الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا﴾ عَطْفٌ عَلى "أنْشَأْنا" لَكِنْ لا عَلى مَعْنى أنَّ إرْسالَهم مُتَراخٍ عَنْ إنْشاءِ القُرُونِ المَذْكُورَةِ جَمِيعًا، بَلْ عَلى مَعْنى أنَّ إرْسالَ كُلِّ رَسُولٍ مُتَأخِّرٍ عَنْ إنْشاءِ قَرْنٍ مَخْصُوصٍ بِذَلِكَ الرَّسُولِ، كَأنَّهُ قِيلَ: ثُمَّ أنْشَأْنا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ قَدْ أرْسَلْنا إلى كُلِّ قَرْنٍ مِنهم رَسُولًا خاصًّا بِهِ. والفَصْلُ بَيْنَ المَعْطُوفَيْنِ بِالجُمْلَةِ المُعْتَرِضَةِ النّاطِقَةِ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ الأُمَمِ أجَلَها المَضْرُوبَ لِهَلاكِهِمْ لِلْمُسارَعَةِ إلى بَيانِ هَلاكِهِمْ عَلى وجْهٍ إجْمالِيٍّ. ﴿تَتْرى﴾ أيْ: مُتَواتِرِينَ واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ مِنَ الوِتْرِ وهو الفَرْدُ، والتّاءُ بَدَلٌ مِنَ الواوِ كَما في تُولِجُ ويَتَّقُوا، والألِفُ لِلتَّأْنِيثِ بِاعْتِبارِ أنَّ الرُّسُلَ جَماعَةٌ. وقُرِئَ بِالتَّنْوِينِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنى الفاعِلِ وقَعَ حالًا. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ﴾ اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِمَجِيءِ كُلِّ رَسُولٍ لِأُمَّتِهِ ولِما صَدَرَ عَنْهم عِنْدَ تَبْلِيغِ الرِّسالَةِ. والمُرادُ بِالمَجِيءِ: إمّا التَّبْلِيغُ، وإمّا حَقِيقَةُ المَجِيءِ لِلْإيذانِ بِأنَّهم كَذَّبُوهُ في أوَّلِ المُلاقاةِ. وإضافَةُ الرَّسُولِ إلى الأُمَّةِ مَعَ إضافَةِ كُلِّهِمْ فِيما سَبَقَ إلى نُونِ العَظَمَةِ لِتَحْقِيقِ أنَّ كُلَّ رَسُولٍ جاءَ أُمَّتَهُ الخاصَّةَ بِهِ لا أنَّ كُلَّهم جاءُوا كُلَّ الأُمَمِ، والإشْعارُ بِكَمالِ شَناعَتِهِمْ وضَلالِهِمْ حَيْثُ كَذَّبَتْ كُلُّ واحِدَةٍ مِنهم رَسُولَها المُعَيَّنِ لَها. وقِيلَ: لِأنَّ الإرْسالَ لائِقٌ بِالمُرْسَلِ، والمَجِيءُ بِالمُرْسَلِ إلَيْهِمْ. ﴿فَأتْبَعْنا بَعْضَهم بَعْضًا﴾ في الهَلاكِ حَسَبَما تَبِعَ بَعْضُهم بَعْضًا في مُباشَرَةِ أسْبابِهِ الَّتِي هي الكُفْرُ والتَّكْذِيبُ وسائِرُ المَعاصِي. ﴿وَجَعَلْناهم أحادِيثَ﴾ لَمْ يَبْقَ مِنهم إلّا حِكاياتٌ يُعْتَبِرُ بِها المُعْتَبِرُونَ، وهو اسْمُ جَمْعٍ لِلْحَدِيثِ أوْ جَمْعُ أُحْدُوثَةٍ وهي ما يُتَحَدَّثُ بِهِ تَلَهِّيًا، كَأعاجِيبَ جَمْعُ أُعْجُوبَةٍ وهي ما يُتَعَجَّبُ مِنهُ، أيْ: جَعَلْناهم أحادِيثَ يُتَحَدَّثُ بِها تَلَهِّيًا وتَعَجُّبًا. ﴿فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ اقْتَصَرَ هَهُنا عَلى وصْفِهِمْ بِعَدَمِ الإيمانِ حَسَبَما (p-136)اقْتَصَرَ عَلى حِكايَةِ تَكْذِيبِهِمْ إجْمالًا، وأمّا القُرُونُ الأوَّلُونَ فَحَيْثُ نُقِلَ عَنْهم ما مَرَّ مِنَ الغُلُوِّ وتَجاوُزِ الحَدِّ في الكُفْرِ والعُدْوانِ وُصِفُوا بِالظُّلْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب