الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (٨٤) ﴾ قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد ﷺ: ولا تصلِّ، يا محمد، على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك أبدًا = ﴿ولا تقم على قبره﴾ ، يقول: ولا تتولَّ دفنه وتقبيره. [[في المطبوعة: " وتقبره "، غير ما في المخطوطة. و " التقبير " بمعنى: الدفن، من ألفاظ قدماء الفقهاء. وقد سلف استخدام أبي جعفر هذه اللفظة، وتعليقي عليها فيما سلف ٩: ٣٨٧، تعليق: ١.]] من قول القائل: "قام فلان بأمر فلان"، إذا كفاه أمرَه. * * * = ﴿إنهم كفروا بالله﴾ ، يقول: إنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله = وماتوا وهم خارجون من الإسلام، مفارقون أمرَ الله ونهيه. [[انظر تفسير " الفسق " فيما سلف ص: ٣٨٥، تعليق: ١، والمراجع هناك.]] * * * وقد ذكر أن هذه الآية نزلت حين صلى النبي ﷺ على عبد الله بن أبيّ. * ذكر من قال ذلك: ١٧٠٥٠- حدثنا محمد بن المثنى، وسفيان بن وكيع، وسوار بن عبد الله قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله قال، أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: جاء ابن عبد الله بن أبيّ ابن سلول إلى رسول الله حين مات أبوه فقال: أعطني قميصَك حتى أكفّنه فيه، وصلّ عليه، واستغفر له. = فأعطاه قميصه = وإذا فرغتم فآذنوني. [[في المطبوعة: " قال: وإذا فرغتم "، وليس في المخطوطة: " قال " بل فيها: " وإذا وإذا فرغتم "، بالتكرار.]] فلما أراد أن يصلي عليه، [جذبه] عمر، [["جذبه" التي بين القوسين، ساقطة من المخطوطة، زادها الناشر الأول، وأصاب. .]] وقال: أليس قد نهاك الله أن تُصَليّ على المنافقين؟ فقال: بل خيّرني وقال: ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم﴾ ، قال: فصلي عليه. قال: فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ولا تُصَلِّ على أحَدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره﴾ ، قال: فترك الصلاة عليهم. [[الأثر: ١٧٠٥٠ - خبر " عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر "، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٣: ١١٠ \ ٨: ٢٥١، ٢٥٥) ، رواه من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، ثم من طريق أبي أسامة، عن عبيد الله، ثم من طريق أنس بن عياض، عن عبيد الله. ورواه مسلم في صحيحه ١٧: ١٢١، من طريق أبي أسامة، عن عبيد الله بن عمر. وسيأتي من رواية أبي جعفر، من طريق أسامة، في الذي يليه، رقم: ١٧٠٥١. وخرجه ابن كثير في تفسيره ٤: ٢١٧ - ٢١٩، فراجعه هناك.]] ١٧٠٥١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله إلى النبي ﷺ، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ بثوب النبيّ ﷺ، فقال: ابنَ سلول! أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال النبي ﷺ: إنما خيَّرني ربّي، فقال: ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم﴾ ، وسأزيد على سبعين. فقال: إنه منافق! فصلى عليه رسولُ الله ﷺ، فأنزل الله: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره﴾ . [[الأثر: ١٧٠٥١ - انظر التخريج السالف.]] ١٧٠٥٢- حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن مجاهد قال، حدثني عامر، عن جابر بن عبد الله: أن رأسَ المنافقين مات بالمدينة، فأوصى أن يصلي عليه النبيُّ ﷺ، وأن يكفَّن في قميصه، فكفنه في قميصه، وصلى عليه وقام على قبره، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره﴾ . [[الأثر: ١٧٠٥٢ - حديث جابر بن عبد الله من هذه الطريق، ذكره ابن كثير في تفسيره ٤: ٢١٩، عن مسند البزار، من طريق عمرو بن علي، عن يحيى، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، وقال: "وإسناده لا بأس به، وما قبله شاهد له". وسيأتي حديث جابر من طريق أخرى رقم: ١٧٠٥٤]] ١٧٠٥٣- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس: أن رسول الله ﷺ أراد أن يصلي على عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه فقال: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره﴾ . [[الأثر: ١٧٠٥٣ - " يزيد الرقاشي "، هو " يزيد بن أبان الرقاشي "، ضعيف بل متروك، مضى برقم: ٦٦٥٤، ٦٧٢٨، ٧٥٧٧، وغيرها.]] ١٧٠٥٤- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر قال: جاء النبيُّ ﷺ عبدَ الله بن أبيّ وقد أدخل حُفْرته، فأخرجه فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه، وتَفَل عليه من ريقه، والله أعلم. [[الأثر: ١٧٠٥٤ - حديث جابر، مضى من طريق الشعبي آنفا رقم: ١٠٧٥٢. وأما هذه الطريق، فمنها رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٣: ١١١) ، ومسلم في صحيحه ١٧٥: ١٢١، وروا أيضا من طريق ابن جريج، عن عمرو بن دينار. وقوله: " والله أعلم "، يعني: والله أعلم بقضائه، إذ فعل رسول الله ﷺ ما فعل، مع قضاء الله في المنافقين بما قضى به فيهم.]] ١٧٠٥٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس قال: سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول، دُعي رسول الله ﷺ للصلاة عليه، فقام إليه. فلما وقف عليه يريد الصلاة، تحوَّلتُ حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله، أتصلي على عدوّ الله عبد الله بن أبي، القائل يوم كذا كذا وكذا!! أعدِّد أيّامه، [[هكذا في السيرة: " أعدد أيامه " وظنها بعضهم خطأ، وهو صواب. يعني يعدد ما كان منه في أيام من أيامه، يوم قال كذا، ويوم قال كذا.]] ورسول الله عليه السلام يتبسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: أخِّر عنّي يا عمر، إني خُيِّرت فاخترت، وقد قيل لي: ﴿استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم﴾ ، فلو أنّي أعلم أنّي إن زدت على السبعين غفر له، لزدت! قال: ثم صلى عليه، ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه. قال: فعجبتُ لي وجُرْأتي [[في المطبوعة: "أتعجب لي"، وفي المخطوطة: "تعجبت"، وأثبت نص ابن هشام في سيرته. وفي السيرة: "ولجرأتي".]] على رسول الله ﷺ، والله ورسوله أعلم. فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: ﴿ولا تصلِّ على أحدا منهم مات أبدًا﴾ ، فما صلى رسول الله ﷺ بعدَه على منافق، ولا قام على قبره، حتى قبضه الله. [[الأثر: ١٧٠٥٥ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٦، ١٩٧، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٧٠٣٦. وحديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، رواه البخاري في صحيحه (الفتح ٨: ٢٥٤) ، من طريق يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب الزهري. وسيأتي من هذه الطريق برقم: ١٧٠٥٧. وخرجه ابن كثير في تفسيره ٤: ٢١٨. وقوله: " أخر عني يا عمر "، أي: أخر عني رأيك، فاختصر إيجاز وبلاغة - هكذا قالوا: وقد ذكرت آنفا ج ١٠: ٣٣٩، تعليق: ٦، أنهم قصروا من شرحه، وأن معناه، اصرف عني رأيك وأبعده، وأنه مما يزداد على بيان كتب اللغة.]] ١٧٠٥٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لما مات عبد الله بن أبي، أتى ابنه عبد الله بن عبد الله رسولَ الله ﷺ، فسأله قميصه، فأعطاه، فكفَّن فيه أباه. [[الأثر: ١٧٠٥٦ - لم أجد هذا الخبر في سيرة ابن هشام.]] ١٧٠٥٧- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، عن عمر بن الخطاب قال: لما مات عبد الله بن أبيّ = فذكر مثل حديث ابن حميد، عن سلمة. [[الأثر: ١٧٠٥٧ - سلف تخريجه في رقم: ١٧٠٥٥.]] ١٧٠٥٨- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره﴾ ، الآية، قال: بعث عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله ﷺ وهو مريض ليأتيه، فنهاه عن ذلك عمر. فأتاه نبيُّ الله ﷺ، فلما دخل عليه، قال نبي الله ﷺ: أهلكك حبُّ اليهود! قال فقال: يا نبي الله، إني لم أبعث إليك لتؤنّبني، ولكن بعثت إليك لتستغفر لي! وسأله قميصه أن يكفن فيه، فأعطاه إياه، فاستغفر له رسولُ الله ﷺ، فمات فكفن في قميص رسول الله ﷺ، ونفث في جلده، ودلاه في قبره، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا﴾ ، الآية. قال: ذكر لنا أن نبي الله ﷺ كُلّم في ذلك فقال: وما يغني عنه قميصي من الله = أو: ربي = وصلى عليه = وإني لأرجو أن يسلم به ألفٌ من قومه. [[قوله: " وصلى عليه "، هكذا في المخطوطة، وجعلها في المطبوعة: " وصلاتي عليه "، كأنه ظنه معطوفًا على قوله: " ما يغنى عنه قميصي "، ولكن جائز أن يكون ما أثبته من المخطوطة، هو الصواب، وهو خبر من قتادة أو غيره، فصل به بين كلام رسول الله ﷺ. ولذلك وضعته بين خطين.]] ١٧٠٥٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبي بن سلول وهو مريض إلى النبي ﷺ؛ فلما دخل عليه، قال له النبي ﷺ: أهلكك حبُّ يهود! قال: يا رسول الله، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتؤنبني! ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفّن فيه، فأعطاه إياه، وصلى عليه، وقام على قبره، فأنزل الله تعالى ذكره: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبرة﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب