الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ اختلفوا في تترى، فأكثر القراء على ترك التنوين فيها [[في (ظ): (منها).]] [[قرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: (تترا) بلا تنوين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو؛ كما سيذكر الواحدي: (تترا) منونة. "السبعة" ص 446، "التبصرة" ص 269، "التيسير" ص 159.]]؛ لأنها فَعْلى من المواترة، وفعلى لا يُنون كالتقوى والدعوى. قال أبو علي: والأقيس أن لا يصرف لأن المصادر تلحق أواخرها ألف التأنث كالدعوى والعدوى والذكرى والشورى [["الحجة" لأبي علي الفارسي 2/ 295. وانظر: "علل القراءات" للأزهري 2/ 435، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص 488، "الكشف" لمكي 2/ 129.]]. وقال الفراء: أكثر العرب على ترك التنوين يُنزل بمنزلة تقوى [["معاني القرآن" للفراء 2/ 236.]]. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (تَتْرَا) منونة. وهذا القراءة تحتمل وجهين: أحدهما: أن تترى بمنزلة فعلا [[في (ظ)، (ع): (فعلاء).]]، والألف فيه بمنزلتها في رأيت زيدًا وعَمرًا. والآخر: أن تكون الألف للإلحاق نحو أرطى [[في (أ): (رطى) وأرطى: شجر من شجر الرمل. والواحدة: أرطأة. "الصحاح" للجوهري 6/ 2358 (رطا).]] ومعزى. وهذان [[في (أ)، (ع): (والوجهان ...).]] الوجهان ذكرهما الفراء وأبو علي. أما الفراء فإنه يقول: من نون جعل الألف كألف الإعراب [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 236.]]. يعني التي في (زيدًا) و (عمرًا). قال: وإن شئت جعلت [[في "معاني القرآن": جعلت بالياء.]] كأنها أصلية فتكون بمنزلة المعزى، ويكون الوقف [[في (ظ)، (ع): (الوقوف)، أثبت محقق كتابه الفراء: الوقوف وأشار إلى أن في بعض النسخ: الوقف.]] عليها حينئذ بالياء وإشارة إلى الكسر، وإن جعلتها ألف إعراب لم تُشر إلى الكسر، لأنك لا تشير إلى ألفات الإعراب بالكسر، لأنك لا تقول: رأيت زيدًا [[أثبت محقق كتاب الفراء: زيدي ولا عمري. وقال في الحاشية: كتبت الألف فيهما ياء للإمالة كما يكتب الفتى والندى. ورسما في (أ): (وزيدًا وعمرا) وكتب فوق كل منهما. (يقال).]] ولا عَمْرا [["معاني القرآن" للفراء 2/ 236.]]. وقال أبو علي: من قرأ (تَتْرا) أمكن أن يريد به فعلا [[في "الحجة": فعلى.]] من المواترة فتكون الألف بدلاً من التنوين، وإن [[في (ظ): (ولو)، في (أ)، (ع) و"الحجة": (وإن).]] كان في الخط بالياء كان للإلحاق، والإلحاق في غير المصادر ليس بالقليل نحو: أرطى ومعزى، فإن كان في الخط ياء لزم أن يحمل على فعلى دون فعل [[في "الحجة": فعلا.]]. ومن قال: تترى وأراد به فعلا فحكمه أن يقف بالألف مفخمًا، ولا يميلها إلا في قول من قال: رأيت عنتًا [[في (أ): (عثتًا)، وفي (ظ): (مهملة)، وفي (ع) و"الحجة": (عنتًا).]]، وهذا ليس بالكثير، ولا تحمل عليه القراءة ومن جعل الألف للإلحاق أو التأنيث أمال الألف إذا وقف عليها [["الحجة" لأبي علي 5/ 296.]]. والزجاج وأبو العباس يختاران [[في (أ): (يختار).]] أن تكون الألف في قراءة من قرأ بالتنوين ألف الإعراب. قال أبو العباس: من قرأ (تترى) بغير تنوين فهو مثل شكوى غير منونة، ومن قرأ تترًا [[في "تهذيب اللغة" 14/ 311: تترى.]] مثل شكوت شكوى [[قول أبي العباس في "تهذيب اللغة" للأزهري 14/ 311 (تترى) مع تقديم وتأخير.]]. وقال أبو الفتح: من نون جعل ألفها للإلحاق بمنزلة ألف أرطى ومعزى، ومن لم ينون جعل ألفها للتأنيث بمنزلة ألف سكرى وغضبى [["سر صناعة الإعراب" (146 - 147).]]. وعلى القراءتين التاء الأولى بدل من الواو وأصلها: (وترى) و (وترا) [[في (أ): (موتري).]]، فأبدل التاء من الواو كما قالوا: تولج وأصله وولج من ولج. وأنشد أبو إسحاق [[أنشد أبو إسحاق الزجاج هذا الشطر من الرجز في "معاني القرآن" 4/ 14 ومن غير نسبة وهو للعجاج كما في "ديوانه" ص 224، "الكتاب" 4/ 32، "تهذيب اللغة" للأزهري 14/ 311 (تترى)، "لسان العرب" 5/ 290 (وقر).]]: فإن يَكُنْ أمْسَى البِلَى تَيْقُورِي أي: وْيقُوري فَيْعُول من الوقار [[قوله: وعلى القراءتين إلى هنا نقلا عن "معاني" الزجاج 4/ 106 مع اختلاف يسير.]]. والمعنى: إن يكن أمسى الكبر وقاري، أي صوت وقورًا لبلاي وكبري [[قال السيرافي في "شرح أبيات" سيبويه 2/ 423 - 424: يقول: إن كن بلي جسمي وضعف جسمي قد صيراني وقورًا قليل الحركة، يريد أنه صار وقورًا لكبره وبلاه وضعفه، وفي (يكن) ضمير الأمر والشأن، و (البلى) اسم أمسى، و (تيقوري): خبر أمسى. أهـ.]]. فقوله ﴿تترى﴾ فعلى أو فعلا من المواترة. قال الأصمعي: واترت الخبر: أتبعت بعضه بعضًا، وبين الخبرين هُنَيْهة [[قول الأصمعي في "تهذيب اللغة" 14/ 311 (تترى). وأصله عند الزجاج في "معانيه" 4/ 14 لكن فيه: هنيفة.]]. وقال أبو عبيدة: (تترى) بعضها في أثر بعض، يقال: جاءت كتبه تترى [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة 2/ 95.]]. وقال غيرهما: المواترة: المتابعة. أصل هذا كله من الوِتْر وهو الفرد [[في (أ): (الفر).]]، ومعنى واترت: جعلت كل واحد بعد صاحبه فردًا فردًا. حكاه الزجاح [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 14.]] والأزهري [["تهذيب اللغة" للأزهري 14/ 311 (تترى).]]. وقال محمد بن سلّام: سألت يونس عن قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ فقال [[في (أ): (قال).]]: متقطعة [[في (أ)، (ع): (منقطعة)، والمثبت من (ظ) وهو الموافق للتهذيب.]] متفاوتة، وجاءت الخيل تترى [[(تترى): ساقطة من (أ).]] إذا جاءت متقطعة، وكذلك الأنبياء بين كل نبيين دهر طويل [[قول ابن سلام في "تهذيب اللغة" للأزهري 14/ 311 (تترى).]]. وقال أبو هريرة: لا بأس بقضاء رمضان تترى [[قول أبي هريرة -رضي الله عنه- في "تهذيب اللغة" 14/ 311 (تترى) بهذا اللفظ. وقد رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/ 32 بلفظ: لا بأس بقضاء رمضان متفرقًا. وبنحو رواية أبي شيبة رواه عبد الرزاق في "مصنفه" 4/ 243، 244، والبيهقي في "سننه" 4/ 258.]]، [أي متقطعًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ع).]]. وكلا المعنيين قريب من السواء؛ لأن أصل [[في (ظ)، (ع): (الأصل).]] المعنى من الإفراد، فإذا جاء الشيء فردًا فردًا [[(فردا) الثانية: ساقطة من (ظ).]] يقال فيه: تترى، سواء اتصل أو انقطع. وفي الآية المراد إرسال الرسل بعضها في إثر بعض غير متصلين كما قال يونس. ونحو هذا ذكر المفسرون في تفسير (تَتْرَا). فقال ابن عباس: يريد بعضها خلف بعض [[روى الطبري 18/ 23 من طريق علي بن أبي طلحة، عنه قال: يتبع بعضها بعضًا. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 99 وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وقال: وفي لفظ قال: بعضهم على أثر بعض.]]. وقال السدي ومقاتل [["تفسير مقاتل" 2/ 31 أ.]]: بعضهم في أثر بعض. وقال مجاهد: أتبع بعضها بعضًا [[رواه الطبري 18/ 24، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 99 وعزاه لابن جرير وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.]]. وتترى في القراءتين مصدر أو اسم أقيم مقام الحال؛ لأن المعنى متواترة. قوله: ﴿فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا﴾ قال ابن عباس: فأهلكنا الأول والآخر. والمعنى: أهلكنا الأمم بعضهم [[في (أ): (بعضها).]] في أثر بعض. وقال مقاتل: فأتبعنا بعضهم بعضًا في العقوبات والإهلاك [["تفسر مقاتل" 2/ 31 أ.]]. ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ قال ابن عباس ومقاتل: يريد لمن بعدهم من الناس يتحدثون بأمرهم وشأنهم [[ذكره البغوي 5/ 418 من غير نسبة، وهو في "تفسير مقاتل" 2/ 31 أ.]]. والأحاديث جمع أحدوثة، وهي ما يتحدث به [[انظر: "حدث" في: "تهذيب اللغة" 4/ 405، "الصحاح" 1/ 278 - 279.]]. والمعنى: أنهم يتحدث بهم على طريق المثل في الشر [[في (أ): (النشر)، وفي (ع): (الشيء)، وهما خطأ.]]، ولا يقال: جعلته [[في (أ): (جعل)، وهي ساقطة من (ظ).]] حديثًا في الخير [[في (أ)، (ظ): (الخبر)، وهو خطأ.]] [[هذا قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 2/ 59، وعزاه الثعلبي 3/ 61 ب للأخفش، وهو قول الطبري 18/ 24. وانظر: "تاج العروس" للزبيدي 5/ 221 "حدث" فقد نقل عن بعضهم أنها تقال أيضًا في الخير واستشهد لذلك.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب