الباحث القرآني

ولَمّا أمَرَ عُلَماءَهم بِما تَرَكُوا مِن مَعالِي الأخْلاقِ مِنَ الإيمانِ والشَّرائِعِ بَعْدَ أمْرِهِمْ بِذِكْرِ ما خَصَّهم بِهِ مِنَ النِّعَمِ، ونَهاهم عَمّا ارْتَكَبُوا مِن سَفْسافِها مِن كُفْرِ النِّعَمِ ونَقْضِ العُهُودِ وما تَبِعَ ذَلِكَ وكانُوا يَأْمُرُونَ (p-٣٣٦)غَيْرَهم بِما يَزْعُمُونَ أنَّهُ تَزْكِيَةٌ ويَنْهَوْنَهُ عَمّا يَدَّعُونَ أنَّهُ تَرْدِيَةٌ؛ أنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَرْغِيبًا فِيما نَدَبَهم إلَيْهِ وحَثَّهم عَلَيْهِ وتَوْبِيخًا عَلى تَرْكِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿أتَأْمُرُونَ﴾ مِنَ الأمْرِ وهو الإلْزامُ بِالحُكْمِ، قالَهُ الحَرالِّيُّ. ﴿النّاسَ بِالبِرِّ﴾ وهو التَّوَسُّعُ في أفْعالِ الخَيْرِ ﴿وتَنْسَوْنَ﴾ والنِّسْيانُ السَّهْوُ الحادِثُ بَعْدَ حُصُولِ العِلْمِ، ﴿أنْفُسَكُمْ﴾ أيْ تَتْرُكُونَ حَمْلَها عَلى ذَلِكَ تَرْكَ النّاسِي، ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِهِ زِيادَةً في التَّنْفِيرِ عَنْ هَذا الأمْرِ الفَظِيعِ الَّذِي دَلَّ العَقْلُ دَلالَةً بَيِّنَةً عَلى فُحْشِهِ، لِأنَّ المَقْصُودَ مِن أمْرِ الغَيْرِ بِالبِرِّ النَّصِيحَةُ أوْ الشَّفَقَةُ، ولَيْسَ مِنَ العَقْلِ أنْ يُشْفِقَ الإنْسانُ عَلى غَيْرِهِ أوْ يَنْصَحَ غَيْرَهُ ويَنْسى نَفْسَهُ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِهِ حُكْمُ التَّوْراةِ، كانُوا يَحْمِلُونَ عَوامَّهم عَلَيْهِ وهم يَعْلَمُونَ دُونَ العَوامِّ أنَّ مِن حُكْمِ التَّوْراةِ اتِّباعَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَدْ نَسُوا أنْفُسَهم مِنَ الأمْرِ بِأساسِ البِرِّ الَّذِي لا يَصِحُّ مِنهُ شَيْءٌ إلّا بِهِ. وقالَ الحَرالِّيُّ: ولَمّا كانَ فِيهِمْ مَن أشارَ عَلى مَنِ اسْتَهْداهُ بِالهِدايَةِ (p-٣٣٧)لِاتِّباعِ مُحَمَّدٍ ﷺ ولَمْ يَهْدُوا أنْفُسَهم لِما أرْشَدُوا إلَيْهِ غَيْرَهم؛ أعْلَنَ تَعالى عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ نَظْمًا لِما تَقَدَّمَ مِن نَقْضِ عَهْدِهِمْ ولَبْسِهِمْ وكَتْمِهِمْ بِما ظَهَرَ مِن نَقْصِ عُقُولِهِمْ في أنْ يُظْهِرَ طَرِيقَ الهُدى لِغَيْرِهِ ولا يَتَّبِعَهُ فَأخْرَجَهم بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ العَقْلِ الَّذِي هو أدْنى أحْوالِ المُخاطَبِينَ، وزادَ في تَبْكِيتِهِمْ بِجُمْلَةٍ حالِيَّةٍ حاكِيَةٍ تَلَبُّسَهم بِالعِلْمِ والحِكْمَةِ النّاهِيَةِ عَمّا هم عَلَيْهِ فَقالَ: ﴿وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ﴾ مِنَ التِّلاوَةِ، وهو تَتَبُّعُ قَوْلِ قائِلٍ (p-٣٣٨)أوَّلٍ مِن جِهَةِ أوَّلِيَّتِهِ، قالَهُ الحَرالِّيُّ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ الحالِيَّةُ أعْظَمُ مُنَبِّهٍ عَلى أنَّ مِن حُكْمِ التَّوْراةِ اتِّباعَهُ ﷺ، ومُشِيرٌ إلى أنَّ المَعْصِيَةَ مِنَ العالِمِ أقْبَحُ. قالَ الحَرالِّيُّ: فِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ أمْرَ النَّبِيِّ ﷺ في مَنطُوقِ تِلاوَتِهِ لَيْسَ في خَفِيِّ إفْهامِهِ، فَكانَ في ذَلِكَ خُرُوجٌ عَنْ حُكْمِ نُورِ العَقْلِ. انْتَهى. ولَمّا كانَ هَذا في كِتابِهِمْ وهم بِهِ يَأْمُرُونَ وعَنْهُ مُعْرِضُونَ سَبَّبَ سُبْحانَهُ عَنْهُ الإنْكارَ في قَوْلِهِ: ”﴿أفَلا﴾“ أيْ أتَتْلُونَهُ فَلا ﴿تَعْقِلُونَ﴾ إشارَةً إلى أنَّ ما هم عَلَيْهِ مِن هَذا لا يَفْعَلُهُ ذُو مُسْكَةٍ، والعَقْلُ إدْراكُ حَقائِقِ ما نالَ الحِسُّ ظاهِرَهُ - قالَهُ الحَرالِّيُّ. سُمِّيَ عَقْلًا لِأنَّهُ يَعْقِلُ عَنِ التَّوَرُّطِ في الهَلَكَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب