الباحث القرآني
اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٩٧-٩٩] ﴿ولَقَدْ نَعْلَمُ أنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ﴾ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٩٨] ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩] .
﴿ولَقَدْ نَعْلَمُ أنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ﴾ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٩٨] ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩] لَمّا ذَكَرَ تَعالى أنَّ قَوْمَهُ يَهْزَأُونَ ويُسَفِّهُونَ؛ أعْلَمَهُ بِما يَعْلُمُهُ سُبْحانَهُ مِنهُ، مِن ضِيقِ صَدْرِهِ وانْقِباضِهِ بِما يَقُولُونَ؛ لِأنَّ اَلْجِبِلَّةَ اَلْبَشَرِيَّةَ والمِزاجَ اَلْإنْسانِيَّ يَقْتَضِي ذَلِكَ. ثُمَّ أعْلَمَهُ بِما يُزِيلُ ضِيقَ اَلصَّدْرِ والحُزْنِ، وذَلِكَ أمْرُهُ مِنَ اَلتَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ والصَّلاةِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ﴾ [البقرة: ٤٥] وقالَ: ﴿ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨] ومَعْلُومٌ أنَّ في اَلْإقْبالِ عَلى ما ذُكِرَ، اِسْتِنْزالُ اَلْإمْدادِ اَلرَّبّانِيِّ بِالنَّصْرِ والمَعُونَةِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٣] وقَوْلِهِ: ﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢] وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هم مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: ١٢٨]
(p-٣٧٧٤)وقَدْ رُوِيَ في شَمائِلِهِ صَلَواتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ؛ أنَّهُ كانَ إذا حَزَبَهُ أمْرٌ فَزَعَ إلى اَلصَّلاةِ، تَأْوِيلًا لِما ذُكِرَ.
قالَ أبُو اَلسُّعُودِ: وتَحْلِيَةُ اَلْجُمْلَةِ بِالتَّأْكِيدِ؛ لِإفادَةِ تَحْقِيقِ ما تَضَمَّنَتْهُ مِنَ اَلتَّسْلِيَةِ. وفي اَلتَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ اَلرُّبُوبِيَّةِ، مَعَ اَلْإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ ما لا يَخْفى مِن إظْهارِ اَللُّطْفِ بِهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ، والإشْعارِ بِعِلَّةِ اَلْحُكْمِ، أعْنِي اَلْأمْرَ بِالتَّسْبِيحِ والحَمْدِ. والمُرادُ مِنَ (اَلسّاجِدِينَ) اَلْمُصَلِّينَ، مِن إطْلاقِ اَلْجُزْءِ عَلى اَلْكُلِّ. و(اَلْيَقِينُ): اَلْمَوْتُ فَإنَّهُ مُتَيَقَّنُ اَللُّحُوقِ بِكُلِّ حَيٍّ مَخْلُوقٍ. وإسْنادُ اَلْإتْيانِ إلَيْهِ؛ لِلْإيذانِ بِأنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلى اَلْحَيِّ طالِبٌ لِلْوُصُولِ إلَيْهِ. والمَعْنى: دُمْ عَلى اَلْعِبادَةِ ما دُمْتَ حَيًّا. كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ مَرْيَمَ: ﴿وأوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: ٣١]
وقِيلَ: اَلْمُرادُ بِـ (اَلْيَقِينُ): تَعْذِيبُ هَؤُلاءِ وأنْ يَنْزِلَ بِهِمْ ما وعَدَهُ. ولا رَيْبَ أنَّهُ مِنَ اَلْمُتَيَقَّنِ، إلّا أنَّ إرادَةَ اَلْمَوْتِ مِنهُ أوْلى، يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى إخْبارًا عَنْ أهْلِ اَلنّارِ: ﴿قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ﴾ [المدثر: ٤٣] ﴿ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ﴾ [المدثر: ٤٤] ﴿وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ﴾ [المدثر: ٤٥] ﴿وكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المدثر: ٤٦] ﴿حَتّى أتانا اليَقِينُ﴾ [المدثر: ٤٧] وما في اَلصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ اَلْعَلاءِ اِمْرَأةٍ مِنَ اَلْأنْصارِ «أنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمّا دَخَلَ عَلى عُثْمانَ بْنِ مَظْعُونٍ وقَدْ ماتَ، قالَتْ أُمُّ اَلْعَلاءِ: رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْكَ أبا اَلسّائِبِ ! فَشَهادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أكْرَمَكَ اَللَّهُ ! فَقالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «وما يُدْرِيكِ أنَّ اَللَّهَ أكْرَمَهُ ؟» فَقُلْتُ: بِأبِي وأُمِّي يا رَسُولَ اَللَّهِ ! فَمَن ؟ فَقالَ: «أمّا هو فَقَدْ جاءَهُ اَلْيَقِينُ، وإنِّي لَأرْجُوَ لَهُ اَلْخَيْرَ»» .
(p-٣٧٧٥)تَنْبِيهٌ:
قالَ اَلْحافِظُ اِبْنُ كَثِيرٍ: يُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ اَلْآيَةِ اَلْكَرِيمَةِ وهي قَوْلُهُ: ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩] عَلى أنَّ اَلْعِبادَةَ، كالصَّلاةِ ونَحْوِها، واجِبَةٌ عَلى اَلْإنْسانِ ما دامَ عَقْلُهُ ثابِتًا، كَما في صَحِيحِ اَلْبُخارِيِّ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُما؛ أنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: قالَ: «صَلِّ قائِمًا، فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقاعِدًا، فَإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلى جَنْبٍ» . ويُسْتَدَلُّ بِها عَلى تَخْطِئَةِ مَن ذَهَبَ مِنَ اَلْمَلاحِدَةِ إلى أنَّ اَلْمُرادَ بِاليَقِينِ: اَلْمَعْرِفَةُ. فَمَتى وصَلَ أحَدُهم إلى اَلْمَعْرِفَةِ سَقَطَ عَنْهُ اَلتَّكْلِيفُ عِنْدَهم. وهَذا كُفْرٌ وضَلالٌ وجَهْلٌ. فَإنَّ اَلْأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ كانُوا هم وأصْحابُهم، أعْلَمَ اَلنّاسِ بِاَللَّهِ، وأعْرَفَهم بِحُقُوقِهِ وصِفاتِهِ، وما يَسْتَحِقُّ مِنَ اَلتَّعْظِيمِ، وكانُوا مَعَ هَذا أعْبَدَ اَلنّاسِ وأكْثَرَهم مُواظَبَةً عَلى فِعْلِ اَلْخَيْراتِ إلى حِينِ اَلْوَفاةِ. اِنْتَهى.
{"ayahs_start":97,"ayahs":["وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ بِمَا یَقُولُونَ","فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ","وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ"],"ayah":"وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق