الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾، لدينا فعلان؛ الفعل الأول: أمْر الناس بالبر، والفعل الثاني: نسيان أنفسهم، فهل استفهام الإنكار منصبّ على كل واحد بانفراده أو على مجموعهما؟
* الطلبة: مجموعهما.
* الشيخ: نعم على مجموعهما، وإن شئت فقل: إن محط الإنكار قوله: ﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾.
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾، والاستفهام هنا للإنكار والتعجب، كيف تأمرون الناس وأنتم تنسون أنفسكم؟! ﴿بِالْبِرِّ﴾ البر هو الخير، قال أهل التفسير: إن الواحد منهم يأمر أقاربه باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول: إنه حق، لكن تمنعه رئاسته وجاهه أن يؤمن به، ومن أمثلة ذلك أن النبي ﷺ عاد غلامًا من اليهود كان مريضًا، فحضر أجله والنبي ﷺ عنده، فدعاه النبي ﷺ إلى الرشد، فنظر إلى أبيه كأنه يستشيره، فقال له أبوه: أطع محمدًا، وأبوه يهودي، يقول: أطع محمدًا، فتشهد الغلام شهادة الحق، فخرج النبي ﷺ وهو يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ»[[أخرجه البخاري (١٣٥٦) من حديث أنس.]]، أي بدعوتي، إذن هؤلاء اليهود من أحبارهم من يأمر الناس بالبر وهو اتباع الرسول ﷺ ولكنه ينسى نفسه، لا يؤمن، فقال الله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب﴾ الواو هنا حالية، أي: والحال أنكم تتلون الكتاب، فلم تأمروا بالبر إلا عن علم، ولكن مع ذلك تنسون أنفسكم. ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ الاستفهام هنا للتوبيخ، يعني أفلا يكن لكم عقل تدركون به خطأكم وضلالكم. والعقل هنا عقل الرشد، وليس عقل التكليف؛ لأن العقل نوعان: عقل هو مناط التكليف، وهو إدراك الأشياء وفهمها، وعقل هو مناط الرشد، بل هو الرشد نفسه، وهو أن يحسن الإنسان التصرف، وسمي إحسان التصرف عقلًا؛ لأن الإنسان عقَل تصرفه فيما ينفعه، واضح؟ أي العقلين هنا المراد؟ عقل الرشد ولا عقل التكليف؟
* الطلبة: عقل الرشد.
* الشيخ: عقل الرشد، وإلا فهم مكلفون، طيب هذا التركيب ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ فيه إشكال، وهو أن الفاء عاطفة، والهمزة للاستفهام، والمعروف أن همزة الاستفهام لها صدر الكلام، وهنا الفاء العاطفة كان مكانها قبل الهمزة، فاختلف المعربون في مثل هذا التركيب، فمنهم من قال: إن الهمزة داخلة على محذوف يقدر حسب السياق، ومنهم من قال: إن الفاء مزحلقة عن مكانها، وأن الأصل: فألا تعقلون، لكن قُدِّمت الهمزة؛ لأن لها الصدارة، وأُخِّر حرف العطف، وهو يقع بعد الفاء، يعني تقع الهمزة بعدها الفاء مثل هنا، أو بعدها ثم مثل قوله: ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ﴾ [يونس ٥١]، وبعد الواو ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الروم ٩].
فإن نظرت إلى القاعدة النحوية قلت: إنّ جعْل الكلام على تقدير محذوف أقرب إلى القواعد، وإن نظرت إلى أنه أحيانًا يعوزك التقدير؛ لأن التقدير لا بد أن يكون جملة مناسبة، قلت: إذن نأخذ بأيش؟
* طالب: نأخذ بالثاني.
* الشيخ: بالثاني؛ لأنه أسهل، الثاني تقول: الفاء حرف عطف، والجملة بعدها معطوفة على ما سبق، وأصل الفاء أن تقع قبل الهمزة لكن زُحْلِقت وينتهى الموضوع، ما تذهب تدوّر وتطلب أي شيء نقدره.
* من فوائد هذه الآية: توبيخ هؤلاء الذين يأمرون بالبر وينسون أنفسهم؛ لأن ذلك منافٍ للعقل، وقد ورد الوعيد الشديد على من كان هذا دأبه، فقد أخبر النبي ﷺ أنه «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ حَتَّى تَنْدَلِقَ أَقْتَابُ بَطْنِهِ -والأقتاب هي الأمعاء- فَيَدُورُ عَلَيْهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ عَلَى رَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ وَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ، أَلَسْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟! فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ»[[أخرجه مسلم (٩٨٩/٥١) من حديث أسامة بن زيد.]]، فهو من أشد الناس عذابًا والعياذ بالله.
فإن قال قائل: بناء على أن هذا مخالف للعقل، وبناء على شدة عقوبته، أنقول لمن لا يفعل ما أمر به ومن لا يترك ما نهى عنه: لا تأمر ولا تنهَ؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: نقول: لا، بل نقول: مُر وافعل ما تأمر به؛ لأنه لو ترك الأمر مع تركه فعله ارتكب جنايتين؛ الأولى: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثانية: عدم قيامه بما أمر به، وكذلك لو أنه ارتكب ما ينهى عنه ولم ينهَ عنه فقد ارتكب أيش؟ مفسدتين؛ الأولى: ترك النهي عن المنكر، والثانية: ارتكابه للمنكر، ثم نقول: أينا الذي لم يَسلم من منكر؟! لو قلنا: لا ينهى عن المنكر إلا من لم يأت منكرًا، لم ينهَ أحد عن منكر، ولو قلنا: لا يأمر أحدٌ أحد بمعروف إلا من أتى المعروف لم يأمر أحد بالمعروف، أينا الذي يسلم؟! لهذا نقول: مُر بالمعروف وجاهد نفسك على فعله، انْهَ عن منكر وجاهد نفسك على تركه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: توبيخ العالِم المخالف، وأن العالم إذا خالف فهو أسوأ حالًا من الجاهل، من أين تؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، من قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾، وهذا أمر فُطر الناس عليه، أن العالم إذا خالف صار أشد لومًا من الجاهل، حتى العامة تجدهم إذا فعل العالم منكرًا قالوا: كيف تفعل هذا وأنت رجل عالم؟! أو إذا ترك واجبًا قال: كيف تترك هذا الواجب وأنت عالم؟! والآية الكريمة واضحة في هذا ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الكتاب يطلق وهو مفرد على جميع الكتب؛ لأن هؤلاء اليهود يتلون كتاب الله القرآن ويتلون أيضًا التوراة، فهم يتلون هذا وهذا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: توبيخ بني إسرائيل، وأنهم أمة جهلة حمقى ذوو غيّ؛ لقوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
* ومن فوائدها: أن مَن أمر بمعروف ولم يفعله أو نهى عن منكر وفعله من هذه الأمة ففيه شبه بمن؟ باليهود؛ لأن هذا دأبهم والعياذ بالله.
* طالب: أحسن الله إليك، هل عملًا بأن بني إسرائيل يشمل اليهود والنصارى؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: إذا وردت هذه النصوص في القرآن ننفذها عليهم جميعًا.
* الشيخ: عليهم جميعًا نعم، إي نعم.
* الطالب: كيف (...)؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: من المعلوم أنه..
* الشيخ: لا يلزم أنه إذا خوطب هؤلاء بوصف عام أن يكون الخطاب لهم جميعًا، ما يلزم هذا، نعم.
* طالب: شيخ، بارككم الله، ردود إبراهيم عليه السلام عن جواب النمروذ إلى دليل آخر يكون مثبت له، هل يسمى هذا حيدة؟ أو أنه الحيدة خاصة بالخصم ذاته؟
* الشيخ: لا لا، هذا ليس حيدة بل هذا إقامة للدليل الأظهر.
* الطالب: الحيدة فقط في مقام الذم؟
* الشيخ: الحيدة الإنسان يحيد وينتقل إلى شيء آخر، لكن الآن الموضوع واحد.
* الطالب: هو انتقل عن جواب إلى جواب آخر؟
* الشيخ: لا انتقل عن دليل إلى دليل آخر، ولّا الموضوع هو واحد، ﴿حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ وأراد ابراهيم أن يثبت.
* الطالب: طب الحيدة يا شيخ تستخدم فقط في أسلوب..؟
* الشيخ: الحيدة معناها مثلًا أنا أكلمك في موضوع أقول مثلًا: اشتر لي مثلًا كتاب المغني، ثم تقول أنت: والله كتاب المهذب طيب زين، ويش هذه؟ هذه الحيدة، أن تنتقل من موضوع إلى آخر، أما من دليل إلى أقوى منه فليس هذا حيدة.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم، ما اتضح لي وجه الدلالة من الآية على أن الأمم السابقة كان مشروع عندهم الصلاة والزكاة.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: يعني وهذه الآية ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ يعني هذه الأمة.
* الشيخ: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ صلاتهم يعني، صلاتهم وزكاتهم، هذا فيه احتمال لا شك؛ لأن سياق الآية قد يقال إنه دل على هذا، لكن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة موجود في التوراة، اقرأ الآيات التي فيها التوراة تجدها.
* الطالب: جمع هذه الآية مع غيرها.
* الشيخ: مع غيرها نعم.
* طالب: أشكل عليّ قول الرسول ﷺ عن الغلام اليهودي حينما قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ»[[أخرجه البخاري (١٣٥٦) من حديث أنس.]].
* الشيخ: نعم.
* الطالب: الإشكال أن الغلام غير مكلف.
* الشيخ: لا لا، غلام ما هو معناه صغير، غلام كان هذا يخدم النبي عليه الصلاة والسلام. نعم.
* طالب: من جلس مجلس عزاء يذكّرهم، إي يعني (...)، هل هذا بدعة؟
* الشيخ: هو لا شك أنه لو أن إنسان أتى إلى قوم مجتمعين في العزاء، قال لهم: يا إخواني هذا أمر مكتوب ولا بد منه، ولله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل مسمى، ونصحهم لأجل أن يتفرقوا، هذا طيب.
* الطالب: لأجل يذكّرهم.
* الشيخ: لكن (...) خطب كأنه يقول: اثبتوا على ما أنتم عليه.
* الطالب: لا، ما أقرّهم على الجلوس، أنكر عليهم الجلوس، هو بس يذكّرهم.
* الشيخ: ما يخالف، جلوس عادي بدون خطبة.
* * *
* طالب: ﴿﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ ﴾ [البقرة: ٤٧ - ٤٩]
{"ayah":"۞ أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَـٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق