الباحث القرآني
﴿إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كَما أوْحَيْنا إلى نُوحٍ والنَّبِيئِينَ مِن بَعْدِهِ وأوْحَيْنا إلى إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ والأسْباطِ وعِيسى وأيُّوبَ ويُونُسَ وهارُونَ وسُلَيْمانَ وآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ ﴿ورُسُلًا قَدْ قَصَصْناهم عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهم عَلَيْكَ وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا﴾ ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ .
(p-٣١)اسْتَأْنَفَتْ هَذِهِ الآياتُ الرَّدَّ عَلى سُؤالِ اليَهُودِ أنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمْ كِتابًا مِنَ السَّماءِ، بَعْدَ أنْ حُمِقُوا في ذَلِكَ بِتَحْمِيقِ أسْلافِهِمْ: بِقَوْلِهِ ﴿فَقَدْ سَألُوا مُوسى أكْبَرَ مِن ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٥٣]، واسْتُطْرِدَتْ بَيْنَهُما جُمَلٌ مِن مُخالَفَةِ أسْلافِهِمْ، وما نالَهم مِن جَرّاءِ ذَلِكَ، فَأقْبَلَ الآنَ عَلى بَيانِ أنَّ إنْزالَ القُرْآنِ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ لَمْ يَكُنْ بِدَعًا، فَإنَّهُ شَأْنُ الوَحْيِ لِلرُّسُلِ، فَلَمْ يُقْدَحْ في رِسالَتِهِمْ أنَّهم لَمْ يُنَزَّلْ عَلَيْهِمْ كِتابٌ مِنَ السَّماءِ.
والتَّأْكِيدُ بِإنَّ لِلِاهْتِمامِ بِهَذا الخَبَرِ أوْ لِتَنْزِيلِ المَرْدُودِ عَلَيْهِمْ مَنزِلَةَ مَن يُنْكِرُ كَيْفِيَّةَ الوَحْيِ لِلرُّسُلِ غَيْرِ مُوسى، إذْ لَمْ يَجْرُوا عَلى مُوجَبِ عِلْمِهِمْ حَتّى أنْكَرُوا رِسالَةَ رَسُولٍ لَمْ يُنْزَلْ إلَيْهِ كِتابٌ مِنَ السَّماءِ.
والوَحْيُ إفادَةُ المَقْصُودِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ الكَلامِ، مِثْلَ الإشارَةِ قالَ تَعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرابِ فَأوْحى إلَيْهِمُ أنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١]، وقالَ داوُدُ بْنُ جَرِيرٍ:
؎يَرْمُونَ بِالخُطَبِ الطِّوالِ وتارَةً وحْيُ اللَّواحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَـاءِ
والتَّشْبِيهُ في قَوْلِهِ ﴿كَما أوْحَيْنا إلى نُوحٍ﴾ تَشْبِيهٌ بِجِنْسِ الوَحْيِ وإنِ اخْتَلَفَتْ أنْواعُهُ، فَإنَّ الوَحْيَ إلى النَّبِيءِ ﷺ كانَ بِأنْواعٍ مِنَ الوَحْيِ ورَدَ بَيانُها في حَدِيثِ عائِشَةَ في الصَّحِيحِ عَنْ سُؤالِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ النَّبِيءَ ﷺ كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ - بِخِلافِ الوَحْيِ إلى غَيْرِهِ مِمَّنْ سَمّاهُمُ اللَّهُ تَعالى فَإنَّهُ يُحْتَمَلُ بَعْضٌ مِنَ الأنْواعِ، عَلى أنَّ الوَحْيَ لِلنَّبِيءِ ﷺ كانَ مِنهُ الكِتابُ القُرْآنُ ولَمْ يَكُنْ لِبَعْضِ مَن ذُكِرَ مَعَهُ كِتابٌ.
وعَدَّ اللَّهُ هُنا جَمْعًا مِنَ النَّبِيئِينَ والمُرْسَلِينَ وذَكَرَ أنَّهُ أوْحى إلَيْهِمْ ولَمْ يَخْتَلِفِ العُلَماءُ في أنَّ الرُّسُلَ والأنْبِياءَ يُوحى إلَيْهِمْ.
(p-٣٢)وإنَّما اخْتَلَفَتْ عِباراتُهم في مَعْنى الرَّسُولِ والنَّبِيءِ. فَفي كَلامِ جَماعَةٍ مِن عُلَمائِنا لا نَجِدُ تَفْرِقَةً، وأنَّ كُلَّ نَبِيءٍ فَهو رَسُولٌ لِأنَّهُ يُوحى إلَيْهِ بِما لا يَخْلُو مِن تَبْلِيغِهِ ولَوْ إلى أهْلِ بَيْتِهِ. وقَدْ يَكُونُ حالُ الرَّسُولِ مُبْتَدَأً بِنُبُوَّةٍ ثُمَّ يَعْقُبُها إرْسالُهُ، فَتِلْكَ النُّبُوءَةُ تَمْهِيدٌ لِلرِّسالَةِ كَما كانَ أمْرُ مَبْدَأِ الوَحْيِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإنَّهُ أخْبَرَ خَدِيجَةَ، ونَزَلَ عَلَيْهِ ﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] .
والقَوْلُ الصَّحِيحُ أنَّ الرَّسُولَ أخَصُّ، وهو مَن أُوحِيَ إلَيْهِ مَعَ الأمْرِ بِالتَّبْلِيغِ، والنَّبِيءُ لا يُؤْمَرُ بِالتَّبْلِيغِ وإنْ كانَ قَدْ يُبَلِّغُ عَلى وجْهِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والدُّعاءِ لِلْخَيْرِ، يَعْنِي بِدُونِ إنْذارٍ وتَبْشِيرٍ. ووَرَدَ في بَعْضِ الأحادِيثِ: «الأنْبِياءُ مِائَةُ ألْفٍ وأرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ ألْفًا، وعَدُّ الرُّسُلِ ثَلاثُمِائَةٍ وثَلاثَةَ عَشَرَ رَسُولًا» . وقَدْ ورَدَ في حَدِيثِ الشَّفاعَةِ، في الصَّحِيحِ: «أنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ أوَّلُ الرُّسُلِ» . وقَدْ دَلَّتْ آياتُ القُرْآنِ عَلى أنَّ الدِّينَ كانَ مَعْرُوفًا في زَمَنِ آدَمَ وأنَّ الجَزاءَ كانَ مَعْلُومًا لَهم، فَقَدْ قَرَّبَ ابْنا آدَمَ قُرْبانًا، قالَ أحَدُهُما لِلْآخَرِ: ﴿إنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧]، وقالَ لَهُ ﴿إنِّي أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٨] ﴿إنِّي أُرِيدُ أنْ تَبُوءَ بِإثْمِي وإثْمِكَ فَتَكُونَ مِن أصْحابِ النّارِ وذَلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ﴾ [المائدة: ٢٩] .
ودَلَّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ بَيْنَهم مَن يَأْخُذُ عَلى يَدِ المُعْتَدِي ويَنْتَصِفُ لِلضَّعِيفِ مِنَ القَوِيِّ، فَإنَّما كانَ ما تَعَلَّمُوهُ مِن طَرِيقَةِ الوَعْظِ والتَّعْلِيمِ وكانَتْ رِسالَةً عائِلِيَّةً.
ونُوحٌ هو أوَّلُ الرُّسُلِ، وهو نُوحُ بْنُ لامَكَ، والعَرَبُ تَقُولُ: لَمَكُ بْنُ مُتُوشالِحَ بْنِ أخْنُوخَ. ويُسَمِّيهِ المِصْرِيُّونَ هُرْمُسَ، ويُسَمِّيهِ العَرَبُ إدْرِيسُ بْنُ يارِدَ بْنِ مَهْلَلْئِيلَ بْنِ قِينانَ بْنِ أنْوَشَ بْنِ شِيثَ بْنِ آدَمَ، حَسَبَ قَوْلِ التَّوْراةِ. وفي زَمَنِهِ وقَعَ الطُّوفانُ العَظِيمُ. وعاشَ تِسْعَمِائَةٍ وخَمْسِينَ سَنَةً، وقِيلَ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعِينَ سَنَةً، والقُرْآنُ أثْبَتَ ذَلِكَ. وقَدْ ماتَ نُوحٌ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلاثَةِ آلافِ سَنَةٍ وتِسْعِمِائَةِ سَنَةٍ وسَبْعِينَ سَنَةً عَلى حَسَبِ حِسابِ اليَهُودِ المُسْتَمَدِّ مِن كِتابِهِمْ.
وإبْراهِيمُ هو الخَلِيلُ، إبْراهِيمُ بْنُ تارِحَ والعَرَبُ تُسَمِّيهِ آزَرَ بْنَ ناحُورَ بْنِ سارُوغَ بْنِ أرْعُو بْنِ فالِغَ بْنِ عابِرَ بْنِ شالِحَ بْنِ قِينانَ بْنِ أرْفَخْشَدَ بْنِ سامَ بْنِ نُوحٍ. وُلِدَ سَنَةَ ٢٨٩٣ قَبْلَ الهِجْرَةِ، في بَلَدِ أُورِ الكَلْدانِيِّينَ، وماتَ في بِلادِ الكَنْعانِيِّينَ، وهي سُورِيا، في حَبْرُونَ حَيْثُ مَدْفَنُهُ الآنَ المَعْرُوفُ بِبَلَدِ الخَلِيلِ سَنَةَ ٢٧١٨ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
(p-٣٣)وإسْماعِيلُ هو ابْنُ إبْراهِيمَ مِنَ الجارِيَةِ المِصْرِيَّةِ هاجَرَ. تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ٢٦٨٦ قَبْلَ الهِجْرَةِ تَقْرِيبًا. وكانَ إسْماعِيلُ رَسُولًا إلى قَوْمِهِ الَّذِينَ حَلَّ بَيْنَهم مِن جُرْهُمَ وغَيْرِهِمْ، وإلى أبْنائِهِ وأهْلِهِ، قالَ تَعالى ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وكانَ رَسُولًا نَبِيئا﴾ [مريم: ٥٤] .
وإسْحاقُ هو ابْنُ إبْراهِيمَ مِن سارَةَ ابْنَةَ عَمِّهِ، تُوُفِّيَ قَبْلَ الهِجْرَةِ سَنَةَ ٢٦١٣، وكانَ إسْحاقُ نَبِيًّا مُؤَيِّدًا لِشَرْعِ أبِيهِ إبْراهِيمَ ولَمْ يَجِئْ بِشَرْعٍ.
ويَعْقُوبُ هو ابْنُ إسْحاقَ، المُلَقَّبُ بِإسْرائِيلَ. تُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٥٨٦ قَبْلَ الهِجْرَةِ. وكانَ يَعْقُوبُ نَبِيًّا مُؤَيِّدًا لِشَرْعِ إبْراهِيمَ، قالَ تَعالى ﴿ووَصّى بِها إبْراهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ﴾ [البقرة: ١٣٢] ولَمْ يَجِئْ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ.
والأسْباطُ هم أسْباطُ إسْحاقَ أيْ أحْفادُهُ، وهم أبْناءُ يَعْقُوبَ اثْنا عَشَرَ ابْنًا: رُوبِينُ، وشَمْعُونُ، وجادُ، ويَهُوذا، ويَساكِرُ، وزَبُولُونُ، ويُوسُفُ، وبِنْيامِينُ، ومُنَسّى، ودانٍ، وأشْيَرُ، وثَفْتالِي، فَأمّا يُوسُفُ فَكانَ رَسُولًا لِقَوْمِهِ بِمِصْرَ. قالَ تَعالى لِبَنِي إسْرائِيلَ عَلى لِسانِ مُؤْمِنِ بَنِي إسْرائِيلَ، أوْ خِطابًا مِنَ اللَّهِ ﴿ولَقَدْ جاءَكم يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ في شَكٍّ مِمّا جاءَكم بِهِ حَتّى إذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا﴾ [غافر: ٣٤] . وأمّا بَقِيَّةُ الأسْباطِ فَكانَ كُلٌّ مِنهم قائِمًا بِدَعْوَةِ شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ في بَنِيهِ وقَوْمِهِ. والوَحْيُ إلى هَؤُلاءِ مُتَفاوِتٌ.
وعِيسى هو عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ، وُلِدَ مِن غَيْرِ أبٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ سَنَةَ ٦٢٢ . ورُفِعَ إلى السَّماءِ قَبْلَها سَنَةَ ٥٨٩ . وهو رَسُولٌ بِشَرْعٍ ناسِخٍ لِبَعْضِ أحْكامِ التَّوْراةِ. ودامَتْ دَعْوَتُهُ إلى اللَّهِ ثَلاثَ سِنِينَ.
وأيُّوبُ هو نَبِيٌّ. قِيلَ: أنَّهُ عَرَبِيُّ الأصْلِ مِن أرْضِ عُوصٍ، في بِلادِ أدَوْمَ، وهي مِن بِلادِ حَوْرانَ، وقِيلَ، هو أيُّوبُ بْنُ ناحُورَ أخِي إبْراهِيمَ، وقِيلَ: اسْمُهُ عَوَضٌ، وقِيلَ: هو يُوبابُ ابْنُ حَفِيدِ عِيسُو. وقِيلَ: كانَ قَبْلَ إبْراهِيمَ بِمِائَةِ سَنَةٍ. (p-٣٤)والصَّحِيحُ أنَّهُ كانَ بَعْدَ إبْراهِيمَ وقَبْلَ مُوسى في القَرْنِ الخامِسَ عَشَرَ قَبْلَ المَسِيحِ، أيْ في القَرْنِ الحادِي والعِشْرِينَ قَبْلَ الهِجْرَةِ. ويُقالُ: إنَّ الكِتابَ المَنسُوبَ إلَيْهِ في كُتُبِ اليَهُودِ أصْلُهُ مُؤَلَّفٌ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وأنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ نَقَلَهُ إلى العِبْرانِيَّةِ عَلى سَبِيلِ المَوْعِظَةِ، فَظَنَّ كَثِيرٌ مِنَ الباحِثِينَ في التّارِيخِ أنَّ أيُّوبَ مِن قَبِيلَةٍ عَرَبِيَّةٍ. ولَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ. وكانَ أيُّوبُ رَسُولًا نَبِيًّا. وكانَ لَهُ صاحِبٌ اسْمُهُ اليَفازُ اليَمانِيُّ هو الَّذِي شَدَّ أزْرَهُ في الصَّبْرِ، كَما سَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ. وإنَّما مُنِعَ اسْمُهُ مِنَ الصَّرْفِ إذْ لَمْ يَكُنْ مِن عَرَبِ الحِجازِ ونَجْدٍ؛ لِأنَّ العَرَبَ اعْتَبَرَتِ القَبائِلَ البَعِيدَةَ عَنْها عَجَمًا، وإنْ كانَ أصْلُهم عَرَبِيًّا، ولِذَلِكَ مَنَعُوا ثَمُودَ مِنَ الصَّرْفِ إذْ سَكَنُوا الحِجْرَ.
ويُونُسُ هو ابْنُ مَتّى مِن سِبْطِ زَبُولُونَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، بَعَثَهُ اللَّهُ إلى أهْلِ نِينَوى عاصِمَةِ الآشُورِيِّينَ، بَعْدَ خَرابِ بَيْتِ المَقْدِسِ، وذَلِكَ في حُدُودِ القَرْنِ الحادِي عَشَرَ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
وهارُونُ أخُو مُوسى بْنِ عِمْرانَ تُوُفِّيَ سَنَةَ ١٩٧٢ قَبْلَ الهِجْرَةِ وهو رَسُولٌ مَعَ مُوسى إلى بَنِي إسْرائِيلَ.
وسُلَيْمانُ هو ابْنُ داوُدَ. كانَ نَبِيًّا حاكِمًا بِالتَّوْراةِ ومَلِكًا عَظِيمًا. تُوُفِّيَ سَنَةَ ١٥٩٧ قَبْلَ الهِجْرَةِ. ومِمّا أوْحى اللَّهُ بِهِ إلَيْهِ ما تَضَمَّنَهُ كِتابُ الجامِعَةِ وكِتابُ الأمْثالِ مِنَ الحِكْمَةِ والمَواعِظِ، وهي مَنسُوبَةٌ إلى سُلَيْمانَ ولَمْ يُقَلْ فِيها إنَّ اللَّهَ أوْحاها إلَيْهِ؛ فَعَلِمْنا أنَّها كانَتْ مُوحى بِمَعانِيها دُونَ لَفْظِها.
وداوُدُ أبُو سُلَيْمانَ هو داوُدُ بْنُ يَسِي، تُوُفِّيَ سَنَةَ ١٦٢٦ قَبْلَ الهِجْرَةِ، بَعَثَهُ اللَّهُ لِنَصْرِ بَنِي إسْرائِيلَ. وأنْزَلَ عَلَيْهِ كِتابًا فِيهِ مَواعِظُ وأمْثالُ، كانَ بَنُو إسْرائِيلَ يَتَرَنَّمُونَ بِفُصُولِهِ، وهو المُسَمّى بِالزَّبُورِ. وهو مَصْدَرٌ عَلى وزْنِ فَعُولٍ مِثْلُ قَبُولٍ. ويُقالُ فِيهِ: زُبُورٌ بِضَمِّ الزّايِ أيْ مَصْدَرًا مِثْلَ الشُّكُورِ، ومَعْناهُ الكِتابَةُ ويُسَمّى المَكْتُوبُ زَبُورًا فَيُجْمَعُ عَلى الزُّبُرِ، قالَ تَعالى ﴿بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ﴾ [آل عمران: ١٨٤] . وقَدْ صارَ (p-٣٥)عَلَمًا بِالغَلَبَةِ في لُغَةِ العَرَبِ عَلى كِتابِ داوُدَ النَّبِيءِ، وهو أحَدُ أسْفارِ الكِتابِ المُقَدَّسِ عِنْدَ اليَهُودِ.
وعُطِفَتْ جُمْلَةُ ﴿وآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا﴾ عَلى (أوْحَيْنا إلَيْكَ) . ولَمْ يُعْطَفِ اسْمُ داوُدَ عَلى بَقِيَّةِ الأسْماءِ المَذْكُورَةِ قَبْلَهُ لِلْإيماءِ إلى أنَّ الزَّبُورَ مُوحًى بِأنْ يَكُونَ كِتابًا.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (زَبُورًا) بِفَتْحِ الزّايِ، وقَرَأهُ حَمْزَةُ وخَلَفٌ بِضَمِّ الزّايِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ورُسُلًا قَدْ قَصَصْناهم عَلَيْكَ مِن قَبْلُ﴾ يَعْنِي في آيِ القُرْآنِ مِثْلَ: هُودٍ، وصالِحٍ، وشُعَيْبَ، وزَكَرِيّاءَ، ويَحْيى، وإلْياسَ، واليَسَعَ، ولُوطٍ، وتُبَّعٍ. ومَعْنى قَوْلِهِ ﴿ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهم عَلَيْكَ﴾ لَمْ يَذْكُرْهُمُ اللَّهُ تَعالى في القُرْآنِ؛ فَمِنهم مَن لَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُ في السُّنَّةِ: مِثْلُ حَنْظَلَةَ بْنِ صَفْوانَ نَبِيءِ أصْحابِ الرَّسِّ، ومِثْلُ بَعْضِ حُكَماءِ اليُونانِ عِنْدَ بَعْضِ عُلَماءِ الحِكْمَةِ. قالَ السَّهْرَوَرْدِيُّ في حِكْمَةِ الإشْراقِ مِنهم أهْلُ السِّفارَةِ. ومِنهم مَن ذَكَرَتْهُ السُّنَّةُ: مِثْلُ خالِدِ بْنِ سِنانٍ العَبْسِيِّ.
وإنَّما ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى هُنا الأنْبِياءَ الَّذِينَ اشْتُهِرُوا عِنْدَ بَنِي إسْرائِيلَ لِأنَّ المَقْصُودَ مُحاجَّتُهم. وإنَّما تَرَكَ اللَّهُ أنْ يَقُصَّ عَلى النَّبِيءِ ﷺ أسْماءَ كَثِيرٍ مِنَ الرُّسُلِ لِلِاكْتِفاءِ بِمَن قَصَّهم عَلَيْهِ، لِأنَّ المَذْكُورِينَ هم أعْظَمُ الرُّسُلِ والأنْبِياءِ قَصَصًا ذاتَ عِبَرٍ.
وقَوْلُهُ ﴿وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا﴾ غُيِّرَ الأُسْلُوبُ فَعُدِلَ عَنِ العَطْفِ إلى ذِكْرِ فِعْلٍ آخَرَ، لِأنَّ لِهَذا النَّوْعِ مِنَ الوَحْيِ مَزِيدَ أهَمِّيَّةٍ، وهو مَعَ تِلْكَ المَزِيَّةِ لَيْسَ إنْزالَ كِتابٍ مِنَ السَّماءِ، فَإذا لَمْ تَكُنْ عِبْرَةٌ إلّا بِإنْزالِ كِتابٍ مِنَ السَّماءِ حَسَبَ اقْتِراحِهِمْ، فَقَدْ بَطَلَ أيْضًا ما عَدا الكَلِماتِ العَشْرِ المُنَزَّلَةِ في الألْواحِ عَلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ.
وكَلامُ اللَّهِ تَعالى صِفَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عِنْدَنا. وهي المُتَعَلِّقَةُ بِإبْلاغِ مُرادِ اللَّهِ إلى المَلائِكَةِ والرُّسُلِ، وقَدْ تَواتَرَ ذَلِكَ في كَلامِ الأنْبِياءِ والرُّسُلِ تَواتُرًا ثَبَتَ (p-٣٦)عِنْدَ جَمِيعِ المِلِّيِّينَ، فَكَلامُ اللَّهِ صِفَةٌ لَهُ ثَبَتَتْ بِالشَّرْعِ لا يَدُلُّ عَلَيْها الدَّلِيلُ العَقْلِيُّ عَلى التَّحْقِيقِ إذْ لا تَدُلُّ الأدِلَّةُ العَقْلِيَّةُ عَلى أنَّ اللَّهَ يَجِبُ لَهُ إبْلاغُ مُرادِهِ النّاسَ بَلْ يَجُوزُ أنْ يُوجِدَ المَوْجُوداتِ ثُمَّ يَتْرُكُها وشَأْنَها، فَلا يَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِحَمْلِها عَلى ارْتِكابِ حَسَنِ الأفْعالِ وتَجَنُّبِ قَبائِحِها. ألا تَرى أنَّهُ خَلَقَ العَجْماواتِ فَما أمَرَها ولا نَهى، فَلَوْ تَرَكَ النّاسَ فَوْضى كالحَيَوانِ لَما اسْتَحالَ ذَلِكَ. وأنَّهُ إذا أرادَ حَمْلَ المَخْلُوقاتِ عَلى شَيْءٍ يُرِيدُهُ فَطَرَها عَلى ذَلِكَ فانْساقَتْ إلَيْهِ بِجِبِلّاتِها، كَما فَطَرَ النَّحْلَ عَلى إنْتاجِ العَسَلِ، والشَّجَرِ عَلى الإثْمارِ، . ولَوْ شاءَ لَحَمَلَ النّاسَ أيْضًا عَلى جِبِلَّةٍ لا يَعْدُونَها، غَيْرَ أنَّنا إذْ قَدْ عَلِمْنا أنَّهُ عالِمٌ، وأنَّهُ حَكِيمٌ، والعِلْمُ يَقْتَضِي انْكِشافَ حَقائِقِ الأشْياءِ عَلى ما هي عَلَيْهِ عِنْدَهُ، فَهو إذْ يَعْلَمُ حَسَنَ الأفْعالِ وقُبْحَها، يُرِيدُ حُصُولَ المَنافِعِ وانْتِفاءَ المَضارِّ، ويَرْضى بِالأُولى، ويَكْرَهُ الثّانِيَةَ، وإذِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ وإرادَتُهُ أنْ جَعَلَ البَشَرَ قابِلًا لِلتَّعَلُّمِ والصَّلاحِ، وجَعَلَ عُقُولَ البَشَرِ صالِحَةً لِبُلُوغِ غاياتِ الخَيْرِ، وغاياتِ الشَّرِّ، والتَّفَنُّنِ فِيهِما، بِخِلافِ الحَيَوانِ الَّذِي يَبْلُغُ فِيما جُبِلَ عَلَيْهِ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ إلى غايَةٍ فُطِرَ عَلَيْها لا يَعْدُوها، فَكانَ مِنَ المُتَوَقَّعِ طُغْيانُ الشَّرِّ عَلى الخَيْرِ بِعَمَلِ فَرِيقِ الأشْرارِ مِنَ البَشَرِ كانَ مِن مُقْتَضى الحِكْمَةِ أنْ يَحْمِلَ النّاسَ عَلى فِعْلِ الخَيْرِ الَّذِي يَرْضاهُ، وتَرْكِ الشَّرِّ الَّذِي يَكْرَهُهُ، وحَمْلُهم عَلى هَذا قَدْ يَحْصُلُ بِخَلْقِ أفاضِلِ النّاسِ وجَبْلِهِمْ عَلى الصَّلاحِ والخَيْرِ، فَيَكُونُونَ دُعاةً لِلْبَشَرِ، لَكِنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ وفَضْلَهُ اقْتَضى أنْ يَخْلُقَ الصّالِحِينَ القابِلِينَ لِلْخَيْرِ، وأنْ يُعِينَهم عَلى بُلُوغِ ما جُبِلُوا عَلَيْهِ بِإرْشادِهِ وهَدْيِهِ، فَخَلَقَ النُّفُوسَ القابِلَةَ لِلنُّبُوَّةِ والرِّسالَةِ وأمَدَّها بِالإرْشادِ الدّالِّ عَلى مُرادِهِ المُعَبِّرِ عَنْهُ بِالوَحْيِ، كَما اقْتَضاهُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤]) فَأثْبَتَ رِسالَةً وتَهْيِئَةَ المُرْسَلِ لِقَبُولِها ومِن هُنا ثَبَتَتْ صِفَةُ الكَلامِ. فَعَلِمْنا بِأخْبارِ الشَّرِيعَةِ المُتَواتِرَةِ أنَّ اللَّهَ أرادَ مِنَ البَشَرِ الصَّلاحَ وأمَرَهم بِهِ، وأنَّ أمْرَهُ بِذَلِكَ بَلَغَ إلى البَشَرِ في عُصُورٍ كَثِيرَةٍ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ اللَّهَ يَرْضى بَعْضَ أعْمالِ البَشَرِ ولا يَرْضى بَعْضَها وأنَّ ذَلِكَ يُسَمّى كَلامًا نَفِيسًا، وهو أزَلِيٌّ.
ثُمَّ إنَّ حَقِيقَةَ صِفَةِ الكَلامِ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مِن مُتَعَلِّقاتِ صِفَةِ العِلْمِ، أوْ مِن مُتَعَلِّقاتِ صِفَةِ الإرادَةِ، أوْ صِفَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ مُتَمَيِّزَةٍ عَنِ الصِّفَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ؛ (p-٣٧)فَمِنهم مَن يَقُولُ: عَلِمَ حاجَةَ النّاسِ إلى الإرْشادِ فَأرْشَدَهم، أوْ أرادَ هُدى النّاسِ فَأرْشَدَهم. ونَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الإلَهِيَّةَ تَقْتَضِي ثُبُوتَ صِفاتِ الكَمالِ الَّتِي مِنها الرِّضا والكَراهِيَةُ والأمْرُ والنَّهْيُ لِلْبَشَرِ أوِ المَلائِكَةِ، فَثَبَتَتْ صِفَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ هي صِفَةُ الكَلامِ النَّفْسِيِّ؛ وكُلُّ ذَلِكَ مُتَقارِبٌ، وتَفْصِيلُهُ في عِلْمِ الكَلامِ.
أمّا تَكْلِيمُ اللَّهِ تَعالى بَعْضَ عِبادِهِ مِنَ المَلائِكَةِ أوِ البَشَرِ فَهو إيجادُ ما يَعْرِفُ مِنهُ المَلَكُ أوِ الرَّسُولُ أنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ أوْ يَنْهى أوْ يُخْبِرُ. فالتَّكْلِيمُ تَعَلُّقٌ لِصِفَةِ الكَلامِ بِالمُخاطَبِ عَلى جَعْلِ الكَلامِ صِفَةً مُسْتَقِلَّةً، أوْ تَعَلُّقُ العِلْمِ بِإيصالِ المَعْلُومِ إلى المُخاطَبِ، أوْ تَعَلُّقُ الإرادَةِ بِإبْلاغِ المُرادِ إلى المُخاطَبِ. فالأشاعِرَةُ قالُوا: تَكْلِيمُ اللَّهِ عَبْدَهُ هو أنْ يَخْلُقَ لِلْعَبْدِ إدْراكًا مِن جِهَةِ السَّمْعِ يَتَحَصَّلُ بِهِ العِلْمَ بِكَلامِ اللَّهِ دُونَ حُرُوفٍ ولا أصْواتٍ. وقَدْ ورَدَ تَمْثِيلُهُ بِأنَّ مُوسى سَمِعَ مِثْلَ الرَّعْدِ عَلِمَ مِنهُ مَدْلُولَ الكَلامِ النَّفْسِيِّ. قُلْتُ: وقَدْ مَثَّلَهُ النَّبِيءُ ﷺ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ اللَّهَ تَعالى إذا قَضى الأمْرَ في السَّماءِ ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بِأجْنِحَتِها خُضْعانًا لِقَوْلِهِ كَأنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلى صَفْوانٍ فَإذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا: ماذا قالَ رَبُّكم، قالُوا لِلَّذِي قالَ (﴿الحَقَّ وهو العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ [سبإ»: ٢٣]) فَعَلى هَذا القَوْلِ لا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ المَسْمُوعُ لِلرَّسُولِ أوِ المَلَكِ حُرُوفًا وأصْواتًا بَلْ هو عِلْمٌ يَحْصُلُ لَهُ مِن جِهَةِ سَمْعِهِ يَتَّصِلُ بِكَلامِ اللَّهِ، وهو تَعَلُّقٌ مِن تَعَلُّقاتِ صِفَةِ الكَلامِ النَّفْسِيِّ بِالمُكَلِّمِ فِيما لا يَزالُ، فَذَلِكَ التَّعَلُّقُ حادِثٌ لا مَحالَةَ كَتَعَلُّقِ الإرادَةِ. وقالَتِ المُعْتَزِلَةُ: يَخْلُقُ اللَّهُ حُرُوفًا وأصْواتًا بِلُغَةِ الرَّسُولِ فَيَسْمَعُها الرَّسُولُ، فَيَعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ مِن عِنْدِ اللَّهِ، بِعِلْمٍ يَجِدُهُ في نَفْسِهِ، يَعْلَمُ بِهِ أنَّ ذَلِكَ ورَدَ إلَيْهِ مِن قِبَلِ اللَّهِ، إلّا أنَّهُ لَيْسَ بِواسِطَةِ المَلَكِ، فَهم يُفَسِّرُونَهُ بِمِثْلِ ما نُفَسِّرُ بِهِ نَحْنُ نُزُولَ القُرْآنِ؛ فَإسْنادُ الكَلامِ إلى اللَّهِ مَجازٌ في الإسْنادِ، عَلى قَوْلِهِمْ، لِأنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الحُرُوفِ والأصْواتِ. والكَلامُ حَقِيقَةً حُرُوفٌ وأصْواتٌ، وهَذِهِ سَفْسَطَةٌ في الدَّلِيلِ لِأنَّهُ لا يَقُولُ أحَدٌ بِأنَّ الحُرُوفَ والأصْواتَ تَتَّصِفُ بِها الذّاتُ العَلِيَّةُ. وهو عِنْدَنا وعِنْدَهم غَيْرُ الوَحْيِ الَّذِي يَقَعُ في قَلْبِ الرَّسُولِ، وغَيْرُ التَّبْلِيغِ الَّذِي يَكُونُ بِواسِطَةِ جِبْرِيلَ، وهو المُشارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى (﴿أوْ مِن وراءِ حِجابٍ﴾ [الشورى: ٥١]) .
(p-٣٨)أمّا كَلامُ اللَّهِ الوارِدُ لِلرَّسُولِ بِواسِطَةِ المَلَكِ وهو المُعَبَّرُ عَنْهُ بِالقُرْآنِ وبِالتَّوْراةِ وبِالإنْجِيلِ وبِالزَّبُورِ: فَتِلْكَ ألْفاظٌ وحُرُوفٌ وأصْواتٌ يُعْلِمُها اللَّهُ لِلْمَلَكِ بِكَيْفِيَّةٍ لا نَعْلَمُها، يَعْلَمُ بِها المَلَكُ أنَّ اللَّهَ يَدُلُّ، بِالألْفاظِ المَخْصُوصَةِ المُلْقاةِ لِلْمَلَكِ، عَلى مَدْلُولاتِ تِلْكَ الألْفاظِ فَيُلْقِيها المَلَكُ عَلى الرَّسُولِ كَما هي، قالَ تَعالى ﴿أوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإذْنِهِ ما يَشاءُ﴾ [الشورى: ٥١] وقالَ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣] ﴿عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٤] ﴿بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٥] . وهَذا لا يَمْتَرِي في حُدُوثِهِ مَن لَهُ نَصِيبٌ مِنَ العِلْمِ في الدِّينِ. ولَكِنْ أمْسَكَ بَعْضُ أئِمَّةِ الإسْلامِ عَنِ التَّصْرِيحِ بِحُدُوثِهِ، أوْ بِكَوْنِهِ مَخْلُوقًا، في مَجالِسِ المُناظَرَةِ الَّتِي غَشِيَتْها العامَّةُ، أوْ ظُلْمَةُ المُكابَرَةِ، والتَّحَفُّزُ إلى النَّبْزِ والأذى: دَفْعًا لِلْإيهامِ، وإبْقاءً عَلى النِّسْبَةِ إلى الإسْلامِ، وتَنَصُّلًا مِن غَوْغاءِ الطُّغامِ، فَرَحِمَ اللَّهُ نُفُوسًا فَتَنَتْ، وأجْسادًا أوْجَعَتْ، وأفْواهًا سَكَتَتْ، والخَيْرَ أرادُوا، سَواءً اقْتَصَدُوا أمْ زادُوا. واللَّهُ حَسِيبُ الَّذِينَ ألَّبُوا عَلَيْهِمْ وجَمَعُوا، وأغْرُوا بِهِمْ وبِئْسَ ما صَنَعُوا.
وقَوْلُهُ (تَكْلِيمًا) مَصْدَرٌ لِلتَّوْكِيدِ. والتَّوْكِيدُ بِالمَصْدَرِ يَرْجِعُ إلى تَأْكِيدِ النِّسْبَةِ وتَحْقِيقِها مِثْلَ (قَدْ) و(إنَّ)، ولا يُقْصَدُ بِهِ رَفْعُ احْتِمالِ المَجازِ، ولِذَلِكَ أكَّدَتِ العَرَبُ بِالمَصْدَرِ أفْعالًا لَمْ تُسْتَعْمَلْ إلّا مَجازًا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكم تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: ٣٣] فَإنَّهُ أرادَ أنَّهُ يُطَهِّرُهُمُ الطَّهارَةَ المَعْنَوِيَّةَ، أيِ الكَمالَ النَّفْسِيَّ، فَلَمْ يُفِدِ التَّأْكِيدُ رَفْعَ المَجازِ. وقالَتْهِنْدُ بِنْتُ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ تَذُمُّ زَوْجَها رَوْحَ بْنَ زِنْباعٍ:
بَكى الخَزُّ مِن رَوْحٍ وأنْكَرَ جِلْـدُهُ ∗∗∗ وعَجَّتْ عَجِيجًا مِن جُذامَ المَطارِفُوَلَيْسَ العَجِيجُ إلّا مَجازًا، فالمَصْدَرُ يُؤَكِّدُ، أيْ يُحَقِّقُ حُصُولَ الفِعْلِ المُؤَكَّدِ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ المَعْنى قَبْلَ التَّأْكِيدِ.
فَمَعْنى قَوْلِهِ (تَكْلِيمًا) هُنا: أنَّ مُوسى سَمِعَ كَلامًا مِن عِنْدِ اللَّهِ، بِحَيْثُ لا يُحْتَمَلُ أنَّ اللَّهَ أرْسَلَ إلَيْهِ جِبْرِيلَ بِكَلامٍ، أوْ أوْحى إلَيْهِ في نَفْسِهِ. وأمّا كَيْفِيَّةُ صُدُورِ هَذا الكَلامِ عَنْ جانِبِ اللَّهِ فَغَرَضٌ آخَرُ هو مَجالٌ لِلنَّظَرِ بَيْنَ الفِرَقِ، ولِذَلِكَ (p-٣٩)فاحْتِجاجُ كَثِيرٍ مِنَ الأشاعِرَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى كَوْنِ الكَلامِ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسى الصِّفَةَ الذّاتِيَّةَ القائِمَةَ بِاللَّهِ تَعالى احْتِجاجٌ ضَعِيفٌ. وقَدْ حَكى ابْنُ عَرَفَةَ أنَّ المازِرِيُّ قالَ في شَرْحِ التَّلْقِينِ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ حُجَّةٌ عَلى المُعْتَزِلَةِ في قَوْلِهِمْ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسى مُباشَرَةً بَلْ بِواسِطَةِ خَلْقِ الكَلامِ لِأنَّهُ أكَّدَهُ بِالمَصْدَرِ، وأنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلامِ التُّونِسِيَّ، شَيْخَ ابْنِ عَرَفَةَ، رَدَّهُ بِأنَّ التَّأْكِيدَ بِالمَصْدَرِ لِإزالَةِ الشَّكِّ عَنِ الحَدِيثِ لا عَنِ المُحَدِّثِ عَنْهُ. وتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِما يَؤُولُ إلى تَأْيِيدِ رَدِّ ابْنِ عَبْدِ السَّلامِ.
وقَوْلُهُ (رُسُلًا) حالٌ مِنَ المَذْكُورِينَ، وقَدْ سَمّاهم رُسُلًا لِما قَدَّمْناهُ، وهي حالٌ مُوَطِّئَةٌ لِصِفَتِها، أعْنِي (مُبَشِّرِينَ)؛ لِأنَّهُ المَقْصُودُ مِنَ الحالِ.
وقَوْلُهُ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ (﴿مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ﴾) ولا يَصِحُّ جَعْلُهُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ ﴿إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ لِأنَّ ذَلِكَ مَسُوقٌ لِبَيانِ صِحَّةِ الرِّسالَةِ مَعَ الخُلُوِّ عَنْ هُبُوطِ كِتابٍ مِنَ السَّماءِ رَدًّا عَلى قَوْلِهِمْ (﴿حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا نَقْرَؤُهُ﴾ [الإسراء: ٩٣]) . فَمَوْقِعُ قَوْلِهِ ﴿لِيَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ مَوْقِعَ الإدْماجِ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ بِحِكْمَةٍ مِنَ الحِكَمِ في بَعْثِيَّتِهِ الرُّسُلَ. والحُجَّةُ ما يَدُلُّ عَلى صِدْقِ المُدَّعِي وحَقِّيَّةِ المُعْتَذِرِ، فَهي تَقْتَضِي عَدَمَ المُؤاخَذَةِ بِالذَّنْبِ أوِ التَّقْصِيرِ. والمُرادُ هُنا العُذْرُ البَيِّنُ الَّذِي يُوجِبُ التَّنَصُّلَ مِنَ الغَضَبِ والعِقابِ. فَإرْسالُ الرُّسُلِ لِقَطْعِ عُذْرِ البَشَرِ إذا سُئِلُوا عَنْ جَرائِمِ أعْمالِهِمْ، واسْتَحَقُّوا غَضَبَ اللَّهِ وعِقابَهُ. فَعُلِمَ مِن هَذا أنَّ لِلنّاسِ قَبْلَ إرْسالِ الرُّسُلِ حُجَّةً إلى اللَّهِ أنْ يَقُولُوا: (﴿لَوْلا أرْسَلْتَ إلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ ونَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ٤٧]) .
وأشْعَرَتِ الآيَةُ أنَّ مِن أعْمالِ النّاسِ ما هو بِحَيْثُ يُغْضِبُ اللَّهَ ويُعاقَبُ عَلَيْهِ، وهي الأفْعالُ الَّتِي تَدُلُّ العُقُولُ السَّلِيمَةُ عَلى قُبْحِها لِإفْضائِها إلى الفَسادِ والأضْرارِ البَيِّنَةِ. ووَجْهُ الإشْعارِ أنَّ الحُجَّةَ إنَّما تُقابِلُ مُحاوَلَةَ عَمَلٍ ما، فَلَمّا بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ لِقَطْعِ الحُجَّةِ عَلِمْنا أنَّ اللَّهَ حِينَ بَعَثَ الرُّسُلَ كانَ بِصَدَدِ أنْ يُؤاخِذَ المَبْعُوثَ إلَيْهِمْ، فاقْتَضَتْ رَحْمَتُهُ أنْ يَقْطَعَ حُجَّتَهم بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ وإرْشادِهِمْ وإنْذارِهِمْ، ولِذَلِكَ جَعَلَ قَطْعَ الحُجَّةِ عِلَّةً غائِيَّةً لِلتَّبْشِيرِ والإنْذارِ: إذِ التَّبْشِيرُ والإنْذارُ إنَّما يُبَيِّنانِ عَواقِبَ الأعْمالِ، ولِذَلِكَ لَمْ يُعَلِّلْ بَعْثَةَ الرُّسُلِ بِالتَّنْبِيهِ إلى ما يُرْضِي اللَّهَ وما يُسْخِطُهُ.
(p-٤٠)فَهَذِهِ الآيَةُ مُلْجِئَةٌ جَمِيعَ الفِرَقِ إلى القَوْلِ بِأنَّ بِعْثَةَ الرُّسُلِ تَتَوَقَّفُ عَلَيْها المُؤاخَذَةُ بِالذُّنُوبِ، وظاهِرُها أنَّ سائِرَ أنْواعِ المُؤاخَذَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَيْها، سَواءٌ في ذَلِكَ الذُّنُوبُ الرّاجِعَةُ إلى الِاعْتِقادِ، والرّاجِعَةُ إلى العَمَلِ، وفي وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ، فَإرْسالُ الرُّسُلِ عِنْدَنا مِن تَمامِ العَدْلِ مِنَ اللَّهِ لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يُرْسِلْهم لَكانَتِ المُؤاخَذَةُ بِالعَذابِ مُجَرَّدَ الإطْلاقِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الخالِقِيَّةُ إذْ لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ، وكانَتْ عَدْلًا بِالمَعْنى الأعَمِّ.
فَأمّا جُمْهُورُ أهْلِ السُّنَّةِ، الَّذِينَ تُتَرْجَمُ عَنْ أقْوالِهِمْ طَرِيقَةُ الأشْعَرِيِّ، فَعَمَّمُوا وقالُوا: لا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنَ الواجِباتِ، ولا مُؤاخَذَةَ عَلى تَرْكٍ أوْ فِعْلٍ إلّا بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ حَتّى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى، واسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ وغَيْرِها: مِثْلِ (﴿وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]) وبِالإجْماعِ. وفي دَعْوى الإجْماعِ نَظَرٌ، وفي الِاسْتِدْلالِ بِهِ عَلى أصْلٍ مِن أُصُولِ الدِّينِ نَظَرٌ آخَرُ، وفي الِاسْتِدْلالِ بِالآياتِ، وهي ظَواهِرُ عَلى أصْلٍ مِن أُصُولِ الدِّينِ نَظَرٌ ثالِثٌ، إلّا أنْ يُقالَ: إنَّها تَكاثَرَتْ كَثْرَةً أبْلَغَتْها إلى مَرْتَبَةِ القَطْعِ، وهَذا أيْضًا مَجالٌ لِلنَّظَرِ، وهم مُلْجَئُونَ إلى تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ، لِأنَّهم قائِلُونَ بِمُؤاخَذَةِ أهْلِ الفَتْرَةِ عَلى إشْراكِهِمْ بِاللَّهِ. والجَوابُ أنْ يُقالَ: إنَّ الرُّسُلَ في الآيَةِ كُلٌّ إفْرادِيٌّ، صادِقٌ بِالرَّسُولِ الواحِدِ، وهو يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الدَّعْوَةِ. فَأمّا الدَّعْوَةُ إلى جُمْلَةِ الإيمانِ والتَّوْحِيدِ فَقَدْ تَقَرَّرَتْ بِالرُّسُلِ الأوَّلِينَ، الَّذِينَ تَقَرَّرَ مِن دَعَواتِهِمْ عِنْدَ البَشَرِ وُجُوبُ الإيمانِ والتَّوْحِيدِ، وأمّا الدَّعْوَةُ إلى تَفْصِيلِ الآياتِ والصِّفاتِ وإلى فُرُوعِ الشَّرائِعِ، فَهي تَتَقَرَّرُ بِمَجِيءِ الرُّسُلِ الَّذِينَ يَخْتَصُّونَ بِأُمَمٍ مَعْرُوفَةٍ.
وأمّا المُعْتَزِلَةُ فَقَدْ أثْبَتُوا الحَسَنَ والقَبِيحَ الذّاتِيَّيْنِ في حالَةِ عَدَمِ إرْسالِ رَسُولٍ؛ فَقالُوا: إنَّ العَقْلَ يَثْبُتُ بِهِ وُجُوبُ كَثِيرٍ مِنَ الأحْكامِ، وحُرْمَةُ كَثِيرٍ، لا سِيَّما مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعالى، لِأنَّ المَعْرِفَةَ دافِعَةٌ لِلضُّرِّ المَظْنُونِ، وهو الضُّرُّ الأُخْرَوِيُّ، مِن لِحاقِ العَذابِ في الآخِرَةِ. حَيْثُ أخْبَرَ عَنْهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وخَوْفِ ما يَتَرَتَّبُ عَلى اخْتِلافِ الفِرَقِ في مَعْرِفَةِ الصّانِعِ قَبْلَ المَعْرِفَةِ الصَّحِيحَةِ مِنَ المُحارِباتِ، وهو ضُرٌّ دُنْيَوِيٌّ، وكُلُّ ما يَدْفَعُ الضُّرَّ المَظْنُونَ أوِ المَشْكُوكَ واجِبٌ عَقْلًا، (p-٤١)كَمَن أرادَ سُلُوكَ طَرِيقٍ فَأُخْبِرَ بِأنَّ فِيهِ سَبُعًا، فَإنَّ العَقْلَ يَقْتَضِي أنْ يَتَوَقَّفَ ويَبْحَثَ حَتّى يَعْلَمَ أيَسْلُكُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ أمْ لا ؟ وكَذَلِكَ وُجُوبُ النَّظَرِ في مُعْجِزَةِ الرُّسُلِ وسائِرِ ما يُؤَدِّي إلى ثُبُوتِ الشَّرائِعِ. فَلِذَلِكَ تَأوَّلُوا هَذِهِ الآيَةَ بِما ذَكَرَهُ في الكَشّافِ إذْ قالَ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَكُونُ لِلنّاسِ عَلى اللَّهِ حُجَّةٌ قَبْلَ الرُّسُلِ وهم مَحْجُوجُونَ بِما نَصَبَهُ اللَّهُ مِنَ الأدِلَّةِ الَّتِي النَّظَرُ فِيها مُوَصِّلٌ إلى المَعْرِفَةِ، والرُّسُلُ في أنْفُسِهِمْ لَمْ يَتَوَصَّلُوا إلى المَعْرِفَةِ بِالنَّظَرِ في تِلْكَ الأدِلَّةِ، أيْ قَبْلَ الرِّسالَةِ ؟ قُلْتُ: الرُّسُلُ مُنَبِّهُونَ عَنِ الغَفْلَةِ وباعِثُونَ عَلى النَّظَرِ مَعَ تَبْلِيغِ ما حَمَلُوهُ مِن أُمُورِ الدِّينِ وتَعْلِيمِ الشَّرائِعِ؛ فَكانَ إرْسالُهم إزاحَةً لِلْعِلَّةِ، وتَتْمِيمًا لِإلْزامِ الحُجَّةِ. يَعْنِي أنَّ بِعْثَةَ الرُّسُلِ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لا عَدْلٌ، ولَوْ لَمْ يَبْعَثْهم لَكانَتِ المُؤاخَذَةُ عَلى القَبائِحِ عَدْلًا، فَبِعْثَةُ الرُّسُلِ إتْمامٌ لِلْحُجَّةِ في أصْلِ المُؤاخَذَةِ، وإتْمامٌ لِلْحُجَّةِ في زِيادَةِ التَّزْكِيَةِ أنْ يَقُولَ النّاسُ: رَبَّنا لِمَ لَمْ تُرْشِدْنا إلى ما يَرْفَعُ دَرَجاتِنا في مَراتِبِ الصِّدِّيقِينَ وقَصَرْتَنا عَلى مُجَرَّدِ النَّجاةِ مِنَ العَذابِ، حِينَ اهْتَدَيْنا لِأصْلِ التَّوْحِيدِ بِعُقُولِنا.
وقالَ الماتِرِيدِيُّ بِمُوافَقَةِ الجُمْهُورِ فِيما عَدا المَعْرِفَةِ بِاللَّهِ تَعالى عِنْدَ إرادَةِ إفْحامِ الرُّسُلِ خاصَّةً لِأنَّهُ رَآهُ مَبْنى أُصُولِ الدِّينِ، كَما يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ في التَّوْضِيحِ: ”أيْ يَكُونُ الفِعْلُ صِفَةً يُحْمَدُ فاعِلُ الفِعْلِ ويُثابُ لِأجْلِها أوْ يُذَمُّ ويُعاقَبُ لِأجْلِها؛ لِأنَّ وُجُوبَ تَصْدِيقِ النَّبِيءِ إنْ تَوَقَّفَ عَلى الشَّرْعِ يُلْزِمُ الدَّوْرَ“ وصَرَّحَ أيْضًا بِأنَّها تُعَرِّفُ بِالشَّرْعِ أيْضًا.
وقَدْ ضايَقَ المُعْتَزِلَةُ الأشاعِرَةَ في هَذِهِ المَسْألَةِ بِخُصُوصِ وُجُوبِ المَعْرِفَةِ فَقالُوا: لَوْ لَمْ تَجِبِ المَعْرِفَةُ إلّا بِالشَّرْعِ لَلَزِمَ إفْحامُ الرُّسُلِ، فَلَمْ تَكُنْ لِلْبَعْثَةِ فائِدَةٌ. ووَجْهُ اللُّزُومِ أنَّ الرَّسُولَ إذا قالَ لِأحَدٍ: انْظُرْ في مُعْجِزَتِي حَتّى يَظْهَرَ صِدْقِي لَدَيْكَ، فَلَهُ أنْ يَقُولَ: لا أنْظُرُ ما لَمْ يَجِبْ عَلَيَّ، لِأنَّ تَرْكَ غَيْرَ الواجِبِ جائِزٌ، ولا يَجِبُ عَلَيَّ حَتّى يَثْبُتَ عِنْدِي الوُجُوبُ بِالشَّرْعِ، ولا يَثْبُتُ الشَّرْعُ ما دُمْتُ لَمْ أنْظُرْ، لِأنَّ ثُبُوتَ الشَّرْعِ نَظَرِيٌّ لا ضَرُورِيٌّ. وظاهَرَهُمُ الماتِرِيدِيَّةُ وبَعْضُ الشّافِعِيَّةِ عَلى هَذا الِاسْتِدْلالِ.
(p-٤٢)ولَمْ أرَ لِلْأشاعِرَةِ جَوابًا مُقْنِعًا، سِوى أنَّ إمامَ الحَرَمَيْنِ في الإرْشادِ أجابَ: بِأنَّ هَذا مُشْتَرِكُ الإلْزامِ لِأنَّ وُجُوبَ التَّأمُّلِ في المُعْجِزَةِ نَظَرِيٌّ لا ضَرُورِيٌّ لا مَحالَةَ، فَلِمَن دَعاهُ الرَّسُولُ أنْ يَقُولَ: لا أتَأمَّلُ في المُعْجِزَةِ ما لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ عَقْلًا، ولا يَجِبُ عَلَيَّ عَقْلًا ما لَمْ أنْظُرْ، لِأنَّهُ وُجُوبٌ نَظَرِيٌّ، والنَّظَرِيُّ يَحْتاجُ إلى تَرْتِيبِ مُقَدِّماتٍ، فَأنا لا أُرَتِّبُها. وتَبِعَهُ عَلى هَذا الجَوابِ جَمِيعُ المُتَكَلِّمِينَ بَعْدَهُ مِنَ الأشاعِرَةِ مِثْلُ البَيْضاوِيِّ والعَضُدِ والتَّفْتَزانِيِّ. وقالَ ابْنُ عَرَفَةَ في الشّامِلِ: إنَّهُ اعْتِرافٌ بِلُزُومِ الإفْحامِ فَلا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ بَلْ يُعَمِّمُها بَيْنَنا وبَيْنَهم، فَلَمْ يَحْصُلْ دَفْعُ الإشْكالِ وكَلامُ ابْنِ عَرَفَةَ رَدٌّ مُتَمَكِّنٌ.
والظّاهِرُ أنَّ مُرادَ إمامِ الحَرَمَيْنِ أنْ يُسْقِطَ اسْتِدْلالَ المُعْتَزِلَةِ لِأنْفُسِهِمْ عَلى الوُجُوبِ العَقْلِيِّ بِتَمَحُّضِ الِاسْتِدْلالِ بِالأدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وهو مَطْلُوبُنا.
وأنا أرى أنْ يَكُونَ الجَوابُ بِأحَدِ طَرِيقَيْنِ: أوَّلُهُما بِالمَنعِ وهو أنْ نَمْنَعَ أنْ يَكُونَ وُجُوبُ سَماعِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ مُتَوَقِّفًا عَلى الإصْغاءِ إلَيْهِ، والنَّظَرِ في مُعْجِزَتِهِ، وأنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُ ذَلِكَ بِالعَقْلِ يَلْزَمُ إفْحامَ الرَّسُولِ، بَلْ نَدَّعِي أنَّ ذَلِكَ أمْرٌ ثَبَتَ بِالشَّرائِعِ الَّتِي تَعاقَبَ وُرُودُها بَيْنَ البَشَرِ، بِحَيْثُ قَدْ عَلِمَ كُلُّ مَن لَهُ عَلاقَةٌ بِالمَدَنِيَّةِ البَشَرِيَّةِ بِأنَّ دُعاةً أتَوْا إلى النّاسِ في عُصُورٍ مُخْتَلِفَةٍ، ودَعْوَتُهم واحِدَةٌ: كُلٌّ يَقُولُ إنَّهُ مَبْعُوثٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ لِيَدْعُوَ النّاسَ إلى ما يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنهم، فاسْتَقَرَّ في نُفُوسِ البَشَرِ كُلِّهِمْ أنَّ هُنالِكَ إيمانًا وكُفْرًا، ونَجاةً وارْتِباقًا، اسْتِقْرارًا لا يَجِدُونَ في نُفُوسِهِمْ سَبِيلًا إلى دَفْعِهِ، فَإذا دَعا الرَّسُولُ النّاسَ إلى الإيمانِ حَضَرَتْ في نَفْسِ المَدْعُوِّ السّامِعِ تِلْكَ الأخْبارُ الماضِيَةُ والمُحاوَراتُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ وُجُوبًا اضْطِرارِيًّا اسْتِماعُهُ والنَّظَرُ في الأمْرِ المُقَرَّرِ في نُفُوسِ البَشَرِ، ولِذَلِكَ آخَذَ اللَّهُ أهْلَ الفَتْرَةِ بِالإشْراكِ كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ. ولِذَلِكَ فَلَوْ قَدَّرْنا أحَدًا لَمْ يُخالِطْ جَماعاتِ البَشَرِ، ولَمْ يَسْبِقْ لَهُ شُعُورٌ بِأنَّ النّاسَ آمَنُوا وكَفَرُوا وأثْبَتُوا وعَطَّلُوا، لَما وجَبَ عَلَيْهِ الإصْغاءُ إلى الرَّسُولِ لِأنَّ ذَلِكَ (p-٤٣)الِانْسِياقَ الضَّرُورِيَّ مَفْقُودٌ عِنْدَهُ. وعَلى هَذا الوَجْهِ يَكُونُ الوُجُوبُ غَيْرَ شَرْعِيٍّ، ولا عَقْلِيٍّ نَظَرِيٍّ، بَلْ هو مِنَ الأُمُورِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي لا يُسْتَطاعُ دَفْعُها فَلا عَجَبَ أنْ تَقَعَ المُؤاخَذَةُ بِتَعَمُّدِ مُخالَفَتِها.
وثانِي الجَوابَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ، غَيْرَ أنَّ ما وقَرَ في جِبِلَّةِ البَشَرِ مِنِ اسْتِطْلاعِ الحَوادِثِ والأخْبارِ الجَدِيدَةِ، والإصْغاءِ لِكُلِّ صاحِبِ دَعْوَةٍ، أمْرٌ يَحْمِلُ كُلَّ مَن دَعاهُ الرَّسُولُ إلى الدِّينِ عَلى أنْ يَسْتَمِعَ لِكَلامِهِ، ويَتَلَقّى دَعْوَتَهُ وتَحَدِّيَهُ ومُعْجِزَتَهُ، فَلا يَشْعُرُ إلّا وقَدْ سَلَكَتْ دَعْوَتُهُ إلى نَفْسِ المَدْعُوِّ، فَحَرَّكَتْ فِيهِ داعِيَةَ النَّظَرِ، فَهو يَنْجَذِبُ إلى تَلَقِّي الدَّعْوَةِ، رُوَيْدًا رُوَيْدًا، حَتّى يَجِدَ نَفْسَهُ قَدْ وعاها وعَلِمَها عِلْمًا لا يَسْتَطِيعُ بَعْدَهُ أنْ يَقُولَ: إنِّي لا أنْظُرُ المُعْجِزَةَ، أوْ لا أُصْغِي إلى الدَّعْوَةِ. فَإنْ هو أعْرَضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدِ اخْتارَ العَمى عَلى الهُدى، فَكانَ مُؤاخَذًا، فَلَوْ قَدَّرْنا أحَدًا مَرَّ بِرَسُولٍ يَدْعُو فَشَغَلَهُ شاغِلٌ عَنْ تَعَرُّفِ أمْرِهِ والإصْغاءِ لِكَلامِهِ والنَّظَرِ في أعْمالِهِ، لَسَلَّمْنا أنَّهُ لا يَكُونُ مُخاطِبًا، وأنَّ هَذا الواحِدَ وأمْثالَهُ إذا أفْحَمَ الرَّسُولَ لا تَتَعَطَّلُ الرِّسالَةُ، ولَكِنَّهُ خَسِرَ هَدْيَهُ، وسَفَّهَ نَفْسَهُ.
ولا يَرِدُ عَلَيْنا أنَّ مَن سَمِعَ دَعْوَةَ الرَّسُولِ فَجَعَلَ أصابِعَهُ في أُذُنَيْهِ وأعْرَضَ هارِبًا حِينَئِذٍ، لا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وُجُوبُ المَعْرِفَةِ، لِأنَّ هَذا ما صَنَعَ صُنْعَهُ إلّا بَعْدَ أنْ عَلِمَ أنَّهُ قَدْ تَهَيَّأ لِتَوَجُّهِ المُؤاخَذَةِ عَلَيْهِ إذا سَمِعَ فَعَصى، وكَفى بِهَذا شُعُورًا مِنهُ بِتَوَجُّهِ التَّكْلِيفِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مُؤاخَذًا عَلى اسْتِحْبابِهِ العَمى عَلى الهُدى، كَما قالَ تَعالى في قَوْمِ نُوحٍ ﴿وإنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ﴾ [نوح: ٧] أيْ إلى الإيمانِ ﴿لِتَغْفِرَ لَهم جَعَلُوا أصابِعَهم في آذانِهِمْ واسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ﴾ [نوح: ٧] .
والإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ في قَوْلِهِ (﴿بَعْدَ الرُّسُلِ﴾) دُونَ أنْ يُقالَ: بَعْدَهم، لِلِاهْتِمامِ بِهَذِهِ القَضِيَّةِ واسْتِقْلالِها في الدَّلالَةِ عَلى مَعْناها حَتّى تَسِيرَ مِسْرى الأمْثالِ.
ومُناسَبَةُ التَّذْيِيلِ بِالوَصْفَيْنِ في قَوْلِهِ (﴿عَزِيزًا حَكِيمًا﴾): أمّا بِوَصْفِ الحَكِيمِ فَظاهِرَةٌ، (p-٤٤)لِأنَّ هَذِهِ الأخْبارَ كُلَّها دَلِيلُ حِكْمَتِهِ تَعالى، وأمّا بِوَصْفِ العَزِيزِ فَلِأنَّ العَزِيزَ يُناسِبُ عِزَّتَهُ أنْ يَكُونَ غالِبًا مِن كُلِّ طَرِيقٍ فَهو غالِبٌ مِن طَرِيقِ المَعْبُودِيَّةِ، لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ، وغالِبٌ مِن طَرِيقِ المَعْقُولِيَّةِ إذْ شاءَ أنْ لا يُؤاخِذَ عَبِيدَهُ إلّا بَعْدَ الأدِلَّةِ والبَراهِينِ والآياتِ. وتَأْخِيرُ وصْفِ الحَكِيمِ لِأنَّ إجْراءَ عِزَّتِهِ عَلى هَذا التَّمامِ هو أيْضًا مِن ضُرُوبِ الحِكْمَةِ الباهِرَةِ.
{"ayahs_start":163,"ayahs":["۞ إِنَّاۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ كَمَاۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ نُوحࣲ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَعِیسَىٰ وَأَیُّوبَ وَیُونُسَ وَهَـٰرُونَ وَسُلَیۡمَـٰنَۚ وَءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورࣰا","وَرُسُلࣰا قَدۡ قَصَصۡنَـٰهُمۡ عَلَیۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلࣰا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَیۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیمࣰا","رُّسُلࣰا مُّبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ لِئَلَّا یَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"],"ayah":"رُّسُلࣰا مُّبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ لِئَلَّا یَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق