الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾، [من قال: إن هذا الابن كان ابن نوح لصلبه، قال: معنى قوله: ﴿لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] أي: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، كذا قال ابن عباس [[الطبري 12/ 51، الثعلبي 7/ 44 ب.]] فيها روى عنه الضحاك، وروى هشيم [[هشيم هو: ابن بشير بن أبي خازم، الإمام شيخ الإسلام، محدث بغداد وحافظها، أبو معاوية السلمي مولاهم، الواسطي، ثقة ثبت، توفي سنة 183 هـ. انظر: "التقريب" ص 574 (7312)، "السير" 8/ 287.]] قال: سألت أبا بشر [[هو: جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري أبو بشر، أحد الأئمة والحفاظ، ثقة، من أثبت الناس في سعيد بن جبير. توفي سنة 125هـ، وقيل: 126هـ. انظر: "التقريب" ص 139 (930)، "السير" 5/ 465.]] عن هذه الآية فقال [[الطبري 12/ 51.]]: معناه: ليس من أهل دينك. والقولان ذكرهما الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 55.]]، وحكاهما أبو علي [["الحجة" 4/ 342 بتصرف.]]، وقال في القول الأول: بعَّد المخالفة، في الدين قربَ النسب الذي بينهما، كما تقرب الموالاة في الدين بعد النسب، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10] وهذا إطلاع من الله تعالى نوحًا على باطن أمره، كما أطلع رسوله محمدًا ﷺ ما استبطنه المنافقون، وقال في القول الثاني: إنه من باب حذف المضاف، وعلى هذا كان سؤال نوح إنجاءه؛ لأنه كان يظن أنه على دينه، فقد روي أنه كان منافقًا يظهر الإيمان ويسر الكفر، وكذا يقول من قال إنه ابن امرأته، وذهب جماعة إلى أنه ولد على فراش نوح، وكان ولد خبثه، وكان يظن نوح أنه ابنه، حتى أخبره الله تعالى أنه ليس ابنه، بقوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾، وهذا قول ابن جرير [[لعله ابن جريج كما في الطبري 12/ 50، أما ابن جرير فيقول بخلاف ذلك. انظر: الطبري 12/ 51.]]، والحسن [[الطبري 12/ 49 - 50، وابن أبي حاتم 6/ 2040، "زاد المسير" 4/ 113.]]، قال الحسن: إن امرأته فجرت. وقال الشعبي [["زاد المسير" 4/ 113.]]: لم يكن ابنه، إن امرأته خانته، واحتج هؤلاء بقوله تعالى: ﴿فَخَانتاهُمَا﴾ [التحريم: 10] [[من هنا يبدأ السقط في (ب).]]، والعلماء على أنه كان ابنه، وعليه ابن عباس فقد روى الضحاك عنه أنه قال [[الطبري 12/ 51، ابن أبي حاتم 6/ 2040، "زاد المسير" 8/ 315.]]: ما بغت امرأة نبي قط. وروى سليمان بن قتة [[هو: سليمان بن قتة التيمي، مولاهم البصري، المقرئ من فحول الشعراء، وثّقه ابن معين وقتة هي أمه، ولم تذكر سنة وفاته. انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 596، "غاية النهاية" 1/ 314.]] أن ابن عباس سئل: ما كانت خيانة امرأة نوح وامرأة لوط؟ فقال [[الطبري 12/ 51، عبد الرزاق 2/ 310، القرطبي 9/ 47، "زاد المسير" 8/ 315، "الدر المنثور" 6/ 377.]]: كانت امرأة نوح تقول: زوجي مجنون، وكانت امرأة لوط تدل الناس على ضيفه إذا نزل به، وروى عكرمة عنه [[أخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن الضحاك نحوه كما في "الدر" 6/ 377.]] أنه قال: لم يكن الله ليجعل خائنة الفرج لأحد من أنبيائه، وإنما خيانتهما الكفر، قال أبو بكر ابن الأنباري: وهذا أولى من الأخذ بتأويلٍ فيه رميُ زوج نبي بالفاحشة، ومتى وجدنا سبيلا إلى تطهير حرم الأنبياء لم نعدل عن ذلك إلى وصفهن بما يسمج، وهذا أيضًا مذهب ابن مسعود [[لم أجده في مظانه.]]: فقد قال: إنه ابنه، ولم يبتل الله -عزوجل - نبيا في أهله بمثل هذه البلوى. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾، يجوز أن تكون الهاء راجعة على السؤال، والمعنى: إن سؤالك إياي أنجي كافرًا، عمل غير صالح؛ لأنه قد تقدم دليل السؤال في قوله: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾، ويجوز أن تكون الهاء راجعة على ابن نوح، ويكون التقدير: إن ابنك ذو عمل أو صاحب عمل غير صالح، فحذف المضاف كما قالت الخنساء: ..... فإنما هي إقبال وإدبار [[تقدم تخريج البيت في سورة البقرة: 177.]] وهذا الذي ذكرنا قول أبي إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 55.]]، وأبي بكر [["زاد المسير" 4/ 114.]]، وأبي علي [["الحجة" 4/ 342.]]؛ قال أبو علي: ويجوز أن يكون ابن نوح جعل عملًا غير صالح، كما يجعل الشيء لكثرة ذلك منه، كقولهم: الشعر زهير، فعلى هذا لا حذف، ومن ذهب إلى أنه كان لزنية، قال: معنى قوله: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ أنه ولد زنى [[وممن قال بهذا الحسن كما في الطبري 12/ 53، وابن أبي حاتم 6/ 2040.]]، والمفسرون على القول الأول؛ أن المعنى أن سؤالك ما ليس لك به علم عمل غير صالح [[رواه الطبري 12/ 53 عن إبراهيم، وقتادة، وابن عباس، ومجاهد، وابن أبي حاتم 6/ 2040 عن ابن عباس.]]، وهو قول الكلبي وقتادة، وقال عطاء عن ابن عباس: سؤالك [[في (ي): (مسألتك).]] إياي عمل غير صالح، وقرأ الكسائي [[ويعقوب من العشرة، انظر: "السبعة" / 334، "الكشف" 1/ 531، "النشر" 3/ 115، "إتحاف" ص 256، وقرأ بها ابن عباس كما في الطبري 12/ 53، والأخفش كما في "معاني القرآن" 2/ 578.]]: "إنه عَمِلَ غيرِ صالح"، وهذه القراءة قراءة النبي ﷺ [[هذا الكلام فيه إيهام بأن ما عدا هذه القراءة ليس قراءة للنبي ﷺ وهذا غير مراد، وإنما المراد أنها قراءة ثابتة عن النبيﷺ.]]؛ روى ذلك عنه عائشة وأسماء بنت يزيد [[هي: الصحابية أم سلمة، أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع الأنصارية وقيل كنيتها أم عامر، شهدت اليرموك وعاشت بعدها دهرًا. انظر: "الإصابة" ص 234 - 235، "التقريب" ص 743 (8532).]] وأم سلمة [[هذا الحديث رواه أحمد في "مسنده" من حديث أسماء بنت يزيد في ثلاثة مواضع 6/ 454، 459، 460، وعنها أيضًا، أبو داود (3982)، والطيالسي في مسنده ص 256 ح 1631، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 301، عن أم سلمة أم المؤمنين، والحاكم في "المستدرك" 2/ 249، وأحمد عن أم سلمة 6/ 294، 322، وأيضاً الطيالسي 223 برقم 1594، قال الترمذي بعد أن ساق الخبر: "سمعت عبد بن حميد يقول: أسماء بنت يزيد هي أم سلمة الأنصارية، كلا الحديثين عندي واحد" وذهب أحمد شاكر في تعليقه على الطبري إلى أنهما حديثان 15/ 350، وأن شهر ابن حوشب يروي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية التي تكنى بأم سلمة، ويروى عن أم المؤمنين أم سلمة، وأما حديث عائشة الموافق لحديث أم سلمة فقد رواه البخاري في "الكبير" 1/ 1/ 286، 287، ورواه الحاكم في "المستدرك"، وقال الذهبي تعليقًا عليه: "إسناده مظلم".]]، ومعناه أن الابن عمل عملًا غير صالح، يعني الشرك، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة التي هي "غير" مقامه. وقوله تعالى: ﴿فَلَا [[في النسخ: (9 ولا).]] تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾، قال أبو بكر: سأل نوح ربه من نجاته وانصراف الغرق عنه ما يسأله الوالد، وهو لا يعلم أن ذلك محظور عليه مع إصراره على الكفر، حتى أعلمه ذلك، وكأن المعنى: ما ليس لك علم بجواز مسألته. وقال أبو علي [["الحجة" 4/ 343.]]: قوله "به" يحتمل وجهين: أحدهما: أنه مقدم يراد به التأخير أي ما ليس لك علم به [[في (ي): (به علم).]] فيكون كقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف: 20]، و ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف:21]، و ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: 56]، وزعم أبو الحسن [[هو أبو الحسن الأخفش.]] أن ما يكون من هذا القبيل يتعلق بمضمر، يفسره هذا الذي ظهر بعد، وإن كان لا يجوز تسلط هذا الظاهر عليه قال: ومثل ذلك قوله: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى﴾ [الفرقان: 22] فانتصب ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ﴾ بما دلَّ عليه ﴿لَا بُشْرَى﴾، ولا يجوز لما بعد ﴿لَا﴾ هذه أن تتسلط على ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ﴾، وكذلك ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: 21] يتعلق بما يدل عليه النصح المظهر، وإن لم يتسلط عليه، والتقدير: إني ناصح لكما من الناصحين، وكذلك "ما ليس لي به علم" يتعلق بما يدل عليه قوله علم الظاهر، وإن لم يجز أن يعمل فيه، قال أبو علي: ويجوز فيه وجه آخر، وهو أن تكون الباء متعلقًا بما دل عليه قوله "ليس لك" والمعنى ليس لك [[ساقط من (جـ).]] أن يستقر لك به علم، كتعلق الظرف بالمعاني، والعلم هاهنا يراد به العلم المتيقن الذي يعلم به الشيء على حقيقته [[في (جـ): (على ظاهره).]]، ليس العلم الذي يعلم به الشيء على ظاهره كالذي في قوله: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ﴾ [الممتحنة:10] ونحو ما يعلمه الحاكم من شهادة الشاهدين [[إلى هنا انتهى النقل عن "الحجة" 4/ 344 (بتصرف).]]. وقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ﴾، قال ابن عباس [[القرطبي 9/ 48، "تنوير المقباس" 141.]]: يريد: إني أنهاك. ﴿أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، [قال: يريد الآثمين؛ لأن عمل المؤمنين وذنوبهم جهل ليس بكفر، كما قال موسى: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة: 67]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (جـ).]]، وقال الله تعالى ﴿يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: 17] وجهل المؤمن ذنب وليس بكفر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب