الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ وَقَدْ وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَنِي وَأَهْلِي؟ ﴿وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ لَا خُلْفَ فِيهِ، ﴿وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ حَكَمْتَ عَلَى قَوْمٍ بِالنَّجَاةِ وَعَلَى قَوْمٍ بِالْهَلَاكِ. ﴿قَالَ﴾ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: "عَمِلَ" بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ "غَيْرَ" بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ، أَيْ: عَمِلَ الشِّرْكَ وَالتَّكْذِيبَ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ اللَّامِ وَتَنْوِينِهِ، "غَيْرُ" بِرَفْعِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ: أَنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ أَنْ أُنْجِيَهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ﴾ يَا نُوحُ، ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ . قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ "فَلَا تَسْأَلَنِّ" [[في "ب": (فلا تسألني) .]] بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَيَكْسِرُونَ النُّونَ غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ يَفْتَحُهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَزْمِ اللَّامِ وَكَسْرِ النُّونِ خَفِيفَةً، وَيُثْبِتُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ وَيَعْقُوبُ الْيَاءَ فِي الْوَصْلِ. ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِابْنِ؛ [[انظر في هذه الأقوال: الطبري: ١٥ / ٣٤٠-٣٤٦.]] قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: كَانَ وَلَدَ حِنْثٍ [[في "أ": (خبيث) . و"الحنث" (بكسر الحاء وسكون النون) : الذنب والمعصية. وفي الحديث: "يكثر فيهم أولاد الحنث" أي: أولاد الزنى. ويُروى: "الخبث" (بالخاء مضمومة والثاء) من "الخبث" وهو الفساد والفجور. وفي الحديث: "إذا كثر الخبث كان كذا وكذا ... " أي: الفسق والفجور. وفي الحديث: "أنه أُتيَ برجل مخدج سقيم، وُجِد مع أَمَة يخبث بها" أي: يزني بها ويقال: "هو ابن خبثة" لابن الزنية، ولد لغير رشدة. انظر: تعليق الشيخ محمود شاكر على الطبري: ١٥ / ٣٤٠.]] مِنْ غَيْرِ نُوحٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ نُوحٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ وَقَرَأَ الْحَسَنُ "فَخَانَتَاهُمَا" [التحريم: ١٠] . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ وَكَانَ يَعْلَمُهُ نُوحٌ وَلِذَلِكَ قَالَ "مِنْ أَهْلِي" وَلَمْ يَقُلْ مِنِّي. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْأَكْثَرُونَ [[وهو ما رجحه الطبري، قال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: تأويل ذلك: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم، لأنه كان لدينك مخالفا وبي كافرا = وكان ابنه، لأن الله تعالى ذكره قد أخبر نبيه محمدًا ﷺ أنه ابنه فقال: "ونادى نوح ابنه"، وغير جائز أن يخبر أنه "ابنه" فيكون بخلاف ما أخبر. وليس في قوله: "إنه ليس من أهلك" دلالة على أنه ليس بابنه، إذ كان قوله "ليس من أهلك" محتملا من المعنى ما ذكرنا، ومحتملا "إنه ليس من أهل دينك" ثم يحذف "الدين" فيقال: "إنه ليس من أهلك" كما قيل: "واسأل القرية التي كنا فيها" [يوسف: ٨٢] . انظر: الطبري: ١٥ / ٣٤٦.]] : إِنَّهُ كَانَ ابْنَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ صُلْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ أَيْ: مِنْ أهل الدين [[في "ب": (دينك) .]] ١٧٥/ب لِأَنَّهُ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ أَيْ: فِي الدِّينِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا فِي الْفِرَاشِ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ يَعْنِي: أَنْ تَدْعُوَ بِهَلَاكِ الْكُفَّارِ ثُمَّ تَسْأَلَ نَجَاةَ كَافِرٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب