الباحث القرآني

ولَمّا كانَ المَقْصُودُ رَدَّهم عَنْ عِنادِهِمْ، وكانَ ذَلِكَ في غايَةِ الصُّعُوبَةِ، وكانَ هَذا الكَلامُ لا يَرُدُّ مُتَعَنِّتِيهِمْ - وهُمُ الأغْلَبُ - الَّذِينَ تُخْشى غائِلَتُهُمْ، (p-٤١٣)عَطَفَ عَلى ”قُلْ“ قَوْلَهُ: ﴿وتَوَكَّلْ﴾ أيْ أظْهِرِ العَجْزَ والضَّعْفَ واسْتَسْلِمْ واعْتَمِدْ في أمْرِكَ كُلِّهِ، ولا سِيَّما في مُواجَهَتِهِمْ بِالإنْذارِ، وفي رَدِّهِمْ عَنْ عِنادِهِمْ. ولَمّا كانَ الوَكِيلُ يَحْمِلُ عَنِ المُوكِلِ ثِقْلَ ما أظْهَرَ لَهُ عَجْزَهُ فِيهِ ويَقُومُ بِأعْبائِهِ حَتّى يَصِيرَ كَمَن يَحْمِلُ عَنْ آخَرَ عَيْنًا مَحْسُوسَةً لا يَصِيرُ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنها أصْلًا، عَبَّرَ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلاءِ تَمْثِيلًا لِذَلِكَ فَقالَ: ﴿عَلى الحَيِّ﴾ ولا يَصِحُّ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ إلّا بِلُزُومِ طاعَتِهِ والإعْراضِ عَمّا سِواها. ولَمّا كانَ الأحْياءُ مِنَ الخَلْقِ يَمُوتُونَ، بَيَّنَ أنَّ حَياتَهُ لَيْسَتْ كَحَياةِ غَيْرِهِ فَقالَ: ﴿الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ أيْ فَلا ضَياعَ لِمَن تَوَكَّلَ عَلَيْهِ أصْلًا، بَلْ هو المُتَوَلِّي لِمَصالِحِهِ في حَياتِهِ وبَعْدَ مَماتِهِ، ولا تَلْتَفِتْ إلى ما سِواهُ بِوَجْهٍ فَإنَّهُ هالِكٌ ﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ أيْ نَزِّهْهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ مُثْبِتًا لَهُ كُلَّ كَمالٍ. ولَمّا كانَ المَسْلِيُّ رُبَّما وقَعَ في فِكْرِهِ أنَّ مَن سَلاهُ إمّا غَيْرُ قادِرٍ عَلى نَصْرِهِ، أوْ غَيْرُ عالِمٍ بِذُنُوبِ خَصْمِهِ، وكانَ السِّياقُ لِلشِّكايَةِ مِن إعْراضِ المُبَلِّغِينَ عَنِ القُرْآنِ، وما يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الأذى، أشارَ بِالعَطْفِ عَلى غَيْرِ مَذْكُورٍ إلى أنَّ التَّقْدِيرَ: فَكَفى بِهِ لَكَ نَصِيرًا، وعَطَفَ عَلَيْهِ: (p-٤١٤)﴿وكَفى﴾ وعَيَّنَ الفاعِلَ وحَقَّقَهُ بِإدْخالِ الجارِّ عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ﴾ أيْ وكُلُّ ما سِواهم عِبادُهُ ﴿خَبِيرًا﴾ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنها وإنْ دَقَّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب