الباحث القرآني
(p-٨٩)﴿وإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهم أئِذا كُنّا تُرابًا إنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وأُولَئِكَ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ وأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ [الرعد: ٢] فَلَمّا قُضِيَ حَقُّ الِاسْتِدْلالِ عَلى الوَحْدانِيَّةِ نُقِلَ الكَلامُ إلى الرَّدِّ عَلى مُنْكِرِي البَعْثِ وهو غَرَضٌ مُسْتَقِلٌّ مَقْصُودٌ مِن هَذِهِ السُّورَةِ. وقَدْ أُدْمِجَ ابْتِداءً خِلالَ الِاسْتِدْلالِ عَلى الوَحْدانِيَّةِ بِقَوْلِهِ ﴿لَعَلَّكم بِلِقاءِ رَبِّكم تُوقِنُونَ﴾ [الرعد: ٢] تَمْهِيدًا لِما هُنا، ثُمَّ نُقِلَ الكَلامُ إلَيْهِ بِاسْتِقْلالِهِ بِمُناسَبَةِ التَّدْلِيلِ عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ مُسْتَخْرَجًا مِنَ الأدِلَّةِ السّابِقَةِ عَلَيْهِ أيْضًا كَقَوْلِهِ ﴿أفَعَيِينا بِالخَلْقِ الأوَّلِ بَلْ هم في لَبْسٍ مِن خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق: ١٥] وقَوْلِهِ ﴿إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ﴾ [الطارق: ٨] فَصِيغَ بِصِيغَةِ التَّعْجِيبِ مِن إنْكارِ مُنْكِرِي البَعْثِ؛ لِأنَّ الأدِلَّةَ السّالِفَةَ لَمْ تَبْقَ عُذْرًا لَهم في ذَلِكَ فَصارَ في إنْكارِهِمْ مَحَلُّ عَجَبِ المُتَعَجِّبِ.
فَلَيْسَ المَقْصُودُ مِنَ الشَّرْطِ في مِثْلِ هَذا تَعْلِيقَ حُصُولِ مَضْمُونِ جَوابِ الشَّرْطِ عَلى حُصُولِ فِعْلِ الشَّرْطِ كَما شَأْنُ الشُّرُوطِ؛ لِأنَّ كَوْنَ قَوْلِهِمْ ﴿أإذا كُنّا تُرابًا﴾ عَجَبًا أمْرٌ ثابِتٌ سَواءٌ عُجِبَ مِنَ المُتَعَجِّبِ أمْ لَمْ يُعْجَبْ، ولَكِنَّ المَقْصُودَ أنَّهُ إنْ كانَ اتِّصافٌ بِتَعَجُّبٍ فَقَوْلُهم ذَلِكَ هو أسْبَقُ مِن كُلِّ عَجَبٍ لِكُلِّ مُتَعَجِّبٍ، ولِذَلِكَ فالخِطابُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُوَجَّهًا إلى النَّبِيءِ ﷺ وهو المُناسِبُ بِما وقَعَ بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ﴾ [الرعد: ٦] وما بَعْدَهُ مِنَ الخِطابِ الَّذِي لا يَصْلُحُ لِغَيْرِ النَّبِيءِ ﷺ . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الخِطابُ هُنا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِثْلَ ﴿ولَوْ تَرى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ [السجدة: ١٢] .
والفِعْلُ الواقِعُ في سِياقِ الشَّرْطِ لا يُقْصَدُ تَعَلُّقُهُ بِمَعْمُولٍ مُعَيَّنٍ فَلا يُقَدَّرُ: إنْ تَعْجَبْ مِن قَوْلٍ أوْ إنْ تَعْجَبْ مِن إنْكارٍ، بَلْ يُنَزَّلُ الفِعْلُ مَنزِلَةَ اللّازِمِ ولا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ. والتَّقْدِيرُ: إنْ يَكُنْ مِنكَ تَعَجُّبٌ فاعْجَبْ مِن قَوْلِهِمْ الَخْ. . .
(p-٩٠)عَلى أنَّ وُقُوعَ الفِعْلِ في سِياقِ الشَّرْطِ يُشْبِهُ وُقُوعَهُ في سِياقِ النَّفْيِ فَيَكُونُ لِعُمُومِ المَفاعِيلِ في المَقامِ الخِطابِيِّ، أيْ إنْ تَعْجَبْ مِن شَيْءٍ فَعَجَبٌ قَوْلُهم. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ (وإنْ تَعْجَبْ) إلَخْ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الرعد: ١] . فالتَّقْدِيرُ: إنْ تَعْجَبْ مِن عَدَمِ إيمانِهِمْ بِأنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ، فَعَجَبٌ إنْكارُهُمُ البَعْثَ.
وفائِدَةُ هَذا هو التَّشْوِيقُ لِمَعْرِفَةِ المُتَعَجَّبِ مِنهُ تَهْوِيلًا لَهُ أوْ نَحْوَهُ، ولِذَلِكَ فالتَّنْكِيرُ في قَوْلِهِ (فَعَجَبٌ) لِلتَّنَوُّعِ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ أنَّ قَوْلَهم ذَلِكَ صالِحٌ لِلتَّعْجِيبِ مِنهُ، ثُمَّ هو يُفِيدُ مَعْنى التَّعْظِيمِ في بابِهِ تَبَعًا لِما أفادَهُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ مِنَ التَّشْوِيقِ.
والِاسْتِفْهامُ في ﴿أإذا كُنّا تُرابًا﴾ إنْكارِيٌّ، لِأنَّهم مُوقِنُونَ بِأنَّهم لا يَكُونُونَ في خَلْقٍ جَدِيدٍ بَعْدَ أنْ يَكُونُوا تُرابًا. والقَوْلُ المَحْكِيُّ عَنْهم هو في مَعْنى الِاسْتِفْهامِ عَنْ مَجْمُوعِ أمْرَيْنِ وهُما كَوْنُهم تُرابًا، وتَجْدِيدُ خَلْقِهِمْ ثانِيَةً. والمَقْصُودُ مِن ذَلِكَ العَجَبُ والإحالَةُ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ أإذا كُنّا بِهَمْزَةِ اسْتِفْهامٍ في أوَّلِهِ قَبْلَ هَمْزَةِ (إذا)، وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ ﴿أإنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ بِهَمْزَةِ اسْتِفْهامٍ قَبْلَ هَمْزَةِ (إنّا) وقَرَأهُ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ وأبُو جَعْفَرٍ بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ.
والإشارَةُ بِقَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم أحْرِياءُ بِما سَيَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِنَ الخَبَرِ لِأجْلِ ما سَبَقَ اسْمَ الإشارَةِ مِن قَوْلِهِمْ ﴿أإذَ كُنّا تُرابًا أئِنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ بَعْدَ أنْ رَأوْا دَلائِلَ الخَلْقِ الأوَّلِ فَحَقَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ حُكْمانِ: أحَدُهُما أنَّهم كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ؛ لِأنَّ قَوْلَهم ﴿أإذَ كُنّا تُرابًا أإنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ لا يَقُولُهُ إلّا كافِرٌ بِاللَّهِ. أيْ بِصِفاتِ الهَيْئَةِ إذْ جَعَلُوهُ غَيْرَ قادِرٍ عَلى إعادَةِ خَلْقِهِ، وثانِيهِما اسْتِحْقاقُهُمُ العَذابَ.
(p-٩١)وعُطِفَ عَلى هَذِهِ الجُمْلَةِ جُمْلَةُ ﴿وأُولَئِكَ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ﴾ مُفْتَتَحَةً بِاسْمِ الإشارَةِ لِمِثْلِ الغَرَضِ الَّذِي افْتُتِحَتْ بِهِ الجُمْلَةُ قَبْلَها، فَإنَّ مَضْمُونَ الجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَها يُحَقِّقُ أنَّهم أحْرِياءُ بِوَضْعِ الأغْلالِ في أعْناقِهِمْ وذَلِكَ جَزاءُ الإهانَةِ. وكَذَلِكَ عَطْفُ جُمْلَةِ ﴿وأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ .
وقَوْلُهُ ﴿الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ﴾ وعِيدٌ بِسَوْقِهِمْ إلى الحِسابِ سَوْقَ المَذَلَّةِ والقَهْرِ، وكانُوا يَضَعُونَ الأغْلالَ لِلْأسْرى المُثْقَلِينَ، قالَ النّابِغَةُ:
؎أوْ حُرَّةٍ كَمَهاةِ الرَّمْلِ قَدْ كُبِلَتْ فَوْقَ المَعاصِمِ مِنها والعَراقِيبِ
؎تَدْعُو قُعَيْنًا وقَدْ عَضَّ الحَدِيدُ بِها ∗∗∗ عَضَّ الثِّقافِ عَلى صُمِّ الأنابِيبِ
والأغْلالُ: جَمْعُ غُلٍّ بِضَمِّ الغَيْنِ، وهو القَيْدُ الَّذِي يُوضَعُ في العُنُقِ، وهو أشَدُّ التَّقَيُّدِ. قالَ تَعالى ﴿إذِ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ والسَّلاسِلُ﴾ [غافر: ٧١] وإعادَةُ اسْمِ الإشارَةِ ثَلاثًا لِلتَّهْوِيلِ.
وجُمْلَةُ ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ (أصْحابُ النّارِ) .
{"ayah":"۞ وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبࣱ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَ ٰبًا أَءِنَّا لَفِی خَلۡقࣲ جَدِیدٍۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡأَغۡلَـٰلُ فِیۤ أَعۡنَاقِهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق