الباحث القرآني
ولَمّا أمَرَ - سُبْحانَهُ وتَعالى - بِالنَّفْرِ إلى الجِهادِ؛ عَلى الحَزْمِ والحَذَرِ؛ وأوْلاهُ الإخْبارَ بِأنَّ مِنَ النّاسِ المُغَرِّرَ؛ والمُخَذِّلَ؛ تَصْرِيحًا بِالثّانِي؛ وتَلْوِيحًا إلى الأوَّلِ؛ وحَذَّرَ مِنهُما؛ ومِن غَيْرِهِما؛ إلى أنْ خَتَمَ بِأمْرِ الماكِرِينَ؛ وبِأنَّ القُرْآنَ قَيِّمٌ لا عِوَجَ فِيهِ؛ ذَكَرَ أيْضًا المُخَذِّلِينَ والمُغَرِّرِينَ؛ عَلى وجْهٍ أصْرَحَ مِنَ الأوَّلِ؛ مُبَيِّنًا ما كانَ عَلَيْهِمْ؛ فَقالَ: ﴿وإذا جاءَهُمْ﴾؛ أيْ: هَؤُلاءِ المُزَلْزِلِينَ؛ ﴿أمْرٌ مِنَ الأمْنِ﴾؛ مِن غَيْرِ ثَبْتٍ؛ ﴿أوِ الخَوْفِ﴾؛ كَذَلِكَ؛ ﴿أذاعُوا﴾؛ أيْ: أوْقَعُوا الإذاعَةَ؛ لِما يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنَ المَفاسِدِ؛ ﴿بِهِ﴾؛ أيْ: بِسَبَبِهِ؛ مِن غَيْرِ عِلْمٍ مِنهم بِصِدْقِهِ مِن كَذِبِهِ؛ وحَقِّهِ مِن باطِلِهِ؛ ومُتَفَقِّهِ مِن مُخْتَلَفِهِ؛ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ البالِغُ لِأهْلِ الإسْلامِ؛ أقَلُّهُ قَلْبُ الحَقائِقِ؛ قالَ في القامُوسِ: ”أذاعَهُ“؛ و”بِهِ“: أفْشاهُ؛ ونادى بِهِ في النّاسِ؛ وذَلِكَ كَما قالُوا في أمْرِ الأمْنِ؛ حِينَ انْهَزَمَ أهْلُ الشِّرْكِ بِـ ”أُحُدٍ“؛ فَتَرَكُوا المَرْكَزَ الَّذِي وضَعَهم بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ وخالَفُوا أمْرَهُ؛ وأمْرَ أمِيرِهِمْ؛ فَكانَ سَبَبَ كَرَّةِ المُشْرِكِينَ؛ وهَزِيمَةِ المُؤْمِنِينَ؛ وفي أمْرِ الخَوْفِ؛ حِينَ صاحَ الشَّيْطانُ: إنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ؛ فَصَدَّقُوهُ؛ وأذاعَهُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ؛ وانْهَزَمُوا؛ وأرادُوا الِاسْتِجارَةَ بِالكُفّارِ مِن أبِي سُفْيانَ؛ (p-٣٤٢)وأبِي عامِرٍ؛ وكَذا ما أشاعُوهُ عِنْدَ الخُرُوجِ إلى ”بَدْرٍ“؛ المَوْعِدِ؛ مِن أنَّ أبا سُفْيانَ قَدْ جَمَعَ لَهم ما لا يُحْصى كَثْرَةً؛ وأنَّهم إنْ لَقُوهُ لَمْ يَبْقَ مِنهم أحَدٌ؛ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الإرْجافِ؛ إلى أنْ صارَتِ المَدِينَةُ تَفُورُ بِالشَّرِّ فَوَرانَ المِرْجَلِ؛ حَتّى أحْجَمُوا كُلُّهم - أوْ إلّا أقَلَّهم - حَتّى قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «”واللَّهِ لَأخْرُجَنَّ ولَوْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِي أحَدٌ“؛» فاسْتَجابُوا حِينَئِذٍ؛ وأكْسَبَهم هَذا القَوْلُ شَجاعَةً؛ وأنالَهم طُمَأْنِينَةً؛ فَرَجَعُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ؛ وفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهم سُوءٌ؛ كَما وعَدَهُمُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - ورَسُولُهُ ﷺ إنْ صَبَرُوا واتَّقَوْا؛ فَكَذَبَ ظَنُّهُمْ؛ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ؛ وفي هَذا إرْشادٌ إلى الِاسْتِدْلالِ عَلى كَوْنِ القُرْآنِ مِن عِنْدِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى - بِما يَكْذِبُ مِن أخْبارِهِمْ هَذِهِ الَّتِي يُشِيعُونَها؛ ويَخْتَلِفُ؛ وأنَّ ما كانَ مِن غَيْرِهِ (تَعالى) فَمُخْتَلِفٌ - وإنْ تَحَرّى فِيهِ مُتَشَبِّهٌ - وإنْ جَلَّ عَقْلُهُ وتَناهى نُبْلُهُ؛ إلّا إنِ اسْتَنَدَ عَقْلُهُ إلى ما ورَدَ عَنِ العالِمِ بِالعَواقِبِ؛ المُحِيطِ بِالكَوائِنِ عَلى لِسانِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ والتَّحِيَّةُ والإكْرامُ -؛ وإلى أنَّ القِياسَ حُجَّةٌ؛ وأنَّ تَقْلِيدَ القاصِرِ لِلْعالِمِ واجِبٌ؛ وأنَّ الِاسْتِنْباطَ واجِبٌ عَلى العُلَماءِ؛ والنَّبِيُّ ﷺ (p-٣٤٣)رَأْسُ العُلَماءِ؛ وإلى ذَلِكَ يُومِئُ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ولَوْ رَدُّوهُ﴾؛ أيْ: ذَلِكَ الأمْرَ الَّذِي لا نَصَّ فِيهِ؛ مِن قَبْلِ أنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ؛ ﴿إلى الرَّسُولِ﴾؛ أيْ: نَفْسِهِ - إنْ كانَ مَوْجُودًا -؛ وأخْبارِهِ - إنْ كانَ مَفْقُودًا -؛ ﴿وإلى أُولِي الأمْرِ مِنهُمْ﴾؛ أيْ: المُتَأهِّلِينَ لِأنْ يَأْمُرُوا ويَنْهَوْا؛ مِنَ الأُمَراءِ بِالفِعْلِ؛ أوْ بِالقُوَّةِ مِنَ العُلَماءِ؛ وغَيْرِهِمْ؛ ﴿لَعَلِمَهُ﴾؛ أيْ: ذَلِكَ الأمْرَ؛ عَلى حَقِيقَتِهِ؛ وهَلْ هو مِمّا يُذاعُ؛ أوْ لا؛ ﴿الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾؛ أيْ: يَسْتَخْرِجُونَهُ بِفِطْنَتِهِمْ؛ وتَجْرِبَتِهِمْ؛ كَما يَسْتَخْرِجُ الإنْباطُ المِياهَ؛ ومَنافِعَ الأرْضِ؛ ﴿مِنهُمْ﴾؛ أيْ: مِنَ الرَّسُولِ؛ وأُولِي الأمْرِ.
ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: ”فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ؛ ورَحْمَتُهُ بِالرَّسُولِ؛ ووُرّاثِ عِلْمِهِ؛ لاسْتُبِيحَتْ بِإشاعاتِهِمْ هَذِهِ بَيْضَةُ الدِّينِ؛ واضْمَحَلَّتْ أُمُورُ المُسْلِمِينَ“؛ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾؛ أيْ: أيُّها المُتَّسِمُونَ بِالإسْلامِ؛ بِإنْزالِ الكِتابِ؛ وتَقْوِيمِ العُقُولِ؛ ﴿ورَحْمَتُهُ﴾؛ بِإرْسالِ الرَّسُولِ؛ ﴿لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ﴾؛ أيْ: المَطْرُودَ المُحْتَرِقَ؛ ﴿إلا قَلِيلا﴾؛ أيْ: مِنكُمْ؛ فَإنَّهم لا يَتَّبِعُونَهُ حِفْظًا مِنَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ بِما وهَبَهم مِن صَحِيحِ العَقْلِ؛ مِن غَيْرِ واسِطَةِ رَسُولٍ؛ وهَذِهِ الآيَةُ مِنَ المَواضِعِ المُسْتَعْصِيَةِ عَلى الأفْهامِ؛ بِدُونِ تَوْقِيفٍ عَلى المُرادِ بِالفَضْلِ؛ إلّا عِنْدَ مَن آتاهُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - عِلْمًا بِالمُناسَباتِ؛ وفَهْمًا ثاقِبًا بِالمُرادِ بِالسِّياقاتِ؛ وفِطْنَةً بِالأحْوالِ والمَقاماتِ؛ (p-٣٤٤)تُقَرِّبُ مِنَ الكَشْفِ؛ وذَلِكَ أنَّ مِنَ المُقَرَّرِ أنَّهُ لا بُدَّ مِن مُخالَفَةِ حُكْمِ المُسْتَثْنى لِحُكْمِ المُسْتَثْنى مِنهُ؛ وهو هُنا مَن وُجِدَ عَلَيْهِمُ الفَضْلُ والرَّحْمَةُ؛ فاهْتَدَوْا؛ ومُخالَفَةُ المُسْتَثْنى لَهم تَكُونُ بِأحَدِ أُمُورٍ ثَلاثَةٍ؛ كُلٌّ مِنها فاسِدٌ؛ إمّا بِأنْ يُعْدَمُوا الفَضْلَ فَيَتَّبِعُوهُ؛ ويَلْزَمَ عَلَيْهِ أنْ يَكُونَ الضّالُّ أقَلَّ مِنَ المُهْتَدِي؛ وهو خِلافُ المُشاهَدِ؛ أوْ بِأنْ يُعْدَمُوهُ فَلا يَتَّبِعُوهُ؛ فَيَكُونُوا مُهْتَدِينَ مِن غَيْرِ فَضْلٍ؛ أوْ بِأنْ يُوجَدَ عَلَيْهِمُ الفَضْلُ فَيَتَّبِعُوهُ؛ فَيَكُونُوا ضالِّينَ مَعَ الفَضْلِ والرَّحْمَةِ؛ اللَّذَيْنِ كانا سَبَبًا في امْتِناعِ الضَّلالِ عَنِ المُخاطَبِينَ؛ فَيَكُونانِ تارَةً مانِعَيْنِ؛ وتارَةً غَيْرَ مانِعَيْنِ؛ فَلَمْ يُفِيدا إذَنْ؛ مَعَ أنَّهُ أيْضًا يَلْزَمُ عَلَيْهِ أنْ يَكُونَ الضّالُّ أقَلَّ مِنَ المُهْتَدِي؛ فَإذا حُمِلَ الكَلامُ عَلى أنَّ المُرادَ بِالفَضْلِ الإرْسالُ؛ وضَحَ المَعْنى؛ ويَكُونُ التَّقْدِيرُ: ”ولَوْلا إرْسالُ الرَّسُولِ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إلّا قَلِيلًا مِنكُمْ؛ فَإنَّهم لا يَتَّبِعُونَهُ مِن غَيْرِ إرْشادِ الرَّسُولِ؛ بَلْ بِهِدايَةٍ مِنَ اللَّهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى -؛ وفَضْلٍ؛ بِلا واسِطَةٍ؛ كَقُسِّ بْنِ ساعِدَةَ؛ وزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ؛ ووَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ“؛ والدَّلِيلُ عَلى هَذا المُقَدَّرِ أنَّ السِّياقَ لِرَدِّ الأشْياءِ كُلِّها إلى الرَّسُولِ ﷺ؛ والمَنعِ مِنَ الِاسْتِقْلالِ بِشَيْءٍ دُونَهُ.
{"ayah":"وَإِذَا جَاۤءَهُمۡ أَمۡرࣱ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُوا۟ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰۤ أُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِینَ یَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق