الباحث القرآني
أخْبَرَ أنَّ مَن أحَبَّ مَن دُونِ اللَّهِ شَيْئًا، كَما يُحِبُّ اللَّهُ تَعالى: فَهو مِمَّنِ اتَّخَذَ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا، فَهَذا نِدٌّ في المَحَبَّةِ، لا في الخَلْقِ والرُّبُوبِيَّةِ. فَإنَّ أحَدًا مِن أهْلِ الأرْضِ لَمْ يُثْبِتْ هَذا النِّدَّ في الرُّبُوبِيَّةِ، بِخِلافِ نِدِّ المَحَبَّةِ. فَإنَّ أكْثَرَ أهْلِ الأرْضِ قَدِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا في الحُبِّ والتَّعْظِيمِ.
ثُمَّ قالَ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥]
وَفِي تَقْدِيرِ الآيَةِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: والَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِن أصْحابِ الأنْدادِ لِأنْدادِهِمْ وآلِهَتِهِمُ الَّتِي يُحِبُّونَها، ويُعَظِّمُونَها مِن دُونِ اللَّهِ.
والثّانِي: والَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ مِن مَحَبَّةِ المُشْرِكِينَ بِالأنْدادِ لِلَّهِ. فَإنَّ مَحَبَّةَ المُؤْمِنِينَ خالِصَةٌ، ومَحَبَّةَ أصْحابِ الأنْدادِ قَدْ ذَهَبَتْ أنْدادُهم بِقِسْطٍ مِنها. والمَحَبَّةُ الخالِصَةُ: أشَدُّ مِنَ المُشْتَرَكَةِ.
والقَوْلانِ مُرَتَّبانِ عَلى القَوْلَيْنِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥] فَإنَّ فِيها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: يُحِبُّونَهم كَما يُحِبُّونَ اللَّهَ. فَيَكُونُ قَدْ أثْبَتَ لَهم مَحَبَّةَ اللَّهِ. ولَكِنَّها مَحَبَّةٌ يُشْرِكُونَ فِيها مَعَ اللَّهِ أنْدادًا.
والثّانِي: أنَّ المَعْنى يُحِبُّونَ أنْدادَهم كَما يُحِبُّ المُؤْمِنُونَ اللَّهَ. ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ مَحَبَّةَ المُؤْمِنِينَ لِلَّهِ أشَدُّ مِن مَحَبَّةِ أصْحابِ الأنْدادِ لِأنْدادِهِمْ.
وَكانَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرَجِّحُ القَوْلَ الأوَّلَ، ويَقُولُ: إنَّما ذُمُّوا بِأنْ أشْرَكُوا بَيْنَ اللَّهِ وبَيْنَ أنْدادِهِمْ في المَحَبَّةِ. ولَمْ يُخْلِصُوها لِلَّهِ كَمَحَبَّةِ المُؤْمِنِينَ لَهُ.
وَهَذِهِ التَّسْوِيَةُ المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنْهم. وهم في النّارِ يَقُولُونَ لِآلِهَتِهِمْ وأنْدادِهِمْ، وهي مُحْضَرَةٌ مَعَهم في العَذابِ ﴿تاللَّهِ إنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ - إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٧-٩٨]
وَمَعْلُومٌ أنَّهم لَمْ يُسَوُّوهم بِرَبِّ العالَمِينَ في الخَلْقِ والرُّبُوبِيَّةِ. وإنَّما سَوَّوْهم بِهِ في المَحَبَّةِ والتَّعْظِيمِ.
وَهَذا أيْضًا هو العَدْلُ المَذْكُورُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١]
أيْ يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ في العِبادَةِ الَّتِي هي المَحَبَّةُ والتَّعْظِيمُ. وهَذا أصَحُّ القَوْلَيْنِ.
وقال ابن القيم في موضع آخر:
وَمَعْلُومٌ أنَّهم ما سَوَّوْهم بِهِ سُبْحانَهُ في الخَلْقِ، والرِّزْقِ، والإماتَةِ، والإحْياءِ، والمُلْكِ، والقُدْرَةِ، وإنَّما سَوَّوْهم بِهِ في الحُبِّ، والتَّألُّهِ، والخُضُوعِ لَهم والتَّذَلُّلِ، وهَذا غايَةُ الجَهْلِ والظُّلْمِ، فَكَيْفَ يُسَوى التُّرابُ بِرَبِّ الأرْبابِ، وكَيْفَ يُسَوى العَبِيدُ بِمالِكِ الرِّقابِ، وكَيْفَ يُسَوى الفَقِيرُ بِالذّاتِ الضَّعِيفُ بِالذّاتِ العاجِزُ بِالذّاتِ المُحْتاجُ بِالذّاتِ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِن ذاتِهِ إلّا العَدَمُ، بِالغَنِيِّ بِالذّاتِ، القادِرِ بِالذّاتِ، الَّذِي غِناهُ، وقُدْرَتُهُ ومُلْكُهُ وجُودُهُ، وإحْسانُهُ، وعِلْمُهُ، ورَحْمَتُهُ، وكَمالُهُ المُطْلَقُ التّامُّ مِن لَوازِمِ ذاتِهِ؟
فَأيُّ ظُلْمٍ أقْبَحُ مِن هَذا؟ وأيُّ حُكْمٍ أشَدُّ جَوْرًا مِنهُ؟ حَيْثُ عَدَلَ مَن لا عِدْلَ لَهُ بِخَلْقِهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ - ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١].
فَعَدَلَ المُشْرِكُ مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ، بِمَن لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ولا لِغَيْرِهِ مِثْقالَ ذَرَّةٍ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ، فَيا لَكَ مِن عَدْلٍ تَضَمَّنَ أكْبَرَ الظُّلْمِ وأقْبَحَهُ.
* (لطيفة)
يحكى أن الفضيل دخل على ابنته في مرضها فقالت له يا أبت هل تحبني؟
قال نعم. قالت لا إله إلا الله والله ما كنت أظن فيك هذا، ولم أكن أظنك تحب مع الله أحدا، ولكن أفرد الله بالمحبة، واجعل لي منك الرحمة.
أي يكون حبك لي حب رحم، جعلها الله في قلب الوالد لولده، لا محبة مع الله.
فلله حق من المحبة لا يشركه فيه غيره، وأظلم الظلم وضع تلك المحبة في غير موضعها، والتشريك بين الله وغيره فيها.
فليتدبر اللبيب هذا الباب فإنه من أنفع أبواب الكتاب إن شاء الله تعالى.
* [فصل: الفرق بين الحب في اللّه والحب مع اللّه]
وهذا من أهم الفروق، وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا، فالحب في اللّه هو من كمال الإيمان، والحب مع اللّه هو عين الشرك.
والفرق بينهما أن المحب في الحب تابع لمحبة اللّه فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة أن يحب ما يحبه اللّه فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه، كما يحب رسله وأنبيائه وملائكته وأوليائه لكونه تعالى يحبهم، ويبغض من يبغضهم لكونه تعالى يبغضهم وعلامة هذا الحب والبغض في اللّه أنه لا ينقلب بغضه لبغض اللّه حبا لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه، ولا ينقلب حبه لحبيبه اللّه بغضا إذا وصل إليه من جهته ما يكرهه ويؤلمه، إما خطأ وإما عمدا مطيعا للّه فيه أو متأولا أو مجتهدا أو باغيا نازعا بائنا، والدين كله يدور على أربع قواعد حب وبغض ويترتب عليهما فعل وترك، فمن كان حبه وبغضه وفعله وتركه للّه فقد استكمل الإيمان بحيث إذا أحب أحب اللّه وإذا أبغض أبغض اللّه وإذا فعل فعل للّه وإذا ترك ترك اللّه، وما نقص من أصنافه هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه يحسبه. وهذا بخلاف الحب مع اللّه فهو نوعان يقدح في أصل التوحيد وهو شرك ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة اللّه ولا يخرج من الإسلام.
فالأول: كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم قال تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ﴾
وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مع اللّه، كما يحبون اللّه فهذه محبة تأله ومولاه يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره اللّه، ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد وشدة بغضها وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم وبذلك أرسل اللّه جميع رسله وأنزل جميع كتبه وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعادهم فيه وفي مرضاته فكل من عبد شيئا من لدن عرضه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون اللّه إلها ووليا وأشرك به كائنا ذلك المعبود ما كان ولا بد أن يتبرأ منه أحوج ما كان إليه.
والنوع الثاني: محبة ما زينه اللّه للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسمومة والأنعام والحرث فيحبها محبة شهوة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء فهذه المحبة ثلاثة أنواع فإن أحبها اللّه توصلا بها إليه واستعانه على مرضاته أثيب عليها وكانت من قسم الحب للّه توصلا بها إليه ويلتذ بالتمتع بها وهذا حال أكمل الخلق الذي حبب إليه من الدنيا النساء والطيب وكانت محبته لهما عونا له على محبة اللّه وتبليغ رسالته «٢» والقيام بأمره وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإراداته ولم يؤثرها على ما يحبه اللّه ويرضاه بل نالها بحكم الليل الطبيعي كانت من قسم المباحات ولم يعاقب على ذلك ولكن ينقص من كمال محبته للّه والمحبة فيه وإن كانت هي مقصوده ومراده وسعيه في تحصيلها والظفر بها وقدمها على ما يحبه اللّه ويرضاه منه كان ظالما لنفسه متبعا لهواه.
فالأول: محبة السابقين.
والثانية: محبة المقتصدين.
والثالثة: محبة الظالمين.
فتأمل هذا الموضوع وما فيه من الجمع والفرق فإنه معترك النفس الأمّارة والمطمئنة. والمهدي من هداه اللّه.
* [فصل: في ترك المحبين أدنى المحبوبين رغبة في أعلاهما]
هذا باب لا يدخل فيه إلا النفوس الفاضلة الشريفة الأبية التي لا تقنع بالدون ولا تبيع الأعلى بالأدنى بيع العاجز المغبون ولا يملكها لطخ جمال مغش على أنواع من القبائح كما قال بعض الأعراب وقد نظر إلى امرأة مبرقعة
؎إذا بارك الله في ملبس ∗∗∗ فلا بارك الله في البرقع
؎يريك عيون المها مسبلا ∗∗∗ ويكشف عن منظر في أشنع
وقال الآخر
؎لا يغرنك ما ترى من نقاب ∗∗∗ إن تحت النقاب داء دويا
فالنفس الأبية لا ترضى بالدون وقد عاب الله سبحانه أقواما استبدلوا طعاما بطعام أدنى منه فنعى ذلك عليهم
وقال: ﴿أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير﴾ وذلك دليل على وضاعة النفس وقلة قيمتها
وقال الأصمعي: خلا رجل من الأعراب بامرأة فهم بالريبة فلما تمكن منها تنحى سليما وجعل يقول:
إن امرءا باع جنة عرضها السماوات والأرض بفتر ما بين رجليك لقليل البصر بالمساحة.
وقال أبو أسماء دخل رجل غيضة فقال لو خلوت هاهنا بمعصية من كان يراني فسمع صوتا ملأ ما بين لابتي الغيضة ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ وقال الإمام أحمد حدثنا هيثم هو ابن خارجة حدثنا إسماعيل ابن عياش عن عبد الرحمن بن عدي البهراني عن يزيد بن ميسرة قال إن الله تعالى يقول أيها الشاب التارك شهوته لي المتبذل شبابه من أجلي أنت عندي كبعض ملائكتي
وذكر إبراهيم بن الجنيد أن رجلا راود امرأة عن نفسها فقالت له أنت قد سمعت القرآن والحديث فأنت أعلم قال فأغلقي الأبواب فأغلقتها فلما دنا منها قالت بقي باب لم أغلقه قال أي باب قالت الباب الذي بينك وبين الله فلم يتعرض لها
وذكر أيضا عن أعرابي قال خرجت في بعض ليالي الظلم فإذا أنا بجارية كأنها علم فأردتها عن نفسها فقالت ويلك أما كان لك زاجر من عقل إذ لم يكن لك ناه من دين فقلت إنه والله ما يرانا إلا الكواكب قالت فأين مكوكبها؟!
* (فصل)
الوِلايَةُ أصْلُها الحُبُّ، فَلا مُوالاةَ إلّا بِحُبٍّ، كَما أنَّ العَداوَةَ أصْلُها البُغْضُ، واللَّهُ ولِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا وهم أوْلِياؤُهُ، فَهم يُوالُونَهُ بِمَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وهو يُوالِيهِمْ بِمَحَبَّتِهِ لَهُمْ، فاللَّهُ يُوالِي عَبْدَهُ المُؤْمِنَ بِحَسَبِ مَحَبَّتِهِ لَهُ.
وَلِهَذا أنْكَرَ سُبْحانَهُ عَلى مَنِ اتَّخَذَ مِن دُونِهِ أوْلِياءَ، بِخِلافِ مَن والى أوْلِياءَهُ، فَإنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْهم مِن دُونِهِ، بَلْ مُوالاتُهُ لَهم مِن تَمامِ مُوالاتِهِ.
وَقَدْ أنْكَرَ عَلى مَن سَوّى بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ في المَحَبَّةِ، وأخْبَرَ أنَّ مَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اتَّخَذَ مِن دُونِهِ أنْدادًا يُحِبُّهم كَحُبِّ اللَّهِ، قالَ تَعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥].
وَأخْبَرَ عَمَّنْ سَوّى بَيْنَهُ وبَيْنَ الأنْدادِ في الحُبِّ، أنَّهم يَقُولُونَ في النّارِ لِمَعْبُودِيهِمْ: ﴿تاللَّهِ إنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ - إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٧-٩٨].
وَبِهَذا التَّوْحِيدِ في الحُبِّ أرْسَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ جَمِيعَ رُسُلِهِ، وأنْزَلَ جَمِيعَ كُتُبِهِ، وأطْبَقَتْ عَلَيْهِ دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ مِن أوَّلِهِمْ إلى آخِرِهِمْ، ولِأجْلِهِ خُلِقَتِ السَّماواتُ والأرْضُ والجَنَّةُ والنّارُ، فَجَعَلَ الجَنَّةَ لِأهْلِهِ، والنّارَ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ فِيهِ.
وَقَدْ أقْسَمَ النَّبِيُّ ﷺ أنَّهُ: «لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتّى يَكُونَ هو أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ»، فَكَيْفَ بِمَحَبَّةِ الرَّبِّ جَلَّ جَلالُهُ؟ وقالَ لِعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «لا، حَتّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ» أيْ لا تُؤْمِنُ حَتّى تَصِلَ مَحَبَّتُكَ إلى هَذِهِ الغايَةِ.
وَإذا كانَ النَّبِيُّ ﷺ أوْلى بِنا مِن أنْفُسِنا في المَحَبَّةِ ولَوازِمِها أفَلَيْسَ الرَّبُّ جَلَّ جَلالُهُ وتَقَدَّسَتْ أسْماؤُهُ أوْلى بِمَحَبَّتِهِ وعِبادَتِهِ مِن أنْفُسِهِمْ، وكُلُّ ما مِنهُ إلى عَبْدِهِ المُؤْمِنِ يَدْعُو إلى مَحَبَّتِهِ، مِمّا يُحِبُّ العَبْدُ ويَكْرَهُ - فَعَطاؤُهُ ومَنعُهُ، ومُعافاتُهُ وابْتِلاؤُهُ، وقَبْضُهُ وبَسْطُهُ، وعَدْلُهُ وفَضْلُهُ، وإماتَتُهُ وإحْياؤُهُ، ولُطْفُهُ وبِرُّهُ، ورَحْمَتُهُ وإحْسانُهُ، وسَتْرُهُ وعَفْوُهُ، وحِلْمُهُ وصَبْرُهُ عَلى عَبْدِهِ، وإجابَتُهُ لِدُعائِهِ، وكَشْفُ كَرْبِهِ، وإغاثَةُ لَهْفَتِهِ، وتَفْرِيجُ كُرْبَتِهِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ مِنهُ إلَيْهِ، بَلْ مَعَ غِناهُ التّامِّ عَنْهُ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ، كُلُّ ذَلِكَ داعٍ لِلْقُلُوبِ إلى تَأْلِيهِهِ ومَحَبَّتِهِ، بَلْ تَمْكِينُهُ عَبْدَهُ مِن مَعْصِيَتِهِ وإعانَتُهُ عَلَيْها، وسَتْرُهُ حَتّى يَقْضِيَ وطَرَهُ مِنها، وكَلاءَتُهُ وحِراسَتُهُ لَهُ، ويَقْضِي وطَرَهُ مِن مَعْصِيَتِهِ، يُعِينُهُ ويَسْتَعِينُ عَلَيْها بِنِعَمِهِ - مِن أقْوى الدَّواعِي إلى مَحَبَّتِهِ، فَلَوْ أنَّ مَخْلُوقًا فَعَلَ بِمَخْلُوقٍ أدْنى شَيْءٍ مِن ذَلِكَ لَمْ تَمْلِكْ قَلْبَهُ عَنْ مَحَبَّتِهِ، فَكَيْفَ لا يُحِبُّ العَبْدُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وجَوارِحِهِ مَن يُحْسِنُ إلَيْهِ عَلى الدَّوامِ بِعَدَدِ الأنْفاسِ، مَعَ إساءَتِهِ؟ فَخَيْرُهُ إلَيْهِ نازِلٌ، وشَرُّهُ إلَيْهِ صاعِدٌ، يَتَحَبَّبُ إلَيْهِ بِنِعَمِهِ وهو غَنِيٌّ عَنْهُ، والعَبْدُ يَتَبَغَّضُ إلَيْهِ بِالمَعاصِي وهو فَقِيرٌ إلَيْهِ، فَلا إحْسانُهُ وبِرُّهُ وإنْعامُهُ إلَيْهِ يَصُدُّهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، ولا مَعْصِيَةُ العَبْدِ ولُؤْمُهُ يَقْطَعُ إحْسانَ رَبِّهِ عَنْهُ.
فَألْأمُ اللُّؤْمِ تَخَلُّفُ القُلُوبِ عَنْ مَحَبَّةِ مَن هَذا شَأْنُهُ، وتَعَلُّقُها بِمَحَبَّةِ سِواهُ.
وَأيْضًا فَكُلُّ مَن تُحِبُّهُ مِنَ الخَلْقِ أوْ يُحِبُّكَ إنَّما يُرِيدُكَ لِنَفْسِهِ وغَرَضِهِ مِنكَ، واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى يُرِيدُكَ لَكَ، كَما في الأثَرِ الإلَهِيِّ: «عَبْدِي كُلٌّ يُرِيدُكَ لِنَفْسِهِ، وأنا أُرِيدُكَ لَكَ»
فَكَيْفَ لا يَسْتَحِي العَبْدُ أنْ يَكُونَ رَبُّهُ لَهُ بِهَذِهِ المَنزِلَةِ، وهو مُعْرِضٌ عَنْهُ، مَشْغُولٌ بِحُبِّ غَيْرِهِ، قَدِ اسْتَغْرَقَ قَلْبُهُ بِمَحَبَّةِ سِواهُ؟
وَأيْضًا، فَكُلُّ مَن تُعامِلُهُ مِنَ الخَلْقِ إنْ لَمْ يَرْبَحْ عَلَيْكَ لَمْ يُعامِلْكَ، ولا بُدَّ لَهُ مِن نَوْعٍ مِن أنْواعِ الرِّبْحِ، والرَّبُّ تَعالى إنَّما يُعامِلُكَ لِتَرْبَحَ أنْتَ عَلَيْهِ أعْظَمَ الرِّبْحِ وأعْلاهُ، فالدِّرْهَمُ بِعَشَرَةِ أمْثالِهِ إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، والسَّيِّئَةُ بِواحِدَةٍ وهي أسْرَعُ شَيْءٍ مَحْوًا.
وَأيْضًا هو سُبْحانَهُ خَلَقَكَ لِنَفْسِهِ، وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ لَكَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَمَن أوْلى مِنهُ بِاسْتِفْراغِ الوُسْعِ في مَحَبَّتِهِ، وبَذْلِ الجُهْدِ في مَرْضاتِهِ؟
وَأيْضًا فَمَطالِبُكَ - بَلْ مَطالِبُ الخَلْقِ كُلِّهِمْ جَمِيعًا - لَدَيْهِ، وهو أجْوَدُ الأجْوَدِينَ، وأكْرَمُ الأكْرَمِينَ، أعْطى عَبْدَهُ قَبْلَ أنْ يَسْألَهُ فَوْقَ ما يُؤَمِّلُهُ، يَشْكُرُ القَلِيلَ مِنَ العَمَلِ ويُنَمِّيهِ، ويَغْفِرُ الكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ ويَمْحُوهُ، ﴿يَسْألُهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هو في شَأْنٍ﴾، لا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، ولا تُغَلِّطُهُ كَثْرَةُ المَسائِلِ، ولا يَتَبَرَّمُ بِإلْحاحِ المُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدُّعاءِ، ويُحِبُّ أنْ يُسْألَ، ويَغْضَبُ إذا لَمْ يُسْألْ، يَسْتَحِي مِن عَبْدِهِ حَيْثُ لا يَسْتَحِي العَبْدُ مِنهُ، ويَسْتُرُهُ حَيْثُ لا يَسْتُرُ نَفْسَهُ، ويَرْحَمُهُ حَيْثُ لا يَرْحَمُ نَفْسُهُ، دَعاهُ بِنِعَمِهِ وإحْسانِهِ وأيادِيهِ إلى كَرامَتِهِ ورِضْوانِهِ، فَأبى، فَأرْسَلَ رُسُلَهُ في طَلَبِهِ، وبَعَثَ إلَيْهِ مَعَهم عَهْدَهُ، ثُمَّ نَزَلَ إلَيْهِ سُبْحانَهُ نَفْسُهُ، وقالَ: «مَن يَسْألُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ؟» كَما قِيلَ: " أدْعُوكَ ولِلْوَصْلِ تَأْبى، أبْعَثُ رَسُولِي في الطَّلَبِ، أنْزِلُ إلَيْكَ بِنَفْسِي، ألْقاكَ في النَّوْمِ ".
وَكَيْفَ لا تُحِبُّ القُلُوبُ مَن لا يَأْتِي بِالحَسَناتِ إلّا هُوَ، ولا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئاتِ إلّا هُوَ، ولا يُجِيبُ الدَّعَواتِ، ويُقِيلُ العَثَراتِ، ويَغْفِرُ الخَطِيئاتِ، ويَسْتُرُ العَوْراتِ، ويَكْشِفُ الكُرُباتِ، ويُغِيثُ اللَّهَفاتِ، ويُنِيلُ الطَّلَباتِ سِواهُ؟
فَهُوَ أحَقُّ مَن ذُكِرَ، وأحَقُّ مَن شُكِرَ، وأحَقُّ مَن عُبِدَ، وأحَقُّ مَن حُمِدَ، وأنْصَرُ مَن ابْتُغِيَ، وأرْأفُ مَن مَلَكَ، وأجْوَدُ مَن سُئِلَ، وأوْسَعُ مَن أعْطى، وأرْحَمُ مَن اسْتُرْحِمَ، وأكْرَمُ مَن قُصِدَ، وأعَزُّ مَنِ التُجِئَ إلَيْهِ وأكْفى مَن تُوُكِّلَ عَلَيْهِ، أرْحَمُ بِعَبْدِهِ مِنَ الوالِدَةِ
بِوَلَدِها، وأشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ التّائِبِ مِنَ الفاقِدِ لِراحِلَتِهِ الَّتِي عَلَيْها طَعامُهُ وشَرابُهُ في الأرْضِ المُهْلِكَةِ إذا يَئِسَ مِنَ الحَياةِ ثُمَّ وجَدَها.
وَهُوَ المَلِكُ لا شَرِيكَ لَهُ، والفَرْدُ فَلا نِدَّ لَهُ، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وجْهَهُ، لَنْ يُطاعَ إلّا بِإذْنِهِ، ولَنْ يُعْصى إلّا بِعِلْمِهِ، يُطاعُ فَيَشْكُرُ، وبِتَوْفِيقِهِ ونِعْمَتِهِ أُطِيعَ، ويُعْصى فَيَغْفِرُ ويَعْفُو، وحَقُّهُ أُضِيعَ، فَهو أقْرَبُ شَهِيدٍ، وأجَلُّ حَفِيظٍ، وأوْفى بِالعَهْدِ، وأعْدَلُ قائِمٍ بِالقِسْطِ، حالَ دُونَ النُّفُوسِ، وأخَذَ بِالنَّواصِي وكَتَبَ الآثارَ، ونَسَخَ الآجالَ، فالقُلُوبُ لَهُ مُفْضِيَةٌ، والسِّرُّ عِنْدَهُ عَلانِيَةٌ، والغَيْبُ لَدَيْهِ مَكْشُوفٌ، وكُلُّ أحَدٍ إلَيْهِ مَلْهُوفٌ، وعَنَتِ الوُجُوهُ لِنُورِ وجْهِهِ، وعَجَزَتِ القُلُوبُ عَنْ إدْراكِ كُنْهِهِ، ودَلَّتِ الفِطَرُ والأدِلَّةُ كُلُّها عَلى امْتِناعِ مِثْلِهِ وشِبْهِهِ، أشْرَقَتْ لِنُورِ وجْهِهِ الظُّلُماتُ، واسْتَنارَتْ لَهُ الأرْضُ والسَّماواتُ، وصَلُحَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ المَخْلُوقاتِ، لا يَنامُ ولا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ ويَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهارِ، وعَمَلُ النَّهارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجابُهُ النُّورُ، ولَوْ كَشَفَهُ لَأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وجْهِهِ ما انْتَهى إلَيْهِ بَصَرُهُ مِن خَلْقِهِ:
؎ما اعْتاضَ باذِلُ حُبِّهِ لِسِواهُ مِن ∗∗∗ عِوَضٍ ولَوْ مَلَكَ الوُجُودَ بِأسْرِهِ
* (فائدة)
محبته تعالى، بل كونه أحب إلى العبد من كل ما سواه على الإطلاق، من أعظم واجبات الدين، وأكبر أصوله، وأجل قواعده، ومن أحب معه مخلوقا مثل ما يحبه فهو من الشرك الذي لا يغفر لصاحبه، ولا يقبل معه عمل.
قال تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أنْدادا يُحِبُّونَهم كَحُبِّ الله، والّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبا للهِ﴾.
وإذا كان العبد لا يكون من أهل الإيمان حتى يكون عبد الله ورسوله أحب إليه من نفسه وأهله وولده ووالده والناس أجمعين، ومحبته تبع لمحبة الله، فما الظن بمحبته سبحانه؟
وهو سبحانه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته، التي تتضمن كمال تعظيمه والذل له، ولأجل ذلك أرسل رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه.
وعلى ذلك وضع الثواب والعقاب، وأسست الجنة والنار، وانقسم الناس إلى شقى وسعيد، وكما أنه سبحانه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته وإجلاله محبة وإجلال ومخافة.
فالمخلوق كلما خفته استوحشت منه، وهربت منه. والله سبحانه كلما خفته أنست به وفررت إليه. والمخلوق يخُاف ظلمه، وعدوانه، والرب سبحانه إنما يخُاف عدله وقسطه.
وكذلك المحبة. فإن محبة المخلوق إذا لم تكن لله فهى عذاب للمحب ووبال عليه.
وما يحصل له بها من التألم أعظم مما يحصل له من اللذة. وكلما كانت أبعد عن الله كان ألمها وعذابها أعظم.
هذا إلى ما في محبته من الإعراض عنك، والتجنى عليك، وعدم الوفاء لك، إما لمزاحمة غيرك من المحبين له، وإما لكراهته ومعاداته لك، وإما لاشتغاله عنك بمصالحه وما هو أحب إليه منك، وإما لغير ذلك من الآفات.
وأما محبة الرب سبحانه فشأنها غير هذا الشأن، فإنه لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليها ومولاها، وربها ومدبرها ورازقها، ومميتها ومحييها. فمحبة نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس، وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن. فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة، والعقول الزاكية أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسر، ولا أنعم من محبته والأنس به، والشوق إلى لقائه، والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتم من كل نعيم، واللذة التي تناله أعلى من كل لذة. كما أخبر بعض الواجدين عن حاله بقوله "إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفى عيش طيب".
وقال آخر: "إنه ليمر بالقلب أوقات يهتز فيها طربا بأنسه بالله وحبه له".
وقال آخر: "مساكين أهل الغفلة، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها".
وقال آخر: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف".
ووجدان هذه الأمور وذوقها هو بحسب قوة المحبة وضعفها، وبحسب إدراك جمال المحبوب والقرب منه، وكلما كانت المحبة أكمل، وإدراك المحبوب أتم، والقرب منه أوفر، كانت الحلاوة واللذة والسرور والنعيم أقوى.
فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يعرف إلا بالذوق والوجد، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبا لغيره، ولا أنسابه، وكلما ازداد له حبا ازداد له عبودية وذلا، وخضوعا ورقا له، وحرية عن رق غيره.
فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذ ولا يطمئن ولا يسكن، إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له جميع ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن إليها، ولم يسكن إليها، بل لا تزيده إلا فاقة وقلقا، حتى يظفر بما خلق له، وهيئ له: من كون الله وحده نهاية مراده، وغاية مطالبه. فإن فيه فقرا ذاتيا إلى ربه وإلهه، من حيث هو معبوده ومحبوبه وإلهه ومطلوبه، كما أن فيه فقرا ذاتيا إليه من حيث هو ربه وخالقه ورازقه ومدبره. وكلما تمكنت محبة الله من القلب وقويت فيه أخرجت منه تألهه لما سواه وعبودبته له.
؎فَأصْبَحَ حُرا عِزَّةً وصِيانَةً ∗∗∗ عَلى وجْهِهِ أنْوارُهْ وضِياؤُهْ
وما من مؤمن إلا وفي قلبه محبة لله تعالى. وطمأنينة بذكره، وتنعم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأنس بقربه، وإن لم يحسن به، لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجود الشيء غير الإحساس والشعور به.
وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه: هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه.
ومتى لم يكن الله وحده غاية مراد العبد ونهاية مقصوده، وهو المحبوب المراد له بالذات والقصد الأول، وكل ما سواه فإنما يحبه ويريده ويطلبه تبعا لأجله، لم يكن قد حقق شهادة أن لا إله إلا الله، وكان فيه من النقص والعيب والشرك بقدره، وله من موجبات ذلك من الألم والحسرة والعذاب بحسب ما فاته من ذلك.
ولو سعى في هذا المطلوب بكل طريق، واستفتح من كل باب، ولم يكن مستعينا بالله، متوكلا عليه، مفتقرا إليه في حصوله، متيقنا أنه إنما يحصل بتوفيقه ومشيئته، وإعانته، لا طريق له سوى ذلك بوجه من الوجوه، لم يحصل له مطلوبه. فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فلا يوصِّل إليه سواه، ولا يدل عليه سواه، ولا يعبد إلا بإعانته، ولا يطاع إلا بمشيئته.
﴿لَمِن شاءَ مِنكم أنْ يَسْتَقِيمَ وما تَشاءُونَ إلا أنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨-٢٩].
* (فصل)
ومدار كتب الله تعالى المنزلة من أولها إلى آخرها على الأمر بتلك المحبة ولوازمها والنهى عن محبة ما يضادها وملازمتها، وضرب الأمثال والمقاييس لأهل المحبتين، وذكر قصصهم ومآلهم، ومنازلهم، وثوابهم، وعقابهم، ولا يجد حلاوة الإيمان، بل لا يذوق طعمه، إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله سلم قال: "ثَلاَثٌ مَن كُن فِيهِ وجَدَ حَلاَوَة الإيمانِ - وفي لفظ: لا يَجُد طَعْمَ الإيمانِ إلا مَن كانَ فِيهِ ثَلاثُ: مَن كانَ اللهُ ورَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مَّمِا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَرْجِعَ في الكُفْرِ بَعْدَ إذْ أنُقَذَهُ اللهُ تعالى مِنهُ، كما يَكْرَهُ أنْ يُلقى في النّارِ".
وفى الصحيحين أيضا عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "والَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أحَدُكم حَتّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنّاسِ أجَمَعِينَ".
ولهذا اتفقت دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، على عبادة الله وحده لا شريك له.
وأصل العبادة وتمامها وكمالها هو المحبة، وإفراد الرب سبحانه بها، فلا يشرك العبد به فيها غيره.
والكلمة المتضمنة لهذين الأصلين هى الكلمة التي لا يدخل في الإسلام إلا بها، ولا يعصم دمه وماله إلا بالإتيان بها، ولا ينجو من عذاب الله إلا بتحقيقها بالقلب واللسان وذكرها أفضل الذكر، كما في صحيح ابن حبان عنه صلى الله تعالى عليه وسلم:
"أفْضَلُ الذِّكْرِ لا إلهَ إلاّ اللهُ".
والآية المتضمنة لها ولتفضيلها سيدة آى القرآن، والسورة المختصة بتحقيقها تعدل ثلث القرآن، بها أرسل الله سبحانه جميع رسله، وأنزل جميع كتبه، وشرع جميع شرائعه، قياما بحقها وتكميلا لها. وهى التي يدخل بها العبد على ربه، ويصير في جواره وهى مفزع أوليائه وأعدائه، فإن أعداءه إذا مسهم الضر في البر والبحر فزعوا إلى توحيده، وتبرءوا من شركهم، ودعوه مخلصين له الدين. وأما أولياؤه فهى مفزعهم في شدائد الدنيا والآخرة.
ولهذا كانت دعوات المكروب "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم".
ودعوة ذي النون التي ما دعًا بها مكروب إلا فرج الله كربه "لا إله إلا أنت، سبحانك إنى كنت من الظالمين".
وقال ثوبان رضى الله تعالى عنه "كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إذا راعه
أمر قال: الله ربى لا أشرك به شيئا" وفي لفظ قال: " هو الله لا شريك له".
وقالت أسماء بنت عميس رضي الله عنها "علمنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كلمات أقولها عند الكرب: الله، الله ربى، لا أشرك به شيئا".
وفى الترمذى من حديث إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
"دَعْوَةُ يُونُسَ إذْ نادى في بَطْنِ الحُوتِ: لا إلهَ إلا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّى كُنْتُ مِنَ الظّالمِينَ، فَإنّهُ لَمْ يَدْعُ بِها مُسْلِمٌ في شَئْ إلا اسْتُجِيبَ لَهُ".
وفى "مسند الإمام أحمد" مرفوعا "دَعواتُ المَكْرُوبِ: الّلهُمَّ رَحْمَتكَ أرْجُو، فَلا تَكِلْنِى إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنِ، وأصْلِحْ لِى شَأْنِى كُلّهُ، لا إلَهَ إلا أنْتَ".
فالتوحيد ملجأ الطالبين، ومفزع الهاربين، ونجاة المكروبين، وغياث الملهوفين، وحقيقته إفراد الرب سبحانه بالمحبة والإجلال التعظيم، والذل والخضوع.
* (فصل)
فإذا عرف أن كل حركة فأصلها الحب والإرادة، فلا بد من محبوب مراد لنفسه، لا يطلب ويحب لغيره، إذ لو كان كل محبوب يحب لغيره لزم الدور أو التسلسل في العلل والغايات، وهو باطل باتفاق العقلاء، والشيء قد يحب من وجه دون وجه، وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله عز وجل وحده، الذي لا تصلح الألوهية إلا له، فلو كان في السماوات والأرض آلهة إلا الله لفسدتا. والإلهية التي دعت الرسل أممهم إلى توحيد الرب بها: هى العبادة والتأليه.
ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون، فاحتج الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية.
(فائدة أخرى)
المحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته.
والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله تعالى، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها.
فهذه ستة أنواع، عليها مدار محاب الخلق.
فمحبة الله عز وجل أصل المحاب المحمودة، وأصل الإيمان والتوحيد، والنوعان الآخران تبع لها.
والمحبة مع الله أصل الشرك والمحاب المذمومة، والنوعان الآخران تبع لها.
ومحبة الصور المحرمة وعشقها من موجبات الشرك، وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك وأبعد من الإخلاص كانت محبته بعشق الصور أشد، وكلما كان أكثر إخلاصا وأشد توحيدا، كان أبعد من عشق الصور، ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق، لشركها. ونجا منه يوسف الصديق عليه السلام بإخلاصه، قال تعالى: ﴿كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والفَحْشاءَ إنَّهُ مِن عِبادِنا المُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: ٢٤].
فالسوء: العشق، والفحشاء: الزنا. فالمخلص قد خلص حبه لله، فخلصه الله من فتنة عشق الصور. والمشرك قلبه متعلق بغير الله، لم يخلص توحيده وحبه لله عز وجل.
* [فَصْلٌ: أقْسامُ المَحْبُوبِ]
والمَحْبُوبُ قِسْمانِ: مَحْبُوبٌ لِنَفْسِهِ، ومَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ.
والمَحْبُوبُ لِغَيْرِهِ، لا بُدَّ أنْ يَنْتَهِيَ إلى المَحْبُوبِ لِنَفْسِهِ، دَفْعًا لِلتَّسَلْسُلِ المُحالِ، وكُلُّ ما سِوى المَحْبُوبِ الحَقِّ فَهو مَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ، ولَيْسَ شَيْءٌ يُحَبُّ لِذاتِهِ إلّا اللَّهَ وحْدَهُ، وكُلُّ ما سِواهُ مِمّا يُحَبُّ فَإنَّما مَحَبَّتُهُ تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ الرَّبِّ تَبارَكَ وتَعالى، كَمَحَبَّةِ مَلائِكَتِهِ وأنْبِيائِهِ وأوْلِيائِهِ، فَإنَّها تَبَعٌ لِمَحَبَّتِهِ سُبْحانَهُ، وهي مِن لَوازِمِ مَحَبَّتِهِ،
فَإنَّ مَحَبَّةَ المَحْبُوبِ تُوجِبُ مَحَبَّةَ ما يُحِبُّهُ، وهَذا مَوْضِعٌ يَجِبُ الِاعْتِناءُ بِهِ، فَإنَّهُ مَحَلُّ فُرْقانٍ بَيْنَ المَحَبَّةِ النّافِعَةِ لِغَيْرِهِ، والَّتِي لا تَنْفَعُ بَلْ قَدْ تَضُرُّ.
فاعْلَمْ أنَّهُ لا يُحَبُّ لِذاتِهِ إلّا مَن كانَ كَمالُهُ مِن لَوازِمِ ذاتِهِ، وإلَهِيَّتُهُ ورُبُوبِيَّتُهُ وغِناهُ مِن لَوازِمِ ذاتِهِ، وما سِواهُ فَإنَّما يُبْغَضُ ويُكْرَهُ لِمُنافاتِهِ مَحابِّهُ ومُضادَّتِهِ لَها، وبُغْضُهُ وكَراهَتُهُ بِحَسَبِ قُوَّةِ هَذِهِ المُنافاةِ وضَعْفِها، فَما كانَ أشَدَّ مُنافاةً لِمَحابِّهِ، كانَ أشَدَّ كَراهَةً مِنَ الأعْيانِ والأوْصافِ والأفْعالِ والإراداتِ وغَيْرِها، فَهَذا مِيزانٌ عادِلٌ تُوزَنُ بِهِ مُوافَقَةُ الرَّبِّ ومُخالَفَتُهُ ومُوالاتُهُ ومُعاداتُهُ، فَإذا رَأيْنا شَخْصًا يُحِبُّ ما يَكْرَهُهُ الرَّبُّ تَعالى ويَكْرَهُ ما يُحِبُّهُ، عَلِمْنا أنَّ فِيهِ مِن مُعاداتِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وإذا رَأيْنا الشَّخْصَ يُحِبُّ ما يُحِبُّهُ الرَّبُّ ويَكْرَهُ ما يَكْرَهُهُ، وكُلَّما كانَ الشَّيْءُ أحَبَّ إلى الرَّبِّ كانَ أحَبَّ إلَيْهِ وآثَرَهُ عِنْدَهُ، وكُلَّما كانَ أبْغَضَ إلَيْهِ كانَ أبْغَضَ إلَيْهِ وأبْعَدَ مِنهُ، عَلِمْنا أنَّ فِيهِ مِن مُوالاةِ الرَّبِّ بِحَسَبِ ذَلِكَ.
فَتَمَسَّكْ بِهَذا الأصْلِ في نَفْسِكَ وفي غَيْرِكَ، فالوِلايَةُ عِبارَةٌ عَنْ مُوافَقَةِ الوَلِيِّ الحَمِيدِ في مَحابِّهِ ومَساخِطِهِ، ولَيْسَتْ بِكَثْرَةِ صَوْمٍ ولا صَلاةٍ ولا تَمَزُّقٍ ولا رِياضَةٍ.
والمَحْبُوبُ لِغَيْرِهِ قِسْمانِ أيْضًا:
أحَدُهُما: ما يَلْتَذُّ المُحِبُّ بِإدْراكِهِ وحُصُولِهِ.
والثّانِي: ما يَتَألَّمُ بِهِ ولَكِنْ يَحْتَمِلُهُ لِإفْضائِهِ إلى المَحْبُوبِ، كَشُرْبِ الدَّواءِ الكَرِيهِ، قالَ تَعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وهو كُرْهٌ لَكم وعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وهو خَيْرٌ لَكم وعَسى أنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهو شَرٌّ لَكم واللَّهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦].
فَأخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّ القِتالَ مَكْرُوهٌ لَهم مَعَ أنَّهُ خَيْرٌ لَهم لِإفْضائِهِ إلى أعْظَمِ مَحْبُوبٍ وأنْفَعِهِ، والنُّفُوسُ تَحْتَ الرّاحَةِ والدَّعَةِ والرَّفاهِيَةِ، ذَلِكَ شَرٌّ لَها لِإفْضائِهِ إلى فَواتِ المَحْبُوبِ، فالعاقِلُ لا يَنْظُرُ إلى لَذَّةِ المَحْبُوبِ العاجِلِ فَيُؤْثِرُها، وألَمِ المَكْرُوهِ العاجِلِ فَيَرْغَبُ عَنْهُ، فَإنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ شَرًّا لَهُ، بَلْ قَدْ يَجْلِبُ عَلَيْهِ غايَةَ الألَمِ ويُفَوِّتُهُ أعْظَمَ اللَّذَّةِ، بَلْ عُقَلاءُ الدُّنْيا يَتَحَمَّلُونَ المَشاقَّ المَكْرُوهَةَ لِما يُعْقِبُهم مِنَ اللَّذَّةِ بَعْدَها، وإنْ كانَتْ مُنْقَطِعَةً.
فالأُمُورُ أرْبَعَةٌ: مَكْرُوهٌ يُوَصِّلُ إلى مَكْرُوهٍ، ومَكْرُوهٌ يُوَصِّلُ إلى مَحْبُوبٍ، ومَحْبُوبٌ يُوَصِّلُ إلى مَحْبُوبٍ، ومَحْبُوبٌ يُوَصِّلُ إلى مَكْرُوهٍ، فالمَحْبُوبُ المُوَصِّلُ إلى المَحْبُوبِ قَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ داعِيَ الفِعْلِ مِن وجْهَيْنِ، والمَكْرُوهُ المُوَصِّلُ إلى مَكْرُوهٍ، قَدِ اجْتَمَعَ فِيهِ داعِي التَّرْكِ مِن وجْهَيْنِ.
بَقِيَ القِسْمانِ الآخَرانِ يَتَجاذَبُهُما الدّاعِيانِ - وهُما مُعْتَرَكُ الِابْتِلاءِ والِامْتِحانِ - فالنَّفْسُ تُؤْثِرُ أقْرَبَهُما جِوارًا مِنها، وهو العاجِلُ، والعَقْلُ والإيمانُ يُؤْثِرُ أنْفَعَهُما وأبْقاهُما، والقَلْبُ بَيْنَ الدّاعِيَيْنِ، وهو إلى هَذا مَرَّةً، وإلى هَذا مَرَّةً، وهاهُنا مَحَلُّ الِابْتِلاءِ شَرْعًا وقَدَرًا، فَداعِي العَقْلِ والإيمانِ يُنادِي كُلَّ وقْتٍ: حَيَّ عَلى الفَلاحِ، عِنْدَ الصَّباحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرى، وفي المَماتِ يَحْمَدُ العَبْدُ التُّقى، فَإنِ اشْتَدَّ ظَلامُ لَيْلِ المَحَبَّةِ، وتَحَكَّمَ سُلْطانُ الشَّهْوَةِ والإرادَةِ، يَقُولُ: يا نَفْسُ اصْبِرِي فَما هي إلّا ساعَةٌ ثُمَّ تَنْقَضِي ويَذْهَبُ هَذا كُلُّهُ ويَزُولُ.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادࣰا یُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق