قوله تعالى: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي فإنك قد وعدتني أن تنجيهم من العذاب، وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ يعني: أنت الصَّادق في وعدك، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ يعني: أعدل العادلين قالَ الله تعالى: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الذي وعدتك أن أنجيهم. وروي عن الحسن أنه قال: «إنه تخلف، لأنه لم يكن ابن نوح» .
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: كنت عند الحسن قال: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ فقال: لعمر الله ما هو ابنه، قلت: يا أبا سعيد، يقول الله تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وأنت تقول: هو ليس بابنه؟ قال: أفرأيت قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الذي وعدتك أن أنجيهم، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه. قال: إنَّ أهل الكتاب يكذبون.
وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة: «أنه ابنه» ، غير أنه خالفه في العمل. وقال بعض الحكماء: إن الابن إذا لم يفعل ما يفعل الأب انقطع عنه، والأمة إذا لم يفعلوا ما فعل نبيُّهم، أخاف أن ينقطعوا عنه.
ثمَّ قال: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ قرأ الكسائي: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح، بكسر الميم ونصب الراء وغير صالح بنصب الراء. وروت أُمُّ سَلَمَةَ عن رسول الله ﷺ أنه كان يقرأ هكذا، ومعناه: إن ابنك عمِلَ عَمَلَ المشركين، ولم يعمل عمل المؤمنين. وقرأ الباقون: عَمَلٌ غَيْرُ، بالتنوين والضم غَيْرُ صالِحٍ، بضمّ الراء، ومعناه: إنَّ سؤالك ودعاءك لابنك الكافر عَمَلٌ غير صالح، فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ يعني: بياناً. وقرأ أهل الكوفة: فَلا تَسْئَلْنِ بتخفيف النون بغير ياء، لأن الكسر يقوم مقام الياء. وروي عن أبي عبيدة أنه قال:
رأيت في مصحف عثمان هكذا.
وقرأ أبو عمرو: فَلا تَسْئَلْنِي بإثبات الياء بغير تشديد، وهو الأصل في اللغة. وقرأ ابن كثير: فَلا تَسْئَلْنِ بنصب النون والتشديد بغير ياء، ويكون معناه: التأكيد في النهي. وقرأ ابن عامر، ونافع في رواية قالون: فَلا تَسْئَلْنِ بالكسر بغير ياء مع التشديد. وقرأ نافع في رواية ورش: فَلا تَسْئَلْنِي بالياء مع التشديد.
ثم قال: إِنِّي أَعِظُكَ أي أنهاك أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يعني: ممّن يترك أمري.
ويقال: من المكذبين بقدرة الله تعالى وقضائه قالَ نوح عليه السلام: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ، يعني: اعتصم وامتنع بك أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ يعني: احفظني بعد اليوم، لكيلا أسألك ما ليس به علم وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي يعني: إن لم تغفر لي، ولم ترحمني، أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي: أكن من المغبونين.
{"ayahs_start":45,"ayahs":["وَنَادَىٰ نُوحࣱ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِی مِنۡ أَهۡلِی وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ","قَالَ یَـٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَیۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَیۡرُ صَـٰلِحࣲۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّیۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ","قَالَ رَبِّ إِنِّیۤ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَیۡسَ لِی بِهِۦ عِلۡمࣱۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِی وَتَرۡحَمۡنِیۤ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ"],"ayah":"قَالَ یَـٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَیۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَیۡرُ صَـٰلِحࣲۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّیۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَـٰهِلِینَ"}