الباحث القرآني

فيه مسألتان: الاولى- قوله تعالى: (فَسَبِّحْ) أَيْ فَافْزَعْ إِلَى الصَّلَاةِ، فَهِيَ غَايَةُ التسبيح ونهاية التقديس. وذلك تفسير لقوله: (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) لَا خَفَاءَ أَنَّ غَايَةَ الْقُرْبِ فِي الصَّلَاةِ حَالُ السُّجُودِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَخْلِصُوا [[الرواية "فأكثروا" كما في الجامع الصغير.]] الدُّعَاءَ). وَلِذَلِكَ خَصَّ السُّجُودَ بِالذِّكْرِ الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا السُّجُودُ نَفْسَهُ، فَرَأَى هَذَا الْمَوْضِعَ مَحَلَّ سُجُودٍ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ شَاهَدْتُ الْإِمَامَ بِمِحْرَابِ زَكَرِيَّا مِنَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ طَهَّرَهُ اللَّهُ، يَسْجُدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَسَجَدْتُ مَعَهُ فِيهَا، وَلَمْ يَرَهُ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ أَنَّ هَاهُنَا سَجْدَةً عِنْدَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَيَمَانِ بن رئاب، وراي أنها واجبة قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ: وَهُوَ أَنَّ الْيَقِينَ الْمَوْتُ. أَمَرَهُ بِعِبَادَتِهِ [[في ى: وقد.]] إِذْ قَصَّرَ عِبَادُهُ فِي خِدْمَتِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فائدة قول: "حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" وَكَانَ قَوْلُهُ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ" كَافِيًا فِي الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ. قِيلَ لَهُ: الْفَائِدَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ" مُطْلَقًا ثُمَّ عَبَدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَانَ مُطِيعًا، وَإِذَا قَالَ "حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" كَانَ مَعْنَاهُ لَا تُفَارِقْ هَذَا حَتَّى تَمُوتَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ سُبْحَانَهُ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" وَلَمْ يَقُلْ أَبَدًا، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْيَقِينَ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِهِ: أَبَدًا، لِاحْتِمَالِ لَفْظِ الْأَبَدِ لِلَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِجَمِيعِ الْأَبَدِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى [[راجع ج ٢ ص ٣٣.]]. وَالْمُرَادُ اسْتِمْرَارُ الْعِبَادَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحِ: "وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا". وَيَتَرَكَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا، وَقَالَ: نَوَيْتُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا كَانَتْ عَلَيْهِ الرَّجْعَةُ. وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُهَا حَيَاتَهَا لَمْ يُرَاجِعْهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْيَقِينَ الْمَوْتُ حَدِيثُ أُمِّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةِ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَمَّا عُثْمَانُ- أَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ- فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَإِنِّي لَأَرْجُوُ لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [[راجع صحيح البخاري ج ٣ ص ١٥١ طبعه بولاق.]]. انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ! وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ يَقِينًا أَشْبَهَ بِالشَّكِّ مِنْ يَقِينِ النَّاسِ بِالْمَوْتِ ثُمَّ لَا يَسْتَعِدُّونَ لَهُ، يَعْنِي كَأَنَّهُمْ فِيهِ شَاكُّونَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْيَقِينَ هُنَا الْحَقُّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ نَصْرِكَ عَلَى أعدائك، قال ابْنُ شَجَرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ وَأَكُونَ مِنَ التَّاجِرِينَ لَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب