الباحث القرآني
(p-٥٩)﴿وتَوَكَّلْ عَلى الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا﴾ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ) أيْ: قُلْ لَهم ذَلِكَ وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ في دَعْوَتِكَ إلى الدِّينِ فَهو الَّذِي يُجازِيكَ عَلى ذَلِكَ ويُجازِيهِمْ.
والتَّوَكُّلُ: الِاعْتِمادُ وإسْلامُ الأُمُورِ إلى المُتَوَكَّلِ عَلَيْهِ وهو الوَكِيلُ، أيْ: المُتَوَلِّي مُهِمّاتِ غَيْرِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: (﴿فَإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩]) في آلِ عِمْرانَ.
و(الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) هو اللَّهُ تَعالى. وعَدَلَ عَنِ اسْمِ الجَلالَةِ إلى هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ لِما يُؤْذِنُ بِهِ مِن تَعْلِيلِ الأمْرِ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ الدّائِمُ فَيُفِيدُ ذَلِكَ مَعْنى حَصْرِ التَّوَكُّلِ في الكَوْنِ عَلَيْهِ، فالتَّعْرِيفُ في (الحَيِّ) لِلْكامِلِ، أيْ: الكامِلِ حَياتُهُ؛ لِأنَّها واجِبَةٌ باقِيَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ وحَياةُ غَيْرِهِ مُعَرِّضَةٌ لِلزَّوالِ بِالمَوْتِ ومُعَرَّضَةٌ لِاخْتِلالِ أثَرِها بِالذُّهُولِ كالنَّوْمِ ونَحْوِهُ، فَإنَّهُ مِن جِنْسِ المَوْتِ، فالتَّوَكُّلُ عَلى غَيْرِهِ مُعَرَّضٌ لِلِاخْتِلالِ ولِلِانْخِرامِ. وفي ذِكْرِ الوَصْفَيْنِ تَعْرِيضٌ بِالمُشْرِكِينَ؛ إذْ ناطُوا آمالَهم بِالأصْنامِ وهي أمْواتٌ غَيْرُ أحْياءٍ.
وفِي الآيَةِ إشارَةٌ إلى أنَّ المَرْءَ الكامِلَ لا يَثِقُ إلّا بِاللَّهِ؛ لِأنَّ التَّوَكُّلَ عَلى الأحْياءِ المُعَرَّضِينَ لِلْمَوْتِ، وإنْ كانَ قَدْ يُفِيدُ أحْيانًا لَكِنَّهُ لا يَدُومُ.
وأمّا أمْرُهُ بِالتَّسْبِيحِ فَهو تَنْزِيهُ اللَّهِ عَمّا لا يَلِيقُ بِهِ، وأوَّلُ ذَلِكَ الشَّرِكَةُ في الإلَهِيَّةِ؛ أيْ: إذا أهَمَّكَ أمْرُ إعْراضِ المُشْرِكِينَ عَنْ دَعْوَةِ الإسْلامِ فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ فَنَزَّهَ اللَّهَ.
والباءُ في (بِحَمْدِهِ) لِلْمُصاحَبَةِ، أيْ: سَبَّحَهُ تَسْبِيحًا مُصاحِبًا لِلثَّناءِ عَلَيْهِ بِما هو أهْلُهُ. فَقَدْ جُمِعَ لَهُ في هَذا الأمْرِ التَّخْلِيَةُ والتَّحْلِيَةُ مُقَدَّمًا التَّخْلِيَةَ؛ لِأنَّ شَأْنَ الإصْلاحِ أنْ يَبْدَأ بِإزالَةِ النَّقْصِ.
وأمْرُ النَّبِيءِ ﷺ يَشْمَلُ الأُمَّةَ ما لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ عَلى الخُصُوصِيَّةِ.
وجُمْلَةُ (﴿وكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيرًا﴾) اعْتِراضٌ في آخِرِ الكَلامِ، فَيُفِيدُ مَعْنى التَّذْيِيلِ لِما فِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى عُمُومِ عِلْمِهِ تَعالى بِذُنُوبِ الخَلْقِ، ومِن ذَلِكَ أحْوالُ (p-٦٠)المُشْرِكِينَ الَّذِينَ هم غَرَضُ الكَلامِ. فَفي (ذُنُوب عِبادِهِ) عُمُومانِ عُمُومُ ذُنُوبِهِمْ كُلِّها لِإفادَةِ الجَمْعِ المُضافِ عُمُومَ إفْرادِ المُضافِ، وعُمُومُ النّاسِ لِإضافَةِ (عِبادٍ) إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ، أيْ: جَمِيعُ عِبادِهِ، مَعَ ما في صِيغَةِ (خَبِيرٍ) مِن شِدَّةِ العِلْمِ وهو يَسْتَلْزِمُ العُمُومَ فَكانَ كَعُمُومٍ ثالِثٍ. والكِفايَةُ: الإجْزاءُ، وفي فِعْلِ (كَفى) إفادَةُ أنَّهُ لا يَحْتاجُ إلى غَيْرِهِ وهو مُسْتَعْمَلٌ في الأمْرِ بِالِاكْتِفاءِ بِتَفْوِيضِ الأمْرِ إلَيْهِ.
والباءُ لِتَأْكِيدِ إسْنادِ الفِعْلِ إلى الفاعِلِ. وقَدْ كَثُرَ دُخُولُ باءِ التَّأْكِيدِ بَعْدَ فِعْلِ الكِفايَةِ عَلى فاعِلِهِ أوْ مَفْعُولِهِ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: ١٤]) في سُورَةِ الإسْراءِ. و(خَبِيرًا) حالٌ مِن ضَمِيرِ (بِهِ) أيْ: كَفى بِهِ مِن حَيْثُ الخِبْرَةِ.
والعِلْمُ بِالذُّنُوبِ كِنايَةٌ عَنْ لازَمِهِ وهو أنْ يُجازِيَهم عَنْ ذُنُوبِهِمْ، والشِّرْكُ جامِعُ الذُّنُوبِ. وفي الكَلامِ أيْضًا تَعْرِيضٌ بِتَسْلِيَةِ الرَّسُولِ ﷺ عَلى ما يُلاقِيهِ مِن أذاهم.
{"ayah":"وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡحَیِّ ٱلَّذِی لَا یَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق