الباحث القرآني

وَإِنْ تَعْجَبْ يا محمد من تكذيب هؤلاء المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها من دون الله، وهم قراء تعبدون من الله وامره وما ضرب الله من الأمثال فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ فتعجب أيضا من قيلهم إِذا كُنَّا تُراباً بعد الموت إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ فيعاد خلقنا جديدا كما كنا قبل الوجود. قال الله: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ [[سورة الإسراء: 82.]] يوم القيامة وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ جهنم وَيَسْتَعْجِلُونَكَ يعني مشركي مكة بِالسَّيِّئَةِ بالبلاء والعقوبة قَبْلَ الْحَسَنَةِ الرخاء والعافية، وذلك أنّهم سألوا رسول الله ﷺ‎ إن جاءهم العذاب فاستهزأ منهم بذلك. وقالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [[سورة الأنفال: 32.]] الآية وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وقد مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها، العقوبات المنكلات واحدتها: مثلة بفتح الميم وضم التاء مثل صدقة وصدقات. وتميم: بضم التاء والميم جميعا، وواحدتها على لغتهم مثلة بضم الميم وجزم الثاء مثل عرفة وعرفات والفعل منه مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وسكون الثاء. وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ. أحمد بن منبه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: ولما نزلت هذه الآية وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ قال رسول الله ﷺ‎: لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد» [132] [[الدر المنثور: 4/ 45.]] . وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ يعني على محمد ﷺ‎ آيَةٌ علامة وحجة على نبوته، قال الله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ مخوف وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ داع يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ إمام يأتمون به. وقال الكلبي: داع يدعوهم إلى الضلالة أو إلى الحق. أبو العالية: قائد، أبو صالح قتادة مجاهد: نبي يدعوهم إلى الله. سعيد بن جبير: يعني بالهادي الله عزّ وجلّ. وهي رواية العوفي، عن ابن عباس قال: المنذر محمد، والهادي الله. عكرمة وأبو الضحى: الهادي محمد (ﷺ‎) . وروى السدي عن عبد الله بن علي قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ قال: قال النبي ﷺ‎: «المنذر أنا، الهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه» [133] [[مسند أحمد: 1/ 126.]] . وروى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله ﷺ‎ يده على صدره فقال: «أنا المنذر» وأومأ بيده إلى منكب علي (رضي الله عنه) فقال: «فأنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي» [134] [[الدر المنثور: 4/ 35.]] . ودليل هذا التأويل: ما روي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد عن ربيع عن حذيفة: إنّ النبي ﷺ‎ قال: «إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف، وإن وليتموها عمر فقوي أمين لا تأخذه في الله لومة لائم، وإن وليتموها عليا فهاد مهدي يقيمكم على طريق مستقيم» [135] [[كنز العمال: 11/ 631، 33075.]] . ردا على منكري البعث القائلين أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ فقال سبحانه: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ يعني تنقص. قال المفسرون: غيض الأرحام الحيض على الحمل، فإذا حاضت الحامل كان نقصانا في غذاء الولد وزيادة في مدة الحمل، فإنها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداد في طهرها حتى يستكمل ستة أشهر ظاهرا. فإن رأت الدم خمسة أيام ومضت التسعة أشهر وخمسة أيام، وهو قوله: وَما تَزْدادُ. روى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ خروج الدم حتى تحض، يعني حين المولد، وَما تَزْدادُ استمساك الدم إذا لم تهرق المرأة تم الولد وعظم، وفي هذه الآية دليل على أنّ الحامل تحيض وإليه ذهب الشافعي. وقال الحسن: غيضها ما تنقص من التسعة الأشهر وزيادتها ما تزداد على التسعة الأشهر. الربيع بن أنس: ما يغيض الأرحام يعني السقط وَما تَزْدادُ يعني توأمين إلى أربعة. جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ يعني به السقط. وروى عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: الغيض النقصان من الأجل، والزيادة ما يزداد على الأجل، وذلك أنّ النساء لا يلدن لعدّة واحدة ولا لأجل معلوم وقد يولد الولد لستة أشهر فيعيش ويولد لسنتين ويعيش. قال: وسمعت الضحاك يقول: ولدت لسنتين قد نبتت ثناياي، وروى هيثم عن حصين قال: مكث الضحاك في بطن أمه سنتين. وروى ابن جريح عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحو ظل المغزل، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وجماعة من الفقهاء [[راجع نصب الراية: 3/ 454، وسنن الدارقطني: 3/ 221.]] . وقال الشافعي وجماعة من الفقهاء: أكثر الحمل أربع سنين، يدل عليه ما أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ، أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد قال: سمعت أبا محمد عبد الله بن أحمد بن الفرج الأحمري سمعت عباس بن نصر البغدادي سمعت صفوان ابن عيسى يقول: مكث محمد بن عجلان في بطن أمه ثلاث سنين فشق بطن أمه وأخرج وقد نبتت أسنانه. وروى ابن عائشة عن حماد بن سلمة قال: إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ بحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، والمقدار مفعال من القدر عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الذي كل شيء دونه الْمُتَعالِ المستعلي على كل شيء بقدرته سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ في ظلمته وَسارِبٌ ظاهر بِالنَّهارِ ضوءه لا يخفى عليه من ذلك. وقال أبو عبيدة: سارِبٌ بِالنَّهارِ أي سالك في سربه أي مذهب ووجهة، يقال: سارب سربه بفتح السين أي طريقه. قال قيس بن الحطيم: إني سربت وكنت غير سروب ... وتقرب الأحلام غير قريب الشعبي: سارِبٌ بِالنَّهارِ منصرف في حوائجه يقال: سرب يسرب. قال الشاعر: أرى كلّ قوم قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده فهو سارب [[زاد المسير: 4/ 229، وفي لسان العرب: 1/ 462 وفيه (كل أناس) بدل (أرى كل قوم) .]] أي ذاهب. قال ابن عباس: في هذه الآية هو صاحب ريبة مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ، فإذا خرج بالنهار رأى الناس أنه بريء من الإثم. وقال بعضهم: مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أي ظاهر، من قولهم: خفيت الشيء إذا أظهرته، وَسارِبٌ بِالنَّهارِ أي متوار داخل في سرب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب