك وبينه مودة والصداقة وهو بعيد عنك، وكم من إنسان بالعكس تشعر بأنه ينافقك وأنه لا يُكِنُّ لك محبة ولا صداقة، ومع ذلك هو كالملازم لك كملازمة الظل. فالشأن كل الشأن بماذا؟ بالقلوب؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾، ومن الذي يستطيع أن يؤلف بين قلوب الناس؟ الله عز وجل، لا أحد يستطيع أبدًا، يقول الله تعالى لنبيه محمد ﷺ: ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ [الأنفال ٦٣]. صحيح أن المال يؤلف؛ ولهذا جعل الله تعالى للمؤلفة قلوبهم نصيبًا من الزكاة، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعطي المؤلفة قلوبهم، لكن ثِقُوا أن ما كان مُؤَلَّفًا لشيء فإنه سوف ينعدم تأليفه بأيش؟ بزوال هذا الشيء وفقد هذا الشيء، لكن التأليف الذي يكون على الإيمان ومن الرحمن عز وجل هذا لا ينفصل؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾.
* طالب: ما يقال: الدين دين مساواة، بل هو دين عدل، ولا شك أنه دين عدل، لكن نجد كثيرًا من العبادات أن فيها مساواة.
* الشيخ: وأيش، مثل أيش؟
* طالب: الصلاة فيها مساواة بين الفقير والغني.
* الشيخ: لا، هذا عدل، هذا نقول: عدل.
* طالب: والجهاد أيضًا؟
* الشيخ: أيضًا نقول عدل، أصل كل ما جاءت مساواة بحق فهي عدل، وإذا جاءت المساواة بغير حق فهي جور.
* طالب: شيخ، حتى العبادة.
* الشيخ: (...) ما يستوي الناس فيها، العاجز عن القيام لا يلزمه القيام، والعاجز عن استقبال القبلة لا يلزمه استقبال القبلة.
* طالب: يعني يكونون كلهم في اتجاه واحد نفس الاتجاه؟
* الشيخ: لا، قد لا يلزم الإنسان القبلة إذا كان عاجزًا، تكون القبلة وراءه.
* طالب: أحسن الله إليك، ما ذكره بعض العلماء من أن قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦] هذا في الأحكام العملية، وفي قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ هذا في الأعمال القلبية وما يتعلق بالتوحيد، نقول: هل هذا سليم؟
* الشيخ: لا ما هو سليم، حتى القلوب ما يجوز للإنسان يعني يستمر في عمل القلب؛ لأن هذا يؤدي إلى كارثة، الإنسان لو استمر في الوساوس هلك مع أنه لا يؤاخَذ عليها لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما شُكِي إليه الوساوس قال: فليستعذ بالله ولينته، فأمر بقطع هذه الوساوس بالاستعاذة بالله عز وجل وبالانتهاء.
* طالب: أحسن الله إليك، ما الذي أورده في قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ﴾ [الأنعام ٣٨] ما فهمنا قصده؟
* الشيخ: يقول بعض الناس: إن الطائرة ما هي تطير بجناحيها، الجناح لا يتحرك إنما تطير بمحركاتها، لكن أنا قلت: إن بعض الناس يقولوه، وأنا لا أرتضي هذا القول، أقول: إن قوله: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ كقولهم: مشى على رجليه أو بطش بيديه أو نظر بعينيه، وما أشبه ذلك، فهي ذكر آلة الطيران، أما الطائرة هذه الحديدية فهي قد يمنع الإنسان القول بنفي طيرانها في جناحها أو بجناحها؛ لأنها حقيقة تطير بجناحها ولَّا لا؟ الطائرات المروحية اللي كانت الأول أنا أذكرها، ممكن بعضكم يذكرها، فيه طائرات فيها محرك بارز، مُحَرِّك مروحة في نفس الجناح بارزة لها آذان، الآن الطائرات النفاثة فيها مراوح أيضًا، لكنها من داخل وفي الأجنحة أيضًا. وفيه واحد من الإخوان الطيبين الطيارين يعني كاتب تحليل على الطائرة وتركيبها، يقول: إنها مركبة على الطائر تمامًا، الطائر اللي خلقه الله، في انحرافها يمينًا أو شمالًا، وفي انخفاضها وفي طيرانها، وقال: إن الطائر إذا أراد يعني ينحرف يمين يسار حرك بعض الجناحين، وإذا أراد ينزل يكون له وضع خاص في ذيله، وإذا أراد يرتفع كذلك، وأن الطائرة مركَّبة تمامًا عليه، ونحن نشاهد الطائرة الآن عند النزول في جناحيها أشياء رادعة للهواء ترتفع، وعند الهبوط أيضًا فيها شيء، المهم أن نقول: إن الطائرة في الحقيقة تطير بجناحيها.
* طالب: يشكل عليها الطيارة العمودية؟
* الشيخ: إي نعم، هذه مرفوع جناحها فقط.
* طالب: ما عندها جناحان؟
* الشيخ: لا لا، مرفوع المروحة اللي فوق هذه، هذه رافعة الجناح.
* طالب: مَنْ قالوا: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ فسروها؟
* الشيخ: فسروها بأن يكون الإنسان دائمًا في طاعة الله، ما يغفُل عن شيء أبدًا، أن يُذْكَر فلا ينسى.
* طالب: ليلًا نهارًا؟
* الشيخ: ليلًا ونهارًا إلا عاد في حال النوم ما أظن أنه (...).
* طالب: شيخ، بارك الله فيك، دعاء دخول المقابر (...)، كيف نقول: المسلمين والمسلمات، ما وجهه؟
* الشيخ: إذا جُمع بين الإسلام والإيمان فالإسلام أنقص من الإيمان، يكون بالاستسلام الظاهر وإن كان الإيمان في القلب ضعيفًا، ويكون الإيمان ما وقر في القلب.
* طالب: يمكن نَقَصَ إسلامه فهو مؤمن؟
* الشيخ: أي لكن ناقص، ناقص ويكون من المؤمنين الكُمَّل، والمسلمين اللي عندهم نقص.
* طالب: أحسن الله إليك، يا شيخ حينما نقول: إن الإسلام هو دين العدل وليس دين المساواة تبين بطلان يا شيخ من يدعي بأن الإسلام دين الديمقراطية لأن الديمقراطية تقتضي التساوي بين جميع أفراد المجتمع؟
* الشيخ: إي نعم، ما فيه شك، لا، والذين يدعون الديمقراطية هم أول من هدم الديمقراطية، أهم صدقوا؟ كل الميزات للطبقة الحاكمة، أولهم الشيوعيين وآخرهم الغربيون ما في ديمقراطية من يقول هذا؟ ما في يعني حكم بالعدل في غير الإسلام أبدًا، لكن نحن نقول بصراحة: إن المسلمين لم يطبقوا الإسلام، لم يطبقوا الإسلام، عندهم جور، وظلم، وانتهاك الحقوق، ما طبقوا الإسلام أبدًا مع الأسف، الآن يعني مثلًا الأحداث التي وقعت هذه أساءت إلى الإسلام أعظم إساءة، أعظم إساءة أسيء للإسلام في الأحداث اللي وقعت، وفيها خدمة لليهود عظيمة، اليهود تدعي أننا نحن المخرِّبون المفسدون في الأرض (...).
* * *
* طالب: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران ١٠٤، ١٠٥].
* الشيخ: نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال الله تعالى في بقية ما سبق من آية ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ قال الله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. وقبل أن نتكلم في بقيتها نناقش فيما سبق في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ هل هذه الآية محكمة أو منسوخة؟
* طالب: القول الصحيح أنها محكمة.
* الشيخ: يعني: فيها قولان للعلماء؟
* طالب: نعم، فيها قولان للعلماء، قال بعض أهل العلم: إنها منسوخة؛ لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، لكن الصحيح أنها مُحْكَمة.
* الشيخ: محكمة، وأنها لا تُنافي الآية المذكورة، ومن شرط النسخ؟
* طالب: ومن شرط النسخ التعارض.
* الشيخ: التعارض بحيث لا يمكن الجمع.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ما معنى هذه الجملة؟
* طالب: دعائية.
* الشيخ: دعائية؟
* طالب: يعني، هذا أمر من الله عز وجل للمؤمنين أن لا يموتوا إلا وهم مسلمون.
* الشيخ: هل الإنسان يملك نفسه عند الموت يعني ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ يعني: أَمْر بالإسلام عند الموت؟
* طالب: يعني: افعل الأسباب التي تفعل..
* طالب آخر: معناه أنه يجب عليهم أن يكونوا مسلمين دائمًا فإن الموت يأتي في أي لحظة بغتة فيكونوا قد أسلموا عند الموت.
* الشيخ: يعني هذا يستلزم أن يبادروا بالإسلام والتوبة.
الجملة في قوله: ﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، وأيش موضعها من الإعراب؟ موضعها من الإعراب ﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾؟
* طالب: النصب على الحال.
* الشيخ: محلها النصب على الحال، يعني: كأنه قال: ولا تموتن إلا مسلمين لكن أتى بجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار.
قوله تعالى: ﴿اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ ما المراد بحبل الله؟
* طالب: شرع الله.
* الشيخ: لماذا سُمِّي حبل الله؟
* طالب: لأنه هو الموصل إلى الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: لأنه الموصل إلى الله عز وجل.
قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ ما هذه النعمة التي أمرهم الله تعالى بتذكرها؟
* طالب: النعمة هذه أنهم كانوا أعداء قبل مجيء الإسلام فجاء الإسلام فألف بين قلوبهم، فتأليف القلوب هذه نعمة من الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: هل تعرف شيئًا مما جرى مما يدل على عداواتهم؟
* طالب: نعم ما جرى بين الأوس والخزرج من الحروب الطاحنة إلى أن أصلح بهم رسول ﷺ لما جاء الإسلام.
* الشيخ: يعني: ذكروا أنها بقت مئة وعشرين سنة هذه الحروب.
* طالب: وحروب قريش مع..
* الشيخ: كذلك قبائل العرب بعضها مع بعض.
ثم قال: ﴿أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾، ولم يقل: بينكم؟
* طالب: لأن التأليف بين القلوب أعظم من التأليف؛ لأن الإنسان يمكن أن يكون معك مصاحبًا لك، وهو يبغضك.
* الشيخ: وقلبه بعيد منك والمدار كله على ائتلاف القلوب.
قوله: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ هل هو ذكر باللسان أو بالقلب؟
* طالب: باللسان وبالقلب وبالجوارح.
* الشيخ: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾، باللسان وبالقلب، كيف بالقلب وأيش لونه؟
* طالب: بالقلب التفكر في نعمة الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: حيث كانوا أعداء ثم ألف بين قلوبهم.
* طالب: وباللسان أن (...) اسم الله سبحانه وتعالى في المقال.
* الشيخ: في المقال، يعني مثلًا في المجالس يتحدثون يقولون: نحمد الله، إن الله ألف بيننا بعد أن كنا أعداء.
قال الله تعالى: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ قوله: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ﴾ أصل الإصباح الدخول في الصباح الذي هو أول النهار، لكنه يطلق أحيانًا مجردًا من الزمان ويراد به الصيرورة أي: صرتم إخوانًا، وهذا هو المراد هنا أصحبتم إخوانًا يعني: صرتم إخوانًا في الصباح وفي المساء.
وقوله: ﴿بِنِعْمَتِهِ﴾ الباء هنا للسببية أي: بسبب إنعامه عليكم بعد العداوة أصبحتم إخوانًا يعني إخوة، والأُخُوَّة في الأصل المقارنة أو القِران بين الشيئين، فكل شيئين اتفقا في شيء واقترنا به فهما أخوان. فمعنى إخوانًا أي: مقترنين مؤتلفين كأنما بينكم رابطة النسب بل أعظم من رابطة النسب؛ لأن أُخُوَّة الدين أعظم من أُخُوَّة النسب، بل إن أخوة النسب تتلاشى إذا لم توجد أخوة الدين، ودليل هذا أن نوحًا عليه الصلاة والسلام قال: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود ٤٥، ٤٦] ليس من أهلك مع أنه ابنه، بَضْعَة منه، لكنه ليس من أهله ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود ٤٦] يعني: أنه عمل عملًا غير صالح فهو كافر، وأنت رسول فليس بينكما نسب يعني قرابة، فالأُخُوَّة الإيمانية أقوى رابطة من الأخوة النَّسَبِيَّة فإذا اجتمعا قوَّى بعضهما بعضًا إذا كان أخاك من النسب، وهو أيضًا أخوك في الدين صار هذا أقوى وأقوى. وقوله: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ وقد ظهرت هذه الأخوة، فإن الأنصار رضي الله عنهم لما قدم إليهم المهاجرون صاروا يُؤْثِرُونهم في أموالهم، يؤثرونهم في أموالهم، يتنازل الإنسان عن ماله لأخيه المهاجري، بل ربما يتنازل عن إحدى زوجتيه له من شدة الأخوة والمحبة بينهما.
قال: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ ﴿كُنْتُمْ﴾ أي: قبل الإسلام ﴿عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ أي: على طرف، وشفا الشيء طرفه كشفا البئر أي طرفها.
وقوله: ﴿حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ أي: من نار جهنم، لأنهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام والأوثان فهم على شفا حفرة لو ماتوا على تلك الحال لسقطوا في الحفرة لكن قبل أن يسقطوا في الحفرة أنقذهم الله بالإسلام ولله الحمد والمنة، فبَيَّن الله عز وجل هنا حالهم الاجتماعية وحالهم الدينية، حالهم الاجتماعية كانوا أعداء مختلفين متفرقين فألَّف بين قلوبهم، وحالهم الدينية أنهم على شفا حفرة من النار ما بقي عليهم أن يتساقطوا في النار إلا أن يموتوا على الكفر، ولكن الله تعالى أنقذهم بنعمته بهذا الدين الذي قال الله فيه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣].
﴿عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾ كلمة (أنقذ) تدل على أن هذا الشفا كان هَلَكَة، وهو كذلك فإنه لا هلكة أعظم من هَلَكَة من كان في النار فأنقذهم الله منها إنقاذًا.
ثم قال: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ ﴿كَذَلِكَ﴾ يذكرها الله سبحانه وتعالى كثيرًا في كتابه العزيز، وهي على تقدير: مثل ذلك، فكذلك أي: مثل ذلك، ثم هي تختلف باختلاف السياق، ففي مثل هذا السياق الذي نحن فيه تكون مفعولًا مطلقًا، وإن شئتم فقولوا: نائبة مناب المصدر؛ لأن التقدير: مثل ذلك البيان يبين الله لكم آياته، مثل ذلك البيان يُبَيِّن الله لكم آياته، أي أن الله سبحانه وتعالى أظهر آياته لنا آياته الكونية وآياته الشرعية بيانًا واضحًا ظاهرًا ليس فيه لبس؛ لأنه هنا لما ذكرهم حالهم الاجتماعية والدينية وهي حال ظاهرة لا تشكل عليهم جعل ذلك بيانًا فقال: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي: العلامات الدالة عليه على وحدانيته وربوبيته وسلطانه وعلمه وقدرته وغير ذلك مما تقتضيه تلك الآية؛ لأن كل آية من آيات الله تدل على معنى من معاني ربوبيته سبحانه وتعالى.
ثم قال: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (لعل) هنا للتعليل، لعل للتعليل أي: لأجل أن تهتدوا، والهداية هنا شاملة لهداية التوفيق، وهداية الإرشاد والدلالة أي: تهتدوا اهتداء علميًّا، وتهتدوا اهتداء عمليًّا، الاهتداء العلمي هو هداية الإرشاد والدلالة، والاهتداء العملي هداية التوفيق؛ لأن الإنسان بفطرته كلما تَبَيَّن له شيء من آيات الله ازداد إيمانًا ويقينًا وعملًا.
ذكرنا أن (لعل) للتعليل، وهي كثيرة في القرآن بهذا المعنى، وتأتي للرجاء وتأتي للإشفاق، الرجاء ضد الإشفاق، الإشفاق الخوف، والرجاء الأمل، فإذا قلت لشخص: استغفر الله، لعل الله أن يغفر لك، هذا رجاء، وإذا قلت: لا تمش في هذا الطريق فلعلك تهلك، هذا إشفاق، والتعليل أيضًا معروف من السياق.
* في هاتين الآيتين من الفوائد فوائد كثيرة:
* أولًا: وجوب تقوى الله حق تقاته، بالأمر بذلك في قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾.
* ثانيًا: العناية والاهتمام بالتقوى، من أين يؤخذ؟ من تصديره بالنداء، تصدير هذا الأمر بالنداء.
* الثالث: أن التقوى من مقتضيات الإيمان، لتوجيه النداء إلى المؤمنين.
* ومن فوائدها أيضًا: أن ترك التقوى من نواقص الإيمان؛ لأنه إذا نودي الإنسان بوصف فإنه يزداد وصفه هذا بحسب زيادته فيما وُجِّه إليه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب البقاء على الإسلام والمبادرة به؛ لقوله: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
* ومن فوائدها: أن المدار على الخاتمة -نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة- المدار على الخاتمة؛ لقوله: ﴿لَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ومصداق ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمْلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعُ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦٥٩٤)، ومسلم (٢٦٤٣ / ١).]] لكن الأول ورد فيه قيد -والحمد لله- يريح البال ويزيل الخوف: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٨٩٨)، ومسلم (١١٢ / ١٧٩) من حديث سهل بن سعد. ]] ورد هذا الحديث في قصة الرجل الذي كان مع النبي عليه الصلاة والسلام في غزاة وكان شجاعًا مقدامًا لا يدع شاذة ولا فاذة، فقال النبي ﷺ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» -نسأل الله العافية- فعظم ذلك على الصحابة وشق عليهم، كيف يكون هذا الرجل من أهل النار وهو بهذه المثابة في جهاده، فقال رجل: والله لألزمنه، لألزمنه -يعني لأصاحبنه- حتى أنظر ما عاقبته. فذهب الرجل فأصابه سهم، أصاب هذا الرجل الشجاع سهمٌ فجزع فأخذ سيفه واتكأ عليه حتى خرج من ظهره -أعوذ بالله- جعله هكذا في صدره حتى خرج من ظهره ومات، فلما أصبح الرجل غدا إلى رسول ﷺ قال: أشهد أنك رسول الله، قال: «» وَبِمَ؟»، قال: إن الرجل الذي قلت: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فعل كيت وكيت، ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٨٩٨)، ومسلم (١١٢ / ١٧٩) من حديث سهل بن سعد. ]] يعني يكون في قلبه -نسأل الله العافية- يكون في قلبه سر خبيث يطيح به في مواضع الشدة والضيق يعني أنه تخونه سريرته عند الموت؛ لأن قلبه فيه شيء. ولهذا يجب عليَّ وعليكم أن نطهِّر قلوبنا دائمًا وأبدًا نغسلها، ليس العبرة أن يقوم الإنسان يصلي أو أن يصوم إذا كان قلبه خَرِبًا؛ لأن كل إنسان يستطيع أن يصلي أحسن صلاة ولَّا لا؟ لأنه عمل جوارح، كل إنسان يستطيع أن يصلح عمل الجوارح، لكن الكلام على عمل القلب. أسأل الله أن يطهر قلوبنا جميعًا، احرصوا -بارك الله فيكم- على ملاحظة القلوب وإصلاحها وإخراج النفاق منها، وإخراج الشك وإبعاده، وإخراج الحسد والغل والحقد على المسلمين؛ لأن كل هذه من خصال اليهود، أحسد الناس وأشدهم غِلًّا اليهود، ترضى أن يكون في قلبك خُلُقٌ من أخلاق اليهود؟ لا أحد يرضى بهذا، الحسد من أخلاق اليهود، هل ترضى بذلك ما ترضى، النفاق من أخلاق المنافقين ما أحد يرضى بذلك أن يكون منافقًا، فالمهم احرصوا حرصًا شديدًا على إصلاح القلوب.
لما جيء برجل كان يشرب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ويكرِّر شرب الخمر فدعا عليه رجل من الصحابة سبَّه، وقال: ما أكثر ما يُؤْتَى به إلى رسول الله ﷺ ليعاقبه على شرب الخمر، فقال: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَه؟»[[أخرجه البخاري (٦٧٨٠). ]] سبحان الله، شوف طهارة قلبه نفسه الأمارة بالسوء تَحْدُوه إلى أن يشرب الخمر، لكن قلبه مملوء بمحبة الله ورسوله، فالمدار كله على القلب، ولذلك يجب علينا أن نحرص حرصًا كثيرًا على صلاح القلب؛ لأن هذا يوجب حسن الخاتمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الإسلام يدخل فيه الإيمان عند الإطلاق وهو كذلك، والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام: «وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمانِ»[[أخرجه أبو داود (٣٢٠١)، والترمذي (١٠٢٤) واللفظ له من حديث أبي هريرة.]] فالإسلام عند الإطلاق يدخل فيه الإيمان، وأما عند الجمع فالإسلام عمل الجوارح والإيمان عمل القلب، كما قال بعض السلف: الإيمان سرٌّ والإسلام علانية.
فإن قال قائل: ما تقولون في قوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات ٣٥، ٣٦] فهذا ظاهره أن الإيمان والإسلام شيء واحد مع أنهما ذكرا جميعًا في موضع واحد؟ فالجواب أن يقال: البيت لم يُخْرج كله، إنما الذي خرج المؤمنون من أهل البيت، والقصة في لوط، امرأته كافرة لم يخرج بها، لكنها في البيت مسلمة لم تُظْهِر أنها كافرة، والدليل على أنها لم تظهر أنها كافرة أن الله تعالى قال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم ١٠] فهي لم تُظْهِر أنها كافرة، فالبيت بيت إسلام؛ ولهذا قال: ﴿غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ لكن الإيمان ليس لأهل البيت كلهم؛ ولهذا بقيت الزوجة وخرج الأهل.
فالقاعدة على كل حال الآن القاعدة الصحيحة أن الإسلام والإيمان يكونان مترادفين، ويكونان متباينين، متى يكونان مترادفين؟ إذا افترقا، ويكونان متباينين إذا اجتمعا.
﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات ١٤] وهذا واضح على أن هناك فرقًا بين الإيمان والإسلام.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الاجتماع على شرع الله؛ لقوله: ﴿جَمِيعًا﴾.
* ومن فوائدها: وجوب التحاكم إلى شرع الله؛ لأن الاعتصام به يقتضي أن يكون هو المُحَكَّم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الاجتماع عصمة؛ لقوله: ﴿اعْتَصِمُوا﴾ فاجتماع الأمة الإسلامية عصمة لها داخليًّا وعصمة لها خارجيًّا، أما خارجيًّا فإن الأمة الإسلامية إذا اجتمعت هابها الأعداء، ورأوا أنها أمامهم كالجبال الصُّمِّ التي لا يستطيعون لها صعودًا، وإذا تفرقت تمزقت فدخل الأعداء، أيضًا عصمة داخليَّة؛ لأنهم إذا اجتمعوا على شرع الله تآمروا بالمعروف وتناهَوا عن المنكر ودعوا إلى الخير وصاروا أمة واحدة، كل إنسان يخشى الله في أخيه لا يعتدي عليه لا على ماله ولا على عِرْضِه ولا على دمه، لماذا؟ لأنهم أمة واحدة جميع، ففي الاجتماع عِصْمة في الداخل وعصمة في الخارج.
* ومن فوائدها: تحريم التفرُّق، ولكن ما معنى التفرق هنا؟ التفرق في الأقوال أو في الأبدان أو في القلوب؟ في القلوب، المدار على التفرُّق في القلوب، في الأبدان ضروري سيتفرق الناس كل ينام في بيته، في الأقوال أيضًا يتفرقون، وما أكثر الخلاف بين أهل العلم قديمًا وحديثًا في المسائل العلمية، لكن في القلوب هو الذي يجب على المسلمين أن يُبْعِدوا التفرق بينهم في القلوب؛ لأنه هو اللي عليه المدار؛ ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ»[[أخرجه أبو داود (٦٦٤)، والنسائي (٨١١) من حديث البراء بن عازب. ]].فالمدار على القلوب، في هذه الآية دليل على تحريم التفرق في القلوب، حتى لو تفرقت الأبدان أو تفرقت الأقوال فالواجب أن القلوب لا، أيش؟ لا تتفرق، وما أكثر ما نعرض عليكم اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الاجتهاد المؤدِّي إلى التفرق في الأقوال، لكن القلوب واحدة، القلوب واحدة ما تتفرق ولا يكره بعضهم بعضًا إذا خالفه في الرأي. بل إني أقول لكم كما قلت سابقا: إنه ينبغي للإنسان العاقل أنه إذا خالفه أخوه في رأيه بمقتضى الدليل عنده أن يكون ذلك أدعى إلى قوة المحبة له، لماذا؟ لأنه خالفه للدليل، والثاني أيضًا خالفه للدليل فكان ينبغي عليه أن تكون محبته أقوى؛ لأن الرجل لم يُحابِني في ذات الله، وإنما قدَّم محبة الله، وأنا حينما أخالفه تقديمًا لأيش؟ لمحبة الله عز وجل. فالإنسان العاقل المؤمن هو الذي لا يزيد مخالفة أخيه له في الرأي المخالفة المبنية على الاجتهاد إلا محبَّة له وتمسكًا به خلافًا لما يفعل بعض الناس الآن، ومع الأسف أنهم طلبة علم، إذا خالفه أخوه في الرأي مع أنه لا يُعْلَم الصواب عنده أو عند أخيه أبغضه وكرهه وهجره، وربما يلاقيه فاسق فيسلِّم عليه، ويلاقيه أخوه الذي خالفه في الرأي ولا يسلم عليه، وما ذاك إلا من الشيطان، الشيطان هو الذي يريد أن يوقع العداوة بين المسلمين ولا سيما بين طلبة العلم حتى يَنْبُذ بعضهم بعضًا؛ لأن الشيطان يعلم أن الشريعة ما تقوم إلا بالعلم وبالعلماء، فإذا تنابذوا فيما بينهم وتقاطعوا فيما بينهم وصار بعضهم يكره بعضًا حينئذ على الشريعة السلام أو نقول: انهدمت الشريعة؟ الثاني، إذا قلنا عليه السلام معناه سلمت، وهي لم تسلم، لكن الناس يقولون عليها: السلام كناية عن التوديع والذهاب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب تذكِّر نعمة الله، وهذه مسألة مهمة؛ لأن الغفلة عن تذكِّر النعمة يستلزم الغفلة عن الشكر، والشكر واجب ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة ١٥٢] فالغفلة عن تذكِّر النعمة موجب أو مستلزم للغفلة عن الشكر، بحيث إن الإنسان لا يعترف بنعمة الله، يجب أن تتذكر نعمة الله عليك في كل شيء، في الأمور الدينية، في الأمور الدنيوية، المالية والجاهية والخلقية والأهل، كل شيء، مثلًا اذكر نعمة الله عليك بالعلم؛ لأنك تعرف أن في الناس من هو جاهل، لا تقل: والله، إنعام الله على شيخ الإسلام ابن تيمية أكبر من نعمته عليَّ، لا، قل: نعمة الله عليَّ أكبر من نعمته على من هو دوني في العلم.
اذكر نعمة الله عليك في الصحة فإن من الناس، بل إن كثيرًا من الناس يئن من المرض، وأنت في صحة، اذكر هذه النعمة، حتى لو فيك مثلًا مرضٌ في عضو من أعضائك أو عيب في عضو من أعضائك فاذكر من هو أشد، من هو مريض بعضوين ومَعِيب بعَيْبَيْن وهكذا. أيضًا اذكر نعمة الله عليك بالدين، إذا أنعم الله عليك بالدين، وهذا أكبر نعمة؛ لأنه هو الربح في الدنيا والآخرة، اذكر نعمة الله عليك بالدين في مقابلة من؟ الكفار، هذا في أصل الإيمان، ثم اذكر نعمة الله عليك بالثبات على الإسلام وتطبيق أحكام الإسلام؛ حيث إنه يوجد من هو مسلم، ولكن مخالف عاص عنده فسوق، إذن ذكر نعمة الله عليه علينا واجب حتى نعرفَ قدر نعمة الله ونشكر ربنا سبحانه وتعالى على نعمه التي حُرِمَ منها كثير من الناس.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من أكبر نعمة الله على الأمة أن يُؤَلِّف بين قلوبهم؛ لقوله: ﴿نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾ ولا شك أن هذا من أكبر النعمة أن يؤلف الله بين القلوب ويجمع بينها؛ لأن إذا تفرقت القلوب فسد كل شيء، فتأليف القلوب من أكبر نعمة الله سبحانه وتعالى على الأمة، ومن تحتها القبيلة، ومن تحتها الفخذ ومن تحتها الأخوة، فإذا ألف الله تعالى بين القلوب ابدأ من الأولاد والآباء إلى ما شاء الله، فهذه من أكبر النعم، أما إذا تعادت القلوب فبئس المجتمع مجتمع تعادت قلوبه وتنافرت، وقد ذكَّر الله سبحانه وتعالى نبيه ﷺ بهذه النعمة فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ [الأنفال ٦٢، ٦٣] لو كل اللي في الأرض تنفقه من ذهب وفضة وثمار وزروع ومواشي وغيرها لو أنفقته عليهم ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم، إذن نقول: إن من أكبر نعم الله على الأمة التأليف بين القلوب.
* ومن فوائد هذه الآية: أن نتيجة التأليف أن يصبح الناس إخوانًا، أن يصبحوا إخوانًا كالأخ مع أخيه تماما، بل قلت لكم: إن الروابط الدينية أقوى من الروابط النَّسَبِيَّة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنك إذا رأيت الناس متفرقين فإن هذا عنوان على شقائهم، وأن النعمة سُلِبَت منهم، صح؟ لأنه قال: ﴿أَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ فإذا لم تتحقق الأخوة والتأليف بين القلوب فإن ذلك دليل على أن النعمة سُلِبَت منهم، النعمة في هذا الأمر سلبت منهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: منة الله سبحانه وتعالى على الصحابة بالذات حيث ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداء فأصبحوا إخوانًا رضي الله عنهم، وهم الذين طبقوا مقتضى الأخوة الحقيقية الصادقة التي بُنِيَت على الإيمان، بنيت على الإيمان لا الأخوة المبْنيِّة على القومية أو الوطنية، الأخوة المبنية على القومية أو الوطنية هذه أخوة فاشلة باطلة، ولا أدل على فشلها مما عليه العرب اليوم حيث كانوا يعتزون بماذا؟ بالقومية العربية ومع ذلك فشلوا، فشلوا فشلًا ذريعًا، وكذلك الوطنية، اعتزاز الإنسان بوطنيته فَشَل، لا يمكن أن يكون هناك أُخُوَّة إلا بأيش؟ بالإيمان والإسلام. الأنصار من الأوس والخزرج والعرب طائفة أخرى مقابلة، هؤلاء قحطانيون وهؤلاء عدنانيون ومع ذلك اجتمعوا على قلب واحد، بل جاءهم أناس من غيرهم جاء صُهَيْبٌ من الروم، وسلمان من فارس، وبلال من الحبشة وصاروا إخوانًا، صاروا إخوانًا لهؤلاء، فإذن نقول: إن الأُخُوَّة الحقيقة هي أخوة الإيمان، ولن يقوم للعرب قائمةٌ حتى يرجعوا إلى الأخوة الإيمانية، وإلا فهم فاشلون مهما كان، ولا يمكن أن يَسْعَدوا بظَفَر أو نصر ما دام هذا هتافهم بالقومية وما أشبهها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مِنَّةُ الله سبحانه وتعالى على أهل الخِطَابِ الذين خُوطِبُوا بهذه الآيات؛ حيث كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها، يعني أن الله بعث فيهم محمدًا ﷺ فاهتدوا به قبل أن يموتوا، وإذا كان هذا نعمة على هؤلاء فهو أيضًا نعمة على من بعدهم إلى يوم القيمة، فأكبر نعمة ينعم الله بها على الإنسان أن ينقذه من النار.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات العقوبة بالنار؛ لقوله: ﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى خالق لعمل العبد، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿فَأَنْقَذَكُمْ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿فَأَنْقَذَكُمْ﴾؛ لأن الله أنقذهم بعملهم فأضاف هذا الإنقاذ المبني على العمل إلى نفسه، وهو كذلك وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خالق العبد وخالق عمل العبد، فالعبد ليس مستقلًا، بل هو مخلوق في ذاته وفي إرادته وفي عمله ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات ٩٦] أي: وعملكم على قول أو والذي تعملونه على قول آخر، وإذا خلق المعمول فهو خالق للعمل؛ لأن المعمول نتيجة العمل، فالآية دالة على أن الله خالق لأعمال العباد سواء جعلت ما مصدرية أو موصولة.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، بهذا يتبين مسؤولية طلبة العلم والمشايخ خصوصًا بتأصيل هذه القاعدة بأن الأُخُوَّة الأصل فيها أخوة الدين، وليست أخوة القومية ولا الشعوبية إلى آخره، لكن مع الأسف الشديد يا شيخ، الآن في الآونة يعني في الوقت الحاضر خصوصًا بأن الظروف السياسية هي التي تفرض هذه القواعد الآن، فنجد الآن التباغض يا شيخ وصل أقصاه بين شعوب المنطقة بسبب أن تجد الكويتي يكره الفلسطيني الآن، أو السعودي يكره اليمني يكره السوداني، وكيف هذه (...)؟
* الشيخ: الواجب -بارك الله فيكم- هذه المسألة تحتاج إلى وقت طويل، لكن نذكر منها ما شاء الله، الواجب أن لا تتعلق الشعوب بالحكام، الحكام أناس يحرصون على كراسيهم وأن لا تؤتى، فالشعوب يجب أن يسيروا على منهج الله سواء سار عليه الحكام أم لم يسيروا، ولا يجوز أبدًا أن نَتْبَع السياسة؛ لأن السياسة تكفر شخصًا اليوم وتجعله من أقوى الناس إيمانًا في يوم آخر أو بالعكس، بل أبلغ من ذلك أنا أذكر أن دولة من الدول كان إذا ثبت الهلال في دولة أخرى حكمت بدخول الشهر بناء على رؤية الدولة هذه، فلما ساءت العلاقات قالوا: ما يمكن، لكل بلد رؤيته، هؤلاء لو يعطوننا القمر بأيدينا ما قبلنا، هذا لا يجوز، أنا أرى أن الشعوب يجب أن تسير على منهج الله سواء سارت الحكام أم لم يسيروا وما لنا وللسياسة، ولا بد في يوم من الأيام سيكون الحق إن شاء الله هو السائد، وستذهب هذه العنصرية بين الساسة الذين ليس لهم همّ في أكثر ساسة العرب اليوم إلا أن يحافظوا على مناصبهم، ولذلك تجدهم يُعلون أشياء هم منها بريؤون، ولكن بس يريدون بها الدعاية، وإلا فهم أبعد الناس عن تحقيق ما يقولونه، بل ربما صرَّحوا تصريحا بينًا بأنهم لا يريدون هذا الذي يدَّعونه اليوم، كل ذلك من أجل كسب الغوغاء، كما أن على الناس أيضًا أن لا ينصاعوا وراء الشعارات والدعايات والعواطف، ينظروا بعين العقل لا بعين البصر؛ لأن بعض الناس عنده بصر ولا عنده بصيرة، عنده سمع وليس عنده عقل. فالواجب ألَّا تنظر بعين البصر، بل بعين البصيرة ولا تنظر بسمع الأذن، بل بسمع العقل، وإلا فإن السياسة سوف تجتاحك ولا تدري، كل يوم يكون لك رأي كل يوم يكون لك متبوع، فأنا أرى أن الشعوب يجب أن يكونوا كما هم، مسلمون إخوة سواء كانوا من السعوديين أو اليمنيين أو العراقيين أو الشاميين أو الفلسطينيين أو المصريين أو السودانيين أو من أي شعب حتى لو يجينا واحد من أمريكا وهو مسلم فهو أخونا؛ لأن الرابطة التي يجب أن تكون بين الشعوب هي الإسلام هذه هي الرابطة، أما أهواء حكامهم فهذه إليهم ما علينا منها، يمشون ونحن نمشي في خط معاكس إذا كانوا ليسوا على شريعة الله.
* طالب: شيخ بارك الله فيك، الرجل الذي كان يؤتى للنبي ﷺ وكان يشرب الخمر فقال النبي ﷺ: في الحديث «إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَه»[[أخرجه البخاري (٦٧٨٠). ]] فمحبة الله عز وجل ورسوله تستدعي أن الإنسان يبتعد عن هذه المعاصي فكيف التوفيق؟
* الشيخ: لا، التوفيق بسيط؛ لأن المحبة قد يكون معها قوة الدافع ينساها الإنسان، ولعل هذا قد اعتاد الخمر اعتيادًا لم يتمكن من الإقلاع عنه في أول؛ الأمر لأن مراتب تحريمها كما هو معروف أربع مراتب: التحليل ثم التعريض ثم التحريم أوقات الصلاة ثم التحريم المطلق.
* طالب: شيخ، ما رأيك في بعض الشباب يكون في أول حياته مرتكبًا لبعض المعاصي ويكون في جاهليته، ثم بعد أن مَنَّ الله عليهم بالإسلام يجلس في مجالس فيتذكر هذه الأيام التي عصى الله فيها حتى تكون له فيها عبرة، وحتى يعتبر الآخرون؟
* الشيخ: يعني يذكرها للناس؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: لا لا، أبدًا ما يجوز.
* الطالب: لا، يعني يذكر قصة توبته؟
* الشيخ: لا، توبته لا أدري، لكن على كل حال المعاصي التي ذكرها لا يقولها، إن أراد أن يذكرها كقصة، رجل كان يفعل كذا وكان يفعل كذا ومن الله عليه بالهداية، هذا طيب أما أن يذكرها كحديث حاصل له، هذا هَتْكُ لستر الله عليه.
* * *
* طالب: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران ١٠٤، ١٠٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله عز وجل: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
قال الله عز وجل: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
* من فوائد هذه الآية: أن الله عز وجل بَيَّن لنا الآيات الكونية والشرعية، وجه هذا أن آيات جمع مضاف، والجمع المضاف يفيد العموم، وبيان آياته الكونية ظاهرة: الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار والأنهار وغير ذلك، والشرعية كذلك ظاهرة لمن فتح الله عليه معرفة ما أنزل الله على رسله عز وجل، ثم الآيات الكونية بيانُها ليس مجرد أن تعرف أن هذه الآية لا يقدر على خلقها وتصريفها إلا الله فقط، لكن أن تستدل بالسُّنن الماضية على السنن الحاضرة، مثلًا: إهلاك الله الأمم السابقين نستدل به على أن سنة الله في الخلق واحدة، فالذي أهلك الأمم السابقة بذنوبهم يُهلك هذه الأمة أيضًا بذنوبهم، كما قال الله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ [محمد ١٠].
* ومن فوائد هذه الآية: الرد على أهل البدع الذين حرَّفوا نصوص الكتاب والسنة إلى معان لا يدل عليه ظاهرها، ووجه ذلك أننا إذا قلنا: إن المراد بهذه الآيات والأحاديث خلاف الظاهر بدون بيان من الله ورسوله صارت هذه الآيات مُبِّيَنة أو مُبْهِمة؟
* الطلبة: مبهمة.
* الشيخ: أنتم تقولون هذا؛ لأنه الذي أنا أريد أو قد تَبَيَّن لكم تمامًا؟
* الطلبة: تبين.
* الشيخ: يعني مثلًا إذا قالوا: المراد باستواء الله على عرشه استيلاؤه عليه بدون بيان من الله ورسوله، نقول: كون الله يعبر باستوى على العرش بدل استولى هذا بيان ولَّا إيهام؟ هذا إيهام، إذا قالوا: المراد باليد النعمة والقوة، قلنا: سبحان الله، كيف يعبر الله باليد عن النعمة والقوة وهو يريد النعمة والقوة بدون بيان، ما هذا إلا إيهام، فالمهم أنه على طريقة ومنهاج أهل البدع وغيرهم أيضًا ممن يحرفون الكلم عن مواضعه بدون بيان من الله ورسوله يكون القرآن ليس هدى ولا بيانًا للناس، وكذلك السُّنَّة وهو خلاف هذه الآية وغيرها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: محبة الله عز وجل هداية الخلق؛ لأنه يُبَيِّن ليهتدي الناس، إذن فهو يحب من العباد أن يهتدوا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات العلل في أفعال الله، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ لأن لعل للتعليل، والحكمة من مقتضى كمال الله عز وجل؛ لأنه لولا الحكمة لكانت أحكامه عبثًا، الأحكام الكونية والشرعية كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الدخان ٣٨، ٣٩]، إذن فإنكار الحكمة طعن عظيم في الله عز وجل، والذين يقولون: إن الله ليس له حكمة -والعياذ بالله- وإنما فعله وأمره لمجرد المشيئة، شاء أن يكون هذا فكان، شاء أن يأمر بهذا فأمر، شاء أن ينهى عن هذا فنهى، هؤلاء طعنوا في الله أيما طعن، لأنه أصبح فعله مجردًا عن الحكمة، وإذا تجرَّد عن الحكمة ما بقي إلا أن يكون سفهًا، والله عز وجل مُنَزَّهٌ عن ذلك.
{"ayahs_start":102,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ","وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ فَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَ ٰنࣰا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ"],"ayah":"وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ فَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَ ٰنࣰا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق