الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرى كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأتْبَعْنا بَعْضَهم بَعْضًا وجَعَلْناهم أحادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾، بَيَّنَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ بَعْدَ إرْسالِ نُوحٍ والرَّسُولِ المَذْكُورِ بَعْدَهُ أرْسَلَ رُسُلَهُ تَتْرى أيْ: مُتَواتِرِينَ واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ، وكُلُّ مُتَتابِعٍ مُتَتالٍ تُسَمِّيهِ العَرَبُ مُتَواتِرًا، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ في مُعَلَّقَتِهِ:
؎يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِها مُتَواتِرٌ في لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمامُها
يَعْنِي: مَطَرًا مُتَتابِعًا، أوْ غُبارَ رِيحٍ مُتَتابِعًا، وتاءُ تَتْرى مُبْدَلَةٌ مِنَ الواوِ، وأنَّهُ كُلَّ ما أرْسَلَ رَسُولًا إلى أُمَّةٍ كَذَّبُوهُ فَأهْلَكَهم، وأتْبَعَ بَعْضَهم بَعْضًا في الإهْلاكِ المُتْسَأْصِلِ بِسَبَبِ تَكْذِيبِ الرُّسُلِ، وهَذا المَعْنى المَذْكُورُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ كَثِيرَةٍ، وقَدْ بُيِّنَتْ آيَةُ اسْتِثْناءِ أُمَّةٍ واحِدَةٍ مِن هَذا الإهْلاكِ المَذْكُورِ.
أمّا الآياتُ المُوَضِّحَةُ لِما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ فَهي كَثِيرَةٌ جِدًّا؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى: (p-٣٣٣)﴿وَما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلّا قالَ مُتْرَفُوها إنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ [سبإ: ٣٤]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ ما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلّا قالَ مُتْرَفُوها إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَبِيٍّ إلّا أخَذْنا أهْلَها بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ لَعَلَّهم يَضَّرَّعُونَ﴾ ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنا الضَّرّاءُ والسَّرّاءُ فَأخَذْناهم بَغْتَةً﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٩٤ - ٩٥]
والآياتُ بِمِثْلِ هَذا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
أمّا الآيَةُ الَّتِي بَيَّنَتِ اسْتِثْناءَ أُمَّةٍ واحِدَةٍ مِن هَذِهِ الأُمَمِ فَهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلّا قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهم عَذابَ الخِزْيِ في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ الآيَةَ [يونس: ٩٨]، وظاهِرُ آيَةِ الصّافّاتِ أنَّهم آمَنُوا إيمانًا حَقًّا، وأنَّ اللَّهَ عامَلَهم بِهِ مُعامَلَةَ المُؤْمِنِينَ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ في الصِّفاتِ ﴿وَأرْسَلْناهُ إلى مِائَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهم إلى حِينٍ﴾ [الصافات: ١٤٧ - ١٤٨] لِأنَّ ظاهِرَ إطْلاقِ قَوْلِهِ: فَآمَنُوا، يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
وَمِنَ الأُمَمِ الَّتِي نَصَّ عَلى أنَّهُ أهْلَكَها وجَعَلَها أحادِيثَ سَبَأٌ؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ فِيهِمْ: ﴿فَجَعَلْناهم أحادِيثَ ومَزَّقْناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ الآيَةَ [سبإ: ١٩]، وقَوْلُهُ ﴿فَجَعَلْناهم أحادِيثَ﴾ أيْ: أخْبارًا وقِصَصًا يُسْمَرُ بِها، ويُتَعَجَّبُ مِنها، كَما قالَ ابْنُ دُرَيْدٍ في مَقْصُورَتِهِ:
؎وَإنَّما المَرْءُ حَدِيثُ بَعْدِهِ ∗∗∗ فَكُنْ حَدِيثًا حَسَنًا لِمَن وعى
وَقَرَأ هَذا الحَرْفَ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: تَتْرًا بِالتَّنْوِينِ: وهي لُغَةُ كِنانَةَ، والباقُونَ بِألِفِ التَّأْنِيثِ المَقْصُورَةِ مِن غَيْرِ تَنْوِينٍ: وهي لُغَةُ أكْثَرِ العَرَبِ، وسَهَّلَ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو الهَمْزَةَ الثّانِيَةَ مِن قَوْلِهِ: جَآءَ أُمَّةٍ، وقَرَأها الباقُونَ بِالتَّحْقِيقِ، كَما هو مَعْلُومٌ. وقَوْلُهُ ﴿فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ٤٤] مَصْدَرٌ لا يَظْهَرُ عامِلُهُ، وقَدْ بَعُدَ بَعَدًا بِفَتْحَتَيْنِ، وبُعْدًا بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أيْ: هَلَكَ فَقَوْلُهُ: بُعْدًا أيْ: هَلاكًا مُسْتَأْصِلًا، كَما قالَ تَعالى ﴿ألا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ [هود: ٩٥] قالَ الشّاعِرُ:
؎قَلَّ الغَناءُ إذا لاقى الفَتى تَلَفًا ∗∗∗ قَوْلُ الأحِبَّةِ لا تَبْعُدْ وقَدْ بَعُدا
وَقَدْ قالَ سِيبَوَيْهِ: إنَّ بُعْدًا وسُحْقًا ودَفْرًا أيْ: نَتِنًا مِنَ المَصادِرِ المَنصُوبَةِ بِأفْعالٍ لا تَظْهَرُ. اهـ ومِن هَذا القَبِيلِ قَوْلُهم: سَقْيًا ورَعْيًا، كَقَوْلِ نابِغَةِ ذُبْيانَ: (p-٣٣٤)
؎نُبِّئْتُ نِعَمًا عَلى الهِجْرانِ عاتِيَةً ∗∗∗ سَقْيًا ورَعْيًا لِذاكَ العاتِبِ الزّارِي
والأحادِيثُ في قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْناهم أحادِيثَ﴾ في مُفْرَدِهِ وجْهانِ مَعْرُوفانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ جَمْعُ حَدِيثٍ كَما تَقُولُ: هَذِهِ أحادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، تُرِيدُ بِالأحادِيثِ جَمْعَ حَدِيثٍ، وعَلى هَذا فَهو مِنَ الجُمُوعِ الجارِيَةِ عَلى غَيْرِ القِياسِ المُشارِ لَها بِقَوْلِ ابْنِ مالِكٍ في الخُلاصَةِ:
؎وَحائِدٍ عَنِ القِياسِ كُلَّ ما ∗∗∗ خالَفَ في البابَيْنِ حُكْمًا رَسْما
يَعْنِي بِالبابَيْنِ: التَّكْسِيرَ والتَّصْغِيرَ، كَتَكْسِيرِ حَدِيثٍ عَلى أحادِيثَ وباطِلٍ عَلى أباطِيلَ، وكَتَصْغِيرِ مَغْرِبٍ، عَلى مُغَيْرِبانِ، وعَشِيَّةً عَلى عُشَيْشِيَّةٍ، وقالَ بَعْضُهم: إنَّها اسْمُ جَمْعٍ لِلْحَدِيثِ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الأحادِيثَ جَمْعُ أُحْدُوثَةٍ الَّتِي هي مِثْلُ: أُضْحُوكَةٍ، وأُلْعُوبَةٍ، وأُعْجُوبَةٍ بِضَمِّ الأوَّلِ، وإسْكانِ الثّانِي: وهي ما يَتَحَدَّثُ بِهِ النّاسُ تَلَهِيًّا وتَعَجُّبًا. ومِنهُ بِهَذا المَعْنى قَوْلُ تَوْبَةَ بْنِ الحُمَيْرِ
؎: مِنَ الخَفِراتِ البِيْضِ ودَّ جَلِيسُها ∗∗∗ إذا ما انْقَضَتْ أُحْدُوثَةٌ لَوْ تُعِيدُها
وَهَذا الوَجْهُ أنْسَبُ هُنا لِجَرَيانِ الجَمْعِ فِيهِ عَلى القِياسِ، وجَزَمَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا تَتۡرَاۖ كُلَّ مَا جَاۤءَ أُمَّةࣰ رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُۖ فَأَتۡبَعۡنَا بَعۡضَهُم بَعۡضࣰا وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَۚ فَبُعۡدࣰا لِّقَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق