الباحث القرآني

(p-٤٧٤)﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكم وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ ﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] وقَوْلِهِ ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] ووَجْهُ المُناسَبَةِ في وُقُوعِهِ هُنا أنَّهُ لَمّا أمَرَهم بِفِعْلِ شَعائِرِ الإسْلامِ مِن إقامَةِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وذَيَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﴿وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣] لِيُشِيرَ إلى صَلاتِهِمُ الَّتِي يَفْعَلُونَها، أصْبَحَتْ لا تُغْنِي عَنْهم، ناسَبَ أنْ يُزادَ لِذَلِكَ أنَّ ما يَأْمُرُ بِهِ دِينُهم مِنَ البِرِّ لَيْسُوا قائِمِينَ بِهِ عَلى ما يَنْبَغِي، فَجِيءَ بِهَذا الِاعْتِراضِ، ولِلتَّنْبِيهِ عَلى كَوْنِهِ اعْتِراضًا لَمْ يُقْرَنْ بِالواوِ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ أنَّ المَقْصُودَ الأصْلِيَّ التَّحْرِيضُ عَلى الأمْرِ بِالبِرِّ وعَلى مُلازَمَتِهِ، والغَرَضُ مِن هَذا هو النِّداءُ عَلى كَمالِ خَسارِهِمْ ومَبْلَغِ سُوءِ حالِهِمُ الَّذِي صارُوا إلَيْهِ حَتّى صارُوا يَقُومُونَ بِالوَعْظِ والتَّعْلِيمِ كَما يَقُومُ الصّانِعُ بِصِناعَتِهِ والتّاجِرُ بِتِجارَتِهِ لا يَقْصِدُونَ إلّا إيفاءَ وظائِفِهِمُ الدِّينِيَّةِ حَقَّها لِيَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ ما يُعَوَّضُونَ عَلَيْهِ مِن مَراتِبَ ورَواتِبَ فَهم لا يَنْظُرُونَ إلى حالِ أنْفُسِهِمْ تُجاهَ تِلْكَ الأوامِرِ الَّتِي يَأْمُرُونَ بِها النّاسَ. والمُخاطَبُ بِقَوْلِهِ أتَأْمُرُونَ جَمِيعُ بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِينَ خُوطِبُوا مِن قَبْلُ فَيَقْتَضِي أنَّ هَذِهِ الحالَةَ ثابِتَةٌ لِجَمِيعِهِمْ أيْ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهم تَجِدُهُ يُصَرِّحُ بِأوامِرِ دِينِهِمْ ويُشِيعُها بَيْنَ النّاسِ ولا يَمْتَثِلُها هو في نَفْسِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَقْصُودُ بِهَذا الخِطابِ فَرِيقًا مِنهم فَإنَّ الخِطابَ المُوَجَّهَ لِلْجَماعاتِ والقَبائِلِ يَأْخُذُ كُلُّ فَرِيقٍ ما هو حَظُّهُ مِن ذَلِكَ الخِطابِ، فَيَكُونُ المَقْصُودُ أحْبارَهم وعُلَماءَهم وهم أخَصُّ بِالأمْرِ بِالبِرِّ، فَعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ يَكُونُ المُرادُ بِالنّاسِ إمّا المُشْرِكِينَ مِنَ العَرَبِ فَإنَّ اليَهُودَ كانُوا يَذْكُرُونَ لَهم ما جاءَ بِهِ دِينُهم والعَرَبُ كانُوا يَحْلِفُونَ بِسَماعِ أقْوالِهِمْ كَما قالَ تَعالى ﴿وكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٨٩] وإمّا أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ النّاسِ مَن عَدَّ الأمْرَ كَما تَقُولُ أفْعَلُ كَما يَفْعَلُ النّاسُ وكَقَوْلِهِ ﴿إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] أيْ أيَأْمُرُ الواحِدُ غَيْرَهُ ويَنْسى نَفْسَهُ، وعَلى الوَجْهِ الثّانِي يَكُونُ المُرادُ بِالنّاسِ العامَّةَ مِن أُمَّةِ اليَهُودِ أيْ كَيْفَ تَأْمُرُونَ أتْباعَكم وعامَّتَكم بِالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكم ؟ فَفِيهِ تَنْدِيدٌ بِحالِ أحْبارِهِمْ أوْ تَعْرِيضٌ بِأنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّ ما جاءَ بِهِ رَسُولُ الإسْلامِ هو الحَقُّ فَهم يَأْمُرُونَ أتْباعَهم بِالمَواعِظِ ولا يَطْلُبُونَ نَجاةَ أنْفُسِهِمْ. والِاسْتِفْهامُ هُنا لِلتَّوْبِيخِ لِعَدَمِ اسْتِقامَةِ الحَمْلِ عَلى الِاسْتِفْهامِ الحَقِيقِيِّ فاسْتُعْمِلَ في التَّوْبِيخِ (p-٤٧٥)مَجازًا بِقَرِينَةِ المَقامِ وهو مَجازٌ مُرْسَلٌ لِأنَّ التَّوْبِيخَ يُلازِمُ الِاسْتِفْهامَ لِأنَّ مَن يَأْتِي ما يَسْتَحِقُّ التَّوْبِيخَ عَلَيْهِ مِن شَأْنِهِ أنْ يَتَساءَلَ النّاسُ عَنْ ثُبُوتِ الفِعْلِ لَهُ ويَتَوَجَّهُونَ إلَيْهِ بِالسُّؤالِ فَيَنْتَقِلُ مِنَ السُّؤالِ إلى التَّوْبِيخِ ويَتَوَلَّدُ مِنهُ مَعْنى التَّعْجِيبِ مِن حالِ المُوَبَّخِ وذَلِكَ لِأنَّ الحالَةَ الَّتِي وُبِّخُوا عَلَيْها حالَةٌ عَجِيبَةٌ لِما فِيها مِن إرادَةِ الخَيْرِ لِلْغَيْرِ وإهْمالِ النَّفْسِ مِنهُ. فَحَقِيقٌ بِكُلِّ سامِعٍ أنْ يَعْجَبَ مِنها، ولَيْسَ التَّعَجُّبُ بِلازِمٍ لِمَعْنى التَّوْبِيخِ في كُلِّ مَوْضِعٍ بَلْ في نَحْوِ هَذا مِمّا كانَ فِيهِ المُوَبَّخُ عَلَيْهِ غَرِيبًا غَيْرَ مَأْلُوفٍ مِنَ العُقَلاءِ فَإذا اسْتُعْمِلَ الِاسْتِفْهامُ في لازِمٍ واحِدٍ فَكَوْنُهُ مَجازًا مُرْسَلًا ظاهِرًا، وإذا اسْتُعْمِلَ في لازِمَيْنِ يَتَوَلَّدُ أحَدُهُما مِنَ الآخَرِ أوْ مُتَقارِبَيْنِ فَهو أيْضًا مَجازٌ مُرْسَلٌ واحِدٌ لِأنَّ تَعَدُّدَ اللَّوازِمِ لا يُوجِبُ تَعَدُّدَ العَلاقَةِ ولا تَكَرُّرَ الِاسْتِعْمالِ لِأنَّ المَعانِيَ المَجازِيَّةَ مُسْتَفادَةٌ مِنَ العَلاقَةِ لا مِنَ الوَضْعِ فَتَعَدُّدُ المَجازاتِ لِلَفْظٍ واحِدٍ أوْسَعُ مِنَ اسْتِعْمالِ المُشْتَرَكِ وأيًّا ما كانَ فَهو مَجازٌ مُرْسَلٌ عَلى ما اخْتارَهُ السَّيِّدُ في حاشِيَةِ المُطَوَّلِ في بابِ الإنْشاءِ عَلاقَتُهُ اللُّزُومُ وقَدْ تَرَدَّدَ في تَعْيِينِ عَلاقَتِهِ التَّفْتَزانِيُّ وقالَ إنَّهُ مِمّا لَمْ يَحُمْ أحَدٌ حَوْلَهُ. والبِرُّ بِكَسْرِ الباءِ الخَيْرُ في الأعْمالِ في أُمُورِ الدُّنْيا وأُمُورِ الآخِرَةِ والمُعامَلَةِ، وفِعْلُهُ في الغالِبِ مِن بابِ عَلِمَ إلّا البِرَّ في اليَمِينِ فَقَدْ جاءَ مِن بابِ عَلِمَ وبابِ ضَرَبَ، ومِنَ الأقْوالِ المَأْثُورَةِ البِرُّ ثَلاثَةٌ: بِرٌّ في عِبادَةِ اللَّهِ وبِرٌّ في مُراعاةِ الأقارِبِ وبِرٌّ في مُعامَلَةِ الأجانِبِ، وذَلِكَ تَبَعٌ لِلْوَفاءِ بِسَعَةِ الإحْسانِ في حُقُوقِ هَذِهِ الجَوانِبِ الثَّلاثَةِ. والنِّسْيانُ ذَهابُ الأمْرِ المَعْلُومِ مِن حافِظَةِ الإنْسانِ لِضَعْفِ الذِّهْنِ أوِ الغَفْلَةِ ويُرادِفُهُ السَّهْوُ وقِيلَ السَّهْوُ الغَفْلَةُ اليَسِيرَةُ بِحَيْثُ يَنْتَبِهُ بِأقَلِّ تَنْبِيهٍ، والنِّسْيانُ زَوالُهُ بِالكُلِّيَّةِ وبَعْضُ أهْلِ اللُّغَةِ فَسَّرَ النِّسْيانَ بِمُطْلَقِ التَّرْكِ وجَعَلَهُ صاحِبُ الأساسِ مَجازًا وهو التَّحْقِيقُ وهو كَثِيرٌ في القُرْآنِ. والنِّسْيانُ هُنا مُسْتَعارٌ لِلتَّرْكِ عَنْ عَمْدٍ أوْ عَنِ التَّهاوُنِ بِما يَذْكُرُ المَرْءُ في البِرِّ عَلى نَحْوٍ ما. قِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ هم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ﴾ [الماعون: ٥] أيْ وتَتْرُكُونَ أنْفُسَكم مِن ذَلِكَ أيْ مِن أمْرِها بِالبِرِّ أوْ وتَنْسَوْنَ أنْ تَأْمُرُوا أنْفُسَكم بِالبِرِّ وفي هَذا التَّقْدِيرِ يَبْقى النِّسْيانُ عَلى حَقِيقَتِهِ لِأنَّهم لَمّا طالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ في التَّهاوُنِ بِالتَّخَلُّقِ بِأُمُورِ الدِّينِ والِاجْتِراءِ عَلى تَأْوِيلِ الوَحْيِ بِما يُمْلِيهِ عَلَيْهِمُ الهَوى بِغَيْرِ هُدًى صارُوا يَنْسَوْنَ أنَّهم مُتَلَبِّسُونَ بِمِثْلِ ما يَنْهَوْنَ عَنْهُ فَإذا تَصَدَّوْا إلى مَواعِظِ قَوْمِهِمْ أوِ الخَطابَةِ فِيهِمْ أوْ أمَرُوهم بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْهم عَنِ المُنْكَرِ كانُوا يَنْهَوْنَهم عَنْ مَذامَّ قَدْ تَلَبَّسُوا بِأمْثالِها إلّا أنَّ التَّعَوُّدَ بِها أنْساهم إيّاها فَأنْساهم أمْرَ أنْفُسِهِمْ بِالبِرِّ لِنِسْيانِ سَبَبِهِ (p-٤٧٦)وقَدْ يَرى الإنْسانُ عَيْبَ غَيْرِهِ لِأنَّهُ يُشاهِدُهُ ولا يَرى عَيْبَ نَفْسِهِ لِأنَّهُ لا يُشاهِدُهُ ولِأنَّ العادَةَ تُنْسِيهِ حالَهُ. ودَواءُ هَذا النِّسْيانِ هو مُحاسَبَةُ النَّفْسِ فَيَكُونُ البِرُّ راجِعًا إلى جَمِيعِ ما تَضَمَّنَتْهُ الأوامِرُ السّابِقَةُ مِنَ التَّفاصِيلِ فَهم قَدْ أمَرُوا غَيْرَهم بِتَفاصِيلِها ونَسُوا أنْفُسَهم عِنْدَ سَماعِها وذَلِكَ يَشْمَلُ التَّصْدِيقَ بِدِينِ الإسْلامِ لِأنَّهُ مِن جُمْلَةِ ما تَضَمَّنَتْهُ التَّوْراةُ الَّتِي كانُوا يَأْمُرُونَ النّاسَ بِما فِيها. وجُمْلَةُ ﴿وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ حالًا مِن ضَمِيرِ (تَأْمُرُونَ) ويَكُونُ مَحَلُّ التَّوْبِيخِ والتَّعَجُّبِ هو أمْرَ النّاسِ بِالبِرِّ بِقَيْدِ كَوْنِهِ في حالِ نِسْيانٍ ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلى (تَأْمُرُونَ) وتَكُونَ هي المَقْصُودَةَ مِنَ التَّوْبِيخِ والتَّعْجِيبِ ويُجْعَلُ قَوْلُهُ ﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ﴾ تَمْهِيدًا لَها عَلى مَعْنى أنَّ مَحَلَّ الفَظاعَةِ المُوجِبَةِ لِلنَّهْيِ هي مَجْمُوعُ الأمْرَيْنِ. وبِهَذا تَعْلَمُ أنَّهُ لا يُتَوَهَّمُ قَصْدُ النَّهْيِ عَنْ مَضْمُونِ كِلا الجُمْلَتَيْنِ إذِ القَصْدُ هو التَّوْبِيخُ عَلى اتِّصافٍ بِحالَةٍ فَظِيعَةٍ لَيْسَتْ مِن شِيَمِ النّاصِحِينَ لا قَصْدُ تَحْرِيمٍ فَلا تَقَعْ في حَيْرَةِ مَن تَحَيَّرَ في وجْهِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ولا في وهْمٍ فَقالَ إنَّ الآيَةَ دالَّةٌ عَلى أنَّ العاصِيَ لا يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ ولا يَنْهى عَنِ المُنْكَرِ كَما نَقَلَ عَنْهُمُ الفَخْرُ في التَّفْسِيرِ فَإنَّهُ لَيْسَ المَقْصُودَ نَهْيٌ ولا تَحْرِيمٌ وإنَّما المَقْصُودُ تَفْظِيعُ الحالَةِ ويَدُلُّ لِذَلِكَ أنَّهُ قالَ في تَذْيِيلِها ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ولَمْ يَقُلْ ﴿أفَلا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥] أوْ نَحْوَهُ. والأنْفُسُ جَمْعُ نَفْسٍ، بِسُكُونِ الفاءِ وهي مَجْمُوعُ ذاتِ الإنْسانِ مِنَ الهَيْكَلِ والرُّوحِ كَما هُنا وبِاعْتِبارِ هَذا التَّرْكِيبِ الَّذِي في الذّاتِ اتَّسَعَ إطْلاقُ النَّفْسِ في كَلامِ العَرَبِ تارَةً عَلى جَمِيعِ الذّاتِ كَما في التَّوْكِيدِ نَحْوَ جاءَ فُلانٌ نَفْسُهُ وقَوْلِهِ ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] وقَوْلِهِ ﴿تَقْتُلُونَ أنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٨٥] وتارَةً عَلى البَعْضِ كَقَوْلِ القائِلِ أنْكَرْتُ نَفْسِي وقَوْلِهِ ﴿وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ﴾ وعَلى الإحْساسِ الباطِنِيِّ كَقَوْلِهِ ﴿تَعْلَمُ ما في نَفْسِي﴾ [المائدة: ١١٦] أيْ ضَمِيرِي. وتُطْلَقُ عَلى الرُّوحِ الَّذِي بِهِ الإدْراكُ ﴿إنَّ النَّفْسَ لَأمّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: ٥٣] وسَيَأْتِي لِهَذا زِيادَةُ إيضاحٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ﴾ [النحل: ١١١] في سُورَةِ النَّحْلِ. وقَوْلُهُ ﴿وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ قَيَّدَ بِها التَّوْبِيخَ والتَّعْجِيبَ. لِأنَّ نِسْيانَ أنْفُسِهِمْ يَكُونُ أغْرَبَ وأفْظَعَ إذا كانَ مَعَهم أمْرانِ يُقْلِعانِهِ، وهُما أمْرُ النّاسِ بِالبِرِّ، فَإنَّ شَأْنَ الأمْرِ بِالبَرِّ (p-٤٧٧)أنْ يُذَكِّرَ الآمِرَ حاجَةَ نَفْسِهِ إلَيْهِ إذا قَدَّرَ أنَّهُ في غَفْلَةٍ عَنْ نَفْسِهِ، وتِلاوَةُ الكِتابِ أيِ التَّوْراةِ يَمُرُّونَ فِيها عَلى الأوامِرِ والنَّواهِي مِن شَأْنِهِ أنْ تُذَكِّرَهم مُخالَفَةَ حالِهِمْ لِما يَتْلُونَهُ. وقَوْلُهُ ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ اسْتِفْهامٌ عَنِ انْتِفاءِ تَعَقُّلِهِمُ اسْتِفْهامًا مُسْتَعْمَلًا في الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ نَزَلُوا مَنزِلَةَ مَنِ انْتَفى تَعَقُّلُهُ فَأنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. ووَجْهُ المُشابَهَةِ بَيْنَ حالِهِمْ وحالِ مَن لا يَعْقِلُونَ أنَّ مَن يَسْتَمِرُّ بِهِ التَّغَفُّلُ عَنْ نَفْسِهِ وإهْمالُ التَّفَكُّرِ في صَلاحِها مَعَ مُصاحَبَةِ شَيْئَيْنِ يَذْكُرُ أنَّهُ قارَبَ أنْ يَكُونَ مَنفِيًّا عَنْهُ التَّعَقُّلُ. وفِعْلُ تَعْقِلُونَ مُنَزَّلٌ مَنزِلَةَ اللّازِمِ أوْ هو لازِمٌ وفي هَذا نِداءٌ عَلى كَمالِ غَفْلَتِهِمْ واضْطِرابِ حالِهِمْ. وكَوْنُ هَذا أمْرًا قَبِيحًا فَظِيعًا مِن أحْوالِ البَشَرِ مِمّا لا يَشُكُّ فِيهِ عاقِلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب