الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾ الآية، لما ذكر الله تعالى الدلالةَ على وحدانيته أَعْلَم أنّ قومًا بعد هذه الدلالة والبيان يتخذون الأنداد، مع علمهم أنهم لا يأتون بشيء مما ذكر [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 237، وينظر: "التفسير الكبير" 1/ 204، "البحر المحيط" 1/ 469.]]. ومضى الكلام في معنى: (الأنداد) [[ينظر في معنى الند: "تفسير الطبري" 1/ 163، "المفردات" ص 489.]].
قال أكثر المفسرين: يريد بالأنداد: الأضداد [[في (ش): (الأصنام). وهو كذلك عند الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1314]] المعبودة من دون الله عز وجل، فعلى هذا، الأصنام أنداد بعضها لبعض، أي: أمثال، ليست أنها أنداد لله تعالى [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1314، "زاد المسير" 1/ 170، "معاني القرآن" 1/ 99، "البحر المحيط" 1/ 469، "التفسير الكبير" 4/ 204، ونسبه إلى أكثر المفسرين. وظاهر كلام المفسرين: أنهم اتخذوها أندادًا لله بحسب زعمهم.]].
وقال السُدِّي: يعنى: بالأنداد أكفاء من الرجال يطيعونهم في معصية الله [[رواه عنه الطبري 2/ 67، ولفظه: الأنداد من الرجال، يطيعونهم كما يطيعون الله،== إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله. وقد رواه الطبري عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبي ﷺ باللفظ الذي ذكره المؤلف، وذكر ذلك عند قوله: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، ورواه الطبري 1/ 163. وينظر: "البحر المحيط" 1/ 469، فقد بين: أن المراد بالناس: أهل الكتاب، ورجح كونهم أهل الكتاب بقوله: (يحبونهم). فأتى بضمير العقلاء، وباستبعاد محبة الأصنام. ولقوله: (إذ تبرأ)، والتبرؤ لا يناسب إلا العقلاء، وكذا قال الرازي في "تفسيره" 4/ 204.]].
وعلى هذا: المطاعون في معصية الله أنداد [[في (ش): (أندادًا لمطيعين).]] للمطيعين، أو هم أندادٌ، بعضُهم [[في (ش): (وبعضهم).]] لبعض نِدٌّ، كما قلنا في الأصنام.
وقوله تعالى: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه﴾ قال الليث: يقال: أَحْبَبَتُ الشيءَ فأنا مُحِبٌّ، وهو محبوبُ، قال: ومثله: أحزنته فهو محزون، وأجَنَّه الله فهو مجنون، وقد جاء مُحَبّ شاذًا في قول عنترة:
بمنزلة المُحبِّ المكرم [[والبيت بتمامه:
ولقَدْ نَزَلْتِ فلا تَظُنِّى غيرَه ... مني بمنزلة المُحَبِّ المكرم
البيت في "ديوانه" ص 191.]]
قال شمر: قال الفراء: وحَبَبْتُ لغةٌ، وأنشد:
فو الله لولا تَمْرُهُ ما حَبَبَتْهُ ... ولا كان أدنى من عُبيدٍ ومُشرِقِ [[في (م): (ومشرقي).]] [[البيت لغيلان بن شجاع النهشلي، في "لسان العرب" 2/ 743 (حبب). وروايته: فأُقسِمُ، وبلا نسبة في "الأشباه والنظائر" 2/ 410، "مغني اللبيب" 1/ 361.]]
عن أبي زيد: بعير مُحِبّ، وقد أحَبّ أحبابًا، وهو أن يصيبه مرض أو كسر فلا يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت. قال: والإحباب: هو البروك، فمن الناس من يجعل المحبة مأخوذة من هذا؛ للزوم المحب محبوبه [[ينظر: "المفردات" ص112، "البحر المحيط" 1/ 470، "اللسان" 2/ 745 - 746 (حبب).]].
وفي قوله: ﴿كَحُبِّ اَللَّهِ﴾ طريقان لأهل المعاني: أحدهما: أن المعنى فيه كحب المؤمنين الله، أي: يحبون الأصنام كما يحب المؤمنون ربهم، فأضيف المصدر إلى المحبوب، كقول القائل: أكلتُ طعامي كأكل طعامك، وبعت جاريتي كبيع جاريتك، وهو يريد: كبيعك جاريتك وأكلك طعامك، فيحذف الفاعل، ولضيف المصدرَ إلى المفعول [[ينظر: "المحرر الوجيز" 2/ 54 - 55، "البحر المحيط" 1/ 470.]]، كقول الشاعر:
ولستُ مسلِّما ما دمتُ حيًّا ... على زيدكتسليم الأميرِ [[البيت لعلي بن خالد البردخت، كما في "رسائل الجاحظ" 2/ 261، ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 100، "البيان والتبيين" 4/ 51، "تفسير الطبري" 2/ 67 "تفسيرالثعلبي" 1/ 1314.]]
أراد: كتسليمي على الأمير، هذا قول الفراء [["معاني القرآن" للفراء 1/ 97.]]، ويوافقه تفسير ابن عباس [[نسبه إليه ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 170، وابن عطية في "المحرر الوجيز" 2/ 54.]]، فإنه قال: يريد: كحب الذين آمنوا الله [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 67، واختار هذا القول، ورواه عن قتادة ومجاهد والربيع وابن أبي زيد، وكذا رواها ابن أبي حاتم 1/ 276، ونسبه في "زاد المسير" 1/ 170 أيضًا إلى عكرمة وأبي العالية ومقاتل. وينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1314، وعزاه لأكثر العلماء، "تفسير السمعاني" 2/ 120، "الكشاف" 1/ 209.]]، فكثير [[في (ش): (وكثير).]] من العلماء على هذه الطريقة فلم يثبتوا للكفار حبًا لله، وجعلوا حب الله للمؤمنين [[في (أ)، (م): (المؤمنين).]]، وشبهوا حُب الكفار للأصنام بحب المؤمنين لله [[في (م): (الله).]].
الطريق الثاني: أن المعنى فيه: يحبونهم كحب الله، أي: يسوّون بين هذه الأصنام وبين الله عز وجل في الحب، فيكون تقدير الآية: يحبونهم كحبهم الله، فيضاف الحب إلى الله عز وجل، والمشركون هم المُحِبُّون [[في (م): (المحبين).]]، وعلى المشركين في تسويتهم بين الله عز وجل والأصنام في المحبة أعظم الحجج وأوكدها، إذ أحبوا وعبدوا ما لا ينفع ولا يضر، ولا يحيي ولا يميت. وقد بيّن الله -عز اسمه- ما يدل على هذا المعنى في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]. وهذا القول اختيار الزجاج [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 237، وقال عن القول الأول: (ليس بشيء، ودليل نقضه قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾. والمعنى: أن المخلصين الذين لا يشركون مع الله غيره هم المحبون حقًّا). وهو اختيار الرازي في "تفسيره" 4/ 204.]] وابن كيسان [["تفسير الثعلبي" 1/ 1314.]]، وعلى هذا فقد أثبت للمشركين حبًّا لله، شبه حبّهم الأصنام بحبهم الله تعالى.
وقال أبو رَوق: معنى قوله: ﴿كَحُبِّ اللَّهِ﴾، أي: يحبون الأصنام حُبًّا لا يستحقّ مثلَ ذلك الحبِّ إلا اللهُ، ويحبونهم كما ينبغي لهم أن يحبوا الله، فالمعنى فيه: كالحب المستحق لله.
ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ قال ابن عباس: أي: أثبت وأدوم [[في (م): (ودا).]]، وذلك أن المشركين كانوا يعبدون صنمًا فإذا رأوا شيئًا أحسن منه [[في (م): (أخير).]] تركوا ذلك، وأقبلوا على عبادة الأحسن [[ذكره الثعلبىِ في "تفسيره" 1/ 1315، والسمعاني في "تفسيره" 2/ 121، والبغوي 1/ 178 ولم ينسبه لابن عباس.]]. وقال قتادة: إن الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء، ويقبل على الله عز وجل، ألا ترى إلى قوله: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ﴾ الآية [العنكبوت: 65]، والمؤمن لا يُعرض عن الله في السرّاء والضرّاء والشدة والرخاء، ولا يختار عليه سواه [["تفسير الثعلبي" 5/ 1311، وذكره البغوي في "تفسيره" 1/ 178 - 179، والواحدي في "الوسيط" 1/ 236.]].
وقيل: لأن المؤمنين يوحدون ربهم، والكفار يعبدون مع الصنم أصنامًا، فتنقص محبة الواحد، بضم محبة مجمع إليه، والذي لا يعبد إلا واحدًا محبته له أتم. وهذه الأقوال على طريقة من لم يثبت للمشركين محبة لله. فأما من أثبت لهم محبة لله فالمؤمنون أشد حبًّا منهم؛ لأن الكفار يقولون: إن الله خالقنا ورازقنا، ثم يجعلون معه شركاء، فتضعف محبتهم، وتنقص بذلك، وتتم محبة المؤمنين ربّهم بإفرادهم إياه في العبادة [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1315 - 1316.]].
وهذا معنى قول الحسن: إن الكافرين عبدوا الله بالواسطة، وذلك قولهم للأصنام: ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18] وقولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ [الزمر: 3] والمؤمنون يعبدونه بلا واسطة، لذلك قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾، [[في "تفسير الحسن البصري" 1/ 94، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1315.]] ومعنى حب المؤمنين الله: حب طاعته والانقياد لأمره، ليس معنى يتعلق بذات القديم سبحانه [[هذا من المؤلف تأويل يخالف ظواهر النصوص، جرى فيه على مذهب الأشاعرة الذين يجيزون إطلاق هذه اللفظة لكنهم يحيلون وقوعه، كما ذكر الرازي في "تفسيره" 4/ 205، فالمؤمنون يحبون الله لذاته، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ ، وقال: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه﴾ [المائدة: 54].
قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" 1/ 165: وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله عز وجل وحده، الذي لا تصلح الألوهية إلا له. وأما تقسيم المحبة والإرادة إلى نافعة وضارة، فهو باعتبار متعلقها ومحبوبها ومرادها، فإن كان المحبوب المراد هو الذي لا ينبغي أن يحب لذاته ويراد لذاته إلا هو، وهو المحبوب الأعلى الذي لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا بأن يكون هو وحده محبوبه ومراده وغاية مطلوبه، كانت محبته نافعة له. أما الأشاعرة فينفون المحبة بين الله وعبده؛ لأن العقل لا يدل عليها، وكل ما لا يدل العقل عليه فإن الله يجب أن ينزه عنه، وقالوا: إن المحبة لا تكون إلا بين متجانسين، فلا تكون بين رب ومخلوق، وهذه دعوى باطلة يكفي فيها المنع؛ لأن الأصل عدم ثبوت الدعوى، والواقع يدل على ثبوت المحبة بين غير المتجانسين، كما يحب آلاته وبعض بهائمه. علمًا بأن العقل قد دل على ذلك؛ فإثابة الطائعين ونصرهم وتأييدهم وإجابة دعائهم دليل على المحبة. وينظر: "شرح العقيدة الواسطية" للشيخ محمد العثيمين ص 196، "مختصر منهاج القاصدين" 343 - 356.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ جواب (لو) محذوف. وقد كَثُر في التنزيل حذفُ جواب (لو) كقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا﴾ [الرعد: 31] ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ [الأنعام: 27] ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ [الأنعام: 93].
قال أصحاب المعاني: وحذف جواب (لو) في مثل هذا الآي يكون أفحم وأبلغ؛ لذهاب المخاطب المتوعَّد إلى كلّ ضرب من الوعيد، ولو ذكر له ضرب من الوعيد لم يكن مثل أن يبهم [[في (ش): (يتهم)، وفي (أ)، (م): غير منقطة ولا واضحة.]] عليه؛ لأنه يوطّن نفسه على ذلك المذكور، ومن وطّن نفسه على شيء لم يصعب عليه صعوبتَه على من لم يوطنْ عليه نفسَه. وذكرنا شواهد هذه المسألة في سورة الأنعام، عند قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا﴾ [الأنعام: 27]، [[ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 97، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 239، و "تفسير الطبري" 2/ 67، "التبيان" للعكبري ص 105، "البحر المحيط" 1/ 471، "تفسير الثعلبي" 1/ 1318.]].
وكثر اختلافُ القُرّاء [[ينظر في توجيه القراءات في الآية: "معاني القرآن" للفراء 1/ 97، "تفسير الطبري" 2/ 67 - 69، "التبيان" ص 105 - 106، "البحر المحيط" 1/ 471، "الحجة" 2/ 258.]] في هذه الآية، فقرأ حمزة والكسائي وعاصم وأبو عمرو وابن كثير: (ولو يَرَى) بالياء، ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ﴾، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ بالفتح فيهما [[ينظر: "السبعة" ص 173 - 174، "النشر" 2/ 224، "الحجة" 2/ 258، قال في "النشر": واختلفوا في ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ﴾ فقرأ نافع وابن عامر ويعقوب بالخطاب، واختلف عن ابن وردان عن أبي جعفر، فروى ابن شبيب عن الفضل من طريق النهرواني عنه بالخطاب، وقرأ الباقون بالغيب. واختلفوا في ﴿يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ فقرأ ابن عامر بضم الياء، وقرأ الباقون بفتحها. واختلفوا في ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ فقرأ أبو جعفر ويعقوب بكسر الهمزة فيهما. وقرأ الباقون بفتح الهمزة فيهما.]].
والمراد بالرؤية هاهنا: رؤية العين المتعدية إلى مفعول واحد، والفعل في هذه القراءة [[في (ش): (الآية).]] مسند إلى الذين ظلموا، و (الذين ظلموا): هم الذين كفروا، ألا ترى إلى قوله: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: 254]، وإنما كان ينبغي أن يسند إليهم الفعل؛ لأن النبي ﷺ والمسلمين قد علموا قدرَ ما يشاهدُ الكفارُ ويعاينونه من العذاب يوم القيامة، والمتوعدون في هذه الآية لم يعلموا ذلك، فوجب أن يسند الفعل إليهم [["الحجة" 2/ 261.]]، وفتحوا ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ﴾، لأنهم أعملوا فيه الرؤية، تقديره: ولو يرون أن القوة. ومعناه: ولو يرى الذين ظلموا شدة عذاب الله وقوته لعلموا مضرّة اتخاذ الأنداد. وقولنا: لعلموا، هو الجواب المحذوف، وإنما قدرنا هذا الجواب مع احتمال غيره؛ لأنه قد جرى ذكر اتخاذ الأنداد في أول الآية [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 238.]].
وقال أبو عبيد والزجاج [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 238.]]: يجوز أن يكون العامل في (أن) جواب (لو) المقدر؛ لأنه قد جاء في تفسير هذه الآية: لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة، لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعًا، ففتحوا (أن) بالجواب المقدر وهو: لعلموا [[في (ش): (وعلموا).]].
وضعّف أحمد بن يحيى هذا القول، وقال: [[في (م): (قال).]] العَلَم لو حذف لم يترك صلته، وقال من احتج لهذا القول: حذف الموصول وإبقاء أصله لا ينكر، كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: 94]، في قراءة من نصب، والمراد: ما بينكم، فحذفت (ما) وتُركت صلتها.
وقرأ أبو جعفر: (ولو يرى) بالياء [[في (ش): (بالتاء).]]، وكسر (إن القوة) و (إن الله) وإنما كَسَر؛ لأن ما قبل (إن) كلام تام، مع ما أضمر فيه من الجواب المقدرة لأن تقديره: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لآمنوا، أو لرأوا أمرًا عظيما، فلما تم الكلام بقي قوله: ﴿أَنَّ اَلقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ مستأنف، وإذا استأنف وجب كسره.
قال الفراء: وتكون الرؤية على هذه القراءة واقعة على (إذ) في المعنى، وفتح (أنّ) مع الياء أحسن من كسرهما [["معاني القرآن" للفراء 1/ 97.]].
وقرأ يعقوب وسَهْل: (ولو ترى) بالتاء، (إن القوة)، و (إن الله): بالكسر فيهما. والخطاب في هذه القراءة [[في (ش): (الآية).]] للنبي ﷺ، ولم يقصده [[في (أ)، (م): (يقصد).]] بالمخاطبة؛ لأنه لم يعلم ما يراه الكفار من العذاب في الآخرة، ولكن في قصده المخاطبة [[سقطت من (أ)، (م).]] تنبيه لغيره، ألا ترى أنه قد يُخَاطَبُ فيكون خطابه خطابًا للكافّة، كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى﴾ [الأنفال: 70] و ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: 1] [["الحجة" 2/ 262.]].
قال أبو إسحاق: وهذا [[في (ش): (فهذا).]] كما قال عز وجل: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة:106 - 107] وهو بمنزلة: ألم تعلموا. كذلك، (ولو ترى) بمنزلة: ولو ترون، ويكون (إن القوة) مستأنفة كما وصفنا. ويكون الجواب -والله أعلم- لرأيت أمرًا عظيمًا، كما تقول: لو رأيت فلانًا والسياط تأخذه، فتستغني [[في (م): (تستغني).]] عن
الجواب؛ لأن المعنى معلوم [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 238 - 239، وينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1318.]].
قال ابن الأنباري: ويجوز في هذه القراءة أن تضمر القول وتعلق (إن) به، ويكون التقدير: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لقلت: إن القوة لله جميعا، فانكسرت (إن) مع القول كما انفتحت مع العلم.
وقرأ نافع وابن عامر: (ترى) بالتاء [[في (م): (بفتح التاء وفتح).]]، وفتح: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ﴾، و ﴿وَأَنَّ اللَّه﴾، وعلى [[في (أ)، (م): (على).]] هذه القراءة لا يجوز أن يكون العامل في: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ﴾ قوله: (ترى)؛ لأن الرؤية هاهنا: المراد به رؤية البصر، فلم يجز أن تتعدّى إلى (أن)؛ لأنها قد استوفت مفعولها الذي تقتضيه، وهو: (الذين ظلموا)، فإذا لم يجز أن تنتصب (أن) بـ (ترى)، ثبت أنه منتصب [[في (م): (انتصب).]] بفعل آخر غير (ترى) الظاهرة، وذلك الفعل هو الذي يقدر جوابا لـ (لو)، كأنه: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب رأوا أن القوة لله، والمعنى: أنهم شاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقنوا معه أنه قوي عزيز، وأن الأمر ليس على ما كانوا عليه من جحودهم لذلك، أو شكّهم فيه [[من كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 263.]].
والاختيار عند الفراء وغيره: كسر (إن) مع المخاطبة؛ لأن الرؤية واقعة على الذين ظلموا، فكان وجه الكلام أن يستأنف (إن).
قال الفراء: ولو فتحها على تكرير الرؤية كان صوابًا، كأنه قال: ولو ترى الذين ظلموا إذ [[من قوله: (فكان وجه الكلام). ساقطة من (ش).]] يرون العذاب يرون [[ليست في (أ)، (م).]] ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [[من "معاني القرآن" للفراء 1/ 97 - 98.]]. ومن قرأ بالياء ففتحُ ﴿أَنَّ﴾ في قراءته أبين؛ لأنه ينصب ﴿أَنَّ﴾ بالفعل الظاهر دون المضمر.
هذه وجوه اختلاف القراءة في هذه الآية [[من كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 263 بتصرف.]]. فإن قيل: كيف جاءت (إذ) في قوله: ﴿إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ مع قوله: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وهذا أمر مستقبل وإذ لما مضى؟، قيل: إنما جاء على لفظ المضي لإرادة التقريب في ذلك، كما جاء ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النحل: 77]، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى:17]، فلما أريد فيها من التحقيق والتقريب؛ جاء على لفظ المضي، وعلى هذا جاء في ما هو من [[ساقطة من (أ)، (م).]] أمر الآخرة أمثلة الماضي، كقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: 44]. ومما جاء على لفظ المضي للتقريب من الحال: قول المقيم: قد قامت الصلاة، يقول ذلك قبل إيقاعه التحريم بالصلاة؛ لقرب ذلك من قوله، وعلى هذا قول رؤبة:
أَوْدَيْتُ إن لم تَحْبُ [[في (ش): (يجب).]] حَبْوَ المُعْتَنِكْ [[في (ش): (المعتبك).]] [[لرؤبة من قصيدة يمدح فيها الحكم بن عبد الملك في "ديوانه" ص 118،== "الخصائص" 2/ 289، "الحجة للقراء السبعة" 2/ 260 والمعتنك: البعير يصعد في العانك من الرحل، وهو المتعقد منه.]] فإنما أراد تقريب مشاركته وإشفاءه عليه، فأتى بمثال الماضي، وجعله سادًّا مسدّ جواب أن، من حيث كان معناه الاستقبال في الحقيقة [[في (ش): (بالحقيقة).]]، وأن الهلاك لم يقع بعد، ولولا ذلك لم يجز، ألا ترى أنه لا يكون: قمتُ إن قمتَ؟ إنما تقول: أقومُ إن قمتَ، وقد جاء كثير مما في التنزيل من هذا الضرب كقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا﴾ [الأنعام: 27]، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُون﴾ [الأنعام: 93]، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا﴾ [سبأ: 51]، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى﴾ [الأنفال: 50]، فكما جاءت هذه الآية التي يراد بها الاستقبال بإذ، كذلك جاء: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْن﴾ [[من كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 260 - 261.]].
وقرأ ابن عامر: (يُرون) بضم الياء، وحجته قوله [[ساقط من (ش) وكلمة قوله ليست في (م).]]: ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [["الحجة" 2/ 264.]].
وقوله تعالى: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ منصوب على الحال، المعنى: إن القوة ثابتة لله عز وجل في حال اجتماعها [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 239، وينظر: "التبيان" للعكبري ص 107، وهذا إعراب لكلمة: (جميعًا).]].
{"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادࣰا یُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِۗ وَلَوۡ یَرَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤا۟ إِذۡ یَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِیعࣰا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعَذَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق