الباحث القرآني
القِصَّةُ الثّالِثَةُ
﴿ثُمَّ أنْشَأْنا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ﴾ ﴿ما تَسْبِقُ مِن أُمَّةٍ أجَلَها وما يَسْتَأْخِرُونَ﴾ ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرى كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأتْبَعْنا بَعْضَهم بَعْضًا وجَعَلْناهم أحادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أنْشَأْنا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ﴾ ﴿ما تَسْبِقُ مِن أُمَّةٍ أجَلَها وما يَسْتَأْخِرُونَ﴾ ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرى كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأتْبَعْنا بَعْضَهم بَعْضًا وجَعَلْناهم أحادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ يَقُصُّ القَصَصَ في القُرْآنِ تارَةً عَلى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ كَما تَقَدَّمَ، وأُخْرى عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ كَهاهُنا، وقِيلَ: المُرادُ قِصَّةَ لُوطٍ وشُعَيْبٍ وأيُّوبَ ويُوسُفَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ.
فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أنْشَأْنا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ﴾ فالمَعْنى أنَّهُ ما أخْلى الدِّيارَ مِن مُكَلَّفِينَ أنْشَأهم وبَلَّغَهم حَدَّ التَّكْلِيفِ حَتّى قامُوا مَقامَ مَن كانَ قَبْلَهم في عِمارَةِ الدُّنْيا.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿ما تَسْبِقُ مِن أُمَّةٍ أجَلَها وما يَسْتَأْخِرُونَ﴾ فَيَحْتَمِلُ في هَذا الأجَلِ أنْ يَكُونَ المُرادُ آجالَ حَياتِها وتَكْلِيفِها، ويَحْتَمِلُ آجالَ مَوْتِها وهَلاكِها، وإنْ كانَ الأظْهَرُ في الأجَلِ إذا أُطْلِقَ أنْ يُرادَ بِهِ وقْتُ المَوْتِ، فَبَيَّنَ أنَّ كُلَّ أُمَّةٍ لَها آجالٌ مَكْتُوبَةٌ في الحَياةِ والمَوْتِ، لا يَتَقَدَّمُ ولا يَتَأخَّرُ، مُنَبِّهًا بِذَلِكَ عَلى أنَّهُ عالِمٌ بِالأشْياءِ قَبْلَ كَوْنِها، فَلا تُوجَدُ إلّا عَلى وفْقِ العِلْمِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ أجَلَ اللَّهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (p-٨٨)[نُوحٍ: ٤] وهاهُنا مَسْألَتانِ:
المسألة الأُولى: قالَ أصْحابُنا: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ المَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأجَلِهِ؛ إذْ لَوْ قُتِلَ قَبْلَ أجَلِهِ لَكانَ قَدْ تَقَدَّمَ الأجَلُ أوْ تَأخَّرَ، وذَلِكَ يُنافِيهِ هَذا النَّصُّ.
المسألة الثّانِيَةُ: قالَ الكَعْبِيُّ: المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ما تَسْبِقُ مِن أُمَّةٍ﴾ أيْ: لا يَتَقَدَّمُونَ الوَقْتَ المُؤَقَّتَ لِعَذابِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا ولا يَتَأخَّرُونَ عَنْهُ، ولا يَسْتَأْصِلُهم إلّا إذا عَلِمَ مِنهم أنَّهم لا يَزْدادُونَ إلّا عِنادًا وأنَّهم لا يَلِدُونَ مُؤْمِنًا، وأنَّهُ لا نَفْعَ في بَقائِهِمْ لِغَيْرِهِمْ، ولا ضَرَرَ عَلى أحَدٍ في هَلاكِهِمْ، وهو كَقَوْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إنَّكَ إنْ تَذَرْهم يُضِلُّوا عِبادَكَ ولا يَلِدُوا إلّا فاجِرًا كَفّارًا﴾ [نُوحٍ: ٢٧].
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرى﴾ فالمَعْنى أنَّهُ كَما أنْشَأْنا بَعْضَهم بَعْدَ بَعْضٍ أُرْسِلَ إلَيْهِمُ الرُّسُلُ عَلى هَذا الحَدِّ، قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ”تَتْرًى“ مُنَوَّنَةً، والباقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وهو اخْتِيارُ أكْثَرِ أهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأنَّها (فَعْلى) مِنَ المُواتَرَةِ وهي المُتابَعَةُ، وفَعْلى لا يُنَوَّنُ كالدَّعْوى والتَّقْوى، والتّاءُ بَدَلٌ مِنَ الواوِ، فَإنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الوَتَرِ وهو الفَرْدُ، قالَ الواحِدِيُّ: (تَتْرى) عَلى القِراءَتَيْنِ مَصْدَرٌ أوِ اسْمٌ أُقِيمَ مَقامَ الحالِ؛ لِأنَّ المَعْنى مُتَواتِرَةٌ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ﴾ يَعْنِي أنَّهم سَلَكُوا في تَكْذِيبِ أنْبِيائِهِمْ مَسْلَكَ مَن تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّنْ أهْلَكَهُ اللَّهُ بِالغَرَقِ والصَّيْحَةِ، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿فَأتْبَعْنا بَعْضَهم بَعْضًا﴾ أيْ: بِالهَلاكِ.
[وقَوْلُهُ]: ﴿وجَعَلْناهم أحادِيثَ﴾ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ جَمْعَ الحَدِيثِ، ومِنهُ أحادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، والمَعْنى أنَّهُ سُبْحانَهُ بَلَغَ في إهْلاكِهِمْ مَبْلَغًا صارُوا مَعَهُ أحادِيثَ فَلا يُرى مِنهم عَيْنٌ ولا أثَرٌ، ولَمْ يَبْقَ مِنهم إلّا الحَدِيثُ الَّذِي يُذْكَرُ ويُعْتَبَرُ بِهِ.
ويُمْكِنُ أيْضًا أنْ يَكُونَ جَمْعَ أُحْدُوثَةٍ، مِثْلَ الأُضْحُوكَةِ والأُعْجُوبَةِ، وهي ما يَتَحَدَّثُ بِهِ النّاسُ تَلَهِّيًا وتَعَجُّبًا.
ثُمَّ قالَ: ﴿فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ عَلى وجْهِ الدُّعاءِ والذَّمِّ والتَّوْبِيخِ، ودَلَّ بِذَلِكَ عَلى أنَّهم كَما أُهْلِكُوا عاجِلًا فَهَلاكُهم بِالتَّعْذِيبِ آجِلًا عَلى التَّأْبِيدِ مُتَرَقَّبٌ، وذَلِكَ وعِيدٌ شَدِيدٌ.
{"ayahs_start":42,"ayahs":["ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قُرُونًا ءَاخَرِینَ","مَا تَسۡبِقُ مِنۡ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ","ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَاۤءَ أُمَّةࣰ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضࣰا وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَۚ فَبُعۡدࣰا لِّقَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَاۤءَ أُمَّةࣰ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضࣰا وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَۚ فَبُعۡدࣰا لِّقَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق