الباحث القرآني

﴿وتَوَكَّلْ عَلى الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ في الإغْناءِ عَنْ أُجُورِهِمْ والِاسْتِكْفاءِ عَنْ شُرُورِهِمْ، وكَأنَّ العُدُولَ عَنْ (وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ) إلى ما في النَّظْمِ الجَلِيلِ لِيُفِيدَ بِفَحْواهُ أوْ بِتَرَتُّبِ الحُكْمِ فِيهِ عَلى وصْفٍ مُناسِبٍ عَدَمَ صِحَّةِ التَّوَكُّلِ عَلى غَيْرِ المُتَّصِفِ بِما ذُكِرَ مِنَ الحَياةِ والبَقاءِ، أمّا عَدَمُ صِحَّةِ التَّوَكُّلِ عَلى مَن لَمْ يَتَّصِفْ بِالحَياةِ كالأصْنامِ فَظاهِرٌ، وأمّا عَدَمُ صِحَّتِهِ عَلى مَن لَمْ يَتَّصِفْ بِالبَقاءِ - بِأنْ كانَ مِمَّنْ يَمُوتُ - فَلِأنَّهُ عاجِزٌ ضَعِيفٌ، فالمُتَوَكِّلُ عَلَيْهِ أشْبَهُ شَيْءٍ بِضَعِيفٍ عادَ بِقَرْمَلَةٍ، وقِيلَ: لِأنَّهُ إذا ماتَ ضاعَ مَن تَوَكَّلَ عَلَيْهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في (التَّوَكُّلِ) والبَيْهَقِيُّ في (شُعَبِ الإيمانِ) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أبِي ثَبِيتٍ قالَ: مَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ: لا تَوَكَّلْ عَلى ابْنِ آدَمَ؛ فَإنَّ ابْنَ آدَمَ لَيْسَ لَهُ قِوامٌ، ولَكِنْ تَوَكَّلْ عَلى الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وقَرَأ بَعْضُ السَّلَفِ هَذِهِ الآيَةَ فَقالَ: لا يَصِحُّ لِذِي عَقْلٍ أنْ يَثِقَ بَعْدَها بِمَخْلُوقٍ. ﴿وسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ أيْ ونَزِّهْهُ سُبْحانَهُ مُلْتَبِسًا بِالثَّناءِ عَلَيْهِ تَعالى بِصِفاتِ الكَمالِ، طالِبًا لِمَزِيدِ الإنْعامِ بِالشُّكْرِ عَلى سَوابِقِهِ - عَزَّ وجَلَّ - فالباءُ لِلْمُلابَسَةِ، والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الحالِ، وقُدِّمَ التَّنْزِيهُ؛ لِأنَّهُ تَخْلِيَةٌ، وهي أهَمُّ مِنَ التَّحْلِيَةِ، وفي الحَدِيثِ: ««مَن قالَ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ ولَوْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ»». ﴿وكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ﴾ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ - كَما يُؤْذِنُ بِهِ الجَمْعُ (p-38)المُضافُ فَإنَّهُ مِن صِيَغِ العُمُومِ أوْ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خَبِيرًا﴾ - لِأنَّ الخِبْرَةَ مَعْرِفَةُ بَواطِنِ الأُمُورِ - كَما ذَكَرَهُ الرّاغِبُ - ومَن عَلِمَ البَواطِنَ عَلِمَ الظَّواهِرَ بِالطَّرِيقِ الأوْلى فَيَدُلُّ عَلى ذَلِكَ مُطابَقَةً والتِزامًا. والظّاهِرُ أنَّ ( بِذُنُوبِ ) مُتَعَلِّقٌ بِـ(خَبِيرًا) وهو حالٌ أوْ تَمْيِيزٌ، وباءَ ( بِهِ ) زائِدَةٌ في فاعِلِ ( كَفى )، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ( بِذُنُوبِ ) صِلَةَ (كَفى) والجُمْلَةُ مَسُوقَةً لِتَسْلِيَتِهِ ﷺ ووَعِيدِ الكُفّارِ، أيْ: إنَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - مُطَّلِعٌ عَلى ذُنُوبِ عِبادِهِ بِحَيْثُ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنها، فَيُجازِيهِمْ عَلَيْها، ولا عَلَيْكَ إنْ آمَنُوا أوْ كَفَرُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب