الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ( ماتَ ) صِفَةٌ لِأحَدٍ، و( أبَدًا ) ظَرْفٌ لِتَأْبِيدِ النَّفْيِ.
قالَ الزَّجّاجُ: مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ولا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ﴾ أنَّ رَسُولَ (p-٥٩٠)اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - كانَ إذا دُفِنَ المَيِّتُ وقَفَ عَلى قَبْرِهِ ودَعا لَهُ فَمُنِعَ هاهُنا مِنهُ، وقِيلَ: مَعْناهُ: لا تَقُمْ بِمُهِمّاتِ إصْلاحِ قَبْرِهِ، وجُمْلَةُ ﴿أنَّهم كَفَرُوا﴾ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، وإنَّما وصَفَهم بِالفِسْقِ بَعْدَ وصْفِهِمْ بِالكُفْرِ، لِأنَّ الكافِرَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا في دِينِهِ، والكَذِبُ والنِّفاقُ والخِداعُ والجُبْنُ والخُبْثُ مُسْتَقْبَحَةٌ في كُلِّ دِينٍ.
﴿ولا تُعْجِبْكَ أمْوالُهم وأوْلادُهم إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُعَذِّبَهم بِها في الدُّنْيا وتَزْهَقَ أنْفُسُهم وهم كافِرُونَ﴾ ثُمَّ نَهى رَسُولَهُ عَنْ أنْ تُعْجِبَهُ أمْوالُهم وأوْلادُهم، وهو تَكْرِيرٌ لِما سَبَقَ في هَذِهِ السُّورَةِ وتَقْرِيرٌ لِمَضْمُونِهِ، وقِيلَ: إنَّ الآيَةَ المُتَقَدِّمَةَ في قَوْمٍ، وهَذِهِ في آخَرِينَ، وقِيلَ: هَذِهِ في اليَهُودِ، والأُولى في المُنافِقِينَ، وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وقَدْ تَقَدَّمَ في الآيَةِ الأُولى جَمِيعُ ما يُحْتاجُ إلَيْهِ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ.
ثُمَّ عادَ اللَّهُ سُبْحانَهُ إلى تَوْبِيخِ المُنافِقِينَ، فَقالَ: ﴿وإذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ﴾ أيْ مِنَ القُرْآنِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بَعْضُ السُّورَةِ، وأنْ يُرادَ تَمامُها، وقِيلَ: هي هَذِهِ السُّورَةُ: أيْ سُورَةُ بَراءَةٍ، و" أنْ " في ( أنْ آمِنُوا بِاللَّهِ ) مُفَسِّرَةٌ لِما في الإنْزالِ مِن مَعْنى القَوْلِ، أوْ مَصْدَرِيَّةٌ حُذِفَ مِنها الجارُّ: أيْ بِأنْ آمِنُوا، وإنَّما قُدِّمَ الأمْرُ بِالإيمانِ لِأنَّ الِاشْتِغالَ بِالجِهادِ لا يُفِيدُ إلّا بَعْدَ الإيمانِ ﴿اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنهُمْ﴾ أيْ ذَوُو الفَضْلِ والسِّعَةِ، مِن طالَ عَلَيْهِ طَوْلًا، كَذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، وقالَ الأصَمُّ: الرُّؤَساءُ والكُبَراءُ المَنظُورُ إلَيْهِمْ، وخَصَّهم بِالذِّكْرِ لِأنَّ الذَّمَّ لَهم ألْزَمُ، إذْ لا عُذْرَ لَهم في القُعُودِ ﴿وقالُوا ذَرْنا﴾ أيِ اتْرُكْنا ﴿نَكُنْ مَعَ القاعِدِينَ﴾ أيِ المُتَخَلِّفِينَ عَنِ الغَزْوِ مِنَ المَعْذُورِينَ كالضُّعَفاءِ والزَّمْنى.
والخَوالِفُ: النِّساءُ اللّاتِي يَخْلُفْنَ الرِّجالَ في القُعُودِ في البُيُوتِ، جَمْعُ خالِفَةٍ، وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ جَمْعَ خالَفٍ، وهو مَن لا خَيْرَ فِيهِ ﴿وطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ وهو كَقَوْلِهِ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] وقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ ﴿فَهم لا يَفْقَهُونَ﴾ شَيْئًا مِمّا فِيهِ نَفْعُهم وضُرُّهم، بَلْ هم كالأنْعامِ.
وقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، وغَيْرُهُما، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «لَمّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أتى ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَسَألَهُ أنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَهُ فِيهِ فَأعْطاهُ، ثُمَّ سَألَهُ أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فَقامَ عُمَرُ فَأخَذَ ثَوْبَهُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أتُصَلِّي عَلَيْهِ وقَدْ نَهاكَ اللَّهُ أنْ تُصَلِّيَ عَلى المُنافِقِينَ ؟ فَقالَ: إنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي وقالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهم إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهم سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهم﴾ [التوبة: ٨٠] وسَأزِيدُ عَلى السَّبْعِينَ، فَقالَ: إنَّهُ مُنافِقٌ، فَصَلّى عَلَيْهِ فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهم ماتَ أبَدًا﴾ الآيَةَ، فَتَرَكَ الصَّلاةَ عَلَيْهِمْ» .
وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ، والبَزّارُ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: «ماتَ رَأْسُ المُنافِقِينَ بِالمَدِينَةِ فَأوْصى أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وأنْ يُكَفِّنَهُ في قَمِيصِهِ، فَجاءَ ابْنُهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -، فَقالَ: إنَّ أبِي أوْصى أنْ يُكَفَّنَ في قَمِيصِكَ، فَصَلّى عَلَيْهِ وألْبَسَهُ قَمِيصَهُ وقامَ عَلى قَبْرِهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ولا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهم ماتَ أبَدًا ولا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ﴾» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿أُولُو الطَّوْلِ﴾ قالَ: أهْلُ الغِنى.
وأخْرَجَ هَؤُلاءِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿رَضُوا بِأنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾ قالَ: مَعَ النِّساءِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، في الآيَةِ قالَ: رَضُوا بِأنْ يَقْعُدُوا كَما قَعَدَتِ النِّساءُ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتادَةَ، قالَ: الخَوالِفُ النِّساءُ.
{"ayahs_start":84,"ayahs":["وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدࣰا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦۤۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُوا۟ وَهُمۡ فَـٰسِقُونَ","وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ٰلُهُمۡ وَأَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلدُّنۡیَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ","وَإِذَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَجَـٰهِدُوا۟ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَـٔۡذَنَكَ أُو۟لُوا۟ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُوا۟ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَـٰعِدِینَ","رَضُوا۟ بِأَن یَكُونُوا۟ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا یَفۡقَهُونَ"],"ayah":"وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدࣰا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦۤۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُوا۟ وَهُمۡ فَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق