الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ﴾ الآيَةَ. أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ﴾ قالَ: أُولَئِكَ أهْلُ الكِتابِ كانُوا يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ ويَنْسَوْنَ أنْفُسَهم وهم يَتْلُونَ الكِتابَ ولا يَنْتَفِعُونَ بِما فِيهِ. وأخْرَجَ الثَّعْلَبِيُّ والواحِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في يَهُودِ أهْلِ المَدِينَةِ؛ كانَ الرَّجُلُ مِنهم يَقُولُ لِصِهْرِهِ ولِذَوِي قَرابَتِهِ ولِمَن بَيْنَهُ وبَيْنَهم رِضاعٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: اثْبُتْ عَلى الدِّينِ الَّذِي أنْتَ عَلَيْهِ وما يَأْمُرُكَ بِهِ هَذا الرَّجُلُ - يَعْنُونَ مُحَمَّدًا ﷺ - فَإنَّ أمْرَهُ حَقٌّ وكانُوا يَأْمُرُونَ النّاسَ بِذَلِكَ ولا يَفْعَلُونَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ﴾ قالَ: (p-٣٤٣)بِالدُّخُولِ في دِينِ مُحَمَّدٍ ﴿وأنْتُمْ تَتْلُونَ﴾ يَقُولُونَ: تَدْرُسُونَ الكِتابَ بِذَلِكَ ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ تَفْهَمُونَ، فَنَهاهم عَنْ هَذا الخُلُقِ القَبِيحِ. وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: تَنْهَوْنَ النّاسَ عَنِ الكُفْرِ بِما عِنْدَكم مِنَ النُّبُوَّةِ والعَهْدِ مِنَ التَّوْراةِ، وأنْتُمْ تَكْفُرُونَ بِما فِيها مِن عَهْدِي إلَيْكم في تَصْدِيقِ رَسُولِي. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، والبَيْهَقِيُّ في “ الأسْماءِ والصِّفاتِ “ عَنْ أبِي قِلابَةَ في الآيَةِ قالَ: قالَ أبُو الدَّرْداءِ: لا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الفِقْهِ حَتّى يَمْقُتَ النّاسَ في ذاتِ اللَّهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى نَفْسِهِ فَيَكُونَ لَها أشَدَّ مَقْتًا. وأخْرَجَ وكِيعٌ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، والبَزّارُ، وابْنُ أبِي داوُدَ في “ البَعْثِ “، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ حِبّانَ، وأبُو نُعَيْمٍ في “ الحِلْيَةِ “، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَأيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجالًا تُقْرَضُ شِفاهُهم بِمَقارِيضَ مِن نارٍ، كُلَّما قُرِضَتْ رَجَعَتْ فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مِن هَؤُلاءِ؟ قالَ: هَؤُلاءِ خُطَباءُ مِن أُمَّتِكَ، كانُوا يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبَرِّ ويَنْسَوْنَ أنْفُسَهُمْ، وهم يَتْلُونَ الكِتابَ أفَلا (p-٣٤٤)يَعْقِلُونَ» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يُجاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُلْقى في النّارِ فَتَنْدَلِقُ بِهِ أقْتابُهُ فَيَدُورُ بِها كَما يَدُورُ الحِمارُ بِرَحاهُ، فَيُطِيفُ بِهِ أهْلُ النّارِ فَيَقُولُونَ: يا فُلانُ ما لَكَ؟ ما أصابَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وتَنْهى عَنِ المُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكم بِالمَعْرُوفِ ولا آتِيهِ، وأنْهاكم عَنِ المُنْكَرِ وآتِيهِ» . وأخْرَجَ الخَطِيبُ في ”اقْتِضاءِ العِلْمِ بِالعَمَلِ“، وابْنُ النَّجّارِ في ”تارِيخِ بَغْدادَ“، عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «اطَّلَعَ قَوْمٌ مِن أهْلِ الجَنَّةِ عَلى قَوْمٍ مِن أهْلِ النّارِ فَقالُوا: بِمَ دَخَلْتُمُ النّارَ، وإنَّما دَخَلْنا الجَنَّةَ بِتَعْلِيمِكُمْ؟ قالُوا: إنّا كُنّا نَأْمُرُكم ولا نَفْعَلُ» . (p-٣٤٥)وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ والخَطِيبُ في (اقْتِضاءِ العِلْمِ بِالعَمَلِ)، وابْنُ عَساكِرَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنْ أُناسًا مِن أهْلِ الجَنَّةِ يَتَطَلَّعُونَ إلى أُناسٍ مِن أهْلِ النّارِ فَيَقُولُونَ: بِمَ دَخَلْتُمُ النّارَ؟ فَواللَّهِ ما دَخَلْنا الجَنَّةَ إلّا بِتَعَلُّمِنا مِنكُمْ! فَيَقُولُونَ: إنّا كُنّا نَقُولُ ولا نَفْعَلُ» . وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في “ زَوائِدِ الزُّهْدِ “ عَنِ الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ أنَّهُ خَطَبَ النّاسَ فَقالَ في خُطْبَتِهِ: لَيَدْخُلَنَّ أُمَراءُ النّارَ ويَدْخُلُ مَن أطاعَهُمُ الجَنَّةَ، فَيَقُولُونَ لَهم وهم في النّارِ: كَيْفَ دَخَلْتُمُ النّارَ وإنَّما دَخَلْنا الجَنَّةَ بِطاعَتِكُمْ؟ فَيَقُولُونَ لَهم: إنّا كُنّا نَأْمُرُكم بِأشْياءَ نُخالِفُ إلى غَيْرِها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: يُشْرِفُ قَوْمٌ في الجَنَّةِ عَلى قَوْمٍ في النّارِ فَيَقُولُونَ: ما لَكَمَ في النّارِ، وإنَّما كُنّا نَعْمَلُ بِما تَعْلَمُونَ؟، قالُوا: كُنّا نُعَلِّمُكم ولا نَعْمَلُ بِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ في “ الزُّهْدِ “ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: يَطَّلِعُ قَوْمٌ مِن أهْلِ الجَنَّةِ (p-٣٤٦)إلى قَوْمٍ في النّارِ فَيَقُولُونَ: ما أدْخَلَكُمُ النّارَ وإنَّما دَخَلْنا الجَنَّةَ بِفَضْلِ تَأْدِيبِكم وتَعْلِيمِكُمْ؟ قالُوا: إنّا كُنّا نَأْمُرُ بِالخَيْرِ ولا نَفْعَلُهُ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ والخَطِيبُ في الِاقْتِضاءِ والأصْبِهانِيُّ في ”التَّرْغِيبِ“ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ العالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النّاسَ الخَيْرَ ولا يَعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ السِّراجِ يُضِيءُ لِلنّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في “ زَوائِدِ الزُّهْدِ “ عَنْ جُنْدُبٍ البَجَلِيِّ قالَ: إنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعِظُ النّاسَ ويَنْسى نَفْسَهُ كَمِثْلِ المِصْباحِ، يُضِيءُ لِغَيْرِهِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ. وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ والخَطِيبُ في “ الِاقْتِضاءِ “ عَنْ أبِي بَرْزَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ الَّذِي يُعَلِّمُ النّاسَ ويَنْسى نَفْسَهُ كَمَثَلِ الفَتِيلَةِ تُضِيءُ لِلنّاسِ وتَحْرِقُ نَفْسَها» . وأخْرَجَ ابْنُ قانِعٍ في ”مُعْجَمِهِ“ والخَطِيبُ في “ الِاقْتِضاءِ “ عَنْ سُلَيْكٍ (p-٣٤٧)قالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إذا عَلِمَ العالِمُ ولَمْ يَعْمَلْ كانَ كالمِصْباحِ يُضِيءُ لِلنّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ» . وأخْرَجَ الأصْبِهانِيُّ في ”التَّرْغِيبِ“ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُجاءُ بِالعالِمِ السَّوْءِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُقْذَفُ في جَهَنَّمَ، فَيَدُورُ بِقُصْبِهِ - قُلْتُ: ما قُصْبُهُ؟ قالَ: أمْعاؤُهُ - كَما يَدُورُ الحِمارُ بِالرَّحى، فَيُقالُ: يا ويْلَهْ بِمَ لَقِيتَ هَذا، وإنَّما اهْتَدَيْنا بِكَ؟ قالَ: كُنْتُ أُخالِفُكم إلى ما أنْهاكم عَنْهُ» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن دَعا النّاسَ إلى قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ ولَمْ يَعْمَلْ هو بِهِ لَمْ يَزَلْ في ظِلِّ سَخَطِ اللَّهِ حَتّى يَكُفَّ أوْ يَعْمَلَ ما قالَ أوْ دَعا إلَيْهِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّهُ جاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ: يا ابْنَ عَبّاسٍ إنِّي أُرِيدُ أنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وأنْهى عَنِ المُنْكَرِ، قالَ: أوَبَلَغْتَ ذَلِكَ؟ قالَ: أرْجُو، قالَ: فَإنْ لَمْ تَخْشَ أنْ تَفْتَضِحَ بِثَلاثَةِ أحْرُفٍ في كِتابِ اللَّهِ فافْعَلْ، قالَ: وما هُنَّ؟ قالَ: قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿أتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ﴾ أحْكَمْتَ هَذِهِ الآيَةَ؟ قالَ: لا، قالَ: فالحَرْفُ الثّانِي؟ قالَ: قَوْلُهُ تَعالى ﴿لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢] ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣] (p-٣٤٨)أحْكَمْتَ هَذِهِ الآيَةَ؟ قالَ: لا، قالَ: فالحَرْفُ الثّالِثُ؟ قالَ: قَوْلُ العَبْدِ الصّالِحِ شُعَيْبٍ: ﴿وما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكم إلى ما أنْهاكم عَنْهُ﴾ [هود: ٨٨] [ هُودٍ: ٨٨] أحْكَمْتَ هَذِهِ الآيَةَ؟ قالَ: لا، قالَ: فابْدَأْ بِنَفْسِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ في “ الزُّهْدِ “، والبَيْهَقِيُّ في ”شُعَبِ الإيمانِ“ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: ما خَطَبَ خَطِيبٌ في الدُّنْيا إلّا سَيَعْرِضُ اللَّهُ عَلَيْهِ خُطْبَتَهُ ما أرادَ بِها. وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأحْمَدُ في “ الزُّهْدِ “ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ قالَ: ويْلٌ لِلَّذِي لا يَعْلَمُ مَرَّةً ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَعَلَّمَهُ، ووَيْلٌ لِلَّذِي يَعْلَمُ ولا يَعْمَلُ سَبْعَ مَرّاتٍ. وأخْرَجَ أحْمَدُ في “ الزُّهْدِ “ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: ويْلٌ لِلَّذِي لا يَعْلَمُ ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَعَلَّمَهُ، ووَيْلٌ لِمَن يَعْلَمُ ولا يَعْمَلُ سَبْعَ مَرّاتٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب