الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ نَعْلَمُ أنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ﴾ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ أنَّ قَوْمَهُ يُسَفِّهُونَ عَلَيْهِ، ولا سِيَّما أُولَئِكَ المُقْتَسِمُونَ وأُولَئِكَ المُسْتَهْزِءُونَ قالَ لَهُ: ﴿ولَقَدْ نَعْلَمُ أنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ﴾ لِأنَّ الجِبِلَّةَ البَشَرِيَّةَ، والمِزاجَ الإنْسانِيَّ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَعِنْدَ هَذا قالَ لَهُ: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ فَأمَرَهُ بِأرْبَعَةِ أشْياءَ بِالتَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ والسُّجُودِ والعِبادَةِ، واخْتَلَفَ النّاسُ في أنَّهُ كَيْفَ صارَ الإقْبالُ عَلى هَذِهِ الطّاعاتِ سَبَبًا لِزَوالِ ضِيقِ القَلْبِ والحُزْنِ ؟ فَقالَ العارِفُونَ المُحَقِّقُونَ: إذا اشْتَغَلَ الإنْسانُ بِهَذِهِ الأنْواعِ مِنَ العِباداتِ انْكَشَفَتْ لَهُ أضْواءُ عالَمِ الرُّبُوبِيَّةِ، ومَتى حَصَلَ ذَلِكَ الِانْكِشافُ صارَتِ الدُّنْيا بِالكُلِّيَّةِ حَقِيرَةً، وإذا صارَتْ حَقِيرَةً خَفَّ عَلى القَلْبِ فِقْدانُها ووِجْدانُها، فَلا يَسْتَوْحِشُ مِن فِقْدانِها ولا يَسْتَرِيحُ بِوِجْدانِها، وعِنْدَ ذَلِكَ يَزُولُ الحُزْنُ والغَمُّ. وقالَتِ المُعْتَزِلَةُ: مَنِ اعْتَقَدَ تَنْزِيهَ اللَّهِ تَعالى عَنِ القَبائِحِ سَهُلَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ المَشاقِّ، فَإنَّهُ يَعْلَمُ أنَّهُ عَدْلٌ مُنَزَّهٌ عَنْ إنْزالِ المَشاقِّ بِهِ مِن غَيْرِ غَرَضٍ ولا فائِدَةٍ، فَحِينَئِذٍ يَطِيبُ قَلْبُهُ، وقالَ أهْلُ السُّنَّةِ: إذا نَزَلَ بِالعَبْدِ بَعْضُ المَكارِهِ فَزِعَ إلى الطّاعاتِ كَأنَّهُ يَقُولُ: تَجِبُ عَلَيَّ عِبادَتُكَ سَواءً أعْطَيْتَنِي الخَيْراتِ أوْ ألْقَيْتَنِي في المَكْرُوهاتِ، وقَوْلُهُ: ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: يُرِيدُ المَوْتَ وسُمِّيَ المَوْتُ بِاليَقِينِ؛ لِأنَّهُ أمْرٌ مُتَيَقِّنٌ. فَإنْ قِيلَ: فَأيُّ فائِدَةٍ لِهَذا التَّوْقِيتِ مَعَ أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعْلَمُ أنَّهُ إذا ماتَ سَقَطَتْ عَنْهُ العِباداتُ ؟ (p-١٧٢)قُلْنا: المُرادُ مِنهُ: ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ﴾ في زَمانِ حَياتِكَ، ولا تَخْلُ لَحْظَةٌ مِن لَحَظاتِ الحَياةِ عَنْ هَذِهِ العِبادَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ. تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، وصَلاتُهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وسَلَّمَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب