الباحث القرآني

ولَمّا كانَ مُعْظَمُ رِسالَةِ نَبِيِّنا ﷺ بِشارَةً ونِذارَةً؛ قالَ - مُبَيِّنًا أنَّهم مِثْلُهُ في ذَلِكَ؛ كَما كانُوا قَبْلَهُ في الوَحْيِ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ مِنَ الإرْسالِ لِجَمِيعِ الرُّسُلِ جَمْعُ الخَلْقِ بِالبِشارَةِ؛ والنِّذارَةِ -: ﴿رُسُلا﴾؛ أيْ: جَعَلْناهم رُسُلًا؛ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن ”رُسُلًا“؛ الماضِي؛ وأنْ يَكُونَ حالًا؛ حالَ كَوْنِهِمْ ﴿مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ﴾؛ ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لِئَلا يَكُونَ﴾؛ أيْ: لِيَنْتَفِيَ أنْ يُوجَدَ؛ ﴿لِلنّاسِ﴾؛ أيْ: نَوْعُ مَن فِيهِ قُوَّةُ النَّوْسِ. (p-٥١٣)ولَمّا كانَتِ الحُجَّةُ قَدْ تُطْلَقُ عَلى مُطْلَقِ العُذْرِ؛ ولَوْ كانَ مَرْدُودًا؛ عَبَّرَ بِأداةِ الِاسْتِعْلاءِ؛ فَقالَ: ﴿عَلى اللَّهِ حُجَّةٌ﴾؛ أيْ: واجِبَةُ القَبُولِ عَلى المَلِكِ؛ الَّذِي اخْتُصَّ بِجَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ؛ في ألّا يُعَذِّبَ عُصاتَهُمْ؛ ولَمّا كانَ المُرادُ اسْتِغْراقَ النَّفْيِ لِجَمِيعِ الزَّمانِ المُتَعَقِّبِ لِلْإرْسالِ؛ أسْقَطَ الجارَّ؛ فَقالَ: ﴿بَعْدَ﴾؛ أيْ: انْتَفى ذَلِكَ انْتِفاءً مُسْتَغْرِقًا لِجَمِيعِ الزَّمانِ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ إرْسالِ ﴿الرُّسُلِ﴾؛ وتَبْلِيغِهِمْ لِلنّاسِ؛ وذَلِكَ عَلى أنَّ وُجُوبَ مَعْرِفَتِهِ (تَعالى) إنَّما يَثْبُتُ بِالسَّمْعِ؛ وأمّا نَفْسُ المَعْرِفَةِ؛ والنَّظَرِ؛ والتَّوْحِيدِ؛ فَطَرِيقُها العَقْلُ؛ فالمَعْرِفَةُ مُتَلَقّاةٌ مِنَ العَقْلِ؛ والوُجُوبُ مُتَلَقًّى مِنَ الشَّرْعِ؛ والنَّقْلِ. ولَمّا كانَ ذَلِكَ رُبَّما أوْهَمَ أنَّهُ رُبَّما امْتَنَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ - سُبْحانَهُ - أخْذٌ؛ بِحُجَّةٍ أوْ غَيْرِها؛ قالَ - مُزِيلًا لِذَلِكَ -: ﴿وكانَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المُسْتَجْمِعُ لِصِفاتِ العَظَمَةِ؛ ﴿عَزِيزًا﴾؛ أيْ: يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ؛ ولا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ؛ فَهو قادِرٌ عَلى ما طَلَبُوهُ؛ ولَكِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأنَّهُ عَلى سَبِيلِ اللَّجاجِ؛ وهم غَيْرُ مُعْجِزِينَ؛ ﴿حَكِيمًا﴾؛ أيْ: يَضَعُ الأشْياءَ في أتْقَنِ مَواضِعِها؛ فَلِذَلِكَ رَتَّبَ أُمُورًا لا يَكُونُ مَعَها لِأحَدٍ حُجَّةٌ؛ ومِن حِكْمَتِهِ أنَّهُ لا يُجِيبُ المُتَعَنِّتَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب