.
قَوْلُهُ: ﴿وإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ أيْ إنْ تَعْجَبْ يا مُحَمَّدُ مِن تَكْذِيبِهِمْ لَكَ بَعْدَ ما كُنْتَ عِنْدَهم مِنَ الصّادِقِينَ فَأعْجَبُ مِنهُ تَكْذِيبُهم بِالبَعْثِ.
واللَّهُ تَعالى لا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّعَجُّبُ، لِأنَّهُ تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِشَيْءٍ تَخْفى أسْبابُهُ، وإنَّما ذَكَرَ ذَلِكَ لِيَعْجَبَ مِنهُ رَسُولُهُ وأتْباعُهُ.
قالَ الزَّجّاجُ، أيْ: هَذا مَوْضُوعٌ عَجَبٌ أيْضًا أنَّهم أنْكَرُوا البَعْثَ، وقَدْ بَيَّنَ لَهم مِن خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ البَعْثَ أسْهَلُ في القُدْرَةِ، وقِيلَ: الآيَةُ في مُنْكِرِي الصّانِعِ، أيْ: إنْ تَعْجَبْ مِن إنْكارِهِمُ الصّانِعَ مَعَ الأدِلَّةِ الواضِحَةِ بِأنَّ المُتَغَيِّرَ لا بُدَّ لَهُ مِن مُغَيِّرٍ، فَهو مَحَلُّ التَّعَجُّبِ، والأوَّلُ أوْلى لِقَوْلِهِ: ﴿أئِذا كُنّا تُرابًا أئِنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وهَذِهِ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ رَفْعٍ عَلى البَدَلِيَّةِ مِن قَوْلِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى أنَّها مَقُولُ القَوْلِ والعَجَبُ عَلى الأوَّلِ كَلامُهم، وعَلى الثّانِي تَكَلُّمُهم بِذَلِكَ، والعامِلُ في " إذا " ما يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: ﴿أئِنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وهو نُبْعَثُ أوْ نُعادُ.
والِاسْتِفْهامُ مِنهم لِلْإنْكارِ المُفِيدِ لِكَمالِ الِاسْتِبْعادِ، وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ في قَوْلِهِ: ﴿لَفِي خَلْقٍ﴾ لِتَأْكِيدِ الإنْكارِ بِالبَعْثِ.
وكَذَلِكَ تَكْرِيرُ الهَمْزَةِ في قَوْلِهِ: أئِنّا.
ثُمَّ لَمّا حَكى اللَّهُ سُبْحانَهُ ذَلِكَ عَنْهم حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأُمُورٍ ثَلاثَةٍ: الأوَّلُ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ أيْ أُولَئِكَ المُنْكِرُونَ لِقُدْرَتِهِ سُبْحانَهُ عَلى البَعْثِ هُمُ المُتَمادُونَ في الكُفْرِ الكامِلُونَ فِيهِ.
والثّانِي ﴿وأُولَئِكَ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ﴾ الأغْلالُ: جَمْعُ غُلٍّ، وهو طَوْقٌ تُشَدُّ بِهِ اليَدُ إلى العُنُقِ، أيْ: يُغَلُّونَ بِها يَوْمَ القِيامَةِ.
وقِيلَ: الأغْلالُ أعْمالُهُمُ السَّيِّئَةُ الَّتِي هي لازِمَةٌ لَهم لُزُومَ الأطْواقِ لِلْأعْناقِ، والثّالِثُ ﴿وأُولَئِكَ أصْحابُ النّارِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ لا يَنْفَكُّونَ عَنْها بِحالٍ مِنَ الأحْوالِ، وفي تَوْسِيطِ ضَمِيرِ الفَصْلِ دِلالَةٌ عَلى تَخْصِيصِ الخُلُودِ بِمُنْكِرِي البَعْثِ.
﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ﴾ السَّيِّئَةُ العُقُوبَةُ المُهْلِكَةُ.
والحَسَنَةُ: العافِيَةُ والسَّلامَةُ، قالُوا هَذِهِ المَقالَةَ لِفَرْطِ إنْكارِهِمْ وشِدَّةِ تَصْمِيمِهِمْ وتَهالُكِهِمْ عَلى الكُفْرِ، وقِيلَ: مَعْنى الآيَةِ: أنَّهم طَلَبُوا العُقُوبَةَ قَبْلَ الحَسَنَةِ، وهي الإيمانُ ﴿وقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ " مَثُلاتُ " بِفَتْحِ المِيمِ وضَمِّ المُثَلَّثَةِ جَمْعُ مَثُلَةٍ كَسَمُرَةٍ، وهي العُقُوبَةُ قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ المَثُلَةُ العُقُوبَةُ الَّتِي تَبْقى في المُعاقَبِ شَيْنًا بِتَغْيِيرِ بَعْضِ خَلْقِهِ مِن قَوْلِهِمْ: مَثَّلَ فُلانٌ بِفُلانٍ إذا شانَ خَلْقَهُ بِقَطْعِ أنْفِهِ وسَمْلِ عَيْنَيْهِ وبَقْرِ بَطْنَهُ.
وقَرَأ الأعْمَشُ بِفَتْحِ المِيمِ وإسْكانِ المُثَلَّثَةِ تَخْفِيفًا لِثِقَلِ الضَّمَّةِ، وفي لُغَةٍ تَمِيمٍ بِضَمِّ المِيمِ والمُثَلَّثَةِ جَمِيعًا، واحِدَتُها عَلى لُغَتِهِمْ: مُثْلَةٌ، بِضَمِّ المِيمِ وسُكُونِ المُثَلَّثَةِ (p-٧٢٢)مِثْلُ غُرْفَةٍ وغُرُفاتٍ.
وحُكِيَ عَنِ الأعْمَشِ في رِوايَةٍ أُخْرى أنَّهُ قَرَأ هَذا الحَرْفَ بِضَمِّها عَلى لُغَةِ تَمِيمٍ.
والمَعْنى: أنَّ هَؤُلاءِ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِإنْزالِ العُقُوبَةِ بِهِمْ، وقَدْ مَضَتْ مِن قَبْلِهِمْ عُقُوباتُ أمْثالِهِمْ مِنَ المُكَذِّبِينَ، فَما لَهم لا يَعْتَبِرُونَ بِهِمْ ويَحْذَرُونَ مِن حُلُولِ ما حَلَّ بِهِمْ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، وهَذا الِاسْتِعْجالُ مِن هَؤُلاءِ هو عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِهْزاءِ كَقَوْلِهِمْ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآيَةَ ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ أيْ لَذُو تَجاوُزٍ عَظِيمٍ ﴿لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ﴾ أنْفُسَهم بِاقْتِرافِهِمُ الذُّنُوبَ ووُقُوعِهِمْ في المَعاصِي إنْ تابُوا عَنْ ذَلِكَ، ورَجَعُوا إلى اللَّهِ سُبْحانَهُ. الجارُّ والمَجْرُورُ، أيْ: عَلى ظُلْمِهِمْ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، أيْ حالَ كَوْنِهِمْ ظالِمِينَ، وعَلى بِمَعْنى مَعَ، أيْ: مَعَ ظُلْمِهِمْ. وفي الآيَةِ بِشارَةٌ عَظِيمَةٌ ورَجاءٌ كَبِيرٌ، لِأنَّ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ الإنْسانَ حالَ اشْتِغالِهِ بِالظُّلْمِ لا يَكُونُ تائِبًا، ولِهَذا قِيلَ إنَّها في عُصاةِ المُوَحِّدِينَ خاصَّةً، وقِيلَ: المُرادُ بِالمَغْفِرَةِ هُنا تَأْخِيرُ العِقابِ إلى الآخِرَةِ لِيُطابِقَ ما حَكاهُ اللَّهُ مِنَ اسْتِعْجالِ الكُفّارِ لِلْعُقُوبَةِ، وكَما تُفِيدُهُ الجُمْلَةُ المَذْكُورَةُ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ، وهي ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقابِ﴾ يُعاقِبُ العُصاةَ المُكَذِّبِينَ مِنَ الكافِرِينَ عِقابًا شَدِيدًا عَلى ما تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ في الدّارِ الآخِرَةِ.
﴿ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ﴾ أيْ هَلّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ غَيْرُ ما قَدْ جاءَ بِهِ مِنَ الآياتِ، وهَؤُلاءِ الكُفّارُ القائِلُونَ هَذِهِ المَقالَةَ هُمُ المُسْتَعْجِلُونَ لِلْعَذابِ.
قالَ الزَّجّاجُ: طَلَبُوا غَيْرَ الآياتِ الَّتِي أتى بِها فالتَمَسُوا مِثْلَ آياتِ مُوسى وعِيسى، فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ﴾ تُنْذِرُهم بِالنّارِ، ولَيْسَ إلَيْكَ مِنَ الآياتِ شَيْءٌ، انْتَهى.
وهَذا مُكابَرَةٌ مِنَ الكُفّارِ وعِنادٌ، وإلّا فَقَدَ أنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنَ الآياتِ ما يُغْنِي البَعْضُ مِنهُ وجاءَ في ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ﴾ بِصِيغَةِ الحَصْرِ لِبَيانِ أنَّهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مُرْسَلٌ لِإنْذارِ العِبادِ، وبَيانِ ما يَحْذَرُونَ عاقِبَتَهُ، ولَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
وقَدْ فَعَلَ ما هو عَلَيْهِ، وأنْذَرَ أبْلَغَ إنْذارٍ، ولَمْ يَدْعُ شَيْئًا مِمّا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ إلّا أتى بِهِ وأوْضَحَهُ وكَرَّرَهُ.
فَجَزاهُ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ خَيْرًا ﴿ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ أيْ نَبِيٍّ يَدْعُوهم إلى ما فِيهِ هِدايَتُهم ورَشادُهم، وإنْ لَمْ تَقَعِ الهِدايَةُ لَهم بِالفِعْلِ ولَمْ يَقْبَلُوها، وآياتُ الرُّسُلِ مُخْتَلِفَةٌ، هَذا يَأْتِي بِآيَةٍ أوْ آياتٍ لَمْ يَأْتِ بِها الآخَرُ بِحَسَبِ ما يُعْطِيهِ اللَّهُ مِنها، ومَن طَلَبَ مِن بَعْضِهِمْ ما جاءَ بِهِ البَعْضُ الآخَرُ فَقَدْ بَلَغَ في التَّعَنُّتِ إلى مَكانٍ عَظِيمٍ، فَلَيْسَ المُرادُ مِنَ الآياتِ إلّا الدِّلالَةُ عَلى النُّبُوَّةِ لِكَوْنِها مُعْجِزَةً خارِجَةً عَنِ القُدْرَةِ البَشَرِيَّةِ، وذَلِكَ لا يَخْتَصُّ بِفَرْدٍ مِنها، ولا بِأفْرادٍ مُعَيَّنَةٍ، وقِيلَ: إنَّ المَعْنى ﴿ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ وهو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ فَإنَّهُ القادِرُ عَلى ذَلِكَ، ولَيْسَ عَلى أنْبِيائِهِ إلّا مُجَرَّدُ الإنْذارِ.
﴿اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى﴾ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ إحاطَتِهِ بِالعِلْمِ سُبْحانَهُ، وعِلْمِهِ بِالغَيْبِ الَّذِي هَذِهِ الأُمُورُ المَذْكُورَةُ مِنهُ.
قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاسْمُ الشَّرِيفُ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ وهو اللَّهُ، وجُمْلَةُ ﴿يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى﴾ تَفْسِيرٌ لِ " هادٍ " عَلى الوَجْهِ الأخِيرِ، وهَذا بِعِيدٌ جِدًّا، و" ما " مَوْصُولَةٌ، أيْ: يَعْلَمُ الَّذِي تَحْمِلُهُ كُلُّ أُنْثى في بَطْنِها مِن عَلَقَةٍ، أوْ مُضْغَةٍ، أوْ ذَكَرٍ، أوْ أُنْثى، أوْ صَبِيحٍ، أوْ قَبِيحٍ، أوْ سَعِيدٍ، أوْ شَقِيٍّ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامِيَّةً، أيْ: يَعْلَمُ أيَّ شَيْءٍ في بَطْنِها، وعَلى أيِّ حالٍ هو.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أيْ: يَعْلَمُ حَمْلَها ﴿وما تَغِيضُ الأرْحامُ وما تَزْدادُ﴾ الغَيْضُ النَّقْصُ، أيْ: يَعْلَمُ الَّذِي تَغِيضُهُ الأرْحامُ، أيْ: تَنْقُصُهُ، ويَعْلَمُ ما تَزْدادُهُ.
فَقِيلَ: المُرادُ نَقْصُ خِلْقَةِ الحَمْلِ وزِيادَتُهُ كَنَقْصِ أُصْبُعٍ أوْ زِيادَتِها: وقِيلَ: إنَّ المُرادَ نَقْصُ مُدَّةِ الحَمْلِ عَلى تِسْعَةِ أشْهُرٍ، أوْ زِيادَتُها، وقِيلَ: إذا حاضَتِ المَرْأةُ في حالِ حَمْلِها كانَ ذَلِكَ نَقْصًا في ولَدِها، وقِيلَ: الغَيْضُ: ما تَنْقُصُهُ الأرْحامُ مِنَ الدَّمِ، والزِّيادَةُ ما تَزْدادُهُ مِنهُ، و( ما ) في ما تَغِيضُ وما تَزْدادُ تَحْتَمِلُ الثَّلاثَةَ الوُجُوهِ المُتَقَدِّمَةِ في ﴿ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى﴾ ﴿وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ﴾ أيْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها الأشْياءُ المَذْكُورَةُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحانَهُ بِمِقْدارٍ، والمِقْدارُ: القَدْرُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ أيْ كُلُّ الأشْياءِ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحانَهُ جارِيَةٌ عَلى قَدَرِهِ الَّذِي قَدْ سَبَقَ وفَرَغَ مِنهُ، لا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ﴾ أيْ عالِمُ كُلَّ غائِبٍ عَنِ الحِسِّ، وكُلَّ مَشْهُودٍ حاضِرٍ، أوْ كُلَّ مَعْدُومٍ ومَوْجُودٍ ولا مانِعَ مِن حَمْلِ الكَلامِ عَلى ما هو أعَمُّ مِن ذَلِكَ ﴿الكَبِيرُ المُتَعالِ﴾ أيِ العَظِيمُ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، المُتَعالِي عَمّا يَقُولُهُ المُشْرِكُونَ، أوِ المُسْتَعْلِي عَلى كُلِّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ وعَظَمَتِهِ وقَهْرِهِ.
ثُمَّ لَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ أنَّهُ يَعْلَمُ تِلْكَ المُغَيَّباتِ لا يُغادِرُهُ شَيْءٌ مِنها، بَيَّنَ أنَّهُ عالِمٌ بِما يُسِرُّونَهُ في أنْفُسِهِمْ وما يَجْهَرُونَ بِهِ لِغَيْرِهِ، وأنَّ ذَلِكَ لا يَتَفاوَتُ عِنْدَهُ فَقالَ: ﴿سَواءٌ مِنكم مَن أسَرَّ القَوْلَ ومَن جَهَرَ بِهِ﴾ فَهو يَعْلَمُ ما أسَرَّهُ الإنْسانُ كَعِلْمِهِ بِما جَهَرَ بِهِ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ.
وقَوْلُهُ: مِنكم مُتَعَلِّقٌ بِسَواءٍ عَلى مَعْنى يَسْتَوِي مِنكم مَن أسَرَّ ومَن جَهَرَ، أوْ سِرَّ مَن أسَرَّ وجَهْرَ مَن جَهَرَ ﴿ومَن هو مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ أيْ مُسْتَتِرٌ في الظُّلْمَةِ الكائِنَةِ في اللَّيْلِ مُتَوارٍ عَنِ الأعْيُنِ، يُقالُ خَفِيَ الشَّيْءُ واسْتَخْفى: أيِ اسْتَتَرَ وتَوارى ﴿وسارِبٌ بِالنَّهارِ﴾ قالَ الكِسائِيُّ: سَرَبَ يَسْرُبُ سَرَبًا وسُرُوبًا إذا ذَهَبَ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎وكُلُّ أُناسٍ قارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ونَحْنُ خَلَعْنا قَيْدَهُ فَهو سارِبُ
أيْ ذَهَبَ.
وقالَ القُتَيْبِيُّ: سارِبٌ بِالنَّهارِ مُتَصَرِّفٌ في حَوائِجِهِ بِسُرْعَةٍ، مِن قَوْلِهِمْ: أسْرَبَ الماءُ.
قالَ الأصْمَعِيُّ حَلَّ سَرَبُهُ، أيْ: طَرِيقَتُهُ.
وقالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى الآيَةِ الجاهِرُ بِنُطْقِهِ، والمُضْمِرُ في نَفْسِهِ، والظّاهِرُ في الطُّرُقاتِ والمُسْتَخْفِي في الظُّلُماتِ عِلْمُ اللَّهِ فِيهِمْ جَمِيعًا سَوى، وهَذا ألْصَقُ بِمَعْنى الآيَةِ كَما تُفِيدُهُ المُقابَلَةُ بَيْنَ المُسْتَخْفِي والسّارِبِ فالمُسْتَخْفِي المُسْتَتِرُ، والسّارِبُ البارِزُ الظّاهِرُ.
﴿لَهُ مُعَقِّباتٌ﴾ الضَّمِيرُ في " لَهُ " راجِعٌ إلى ( مَن ) في قَوْلِهِ: ﴿مَن أسَرَّ القَوْلَ ومَن جَهَرَ بِهِ ومَن هو مُسْتَخْفٍ﴾، أيْ: لِكُلٍّ مِن هَؤُلاءِ مُعَقِّباتٌ، والمُعَقِّباتُ المُتَناوِباتُ الَّتِي يَخْلُفُ كُلُّ واحِدٍ مِنها صاحِبَهُ ويَكُونُ بَدَلًا (p-٧٢٣)مِنهُ، وهُمُ الحَفَظَةُ مِنَ المَلائِكَةِ في قَوْلِ عامَّةِ المُفَسِّرِينَ.
قالَ الزَّجّاجُ: المُعَقِّباتُ مَلائِكَةٌ يَأْتِي بَعْضُهم بِعَقِبِ بَعْضٍ، وإنَّما قالَ: مُعَقِّباتٌ مَعَ كَوْنِ المَلائِكَةِ ذُكُورًا لِأنَّ الجَماعَةَ مِنَ المَلائِكَةِ يُقالُ لَها مُعَقِّبَةٌ، ثُمَّ جُمِعَ مُعَقِّبَةٌ عَلى مُعَقِّباتٍ: ذَكَرَ مَعْناهُ الفَرّاءُ، وقِيلَ: أُنِّثَ لِكَثْرَةِ ذَلِكَ مِنهم نَحْوَ نَسّابَةٍ وعَلّامَةٍ.
قالَ الجَوْهَرِيُّ: والتَّعَقُّبُ العَوْدُ بَعْدَ البَدْءِ.
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولّى مُدْبِرًا ولَمْ يُعَقِّبْ﴾ [ النَّمْلِ: ١٠، القَصَصِ: ٣١ ] وقُرِئَ " مَعاقِيبُ " جَمْعُ مُعْقِبٍ ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ﴾ أيْ مِن بَيْنِ يَدَيْ مَن لَهُ المُعَقِّباتُ، والمُرادُ أنَّ الحَفَظَةَ مِنَ المَلائِكَةِ مِن جَمِيعِ جَوانِبِهِ، وقِيلَ: المُرادُ بِالمُعَقِّباتِ الأعْمالُ، ومَعْنى مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ: ما تَقَدَّمَ مِنها وما تَأخَّرَ ﴿يَحْفَظُونَهُ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ أيْ مِن أجْلِ أمْرِ اللَّهِ.
وقِيلَ يَحْفَظُونَهُ مِن بَأْسِ اللَّهِ إذا أذْنَبَ بِالِاسْتِمْهالِ لَهُ والِاسْتِغْفارِ حَتّى يَتُوبَ.
قالَ الفَرّاءُ: في هَذا قَوْلانِ: أحَدُهُما أنَّهُ عَلى التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، تَقْدِيرُهُ: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِن أمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَهُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ.
والثّانِي أنَّ كَوْنَ الحَفَظَةِ يَحْفَظُونَهُ هو مِمّا أمَرَ اللَّهُ بِهِ.
قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى حِفْظُهم إيّاهُ مِن أمْرِ اللَّهِ، أيْ: مِمّا أمَرَهم بِهِ لا أنَّهم يَقْدِرُونَ أنْ يَدْفَعُوا أمْرَ اللَّهِ.
قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وفي هَذا قَوْلٌ آخَرُ.
وهُوَ أنَّ ( مِن ) بِمَعْنى الباءِ، أيْ: يَحْفَظُونَهُ بِأمْرِ اللَّهِ، وقِيلَ: إنَّ ( مِن ) بِمَعْنى ( عَنْ )، أيْ: يَحْفَظُونَهُ عَنْ أمْرِ اللَّهِ بِمَعْنى مِن عِنْدِ اللَّهِ، لا مِن عِنْدِ أنْفُسِهِمْ، كَقَوْلِهِ: ﴿أطْعَمَهم مِن جُوعٍ﴾ [ قُرَيْشٍ ] ٤ أيْ عَنْ جُوعٍ، وقِيلَ: يَحْفَظُونَهُ مِن مَلائِكَةِ العَذابِ، وقِيلَ: يَحْفَظُونَهُ مِنَ الجِنِّ.
واخْتارَ ابْنُ جَرِيرٍ أنَّ المُعَقِّباتِ المَواكِبُ بَيْنَ أيْدِي الأُمَراءِ.
عَلى مَعْنى أنَّ ذَلِكَ لا يَدْفَعُ عَنْهُ القَضاءَ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ﴾ مِنَ النِّعْمَةِ والعافِيَةِ ﴿حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأنْفُسِهِمْ﴾ مِن طاعَةِ اللَّهِ.
والمَعْنى: أنَّهُ لا يَسْلُبُ قَوْمًا نِعْمَةً أنْعَمَ بِها عَلَيْهِمْ حَتّى يُغَيِّرُوا الَّذِي بِأنْفُسِهِمْ مِنَ الخَيْرِ والأعْمالِ الصّالِحَةِ، أوْ يُغَيِّرُوا الفِطْرَةَ الَّتِي فَطَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْها.
قِيلَ: ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ لا يُنْزِلُ بِأحَدٍ مِن عِبادِهِ عُقُوبَةً حَتّى يَتَقَدَّمَ لَهُ ذَنْبٌ، بَلْ قَدْ تَنْزِلُ المَصائِبُ بِذُنُوبِ الغَيْرِ كَما في الحَدِيثِ أنَّهُ «سَألَ رَسُولَ اللَّهِ سائِلٌ فَقالَ: أنَهْلِكُ وفِينا الصّالِحُونَ ؟ قالَ: نَعَمْ إذا كَثُرَ الخَبَثُ»، ﴿وإذا أرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا﴾ أيْ هَلاكًا وعَذابًا ﴿فَلا مَرَدَّ لَهُ﴾ أيْ فَلا رَدَّ لَهُ، وقِيلَ: المَعْنى: إذا أرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا أعْمى قُلُوبَهم حَتّى يَخْتارُوا ما فِيهِ البَلاءُ ﴿وما لَهم مِن دُونِهِ مِن والٍ﴾ يَلِي أمْرَهم ويَلْتَجِئُونَ إلَيْهِ، فَيَدْفَعُ عَنْهم ما يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ مِنَ العِقابِ، أوْ مِن ناصَرٍ يَنْصُرُهم ويَمْنَعُهم مِن عَذابِ اللَّهِ.
والمَعْنى: أنَّهُ لا رادَّ لِعَذابِ اللَّهِ ولا ناقِضَ لِحُكْمِهِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ الحَسَنِ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهم﴾ قالَ: إنْ تَعْجَبْ يا مُحَمَّدُ مِن تَكْذِيبِهِمْ إيّاكَ فَعَجَبٌ قَوْلُهم.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في الآيَةِ قالَ: إنْ تَعْجَبْ يا مُحَمَّدُ مِن تَكْذِيبِهِمْ، وهم رَأوْا مِن قُدْرَةِ اللَّهِ وأمْرِهِ، وما ضَرَبَ لَهم مِنَ الأمْثالِ وأراهم مِن حَياةِ المَوْتى والأرْضِ المَيْتَةِ ﴿فَعَجَبٌ قَوْلُهم أئِذا كُنّا تُرابًا أئِنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أوَلا يَرَوْنَ أنَّهُ خَلَقَهم مِن نُطْفَةٍ، فالخَلْقُ مِن نُطْفَةٍ أشَدُّ مِنَ الخَلْقِ مِن تُرابٍ وعِظامٍ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ﴾ قالَ: العُقُوباتُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ في المَثُلاتِ قالَ: وقائِعُ اللَّهِ في الأُمَمِ فِيمَن خَلا قَبْلَكم.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: المَثُلاتُ ما أصابَ القُرُونَ الماضِيَةَ مِنَ العَذابِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وإنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقابِ﴾ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: لَوْلا عَفْوُ اللَّهِ وتَجاوُزُهُ ما هَنَأ لِأحَدٍ العَيْشُ، ولَوْلا وعِيدُهُ وعِقابُهُ لاتَّكَلَ كُلُّ أحَدٍ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ قالَ: داعٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ قالَ: المُنْذِرُ مُحَمَّدٌ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: ﴿ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ نَبِيٍّ يَدْعُوهم إلى اللَّهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: مُحَمَّدٌ المُنْذِرُ والهادِي اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ أيْضًا.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ هو المُنْذِرُ وهو الهادِي.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وأبِي الضُّحى نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وأبُو نُعَيْمٍ في المَعْرِفَةِ والدَّيْلَمِيُّ وابْنُ عَساكِرَ وابْنُ النَّجّارِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ وضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَدَهُ عَلى صَدْرِهِ فَقالَ: أنا المُنْذِرُ، وأوْمَأ بِيَدِهِ إلى مَنكِبِ عَلِيٍّ فَقالَ: أنْتَ الهادِي يا عَلِيُّ بِكَ يَهْتَدِي المُهْتَدُونَ مِن بَعْدِي» قالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ: وهَذا الحَدِيثُ فِيهِ نَكارَةٌ شَدِيدَةٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ والضِّياءُ في المُخْتارَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أيْضًا.
وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ المَسْنَدِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ في الآيَةِ نَحْوَهُ أيْضًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحّاكِ ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى﴾ قالَ: كُلُّ أُنْثى مِن خَلْقِ اللَّهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في الآيَةِ قالَ: يَعْلَمُ ذَكَرًا هو أوْ أُنْثى ﴿وما تَغِيضُ الأرْحامُ﴾ قالَ: هي المَرْأةُ تَرى الدَّمَ في حَمْلِها.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما تَغِيضُ الأرْحامُ﴾ قالَ: خُرُوجُ الدَّمِ ﴿وما تَزْدادُ﴾ قالَ: اسْتِمْساكُهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وما تَغِيضُ الأرْحامُ﴾ قالَ: أنْ تَرى الدَّمَ في حَمْلِها ﴿وما تَزْدادُ﴾ قالَ: في التِّسْعَةِ أشْهُرٍ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ الضَّحّاكِ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: ما تَزْدادُ عَلى تِسْعَةٍ، وما (p-٧٢٤)تَنْقُصُ مِنَ التِّسْعَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وأبُو الشَّيْخِ عَنْهُ أيْضًا في الآيَةِ ﴿وما تَغِيضُ الأرْحامُ﴾ قالَ: السَّقْطُ ﴿وما تَزْدادُ﴾ ما زادَتْ في الحَمْلِ عَلى ما غاضَتْ حَتّى ولَدَتْهُ تَمامًا.
وذَلِكَ أنَّ مِنَ النِّساءِ مَن تَحْمِلُ عَشَرَةَ أشْهُرٍ، ومِنهُنَّ مَن تَحْمِلُ تِسْعَةَ أشْهُرٍ، ومِنهُنَّ مَن تَنْقُصُ.
فَذَلِكَ الغَيْضُ والزِّيادَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، وكُلُّ ذَلِكَ يَعْلَمُهُ تَعالى.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ﴾ قالَ: السِّرِّ والعَلانِيَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن هو مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ قالَ: راكِبٌ رَأْسَهُ مِنَ المَعاصِي ﴿وسارِبٌ بِالنَّهارِ﴾ قالَ: ظاهِرٌ بِالنَّهارِ بِالمَعاصِي.
وأخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وأبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وسارِبٌ بِالنَّهارِ﴾ قالَ: الظّاهِرُ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: هو صاحِبُ رِيبَةٍ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ، وإذا خَرَجَ بِالنَّهارِ أرى النّاسَ أنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الإثْمِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ في الكَبِيرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ وأبُو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ مِن طَرِيقِ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ سَبَبَ نُزُولِ الآيَةِ قُدُومُ عامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، وأرْبَدَ بْنِ قَيْسٍ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في القِصَّةِ المَشْهُورَةِ، وأنَّهُ لَمّا أُصِيبَ عامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ بِالغُدَّةِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿مُعَقِّباتٌ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ قالَ: المُعَقِّباتُ مِن أمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَ مُحَمَّدًا صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ أرْبَدَ بْنَ قَيْسٍ وما قَتَلَهُ، فَقالَ: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ شَدِيدُ المِحالِ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مُعَقِّباتٌ﴾ الآيَةَ قالَ: هَذِهِ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ خاصَّةً.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ ﴿يَحْفَظُونَهُ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ قالَ: ذَلِكَ الحِفْظُ مِن أمْرِ اللَّهِ بِأمْرِ اللَّهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا ﴿مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ قالَ: بِإذْنِ اللَّهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: ولِيُّ السُّلْطانِ يَكُونُ عَلَيْهِ الحُرّاسُ يَحْفَظُونَهُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ، يَقُولُ: يَحْفَظُونَهُ مِن أمْرِي، فَإنِّي إذا أرَدْتُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وأبُو الشَّيْخِ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: المُلُوكُ يَتَّخِذُونَ الحَرَسَ يَحْفَظُونَهُ مِن أمامِهِ ومِن خَلْفِهِ وعَنْ يَمِينِهِ وعَنْ شِمالِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنَ القَتْلِ، ألَمْ تَسْمَعْ أنَّ اللَّهَ يَقُولُهُ: ﴿وإذا أرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ﴾ أيْ إذا أرادَ سُوءًا لَمْ يُغْنِ الحَرَسُ عَنْهُ شَيْئًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ في الآيَةِ قالَ: هَؤُلاءِ الأُمَراءُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: هُمُ المَلائِكَةُ تُعَقِّبُ بِاللَّيْلِ تَكْتُبُ عَلى ابْنِ آدَمَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والفِرْيابِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في الآيَةِ قالَ: مَلائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومِن خَلْفِهِ، فَإذا جاءَ قَدَرُ اللَّهِ خَلُّوا عَنْهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وأبُو الشَّيْخِ عَنْ عَلِيٍّ في الآيَةِ قالَ: لَيْسَ مِن عَبْدٍ إلّا ومَعَهُ مَلائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِن أنْ تَقَعَ عَلَيْهِ حائِطٌ، أوْ يَنْزَوِيَ في بِئْرٍ، أوْ يَأْكُلَهُ سَبْعٌ أوْ غَرَقٌ أوْ حَرْقٌ، فَإذا جاءَ القَدَرُ خَلُّوا بَيْنَهُ وبَيْنَ القَدَرِ، وقَدْ ورَدَ في ذِكْرِ الحَفَظَةِ المُوَكَّلِينَ بِالإنْسانِ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ في كُتُبِ الحَدِيثِ.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["۞ وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبࣱ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَ ٰبًا أَءِنَّا لَفِی خَلۡقࣲ جَدِیدٍۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡأَغۡلَـٰلُ فِیۤ أَعۡنَاقِهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ","وَیَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلسَّیِّئَةِ قَبۡلَ ٱلۡحَسَنَةِ وَقَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِمُ ٱلۡمَثُلَـٰتُۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةࣲ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلۡمِهِمۡۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ","وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ ءَایَةࣱ مِّن رَّبِّهِۦۤۗ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُنذِرࣱۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ","ٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَحۡمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِیضُ ٱلۡأَرۡحَامُ وَمَا تَزۡدَادُۚ وَكُلُّ شَیۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ","عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلۡكَبِیرُ ٱلۡمُتَعَالِ","سَوَاۤءࣱ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّیۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ","لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ"],"ayah":"۞ وَإِن تَعۡجَبۡ فَعَجَبࣱ قَوۡلُهُمۡ أَءِذَا كُنَّا تُرَ ٰبًا أَءِنَّا لَفِی خَلۡقࣲ جَدِیدٍۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡأَغۡلَـٰلُ فِیۤ أَعۡنَاقِهِمۡۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ"}