الباحث القرآني

وَقالَ نوح لهم: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها قرأ أبو رجاء العطاردي: مُجْراها وَمُرْساها بضم الميمين وكسر الراء والسين وهي قراءة عبد الله. قال ابن عباس: مَجْراها حيث تجري وَمُرْساها حيث ترسو، أي تحسر في الماء. وقرأ محمد بن محيصن بفتح الميمين وهما مصدران، يعني أن الله تعالى بيده جريها ورسوّها أي ثبوتها، جرى يجري جريا ومجرى، ورسا يرسو رسوّا ومرسى، مثل ذهب مذهبا وضرب مضربا. قال امرؤ القيس: تجاوزت أحراسا وأهوال معشر ... عليّ حرام لو يسرّون مقتلي [[إعجاز القرآن للباقلاني: 171.]] أي: قتلي. وقرأ الباقون بضم الميمين، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، ومعناه: بسم الله إجراؤها وإرساؤها، كقوله تعالى أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وأَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ بمعنى الإنزال والإدخال والإخراج. إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ قال الضحاك: كان نوح إذا أراد أن يرسو قال: بِسْمِ اللَّهِ، فرست، وإذا أراد أن تجري قال: بِسْمِ اللَّهِ، فجرت. وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ كنعان وكان عنيدا وقيل وكان كافرا. وَكانَ فِي مَعْزِلٍ عنه لم يركب معه الفلك. يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ فتهلك، قال له ابنه: سَآوِي سأصير وأرجع إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي يمنعني مِنَ الْماءِ ومنه عصام القربة الذي [يربط] رأسها فيمنع الماء أن يسيل منها. قالَ نوح لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عذاب الله إلّا من رحمناه، وأنقذناه منه، ومن في محل رفع، وقيل: في محل النصب ومعناه لا معصوم اليوم من أمر الله إلّا من رحمه الله، كقوله تعالى عِيشَةٍ راضِيَةٍ وماءٍ دافِقٍ قال الشاعر: بطيء القيام رخيم الكلام ... أمسى فؤادي به فاتنا أي مفتونا. وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ فصار مِنَ الْمُغْرَقِينَ وَقِيلَ بعد ما تناهى أمر الطوفان يا أَرْضُ ابْلَعِي أي اشربي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي امسكي وَغِيضَ الْماءُ فذهب ونقص ومصدره الغيض والغيوض. وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي وفرغ من العذاب وَاسْتَوَتْ يعني السفينة استقرّت ورست وحلّت عَلَى الْجُودِيِّ وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل، قال مجاهد: تشامخت الجبال وتطاولت لئلّا ينالها الماء فعلا الماء فوقها خمسة عشر ذراعا وتواضع الجودي وتطامن لأمر ربّه فلم يغرق، فأرسيت السفينة عليه. وَقِيلَ بُعْداً هلاكا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الكافرين، قال رسول الله ﷺ‎: «في أوّل يوم من رجب وفي بعض الأخبار: لعشر مضت من رجب- ركب نوح في السفينة فصام هو ومن معه وجرت بهم السفينة ستة أشهر، ومرّت بالبيت فطاف به سبعا وقد رفعه الله من الغرق، وأرسيت السفينة على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحوش والدواب فصاموا شكرا لله عزّ وجلّ» [98] [[تفسير الطبري: 12/ 61، وتاريخ الطبري: 1/ 131.]] . وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ أي الصدق وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ أي تحكم على قوم بالنجاة وعلى قوم بالهلاك. قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ وقرأ أهل الكوفة (عَمِلَ) بكسر الميم وفتح اللام، غَيْرَ بنصب الراء على الفعل ومعناه: إنه عمل الشرك والكفر، وقرأ الباقون عَمَلٌ بفتح الميم وضمّ اللام وتنوين غير بالرفع ومعناه: إنّ سؤالك إياي أن أنجيه عمل غير صالح. فَلا تَسْئَلْنِ يا نوح ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ بما لا تعلم وقرأ ابن كثير بتشديد النون وفتحه، وقرأ أهل المدينة والشام بتشديد النون وكسره. إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ واختلفوا في هذا الابن فقال بعضهم: إنه لم يكن ابن نوح، ثم اختلفوا فيه، فقال بعضهم: كان ولد خبث من غيره، ولم يعلم بذلك نوح، فقال الله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي من ولدك، وهو قول مجاهد والحسن، وقال قتادة: سألت الحسن عنه فقال: والله ما كان بابنه، وقرأ فَخانَتاهُما فقال: إن الله حكى عنه إنه قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وقال: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وأنت تقول: لم يكن ابنه، وإن أهل الكتابين لا يختلفون في انه كان ابنه. فقال الحسن: ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب، إنهم يكذبون. وقال ابن جريج: ناداه وهو يحسب أنه ابنه، وكان ولد على فراشه، وقال عبيد بن عمير، نرى أن رسول الله ﷺ‎ إنما قضى أن الولد للفراش من أجل ابن نوح، وقال بعضهم: إنه كان ابن امرأته واستدلّوا بقول نوح: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ولم يقل: منّي، وهو قول أبي جعفر الباقر. وقال الآخرون: كان ابنه ومن فصيلته، ومعنى قوله: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم، وقالوا: ما بغت امرأته ولا امرأة لوط وإنما كانت خيانتهما في الدين لا في الفراش، وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون، وهذه كانت تدلّ على الأضياف، وهو قول ابن عباس وعكرمة والضحاك وسعيد بن جبير وميمون بن مهران. قال أبو معاوية البجلي: قال رجل لسعيد بن جبير: قال نوح إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، أكان ابن نوح؟ فسبّح طويلا، وقال: لا إله إلّا الله يحدث الله محمدا ﷺ‎ انه ابنه وتقول ليس ابنه، كان ابنه ولكنه كان مخالفا في النية والعمل والدين، فمن ثم قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، وهذا القول أولى بالصواب وأليق بظاهر الكتاب. فقال نوح (عليه السلام) عند ذلك رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ انزل من السفينة إلى الأرض بِسَلامٍ بأمن وسلامة مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وهم الذين كانوا معه في السفينة. وقال أكثر المفسّرين: معناه وعلى قرون تجيء من ذريّة من معك من الذين آمنوا معك من ولدك، وهم المؤمنون وأهل السعادة من ذريته وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ في الدنيا ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا في الآخرة عَذابٌ أَلِيمٌ وهم الكافرون وأهل الشقاوة. وقال محمد بن كعب القرضي: داخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة، وكذلك داخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة. قال الضحاك: زعم أناس إن من غرق من الولدان مع آبائهن وإنّما ليس كذلك وإنّما الولدان بمنزلة الطير، وسائر من أغرق الله يعود لابنه ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم والمذكورين من الرجال والنساء ممّن كان الغرق عقوبة من الله لهم في الدنيا ثم مصيرهم إلى النار.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب