الباحث القرآني
فالذي حق عليه العذاب هو الذي لا يسجد له سبحانه وهو الذي أهانه بترك السجود له، وأخبر أنه لا مكرم له، وقد هان على ربه حيث لم يسجد له.
* (لطيفة)
خَصَّ بِالسُّجُودِ هُنا كَثِيرًا مِنَ النّاسِ، وعَمَّهم بِالسُّجُودِ في سُورَةِ النَّحْلِ ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ مِن دابَّةٍ والمَلائِكَةُ﴾ [النحل: ٤٩] وهو سُجُودُ الذُّلِّ والقَهْرِ والخُضُوعِ، فَكُلُّ أحَدٍ خاضِعٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ، ذَلِيلٌ لِعِزَّتِهِ، مَقْهُورٌ تَحْتَ سُلْطانِهِ تَعالى.
* (فائدة)
المَعْصِيَةَ سَبَبٌ لِهَوانِ العَبْدِ عَلى رَبِّهِ وسُقُوطِهِ مِن عَيْنِهِ.
قالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: هانُوا عَلَيْهِ فَعَصَوْهُ، ولَوْ عَزُّوا عَلَيْهِ لَعَصَمَهُمْ، وإذا هانَ العَبْدُ عَلى اللَّهِ لَمْ يُكْرِمْهُ أحَدٌ، كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُكْرِمٍ﴾
وَإنْ عَظَّمَهُمُ النّاسُ في الظّاهِرِ لِحاجَتِهِمْ إلَيْهِمْ أوْ خَوْفًا مِن شَرِّهِمْ، فَهم في قُلُوبِهِمْ أحْقَرُ شَيْءٍ وأهْوَنُهُ.
* [فَصْلٌ: المَعاصِي تُضْعِفُ في القَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ]
وَمِن عُقُوباتِ الذُّنُوبِ: أنَّها تُضْعِفُ في القَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ جَلَّ جَلالُهُ، وتُضْعِفُ وقارَهُ في قَلْبِ العَبْدِ ولا بُدَّ، شاءَ أمْ أبى، ولَوْ تَمَكَّنَ وقارُ اللَّهِ وعَظَمَتُهُ في قَلْبِ العَبْدِ لَما تَجَرَّأ عَلى مَعاصِيهِ، ورُبَّما اغْتَرَّ المُغْتَرُّ، وقالَ: إنَّما يَحْمِلُنِي عَلى المَعاصِي حُسْنُ الرَّجاءِ، وطَمَعِي في عَفْوِهِ، لا ضَعْفُ عَظْمَتِهِ في قَلْبِي، وهَذا مِن مُغالَطَةِ النَّفْسِ؛ فَإنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعالى وجَلالَهُ في قَلْبِ العَبْدِ تَقْتَضِي تَعْظِيمَ حُرُماتِهِ، وتَعْظِيمُ حُرُماتِهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الذُّنُوبِ، والمُتَجَرِّئُونَ عَلى مَعاصِيهِ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وكَيْفَ يَقْدِرُهُ حَقَّ قَدْرِهِ، أوْ يُعَظِّمُهُ ويُكَبِّرُهُ، ويَرْجُو وقارَهُ ويُجِلُّهُ، مَن يَهُونُ عَلَيْهِ أمْرُهُ ونَهْيُهُ؟ هَذا مِن أمْحَلِ المُحالِ، وأبَيْنِ الباطِلِ، وكَفى بِالعاصِي عُقُوبَةً أنْ يَضْمَحِلَّ مِن قَلْبِهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ جَلَّ جَلالُهُ، وتَعْظِيمُ حُرُماتِهِ، ويَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّهُ.
وَمِن بَعْضِ عُقُوبَةِ هَذا: أنْ يَرْفَعَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مَهابَتَهُ مِن قُلُوبِ الخَلْقِ، ويَهُونُ عَلَيْهِمْ، ويَسْتَخِفُّونَ بِهِ، كَما هانَ عَلَيْهِ أمْرُهُ واسْتَخَفَّ بِهِ، فَعَلى قَدْرِ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِلَّهِ يُحِبُّهُ النّاسُ، وعَلى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ يَخافُهُ الخَلْقُ، وعَلى قَدْرِ تَعْظِيمِهِ لِلَّهِ وحُرُماتِهِ يُعَظِّمُهُ النّاسُ، وكَيْفَ يَنْتَهِكُ عَبْدٌ حُرُماتِ اللَّهِ، ويَطْمَعُ أنْ لا يَنْتَهِكَ النّاسُ حُرُماتِهِ أمْ كَيْفَ يَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ ولا يُهَوِّنُهُ اللَّهُ عَلى النّاسِ؟ أمْ كَيْفَ يَسْتَخِفُّ بِمَعاصِي اللَّهِ ولا يَسْتَخِفُّ بِهِ الخَلْقُ؟ وقَدْ أشارَ سُبْحانَهُ إلى هَذا في كِتابِهِ عِنْدَ ذِكْرِ عُقُوباتِ الذُّنُوبِ، وأنَّهُ أرْكَسَ أرْبابَها بِما كَسَبُوا، وغَطّى عَلى قُلُوبِهِمْ، وطَبَعَ عَلَيْها بِذُنُوبِهِمْ، وأنَّهُ نَسِيَهم كَما نَسُوهُ، وأهانَهم كَما أهانُوا دِينَهُ، وضَيَّعَهم كَما ضَيَّعُوا أمْرَهُ، ولِهَذا قالَ تَعالى في آيَةِ سُجُودِ المَخْلُوقاتِ لَهُ: ﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُكْرِمٍ﴾
فَإنَّهم لَمّا هانَ عَلَيْهِمُ السُّجُودُ لَهُ واسْتَخَفُّوا بِهِ ولَمْ يَفْعَلُوهُ أهانَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهم مِن مُكْرِمٍ بَعْدَ أنْ أهانَهُمُ اللَّهُ، ومَن ذا يُكْرِمْ مَن أهانَهُ اللَّهُ؟ أوْ يُهِنْ مَن أكْرَمَهُ اللَّهُ؟
* [فَصْلٌ: المَعاصِي تُسْقِطُ الكَرامَةَ]
وَمِن عُقُوباتِها: سُقُوطُ الجاهِ والمَنزِلَةِ والكَرامَةِ عِنْدَ اللَّهِ وعِنْدَ خَلْقِهِ، فَإنَّ أكْرَمَ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أتْقاهُمْ، وأقْرَبَهم مِنهُ مَنزِلَةً أطْوَعُهم لَهُ، وعَلى قَدْرِ طاعَةِ العَبْدِ تَكُونُ لَهُ مَنزِلَتُهُ عِنْدَهُ، فَإذا عَصاهُ وخالَفَ أمْرَهُ سَقَطَ مِن عَيْنِهِ، فَأسْقَطَهُ مِن قُلُوبِ عِبادِهِ، وإذا لَمْ يَبْقَ لَهُ جاهٌ عِنْدَ الخَلْقِ وهانَ عَلَيْهِمْ عامَلُوهُ عَلى حَسْبِ ذَلِكَ، فَعاشَ بَيْنَهم أسْوَأ عَيْشٍ خامِلَ الذِّكْرِ، ساقِطَ القَدْرِ، زَرِيَّ الحالِ، لا حُرْمَةَ لَهُ ولا فَرَحَ لَهُ ولا سُرُورَ، فَإنَّ خُمُولَ الذِّكْرِ وسُقُوطَ القَدْرِ والجاهِ مَعَهُ كُلُّ غَمٍّ وهَمٍّ وحَزَنٍ، ولا سُرُورَ مَعَهُ ولا فَرَحَ، وأيْنَ هَذا الألَمُ مِن لَذَّةِ المَعْصِيَةِ لَوْلا سُكْرُ الشَّهْوَةِ؟
وَمِن أعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلى العَبْدِ: أنْ يَرْفَعَ لَهُ بَيْنَ العالَمِينَ ذِكْرَهُ، ويُعْلِي قَدْرَهُ، ولِهَذا خَصَّ أنْبِياءَهُ ورُسُلَهُ مِن ذَلِكَ بِما لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، كَما قالَ تَعالى: ﴿واذْكُرْ عِبادَنا إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي والأبْصارِ - إنّا أخْلَصْناهم بِخالِصَةٍ ذِكْرى الدّارِ﴾ [ص: ٤٥:-٤٦].
أيْ: خَصَصْناهم بِخِصِّيصَةٍ، وهو الذِّكْرُ الجَمِيلُ الَّذِي يُذْكَرُونَ بِهِ في هَذِهِ الدّارِ، وهو لِسانُ الصِّدْقِ الَّذِي سَألَهُ إبْراهِيمُ الخَلِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَيْثُ قالَ: ﴿واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ﴾ [الشعراء: ٨٤].
وَقالَ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْهُ وعَنْ بَنِيهِ: ﴿وَوَهَبْنا لَهم مِن رَحْمَتِنا وجَعَلْنا لَهم لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٠].
وَقالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤].
فَأتْباعُ الرُّسُلِ لَهم نَصِيبٌ مِن ذَلِكَ بِحَسَبِ مِيراثِهِمْ مِن طاعَتِهِمْ ومُتابَعَتِهِمْ، وكُلُّ مَن خالَفَهم فَإنَّهُ بَعِيدٌ مِن ذَلِكَ بِحَسَبِ مُخالَفَتِهِمْ ومَعْصِيَتِهِمْ.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یَسۡجُدُ لَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَاۤبُّ وَكَثِیرࣱ مِّنَ ٱلنَّاسِۖ وَكَثِیرٌ حَقَّ عَلَیۡهِ ٱلۡعَذَابُۗ وَمَن یُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ ۩"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق