الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ [[في ت: "سجد".]] لِعَظَمَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ طَوْعًا وَكَرْهًا وَسُجُودُ [كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا] [[زيادة من ف.]] يَخْتَصُّ بِهِ، كَمَا قَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا [[في ت: "يرى".]] إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ [النَّحْلِ: ٤٨] . وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي أَقْطَارِ السموات، وَالْحَيَوَانَاتِ فِي جَمِيعِ الْجِهَاتِ، مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٤٤] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ﴾ : إِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ عَلَى التَّنْصِيصِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عُبدت مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَبَيَّنَ أَنَّهَا تَسْجُدُ لِخَالِقِهَا، وَأَنَّهَا مَرْبُوبَةٌ مُسَخَّرَةٌ ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فُصِّلَتْ: ٣٧] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ ". قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، ثُمَّ تُسْتَأْمَرُ فَيُوشِكُ أَنْ يُقَالَ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ" [[صحيح البخاري برقم (٤٨٠٣) وصحيح مسلم برقم (١٥٩) .]] . وَفِي الْمُسْنَدِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ خَلْقان مِنْ خَلْق اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَجَلى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ [[في ف، أ: "خضع".]] لَهُ" [[المسند (٤/٢٦٧) وسنن أبي داود برقم (١١٧٧) وسنن النسائي (١٤١١٣) وسنن ابن ماجه برقم (١٢٦٢) .]] . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَا فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ وَلَا شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ، إِلَّا يَقَعُ لِلَّهِ سَاجِدًا حِينَ يَغِيبُ، ثُمَّ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ، فَيَأْخُذَ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَطْلَعِهِ. وَأَمَّا الْجِبَالُ وَالشَّجَرُ فَسُجُودُهُمَا بفَيء ظِلَالِهِمَا [[في ت: "فسجودها على ظلالها".]] عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ، كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فسجدتُ فسجَدَت الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فسمعتُها وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ، اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِيَ بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ. قَالَ ابْنُ عباس: فقرأ النَّبِيُّ [[في ت: "رسول الله".]] ﷺ سَجْدَةً ثُمَّ سَجَد، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يقولُ مثلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ [[سنن الترمذي برقم (٥٧٩) وسنن ابن ماجه برقم (١٠٥٣) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من هذا الوجه".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَالدَّوَابُّ﴾ أَيِ: الْحَيَوَانَاتُ كُلُّهَا. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ [[في ف، أ: "الحيوانات".]] مَنَابِرَ [[ورواه أبو داود في السنن برقم (٢٥٦٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] فَرُبَّ مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ [[في ف: "خيرا".]] وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْ رَاكِبِهَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ أَيْ: يَسْجُدُ لِلَّهِ طَوْعًا مُخْتَارًا مُتَعَبِّدًا بِذَلِكَ، ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾ أَيْ: مِمَّنِ امْتَنَعَ وَأَبَى وَاسْتَكْبَرَ، ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَدَّاحُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قِيلَ لَعَلِّيٍّ: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا يَتَكَلَّمُ فِي الْمَشِيئَةِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، خَلَقَكَ اللَّهُ كَمَا يَشَاءُ أَوْ كَمَا شِئْتَ [[في ت، ف: "لما يشاء أو لما شئت".]] ؟ قَالَ: بَلْ كَمَا شَاءَ. قَالَ: فَيُمَرِّضُكَ إِذَا شَاءَ أَوْ إِذَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلْ إِذَا شَاءَ. قَالَ: فَيَشْفِيكَ إِذَا شَاءَ أَوْ إِذَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلْ إِذَا شَاءَ. قَالَ: فَيُدْخِلُكَ حَيْثُ شِئْتَ أَوْ حَيْثُ يَشَاءُ؟ قَالَ: بَلْ حَيْثُ يَشَاءُ. قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ لضربتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ بِالسَّيْفِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ [[في ف: "فاعتزل".]] الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ. أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ، وأمِرتُ بِالسُّجُودِ فأبيتُ، فَلِيَ النَّارُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ [[صحيح مسلم برقم (٨١) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا مَشْرَح بْنُ هَاعَانَ [[في أ: "عاهان".]] أَبُو مُصعب الْمُعَافِرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عُقَبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ بِهِمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ، بِهِ [[المسند (٤/١٥١) وسنن أبي داود برقم (١٤٠٢) وسنن الترمذي برقم (٥٧٨) .]] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "لَيْسَ بِقَوِيٍّ [[في ف: "ليس هو بقوي".]] " وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ لَهِيعة قَدْ صَرح فِيهِ بِالسَّمَاعِ، وَأَكْثَرُ مَا نَقَموا عَلَيْهِ تدليسه. وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرح، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ جَشِب [[في ف، أ: "جيب".]] ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان؛ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فُضِّلت سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ". ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ أسندَ هَذَا، يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَصِحُّ [[المراسيل برقم (٧٨) .]] . وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَنَانٍ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، حَدَّثَنِي أَبُو الْجَهْمِ: أَنَّ عُمَرَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ [[ورواه البيهقي في السنن الكبرى (٢/٣١٧) من طريق نافع عن رجل من أهل مصر أنه صلى مع عمر بن الخطاب فذكر مثله.]] . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ العُتَقيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنَين، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي المُفَصّل، وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ [[سنن أبي داود برقم (١٤٠١) وسنن ابن ماجه برقم (١٠٥٧) .]] . فَهَذِهِ [[في ف: "فهو".]] شَوَاهِدُ يَشُدّ بَعْضُهَا بَعْضًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب