الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأمْرِ مِنهم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ قالَ الحَسَنُ وقَتادَةُ وابْنُ أبِي لَيْلى: " هم أهْلُ العِلْمِ والفِقْهِ "، وقالَ السُّدِّيُّ: " الأُمَراءُ والوُلاةُ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِهِ الفَرِيقَيْنِ مِن أهْلِ الفِقْهِ والوُلاةِ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا.
فَإنْ قِيلَ: أُولُو الأمْرِ مَن يَمْلِكُ الأمْرَ بِالوِلايَةِ عَلى النّاسِ، ولَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةَ أهْلِ العِلْمِ. قِيلَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يَقُلْ " مَن يَمْلِكُ الأمْرَ بِالوِلايَةِ عَلى النّاسِ " وجائِزٌ أنْ يُسَمّى الفُقَهاءُ أُولِي الأمْرِ لِأنَّهم يَعْرِفُونَ أوامِرَ اللَّهِ ونَواهِيَهُ ويَلْزَمُ غَيْرَهم قَبُولُ قَوْلِهِمْ فِيها، فَجائِزٌ أنْ يُسَمَّوْا أُولِي الأمْرِ مِن هَذا الوَجْهِ كَما قالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهم إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهم يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢] فَأوْجَبَ الحَذَرَ بِإنْذارِهِمْ وألْزَمَ (p-١٨٣)المُنْذَرِينَ قَبُولَ قَوْلِهِمْ، فَجازَ مِن أجْلِ ذَلِكَ إطْلاقُ اسْمِ أُولِي الأمْرِ عَلَيْهِمْ؛ والأُمَراءُ أيْضًا يُسَمَّوْنَ بِذَلِكَ لِنَفاذِ أُمُورِهِمْ عَلى مَن يَلُونَ عَلَيْهِ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ فَإنَّ الِاسْتِنْباطَ هو الِاسْتِخْراجُ، ومِنهُ اسْتِنْباطُ المِياهِ والعُيُونِ؛ فَهو اسْمٌ لِكُلِّ ما اسْتُخْرِجَ حَتّى تَقَعَ عَلَيْهِ رُؤْيَةُ العُيُونِ أوْ مَعْرِفَةُ القُلُوبِ؛ والِاسْتِنْباطُ في الشَّرْعِ نَظِيرُ الِاسْتِدْلالِ والِاسْتِعْلامِ.
وفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى وُجُوبِ القَوْلِ بِالقِياسِ واجْتِهادِ الرَّأْيِ في أحْكامِ الحَوادِثِ؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ أمْرٌ بِرَدِّ الحَوادِثِ إلى الرَّسُولِ ﷺ في حَياتِهِ إذا كانُوا بِحَضْرَتِهِ وإلى العُلَماءِ بَعْدَ وفاتِهِ والغَيْبَةِ عَنْ حَضْرَتِهِ ﷺ؛ وهَذا لا مَحالَةَ فِيما لا نَصَّ فِيهِ لِأنَّ المَنصُوصَ عَلَيْهِ لا يَحْتاجُ إلى اسْتِنْباطِهِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ مِن أحْكامِ اللَّهِ ما هو مَنصُوصٌ عَلَيْهِ ومِنها ما هو مُودَعٌ في النَّصِّ قَدْ كَلَّفَنا الوُصُولَ إلى عِلْمِهِ بِالِاسْتِدْلالِ عَلَيْهِ واسْتِنْباطِهِ فَقَدْ حَوَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَعانِيَ: مِنها أنَّ في أحْكامِ الحَوادِثِ ما لَيْسَ بِمَنصُوصٍ عَلَيْهِ بَلْ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ.
ومِنها أنَّ عَلى العُلَماءِ اسْتِنْباطَهُ والتَّوَصُّلَ إلى مَعْرِفَتِهِ بِرَدِّهِ إلى نَظائِرِهِ مِنَ المَنصُوصِ. ومِنها أنَّ العامِّيَّ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ العُلَماءِ في أحْكامِ الحَوادِثِ.
ومِنها أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ كانَ مُكَلَّفًا بِاسْتِنْباطِ الأحْكامِ والِاسْتِدْلالِ عَلَيْها بِدَلائِلِها؛ لِأنَّهُ تَعالى أمَرَ بِالرَّدِّ إلى الرَّسُولِ، وإلى أُولِي الأمْرِ، ثُمَّ قالَ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ ولَمْ يَخُصَّ أُولِي الأمْرِ بِذَلِكَ دُونَ الرَّسُولِ؛ وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ لِلْجَمِيعِ الِاسْتِنْباطَ والتَّوَصُّلَ إلى مَعْرِفَةِ الحُكْمِ بِالِاسْتِدْلالِ.
فَإنْ قِيلَ: لَيْسَ هَذا اسْتِنْباطًا في أحْكامِ الحَوادِثِ، إنَّما هو في الأمْنِ والخَوْفِ مِنَ العَدُوِّ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا جاءَهم أمْرٌ مِنَ الأمْنِ أوِ الخَوْفِ أذاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأمْرِ مِنهم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ فَإنَّما ذَلِكَ في شَأْنِ الأراجِيفِ الَّتِي كانَ المُنافِقُونَ يَرْجُفُونَ بِها، فَأمَرَهُمُ اللَّهُ بِتَرْكِ العَمَلِ بِها ورَدِّ ذَلِكَ إلى الرَّسُولِ، وإلى الأُمَراءِ حَتّى لا يَفُتُّوا في أعْضادِ المُسْلِمِينَ إنْ كانَ شَيْئًا يُوجِبُ الخَوْفَ، وإنْ كانَ شَيْئًا يُوجِبُ الأمْنَ لِئَلّا يَأْمَنُوا فَيَتْرُكُوا الِاسْتِعْدادَ لِلْجِهادِ والحَذَرِ مِنَ الكُفّارِ؛ فَلا دَلالَةَ في ذَلِكَ عَلى جَوازِ الِاسْتِنْباطِ في أحْكامِ الحَوادِثِ.
قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا جاءَهم أمْرٌ مِنَ الأمْنِ أوِ الخَوْفِ﴾ لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلى أمْرِ العَدُوِّ؛ لِأنَّ الأمْنَ والخَوْفَ قَدْ يَكُونانِ فِيما يَتَعَبَّدُونَ بِهِ مِن أحْكامِ الشَّرْعِ فِيما يُباحُ ويُحْظَرُ وما يَجُوزُ وما لا يَجُوزُ، ذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الأمْنِ والخَوْفِ؛ فَإذًا لَيْسَ في ذِكْرِهِ الأمْنَ والخَوْفَ دَلالَةٌ عَلى وُجُوبِ الِاقْتِصارِ بِهِ عَلى ما يَتَّفِقُ مِنَ (p-١٨٤)الأراجِيفِ بِالأمْنِ والخَوْفِ في أمْرِ العَدُوِّ، بَلْ جائِزٌ أنْ يَكُونَ عامًّا في الجَمِيعِ، وحَظَرَ بِهِ عَلى العامِّيِّ أنْ يَقُولَ في شَيْءٍ مِن حَوادِثِ الأحْكامِ ما فِيهِ حَظْرٌ أوْ إباحَةٌ أوْ إيجابٌ أوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وألْزَمَهم رَدَّهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأمْرِ مِنهم لِيَسْتَنْبِطُوا حُكْمَهُ بِالِاسْتِدْلالِ عَلَيْهِ بِنَظائِرِهِ مِنَ المَنصُوصِ.
وأيْضًا فَلَوْ سَلَّمْنا لَكَ أنَّ نُزُولَ الآيَةِ مَقْصُورٌ عَلى الأمْنِ والخَوْفِ مِنَ العَدُوِّ؛ لَكانَتْ دَلالَتُهُ قائِمَةً عَلى ما ذَكَرْنا؛ لِأنَّهُ إذا جازَ اسْتِنْباطُ تَدْبِيرِ الجِهادِ ومَكايِدِ العَدُوِّ بِأخْذِ الحَذَرِ تارَةً والإقْدامِ في حالٍ والإحْجامِ في حالٍ أُخْرى، وكانَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِمّا تَعَبَّدَنا اللَّهُ بِهِ ووُكِلَ الأمْرُ فِيهِ إلى آراءِ أُولِي الأمْرِ واجْتِهادِهِمْ فَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ الِاجْتِهادِ في أحْكامِ الحَوادِثِ مِن تَدْبِيرِ الحُرُوبِ ومَكايِدِ العَدُوِّ وقِتالِ الكُفّارِ، فَلا فَرْقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الِاجْتِهادِ والِاسْتِدْلالِ عَلى النَّظائِرِ مِن سائِرِ الحَوادِثِ مِنَ العِباداتِ وفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، إذا كانَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِن أحْكامِ اللَّهِ تَعالى، ويَكُونُ المانِعُ مِنَ الِاجْتِهادِ والِاسْتِنْباطِ في مِثْلِهِ كَمَن أباحَ الِاسْتِنْباطَ في البُيُوعِ خاصَّةً ومَنَعَهُ في المُناكَحاتِ أوْ أباحَهُ في الصَّلاةِ ومَنَعَهُ في المَناسِكِ، وهَذا خِلْفٌ مِنَ القَوْلِ.
فَإنْ قِيلَ: لَيْسَ الِاسْتِنْباطُ مَقْصُورًا عَلى القِياسِ واجْتِهادِ الرَّأْيِ دُونَ الِاسْتِدْلالِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي لا يَحْتَمِلُ في اللُّغَةِ إلّا مَعْنًى واحِدًا. قِيلَ لَهُ: الدَّلِيلُ الَّذِي لا يَحْتَمِلُ في اللُّغَةِ إلّا مَعْنًى واحِدًا لا يَقَعُ بَيْنَ أهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ تَنازُعٌ؛ إذْ كانَ أمْرًا مَعْقُولًا في اللَّفْظِ، فَهَذا لَيْسَ بِاسْتِنْباطٍ بَلْ هو في مَفْهُومِ الخِطابِ، وذَلِكَ عِنْدَنا نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] أنَّهُ دَلالَةٌ عَلى النَّهْيِ عَنِ الضَّرْبِ والشَّتْمِ والقَتْلِ ونَحْوِهِ، وهَذا لا يَقَعُ في مِثْلِهِ خِلافٌ؛ فَإنْ أرَدْتَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي لا يَحْتَمِلُ إلّا مَعْنًى واحِدًا هَذا الضَّرْبَ مِن دَلائِلِ الخِطابِ فَإنَّ هَذا لا تَنازُعَ فِيهِ ولا يُحْتاجُ فِيهِ إلى اسْتِنْباطٍ.
وإنْ أرَدْتَ بِالدَّلِيلِ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ فَيَكُونُ دَلالَةً عَلى أنَّ ما عَداهُ فَحُكْمُهُ بِخِلافِهِ، فَإنَّ هَذا لَيْسَ بِدَلِيلٍ، وقَدْ بَيَّنّاهُ في أُصُولِ الفِقْهِ؛ ولَوْ كانَ هَذا ضَرْبًا مِنَ الدَّلِيلِ لَما أغْفَلَتْهُ الصَّحابَةُ ولاسْتَدَلَّتْ بِهِ عَلى أحْكامِ الحَوادِثِ، ولَوْ فَعَلُوا هَذا لاسْتَفاضَ ذَلِكَ عَنْهم وظَهَرَ، فَلَمّا لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْهم دَلَّ عَلى سُقُوطِ قَوْلِكَ.
وأيْضًا لَوْ كانَ هَذا ضَرْبًا مِنَ الِاسْتِدْلالِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إيجابَ الِاسْتِنْباطِ فِيما لا طَرِيقَ إلَيْهِ إلّا مِن جِهَةِ الرَّأْيِ والقِياسِ؛ إذْ لَيْسَ يُوجَدُ في كُلِّ حادِثَةٍ هَذا الضَّرْبُ مِنَ الدَّلالَةِ، وقَدْ أُمِرْنا بِاسْتِنْباطِ سائِرِ ما لا نَصَّ فِيهِ فَما لَمْ نَجِدْ فِيهِ مِنَ الحَوادِثِ هَذا الضَّرْبَ مِنَ الدَّلِيلِ، فَعَلَيْنا اسْتِنْباطُ حُكْمِهِ مِن طَرِيقِ القِياسِ والِاجْتِهادِ؛ (p-١٨٥)إذْ لا سَبِيلَ لَنا إلَيْهِ إلّا مِن هَذِهِ الجِهَةِ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا قالَ تَعالى: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ ولَمْ يَكُنْ دَلِيلُ القِياسِ مُفْضِيًا بِنا إلى العِلْمِ بِمَدْلُولِهِ؛ إذْ كانَ القائِسُ يُجَوِّزُ عَلى نَفْسِهِ الخَطَأ ولا يُجَوِّزُ القَطْعَ بِأنَّ ما أدّاهُ إلَيْهِ قِياسُهُ واجْتِهادُهُ هو الحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ، عَلِمْنا أنَّهُ لَمْ يُرِدِ الِاسْتِنْباطَ مِن طَرِيقِ القِياسِ والِاجْتِهادِ. قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ: " إنَّ القائِسَ لا يَقْطَعُ بِأنَّ قِياسَهُ هو الحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ " خَطَأٌ لا نَقُولُ بِهِ وذَلِكَ أنَّ ما كانَ طَرِيقُهُ الِاجْتِهادَ فَإنَّ المُجْتَهِدَ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَقْطَعَ بِأنَّ ما أدّاهُ إلَيْهِ اجْتِهادُهُ هو الحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ، وهَذا عِنْدَنا عِلْمٌ مِنهُ بِأنَّ هَذا حُكْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فاسْتِنْباطُهُ حُكْمَ الحَوادِثِ مِن طَرِيقِ الِاجْتِهادِ يُوجِبُ العِلْمَ بِصِحَّةِ مُوجِبِهِ وما أدّاهُ إلَيْهِ اجْتِهادُهُ.
وهَذِهِ الآيَةُ أيْضًا تَدُلُّ عَلى بُطْلانِ قَوْلِ القائِلِينَ بِالإمامَةِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كُلُّ شَيْءٍ مِن أحْكامِ الدِّينِ مَنصُوصًا عَلَيْهِ لَعَرَفَهُ الإمامُ ولَزالَ مَوْضِعُ الِاسْتِنْباطِ وسَقَطَ الرَّدُّ إلى أُولِي الأمْرِ، بَلْ كانَ الواجِبُ الرَّدَّ إلى الإمامِ الَّذِي يَعْرِفُ صِحَّةَ ذَلِكَ مِن باطِلِهِ مِن جِهَةِ النَّصِّ.
* * *
(فَصْلٌ)
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ ذَكَرْنا ما حَضَرَنا مِن عِلْمِ أحْكامِ هَذِهِ الآيَةِ، وما في ضِمْنِها مِنَ الدَّلائِلِ عَلى المَعانِي، وما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِن وُجُوهِ الِاحْتِمالِ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ المُخْتَلِفُونَ فِيها، وذَكَرْناهُ عَنْ قائِلِيها مِنَ السَّلَفِ وفُقَهاءِ الأمْصارِ وإنْزالِ اللَّهِ إيّاها بِهَذِهِ الألْفاظِ المُحْتَمِلَةِ لِلْمَعانِي، ووُجُوهِ الدَّلالاتِ عَلى الأحْكامِ مَعَ أمْرِهِ إيّانا بِاعْتِبارِها والِاسْتِدْلالِ بِها في (p-٣٤)قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِمْ ولَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] فَحَثَّنا عَلى التَّفَكُّرِ فِيهِ، وحَرَّضَنا عَلى الِاسْتِنْباطِ والتَّدَبُّرِ، وأمَرَنا بِالِاعْتِبارِ لِنَتَسابَقَ إلى إدْراكِ أحْكامِهِ ونَنالَ دَرَجَةَ المُسْتَنْبِطِينَ والعُلَماءِ النّاظِرِينَ. ودَلَّ بِما أنْزَلَ مِنَ الآيِ المُحْتَمِلَةِ لِلْوُجُوهِ مِنَ الأحْكامِ الَّتِي طَرِيقُ اسْتِدْراكِ مَعانِيها السَّمْعُ عَلى تَسْوِيغِ الِاجْتِهادِ في طَلَبِها، وأنَّ كُلًّا مِنهم مُكَلَّفٌ بِالقَوْلِ بِما أدّاهُ إلَيْهِ اجْتِهادُهُ واسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ ونَظَرُهُ، وأنَّ مُرادَ اللَّهِ مِن كُلِّ واحِدٍ مِنَ المُجْتَهِدِينَ اعْتِقادُ ما أدّاهُ إلَيْهِ نَظَرُهُ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ لَنا سَبِيلٌ إلى اسْتِدْراكِهِ إلّا مِن طَرِيقِ السَّمْعِ وكانَ جائِزًا تَعَبُّدُ كُلِّ واحِدٍ مِنهم مِن طَرِيقِ النَّظَرِ بِمِثْلِ ما حَصَلَ عَلَيْهِ اجْتِهادُهُ، فَوَجَبَ مِن أجْلِ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ مِن حَيْثُ جَعْلُ لَفْظِ الكِتابِ مُحْتَمِلًا لِلْمَعانِي أنْ يَكُونَ مُشَرِّعًا لِكُلِّ واحِدٍ مِنَ المُجْتَهِدِينَ ما دَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَحْوى الآيَةِ وما في مَضْمُونِ الخِطابِ ومُقْتَضاهُ مِن وُجُوهِ الِاحْتِمالِ.
فانْظُرْ عَلى كَمِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِفَحْواها ومُقْتَضاها مِن لَطِيفِ المَعانِي وكَثْرَةِ الفَوائِدِ وضُرُوبِ ما أدَّتْ إلَيْهِ مِن وُجُوهِ الِاسْتِنْباطِ وهَذِهِ إحْدى دَلائِلِ إعْجازِ القُرْآنِ؛ إذْ غَيْرُ جائِزٍ وُجُودُ مِثْلِهِ في كَلامِ البَشَرِ. وأنا ذاكِرٌ مُجْمَلًا ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُفَصَّلًا لِيَكُونَ أقْرَبَ إلى فَهْمِ قارِئِهِ إذا كانَ مَجْمُوعًا مَحْصُورًا، واَللَّهُ تَعالى نَسْألُ التَّوْفِيقَ. فَأوَّلُ ما ذَكَرْنا مِن حُكْمِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦] ما احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِن إرادَةِ القِيامِ.
والثّانِي: ما اقْتَضَتْهُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ مِن إيجابِ الغَسْلِ بَعْدَ القِيامِ. والثّالِثُ: ما احْتَمَلَهُ مِنَ القِيامِ مِنَ النَّوْمِ؛ لِأنَّ الآيَةَ عَلى هَذِهِ الحالِ نَزَلَتْ. والرّابِعُ: اقْتِضاؤُها إيجابَ الوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ المُعْتادِ الَّذِي يَصِحُّ إطْلاقُ القَوْلِ فِيهِ بِأنَّهُ قائِمٌ مِنَ النَّوْمِ.
والخامِسُ: احْتِمالُها لِإيجابِ الوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ، واحْتِمالُها لِطَهارَةٍ واحِدَةٍ لِصَلَواتٍ كَثِيرَةٍ ما لَمْ يُحْدِثْ. والسّادِسُ: احْتِمالُها إذا أرَدْتُمُ القِيامَ وأنْتُمْ مُحْدِثُونَ وإيجابُ الطَّهارَةِ مِنَ الإحْداثِ. والسّابِعُ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ الوُضُوءِ بِإمْرارِ الماءِ عَلى المَوْضِعِ مِن غَيْرِ دَلْكٍ واحْتِمالُها لِقَوْلِ مَن أوْجَبَ الدَّلْكَ. والثّامِنُ: إيجابُها بِظاهِرِها إجْراءَ الماءِ عَلى الأعْضاءِ وأنَّ مَسْحَها غَيْرُ جائِزٍ عَلى ما بَيَّنّا، وبُطْلانُ قَوْلِ مَن أجازَ المَسْحَ في جَمِيعِ الأعْضاءِ. والتّاسِعُ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ الوُضُوءِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. والعاشِرُ: دَلالَتُها عَلى وُجُوبِ الِاقْتِصارِ بِالفَرْضِ عَلى ما واجَهْنا مِنَ المُتَوَضِّئِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] إذْ كانَ الوَجْهُ ما واجَهَكَ، وأنَّ المَضْمَضَةَ والِاسْتِنْشاقَ غَيْرُ واجِبَيْنِ في الوُضُوءِ.
والحادِي عَشَرَ: دَلالَتُها عَلى أنَّ تَخْلِيلَ (p-٣٥)اللِّحْيَةِ غَيْرُ واجِبٍ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ باطِنُها مِنَ الوَجْهِ. والثّانِي عَشَرَ: دَلالَتُها عَلى نَفْيِ إيجابِ التَّسْمِيَةِ في الوُضُوءِ. والثّالِثَ عَشَرَ: دَلالَتُها عَلى دُخُولِ المَرافِقِ في الغَسْلِ. والرّابِعَ عَشَرَ: احْتِمالُها أنْ تَكُونَ المَرافِقُ غَيْرَ داخِلَةٍ فِيهِ. والخامِسَ عَشَرَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ.
والسّادِسَ عَشَرَ: احْتِمالُها لِوُجُوبِ مَسْحِ الجَمِيعِ. والسّابِعَ عَشَرَ: احْتِمالُها لِجَوازِ مَسْحِ البَعْضِ، أيِّ بَعْضٍ كانَ مِنهُ. والثّامِنَ عَشَرَ: دَلالَتُها عَلى أنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ المَفْرُوضُ ثَلاثَ شَعْراتٍ؛ إذْ غَيْرُ جائِزٍ تَكْلِيفُهُ ما لا يُمْكِنُ الِاقْتِصارُ عَلَيْهِ. والتّاسِعَ عَشَرَ: احْتِمالُها لِوُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. والعِشْرُونَ: احْتِمالُها لِجَوازِ المَسْحِ عَلى قَوْلِ مُوجِبِي اسْتِيعابِها بِالمَسْحِ. والحادِي والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى بُطْلانِ قَوْلِ مُجِيزِي مَسْحِ البَعْضِ بِقَوْلِهِ: ﴿إلى الكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦]
والثّانِي والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى عَدَمِ إيجابِ الجَمْعِ بَيْنَ الغَسْلِ والمَسْحِ وأنَّ الواجِبَ إنَّما كانَ أحَدُهُما بِاتِّفاقِ الفُقَهاءِ. والثّالِثُ والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ المَسْحِ في حالِ لُبْسِ الخُفَّيْنِ ووُجُوبِ الغَسْلِ في حالِ ظُهُورِ الرِّجْلَيْنِ. والرّابِعُ والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ المَسْحِ عَلى الخُفَّيْنِ إذا أدْخَلَ رِجْلَيْهِ وهُما طاهِرَتانِ ثُمَّ أكْمَلَ الطَّهارَةَ قَبْلَ الحَدَثِ؛ لِأنَّها مِن حَيْثُ دَلَّتْ عَلى المَسْحِ دَلَّتْ عَلى جَوازِهِ في جَمِيعِ الأحْوالِ إلّا ما قامَ دَلِيلُهُ. والخامِسُ والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى قَوْلِ مَن أجازَ المَسْحَ عَلى الجُرْمُوقَيْنِ مِن حَيْثُ دَلَّتْ عَلى المَسْحِ عَلى الخُفَّيْنِ؛ لِأنَّ الماسِحَ عَلى الخُفَّيْنِ والجُرْمُوقَيْنِ جائِزٌ أنْ يُقالَ قَدْ مَسَحَ عَلى رِجْلَيْهِ، وإنْ كانَ عَلَيْهِما خُفّانِ. والسّادِسُ والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ المَسْحِ عَلى الجَوْرَبَيْنِ وأنَّهُ يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ في أنَّ المَسْحَ عَلى الجَوْرَبَيْنِ غَيْرُ مُرادٍ. والسّابِعُ والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى لُزُومِ مُباشَرَةِ الرَّأْسِ بِالمَسْحِ وامْتِناعِ جَوازِهِ عَلى العِمامَةِ والخِمارِ.
فَإنْ قِيلَ: فَإنْ كانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى بُطْلانِ المَسْحِ عَلى العِمامَةِ، فَقَوْلُهُ: ﴿وأرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] يَدُلُّ عَلى بُطْلانِ المَسْحِ عَلى الخُفَّيْنِ.
قِيلَ لَهُ: لَمّا كانَ قَوْلُهُ: ﴿وأرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] مُحْتَمِلًا لِلْمَسْحِ والغَسْلِ وأمْكَنَنا اسْتِعْمالُهُما اسْتَعْمَلْناهُ ما في حالَيْنِ، وإنْ كانَ في أحَدِهِما مَجازًا، لِئَلّا نُسْقِطُ واحِدًا مِنهُما، ولَمْ تَكُنْ بِنا حاجَةٌ إلى اسْتِعْمالِ قَوْلِهِ: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] عَلى المَجازِ، فاسْتَعْمَلْناهُ عَلى حَقِيقَتِهِ. والثّامِنُ والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وأنَّ ما زادَ فَهو تَطَوُّعٌ. والتّاسِعُ والعِشْرُونَ: دَلالَتُها عَلى نَفْيِ فَرْضِ الِاسْتِنْجاءِ، وعَلى جَوازِ الصَّلاةِ مَعَ تَرْكِهِ، وعَلى بُطْلانِ قَوْلِ مَن أوْجَبَ الِاسْتِنْجاءَ مِنَ الرِّيحِ. والثَّلاثُونَ: دَلالَتُها عَلى بُطْلانِ قَوْلِ مَن أوْجَبَ غَسْلَ اليَدَيْنِ قَبْلَ إدْخالِهِما الإناءَ، وأنَّهُ إنْ أدْخَلَهُما قَبْلَ أنْ يَغْسِلَهُما لَمْ يُجْزِهِ (p-٣٦)الوُضُوءُ. والحادِي والثَّلاثُونَ: دَلالَتُها عَلى أنَّ مَسْحَ الأُذُنَيْنِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وبُطْلانُ قَوْلِ مَن أجازَ المَسْحَ عَلَيْهِما ما دُونَ الرَّأْسِ. والثّانِي والثَّلاثُونَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ تَفْرِيقِ الوُضُوءِ بِإباحَةِ الصَّلاةِ بِالغَسْلِ عَلى أيِّ وجْهٍ حَصَلَ.
والثّالِثُ والثَّلاثُونَ: دَلالَتُها عَلى بُطْلانِ قَوْلِ مُوجِبِي التَّرْتِيبِ في الوُضُوءِ. والرّابِعُ والثَّلاثُونَ: اقْتِضاؤُها لِإيجابِ الغُسْلِ مِنَ الجَنابَةِ. والخامِسُ والثَّلاثُونَ: دَلالَتُها عَلى اقْتِضاءِ هَذا اللَّفْظِ لِمَن سُمِّيَ بِهِ اجْتِنابُ أشْياءَ، إذا كانَتِ الجَنابَةُ مِن مُجانَبَةِ ما يَقْتَضِي ذَلِكَ اجْتِنابَهُ، وهو ما قَدْ بُيِّنَ حُكْمُهُ في غَيْرِها. والسّادِسُ والثَّلاثُونَ: دَلالَتُها عَلى اسْتِيعابِ البَدَنِ كُلِّهِ بِالغُسْلِ ووُجُوبِ المَضْمَضَةِ والِاسْتِنْشاقِ فِيهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] والسّابِعُ والثَّلاثُونَ: دَلالَتُها عَلى أنَّهُ مَتى طَهُرَ بَدَنُهُ اسْتَباحَ الصَّلاةَ وأنَّ الوُضُوءَ لَيْسَ بِفَرْضٍ فِيهِ. والثّامِنُ والثَّلاثُونَ إيجابُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ عِنْدَ عَدَمِ الماءِ والتّاسِعُ والثَّلاثُونَ: جَوازُهُ لِلْمَرِيضِ إذا خافَ ضَرَرَ الماءِ. والأرْبَعُونَ جَوازُ التَّيَمُّمِ لِغَيْرِ المَرِيضِ إذا خافَ ضَرَرَ البَرْدِ؛ إذْ كانَ المَعْنى في المَرَضِ مَفْهُومًا وهو أنَّهُ خَوْفُ الضَّرَرِ.
والحادِي والأرْبَعُونَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ؛ إذْ كانَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ [المائدة: ٦] يَحْتَمِلُ الجِماعَ. والثّانِي والأرْبَعُونَ: احْتِمالُها إيجابَ الوُضُوءِ مِن مَسِّ المَرْأةِ؛ إذْ كانَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ لامَسْتُمُ﴾ [المائدة: ٦] يَحْتَمِلُ الأمْرَيْنِ. والثّالِثُ والأرْبَعُونَ: دَلالَتُها عَلى أنَّ مَن خافَ العَطَشَ جازَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ إذْ كانَ في مَعْنى الخائِفِ لِضَرَرِ الماءِ بِاسْتِعْمالِهِ، وهو المَرِيضُ والمَجْرُوحُ. والرّابِعُ والأرْبَعُونَ: دَلالَتُها عَلى أنَّ النّاسِيَ لِلْماءِ في رَحْلِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ،؛ إذْ هو غَيْرُ واجِدٍ لِلْماءِ، واَللَّهُ تَعالى شَرَطَ اسْتِعْمالَ الماءِ عِنْدَ وُجُودِهِ. والخامِسُ والأرْبَعُونَ: دَلالَتُها عَلى أنَّ مَن مَعَهُ ماءٌ لا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِعْمالُهُ؛ لِأنَّهُ أمَرَ بِغَسْلِ أعْضاءِ الوُضُوءِ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً﴾ [المائدة: ٦] يَعْنِي ما يَكْفِي لِغَسْلِها؛ ولِأنَّهُ لا خِلافَ أنَّ مِن فَرْضِهِ التَّيَمُّمَ، فَدَلَّ عَلى أنَّ هَذا القَدْرَ مِنَ الماءِ غَيْرُ مُرادٍ. والسّادِسُ والأرْبَعُونَ: احْتِمالُها لِاسْتِدْلالِ مَنِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [المائدة: ٦] فَذَكَرَ عَدَمَ كُلِّ جُزْءٍ مِنهُ، إذْ كانَ نَكِرَةً في جَوازِ التَّيَمُّمِ، فَإذا وجَدَ قَلِيلًا لَمْ يَجُزِ الِاقْتِصارُ عَلى التَّيَمُّمِ. والسّابِعُ والأرْبَعُونَ: دَلالَتُها عَلى سُقُوطِ فَرْضِ الطَّلَبِ وبُطْلانِ قَوْلِ مُوجِبِهِ،؛ إذْ كانَ الوُجُودُ أوِ العَدَمُ لا يَقْتَضِيانِ طَلَبًا، فَمُوجِبُ الطَّلَبِ زائِدٌ فِيها ما لَيْسَ مِنها. والثّامِنُ والأرْبَعُونَ: دَلالَتُها عَلى أنَّ مَن خافَ ذَهابَ الوَقْتِ إنْ تَوَضَّأ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ،؛ إذْ كانَ واجِدًا لِلْماءِ، لِأمْرِهِ تَعالى إيّانا بِالغَسْلِ عِنْدَ وُجُودِ الماءِ (p-٣٧)بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاغْسِلُوا﴾ [المائدة: ٦] مِن غَيْرِ ذِكْرِ الوَقْتِ. والتّاسِعُ والأرْبَعُونَ: دَلالَتُها عَلى أنَّ المَحْبُوسَ الَّذِي لا يَجِدُ الماءَ ولا تُرابًا نَظِيفًا أنَّهُ لا يُصَلِّي؛ لِأنَّ اللَّهَ أمَرَ بِفِعْلِ الصَّلاةِ بِأحَدِ ما ذَكَرَهُ في الآيَةِ مِن ماءٍ أوْ تُرابٍ. والخَمْسُونَ: احْتِمالُها لِجَوازِ التَّيَمُّمِ لِلْمَحْبُوسِ إذا وجَدَ تُرابًا نَظِيفًا. والحادِي والخَمْسُونَ جَوازُ التَّيَمُّمِ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ،؛ إذْ لَمْ يَحْصُرْهُ بِوَقْتٍ وإنَّما عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الماءِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً﴾ [المائدة: ٦] والثّانِي والخَمْسُونَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ بِتَيَمُّمٍ واحِدٍ ما لَمْ يُحْدِثْ أوْ يَجِدِ الماءَ، بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] ثُمَّ قَوْلُهُ في سِياقِهِ: ﴿فَتَيَمَّمُوا﴾ [المائدة: ٦] فَأمَرَ بِالصَّلاةِ بِالتَّيَمُّمِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي أمَرَ بِها بِالوُضُوءِ، فَلَمّا لَمْ تَقْتَضِ الآيَةُ تَكْرارَ الوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ لَمْ تَقْتَضِ تَكْرارَ التَّيَمُّمِ. والثّالِثُ والخَمْسُونَ: دَلالَتُها عَلى أنَّ عَلى المُتَيَمِّمِ إذا وجَدَ الماءَ في الصَّلاةِ الوُضُوءَ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا﴾ [المائدة: ٦] عَلى ما بَيَّنّا مِن دَلالَتِها عَلى ذَلِكَ فِيما سَلَفَ. والرّابِعُ والخَمْسُونَ مَسْحُ الوَجْهِ واليَدَيْنِ في التَّيَمُّمِ واسْتِيعابُهُما بِهِ. والخامِسُ والخَمْسُونَ
مَسْحُ اليَدَيْنِ إلى المِرْفَقَيْنِ لِاقْتِضاءِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ﴾ [المائدة: ٦] إيّاها، وأنَّ ما فَوْقَ المِرْفَقَيْنِ إنَّما خَرَجَ بِدَلِيلٍ. والسّادِسُ والخَمْسُونَ: جَوازُهُ بِكُلِّ ما كانَ مِنَ الأرْضِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] والصَّعِيدُ الأرْضُ.
والسّابِعُ والخَمْسُونَ بُطْلانُ التَّيَمُّمِ بِالتُّرابِ النَّجِسِ لِقَوْلِهِ تَعالى ﴿طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] والنَّجِسُ لَيْسَ بِطَيِّبٍ. والثّامِنُ والخَمْسُونَ: وُجُوبُ النِّيَّةِ في التَّيَمُّمِ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ التَّيَمُّمَ القَصْدُ والثّانِي: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فامْسَحُوا بِوُجُوهِكم وأيْدِيكم مِنهُ﴾ [المائدة: ٦] عَلى ما بَيَّنّا مِن دَلالَتِهِ عَلى أنَّ ابْتِداءَهُ يَكُونُ مِنَ الأرْضِ حَتّى يَتَّصِلَ بِالوَجْهِ مِن غَيْرِ قَطْعٍ، وأنَّ اسْتِعْمالَهُ لِشَيْءٍ آخَرَ يَقْطَعُ حُكْمَ النِّيَّةِ ويُوجِبُ الِاسْتِئْنافَ. والتّاسِعُ والخَمْسُونَ: احْتِمالُها لِإصابَةِ بَعْضِ التُّرابِ وجْهَهُ ويَدَيْهِ، لِقَوْلِهِ: ﴿مِنهُ﴾ [المائدة: ٦] وهو لِلتَّبْعِيضِ. والسِّتُّونَ: دَلالَتُها عَلى بُطْلانِ قَوْلِ مَن أجازَ التَّيَمُّمَ بِالثَّلْجِ والحَشِيشِ؛ إذْ لَيْسا مِنَ الصَّعِيدِ. والواحِدُ والسِّتُّونَ: دَلالَةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ﴾ [المائدة: ٦] عَلى إيجابِ الطَّهارَةِ مِنَ الخارِجِ مِنَ السَّبِيلَيْنِ وأنَّ دَمَ الِاسْتِحاضَةِ وسَلَسَ البَوْلِ والمَذْيَ ونَحْوَها تُوجِبُ الوُضُوءَ؛ إذْ كانَ الغائِطُ وهو المُطْمَئِنُّ مِنَ الأرْضِ يُؤْتى لِكُلِّ ذَلِكَ. والثّانِي والسِّتُّونَ: دَلالَةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] عَلى جَوازِ الغَسْلِ بِسائِرِ المائِعاتِ إلّا ما خَصَّهُ الدَّلِيلُ، فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى جَوازِ الوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ ويَسْتَدِلُّ بِهِ أيْضًا الحَسَنُ بْنُ صالِحٍ عَلى جَوازِهِ بِالخَلِّ وما جَرى مَجْراهُ ويَسْتَدِلُّ بِهِ أيْضًا عَلى جَوازِ (p-٣٨)الطَّهارَةِ بِالماءِ الَّذِي خالَطَهُ شَيْءٌ مِنَ الطّاهِراتِ ولَمْ يَغْلِبْ عَلى الماءِ مِثْلُ ماءِ الوَرْدِ واللَّبَنِ والخَلِّ ونَحْوِ ذَلِكَ. والثّالِثُ والسِّتُّونَ: دَلالَةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [المائدة: ٦] عَلى جَوازِهِ بِالنَّبِيذِ؛ إذْ كانَ في النَّبِيذِ ماءٌ، وإنَّما أطْلَقَ لَنا التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ كُلِّ جُزْءٍ مِنَ الماءِ لِذِكْرِهِ إيّاهُ بِلَفْظٍ مَنكُورٍ، ويَسْتَدِلُّ بِهِ أيْضًا مَن يُجِيزُ الوُضُوءَ بِالماءِ المُضافِ كالمَرَقِ وخَلِّ التَّمْرِ ونَحْوِهِ؛ إذْ كانَ فِيهِ ماءٌ.
والرّابِعُ والسِّتُّونَ: دَلالَتُها لِمَن يَمْنَعُ المُسْتَحاضَةَ صَلاتَيْ فَرْضٍ بِوُضُوءٍ واحِدٍ عَلى لُزُومِ إعادَةِ الوُضُوءِ لِفَرْضٍ ثانٍ، لِقَوْلِهِ: ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦] فَقَدْ رُوِيَ: " إذا قُمْتُمْ وأنْتُمْ مُحْدِثُونَ " وهي مُحْدِثَةٌ، لِوُجُودِ الحَدَثِ بَعْدَ الطَّهارَةِ. والخامِسُ والسِّتُّونَ: دَلالَتُها عَلى امْتِناعِ جَوازِ فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ واحِدٍ كَدَلالَتِها في الِاسْتِحاضَةِ؛ إذْ كانَ التَّيَمُّمُ غَيْرَ رافِعٍ لِلْحَدَثِ، فَهو مَتى أرادَ القِيامَ إلى الصَّلاةِ قامَ إلَيْها وهو مُحْدِثٌ. والسّادِسُ والسِّتُّونَ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ التَّيَمُّمِ في أوَّلِ الوَقْتِ عِنْدَ عَدَمِ الماءِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] وقَوْلِهِ: ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦] إلى قَوْلِهِ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [المائدة: ٦] فَأمَرَ بِالصَّلاةِ عِنْدَ دُلُوكِها، وأمَرَ بِتَقْدِيمِ الطَّهارَةِ لَها بِالماءِ إنْ كانَ مَوْجُودًا أوِ التُّرابِ إذا كانَ مَعْدُومًا؛ فاقْتَضى ذَلِكَ جَوازَ التَّيَمُّمِ في أوَّلِ الوَقْتِ وقَبْلَ الوَقْتِ، كَما اقْتَضى جَوازَ الطَّهارَةِ بِالماءِ قَبْلَ الوَقْتِ وفي أوَّلِهِ. والسّابِعُ والسِّتُّونَ: دَلالَتُها عَلى امْتِناعِ جَوازِ التَّيَمُّمِ في الحَضَرِ لِلْمَحْبُوسِ وجَوازِ الصَّلاةِ بِهِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ﴾ [المائدة: ٦] إلى قَوْلِهِ: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا﴾ [المائدة: ٦] فَشَرَطَ في إباحَةِ التَّيَمُّمِ شَيْئَيْنِ:
أحَدُهُما المَرَضُ، والآخَرُ: السَّفَرُ مَعَ عَدَمِ الماءِ؛ فَإذا لَمْ يَكُنْ مُسافِرًا وكانَ مُقِيمًا إلّا أنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنهُ بِحَبْسٍ، فَغَيْرُ جائِزٍ صَلاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ.
فَإنْ قِيلَ: فَهو غَيْرُ واجِدٍ لِلْماءِ وإنْ كانَ مُقِيمًا. قِيلَ لَهُ: هو كَذَلِكَ، إلّا أنَّهُ قَدْ شَرَطَ في جَوازِهِ شَيْئَيْنِ:
أحَدُهُما: السَّفَرُ الَّذِي الأغْلَبُ فِيهِ عَدَمُ الماءِ، والثّانِي: عَدَمُهُ؛ وإنَّما أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ وجَوازُ الصَّلاةِ بِتَعَذُّرِ وُجُودِ الماءِ لِلْحالِ المُوجِبَةِ لِذَلِكَ وهو السَّفَرُ لا في الحَضَرِ الَّذِي الماءُ فِيهِ مَوْجُودٌ في الأغْلَبِ، وإنَّما حَصَلَ المَنعُ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ مِن غَيْرِ حالِ العادَةِ فِيها، والغالِبُ مِنها عَدَمُهُ.
والثّامِنُ والسِّتُّونَ: دَلالَةُ قَوْلِهِ: ﴿ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكم مِن حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦] عَلى نَفْيِ كُلِّ ما أوْجَبَ الحَرَجَ، والِاحْتِجاجُ بِهِ عِنْدَ وُقُوعِ الخِلافِ عَلى مُنْتَحِلِي مَذْهَبِ التَّضْيِيقِ؛ فَيَدُلُّ عَلى جَوازِ التَّيَمُّمِ، وإنْ كانَ مَعَهُ ما إذا خافَ عَلى نَفْسِهِ مِنَ العَطَشِ فَيَحْبِسُهُ لِشُرْبِهِ؛ إذْ كانَ فِيهِ نَفْيُ الضِّيقِ والحَرَجِ، وعَلى نَفْيِ إيجابِ التَّرْتِيبِ والمُوالاةِ في الطَّهارَةِ، وعَلى نَفْيِ إيجابِ (p-٣٩)النِّيَّةِ فِيها، وما جَرى مَجْرى ذَلِكَ. والتّاسِعُ والسِّتُّونَ: دَلالَةُ قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] عَلى أنَّ المَقْصِدَ حُصُولُ الطَّهارَةِ عَلى أيِّ وجْهٍ حَصَلَتْ مِن تَرْتِيبٍ أوْ غَيْرِهِ، ومِن مُوالاةٍ أوْ تَفْرِيقٍ، ومِن وُجُوبِ نِيَّةٍ أوْ عَدَمِها، وما جَرى مَجْرى ذَلِكَ. والسَّبْعُونَ: دَلالَةُ قَوْلِهِ: ﴿فاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] عَلى سُقُوطِ اعْتِبارِ تَقْدِيرِ الماءِ؛ إذْ كانَ المُرادُ التَّطْهِيرَ، وعَلى أنَّ اغْتِسالَ النَّبِيِّ ﷺ بِالصّاعِ غَيْرُ مُوجِبٍ اعْتِبارَهُ. والواحِدُ والسَّبْعُونَ: أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦] فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ المُرادَ مَسْحُهُ بِالماءِ؛ فَهَذِهِ وُجُوهُ دَلالاتِ هَذِهِ الآيَةِ الواحِدَةِ عَلى المَعانِي وضُرُوبِ الأحْكامِ، مِنها نُصُوصٌ ومِنها احْتِمالٌ في الطَّهارَةِ الَّتِي يَجِبُ تَقْدِيمُها أمامَ الصَّلاةِ وشُرُوطُها الَّتِي تَصِحُّ بِها. وعَسى أنْ يَكُونَ كَثِيرٌ مِن دَلائِلِها وضُرُوبِ احْتِمالِها مِمّا لَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُنا مَتى بُحِثَ عَنْها واسْتُقْصِيَ النَّظَرُ فِيها أدْرَكَها مَن وُفِّقَ لِفَهْمِها؛ واَللَّهُ المُوَفِّقُ.
{"ayah":"وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق