الباحث القرآني

﴿ثُمَّ أنْشَأْنا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ﴾ ﴿ما تَسْبِقُ مِن أُمَّةٍ أجَلَها وما يَسْتَأْخِرُونَ﴾ ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرى كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأتْبَعْنا بَعْضَهم بَعْضًا وجَعَلْناهم أحادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا مُوسى وأخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ ﴿إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ فاسْتَكْبَرُوا وكانُوا قَوْمًا عالِينَ﴾ ﴿فَقالُوا أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ﴾ ﴿فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ المُهْلَكِينَ﴾ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ لَعَلَّهم يَهْتَدُونَ﴾ ﴿وجَعَلْنا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً وآوَيْناهُما إلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ ومَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] ﴿ياأيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحًا إنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١] ﴿وأنَّ هَذِهِ أُمَتُّكم أُمَّةً واحِدَةً وأنا رَبُّكم فاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: ٥٢] ﴿فَتَقَطَّعُوا أمْرَهم بَيْنَهم زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣] ﴿فَذَرْهم في غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٤] ﴿أيَحْسَبُونَ أنَّما نُمِدُّهم بِهِ مِن مالٍ وبَنِينَ﴾ [المؤمنون: ٥٥] ﴿نُسارِعُ لَهم في الخَيْراتِ بَل لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٦] . (p-٤٠٧)﴿قُرُونًا﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هم بَنُو إسْرائِيلَ. وقِيلَ: قِصَّةُ لُوطٍ وشُعَيْبٍ وأيُّوبَ ويُونُسَ - صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - . ﴿ما تَسْبِقُ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْها في الحِجْرِ. ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرى﴾ أيْ لِأُمَمٍ آخَرِينَ أنْشَأْناهم بَعْدَ أُولَئِكَ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وقَتادَةُ وأبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ وابْنُ مُحَيْصِنٍ والشّافِعِيُّ: ﴿تَتْرى﴾ مُنَوَّنًا وباقِي السَّبْعَةِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وانْتَصَبَ عَلى الحالِ أيْ مُتَواتِرِينَ واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ، وأضافَ الرُّسُلَ إلَيْهِ تَعالى وأضافَ رَسُولًا إلى ضَمِيرِ الأُمَّةِ المُرْسَلِ إلَيْها؛ لِأنَّ الإضافَةَ تَكُونُ بِالمُلابَسَةِ، والرَّسُولُ يُلابِسُ المُرْسَلَ والمُرْسَلَ إلَيْهِ، فالأوَّلُ كانَتِ الإضافَةُ لِتَشْرِيفِ الرُّسُلِ، والثّانِي كانَتِ الإضافَةُ إلى الأُمَّةِ حَيْثُ كَذَّبَتْهُ ولَمْ يَنْجَحْ فِيهِمْ إرْسالُهُ إلَيْهِمْ فَناسَبَ الإضافَةَ إلَيْهِمْ. ﴿فَأتْبَعْنا بَعْضَهم بَعْضًا﴾ أيْ بَعْضَ القُرُونِ أوْ بَعْضَ الأُمَمِ بَعْضًا في الإهْلاكِ النّاشِئِ عَنِ التَّكْذِيبِ. و﴿أحادِيثَ﴾ جَمْعُ حَدِيثٍ وهو جَمْعٌ شاذٌّ، وجَمْعُ أُحْدُوثَةٍ وهو جَمْعٌ قِياسِيٌّ. والظّاهِرُ أنِ المُرادَ الثّانِي أيْ صارُوا يُتَحَدَّثُ بِهِمْ وبِحالِهِمْ في الإهْلاكِ عَلى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ والِاعْتِبارِ وضَرْبِ المَثَلِ بِهِمْ. وقالَ الأخْفَشُ: لا يُقالُ هَذا إلّا في الشَّرِّ ولا يُقالُ في الخَيْرِ. قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ حَدِيثٍ، والمَعْنى أنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنهم عَيْنٌ ولا أثَرٌ إلّا الحَدِيثُ عَنْهم. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الأحادِيثُ تَكُونُ اسْمَ جَمْعٍ لِلْحَدِيثِ ومِنهُ أحادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ انْتَهى. وأفاعِيلُ لَيْسَ مِن أبْنِيَةِ اسْمِ الجَمْعِ، وإنَّما ذَكَرَهُ أصْحابُنا فِيما شَذَّ مِنَ الجُمُوعِ كَقَطِيعٍ وأقاطِيعَ، وإذا كانَ عَبادِيدُ قَدْ حَكَمُوا عَلَيْهِ بِأنَّهُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ وهو لَمْ يُلْفَظْ لَهُ بِواحِدٍ فَأحْرى ﴿أحادِيثَ﴾ وقَدْ لُفِظَ لَهُ وهو حَدِيثٌ، فالصَّحِيحُ أنَّهُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ لا اسْمُ جَمْعٍ لِما ذَكَرْناهُ. ﴿بِآياتِنا﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هي التِّسْعُ، وهي العَصا، واليَدُ، والجَرادُ، والقُمَّلُ، والضَّفادِعُ، والدَّمُ، والبَحْرُ، والسُّنُونَ، ونَقْصٌ مِنَ الثَّمَراتِ. ﴿وسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ قِيلَ: هي العَصا، واليَدُ، وهُما اللَّتانِ اقْتَرَنَ بِهِما التَّحَدِّي، ويَدْخُلُ في عُمُومِ اللَّفْظِ سائِرُ آياتِهِما كالبَحْرِ والمُرْسَلاتِ السِّتِّ، وأمّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمّا جَرى بَعْدَ الخُرُوجِ مِنَ البَحْرِ فَلَيْسَتْ تِلْكَ لِفِرْعَوْنَ بَلْ هي خاصَّةٌ ب بَنِي إسْرائِيلَ. وقالَ الحَسَنُ: ﴿بِآياتِنا﴾ أيْ بِدِينِنا. ﴿وسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ هو المُعْجِزُ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالآياتِ نَفْسُ المُعْجِزاتِ، وبِسُلْطانٍ مُبِينٍ كَيْفِيَّةُ دَلالَتِها؛ لِأنَّها وإنْ شارَكَتْ آياتِ الأنْبِياءِ فَقَدْ فارَقَتْها في قُوَّةِ دَلالَتِها عَلى قَوْلِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - . قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالسُّلْطانِ المُبِينِ العَصا؛ لِأنَّها كانَتْ أُمَّ آياتِ مُوسى وأُولاها، وقَدْ تَعَلَّقَتْ بِها مُعْجِزاتٌ شَتّى مِنِ انْقِلابِها حَيَّةً وتَلَقُّفِها ما أفَكَتْهُ السَّحَرَةُ، وانْفِلاقِ البَحْرِ، وانْفِجارِ العُيُونِ مِنَ الحَجَرِ بِالضَّرْبِ بِها، وكَوْنِها حارِسًا وشَمْعَةً وشَجَرَةً خَضْراءَ مُثْمِرَةً ودَلْوًا ورِشاءً، جُعِلَتْ كَأنَّها لَيْسَتْ بَعْضَ الآياتِ لِما اسْتَبَدَّتْ بِهِ مِنَ الفَضْلِ فَلِذَلِكَ عُطِفَتْ عَلَيْها كَقَوْلِهِ ﴿وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ [البقرة: ٩٨]، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ ”بِسُلْطانٍ مُبِينٍ“ (p-٤٠٨)الآياتُ أُنْفُسُها أيْ هي آياتٌ وحُجَّةٌ بَيِّنَةٌ ﴿فاسْتَكْبَرُوا﴾ عَنِ الإيمانِ بِ مُوسى وأخِيهِ نِفَةً. ﴿قَوْمًا عالِينَ﴾ أيْ رَفِيعِي الحالِ في الدُّنْيا أيْ مُتَطاوِلِينَ عَلى النّاسِ قاهِرِينَ بِالظُّلْمِ، أوْ مُتَكَبِّرِينَ كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ﴾ [القصص: ٤] أيْ وكانَ مِن شَأْنِهِمُ التَّكَبُّرُ. والبَشَرُ يُطْلَقُ عَلى المُفْرَدِ والجَمْعِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَإمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أحَدًا﴾ [مريم: ٢٦] ولَمّا أُطْلِقَ عَلى الواحِدِ جازَتْ تَثْنِيَتُهُ فَلِذَلِكَ جاءَ: ﴿لِبَشَرَيْنِ﴾، ومِثْلُ يُوصَفُ بِهِ المُفْرَدُ والمُثَنّى والمَجْمُوعُ والمُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ ولا يُؤَنَّثُ، وقَدْ يُطابِقُ تَثْنِيَةً وجَمْعًا. و﴿وقَوْمُهُما﴾ أيْ بَنُو إسْرائِيلَ. ﴿لَنا عابِدُونَ﴾ أيْ خاضِعُونَ مُتَذَلِّلُونَ، أوْ لِأنَّهُ كانَ يَدَّعِي الإلَهِيَّةَ فادَّعى النّاسُ العِبادَةَ، وأنَّ طاعَتَهم لَهُ عِبادَةٌ عَلى الحَقِيقَةِ. وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: العَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَن دانَ لِلْمَلِكِ عابِدًا، ولَمّا كانَ ذَلِكَ الإهْلاكُ كالمَعْلُولِ لِلتَّكْذِيبِ أعْقَبَهُ بِالفاءِ أيْ فَكانُوا مِمَّنْ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالغَرَقِ إذْ لَمْ يَحْصُلِ الغَرَقُ عَقِيبَ التَّكْذِيبِ. ﴿مُوسى الكِتابَ﴾ أيْ قَوْمَ مُوسى، و﴿الكِتابَ﴾ التَّوْراةَ، ولِذَلِكَ عادَ الضَّمِيرُ عَلى ذَلِكَ المَحْذُوفِ في قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُمْ﴾، ولا يَصِحُّ عَوْدُ هَذا الضَّمِيرِ في ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ عَلى فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ؛ لِأنَّ ﴿الكِتابَ﴾ لَمْ يُؤْتَهُ مُوسى إلّا بَعْدَ هَلاكِ فِرْعَوْنَ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ مِن بَعْدِ ما أهْلَكْنا القُرُونَ الأُولى﴾ [القصص: ٤٣] . ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ تَرَجٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ. ﴿لَعَلَّهم يَهْتَدُونَ﴾ لِشَرائِعِها ومَواعِظِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب