الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأزَلَّهُما الشَّيْطانُ﴾ الآيَةَ.
(p-٢٨٦)أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَأزَلَّهُما﴾ قالَ: فَأغْواهُما.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ ﴿فَأزَلَّهُما﴾ قالَ: فَنَحّاهُما.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي داوُدَ في ”المَصاحِفِ“ عَنِ الأعْمَشِ قالَ: في قِراءَتِنا في البَقَرَةِ مَكانَ ﴿فَأزَلَّهُما﴾ ﴿فَوَسْوَسَ﴾ [الأعراف: ٢٠] .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وناسٍ مِنَ الصَّحابَةِ قالُوا: لَمّا قالَ اللَّهُ لِآدَمَ ﴿اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] أرادَ إبْلِيسُ أنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِما الجَنَّةَ، فَمَنَعَهُ الخَزَنَةُ، فَأتى الحَيَّةَ، وهي دابَّةٌ لَها أرْبَعُ قَوائِمَ كَأنَّها البَعِيرُ، وهي كَأحْسَنَ الدَّوابِّ، فَكَلَّمَها أنْ تُدْخِلَهُ في فُقْمِها حَتّى تَدْخُلَ بِهِ إلى آدَمَ، فَأدْخَلَتْهُ في فَمِها فَمَرَّتِ الحَيَّةُ عَلى الخَزَنَةِ، فَدَخَلَتْ ولا (p-٢٨٧)يَعْلَمُونَ، لِما أرادَ اللَّهُ مِنَ الأمْرِ، فَكَلَّمَهُ مِن فُقْمِها، فَلَمْ يُبالِ بِكَلامِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ فَقالَ: ﴿يا آدَمُ هَلْ أدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلْدِ ومُلْكٍ لا يَبْلى﴾ [طه: ١٢٠] وحَلَفَ لَهُما بِاللَّهِ ﴿إنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١] [ الأعْرافِ: ٢١] فَأبى آدَمُ أنْ يَأْكُلَ مِنها، فَتَقَدَّمَتْ حَوّاءُ فَأكَلَتْ، ثُمَّ قالَتْ: يا آدَمُ كُلْ، فَإنِّي قَدْ أكَلْتُ فَلَمْ يَضُرَّنِي، فَلَمّا أكَلَ ﴿بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٢٢] .
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلى دَوابِّ الأرْضِ أنَّها تَحْمِلُهُ حَتّى يَدْخُلَ الجَنَّةَ مَعَها ويُكَلِّمَ آدَمَ، فَكُلُّ الدَّوابِّ أبى ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتّى كَلَّمَ الحَيَّةَ فَقالَ لَها: أمْنَعُكِ مِنِ ابْنِ آدَمَ، فَأنْتِ في ذِمَّتِي إنْ أدْخَلْتِنِي الجَنَّةَ فَحَمَلَتْهُ بَيْنَ نابَيْنِ مِن أنْيابِها، ثُمَّ دَخَلَتْ بِهِ فَكَلَّمَهُ مِن فِيها، وكانَتْ كاسِيَةً تَمْشِي عَلى أرْبَعِ قَوائِمَ، فَأعْراها اللَّهُ وجَعَلَها تَمْشِي عَلى بَطْنِها، يَقُولُ ابْنُ عَبّاسٍ: فاقْتُلُوها حَيْثُ وجَدْتُمُوها اخْفِرُوا ذِمَّةَ عَدُوِّ اللَّهِ فِيها.
وأخْرَجَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وعَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ عَساكِرَ في (p-٢٨٨)”تارِيخِهِ“ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَتِ الشَّجَرَةُ الَّتِي نَهى اللَّهُ عَنْها آدَمَ وزَوْجَتَهُ السُّنْبُلَةَ فَلَمّا أكَلا مِنها ﴿بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما﴾ [الأعراف: ٢٢] وكانَ الَّذِي دارى عَنْهُما مِن سَوْآتِهِما أظْفارَهُما ﴿وطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِن ورَقِ الجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٢٢] ورَقُ التِّينِ يَلْزَقانِ بَعْضَهُ إلى بَعْضٍ فانْطَلَقَ آدَمُ مُوَلِّيًا في الجَنَّةِ، فَأخَذَتْ بِرَأْسِهِ شَجَرَةٌ مِن شَجَرِ الجَنَّةِ فَناداهُ رَبُّهُ: يا آدَمُ أمِنِّي تَفِرُّ؟ قالَ: لا ولَكِنِّي أسْتَحْيِيكَ يا رَبِّ، قالَ: أما كانَ لَكَ فِيما مَنَحْتُكَ مِنَ الجَنَّةِ وأبَحْتُكَ مِنها مَندُوحَةٌ عَمّا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ؟ قالَ: بَلى يا رَبِّ ولَكَ – ولَكِنْ وعِزَّتِكَ - ما حَسِبَتْ أنَّ أحَدًا يَحْلِفُ بِكَ كاذِبًا. قالَ: فَبِعِزَّتِي لَأُهْبِطَنَّكَ إلى الأرْضِ ثُمَّ لا تَنالُ العَيْشَ إلّا كَدًّا، فَأُهْبِطا مِنَ الجَنَّةِ وكانا يَأْكُلانِ مِنها رَغَدًا، فَأُهْبِطا إلى غَيْرِ رَغَدٍ مِن طَعامٍ ولا شَرابٍ، فَعُلِّمَ صَنْعَةَ الحَدِيدِ، وأُمِرَ بِالحَرْثِ فَحَرَثَ، وزَرَعَ ثُمَّ سَقى، حَتّى إذا بَلَغَ حَصَدَ داسَهُ ثُمَّ ذَرّاهُ، ثُمَّ طَحَنَهُ ثُمَّ عَجَنَهُ ثُمَّ خَبَزَهُ ثُمَّ أكَلَهُ، فَلَمْ يَبْلُغْهُ حَتّى بَلَغَ مِنهُ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَبْلُغَ، وكانَ آدَمُ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الجَنَّةِ بَكى بُكاءً لَمْ يَبْكِهِ أحَدٌ، فَلَوْ وُضِعَ بُكاءُ داوُدَ عَلى خَطِيئَتِهِ، وبُكاءُ يَعْقُوبَ عَلى ابْنِهِ، وبُكاءُ ابْنِ آدَمَ عَلى أخِيهِ حِينَ قَتَلَهُ مَعَ بُكاءِ أهْلِ الأرْضِ، ما عُدِلَ بِبُكاءِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ أهْبِطُ.
(p-٢٨٩)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: قالَ اللَّهُ لِآدَمَ: اخْرُجْ مِن جِوارِي وعِزَّتِي لا يُجاوِرُنِي في دارِي مَن عَصانِي، يا جِبْرِيلُ أخْرِجْهُ إخْراجًا غَيْرَ عَنِيفٍ. فَأخَذَ بِيَدِهِ يُخْرِجُهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ في ”المُبْتَدَأِ“، وابْنُ سَعْدٍ، وأحْمَدُ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في ”التَّوْبَةِ“، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في “ البَعْثِ والنُّشُورِ”عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ آدَمَ كانَ رَجُلًا طُوالًا، كَأنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ سِتِّينَ ذِراعًا كَثِيرَ شَعَرِ الرَّأْسِ، فَلَمّا رَكِبَ الخَطِيئَةَ بَدَتْ لَهُ سَوْتُهُ، وكانَ لا يَراها قَبْلَ ذَلِكَ فانْطَلَقَ هارِبًا في الجَنَّةِ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ شَجَرَةٌ فَأخَذَتْ بِناصِيَتِهِ، فَقالَ لَها: أرْسِلِينِي. قالَتْ: لَسْتُ بِمُرْسِلَتِكَ، وناداهُ رَبُّهُ: يا آدَمُ أمِنِّي تَفِرُّ؟ قالَ: يا رَبِّ إنِّي أسْتَحْيِيكَ. قالَ: يا آدَمُ اخْرُجْ مِن جِوارِي، فَبِعِزَّتِي لا أُساكِنُ مَن عَصانِي، ولَوْ خَلَقْتُ مِلْءَ الأرْضِ مِثْلَكَ خَلْقًا ثُمَّ عَصَوْنِي، لَأسْكَنْتُهم دارَ العاصِينَ، قالَ: أرَأيْتَ إنْ أنا تُبْتُ ورَجَعْتُ، أتَتُوبُ عَلَيَّ؟ قالَ: نَعَمْ، يا آدَمُ» .
(p-٢٩٠)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ مِن حَدِيثِ أنَسٍ، مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَنِيعٍ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ“ البُكاءِ ”، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ في“ العَظَمَةِ ”، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في“ الشُّعَبِ ”، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ اللَّهُ لِآدَمَ: يا آدَمُ، ما حَمَلَكَ عَلى أنْ أكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْها؟ قالَ: يا رَبِّ زَيَّنَتْ لِي حَوّاءُ. قالَ: فَإنِّي عاقَبْتُها بِأنْ لا تَحْمِلَ إلّا كُرْهًا، ولا تَضَعَ إلّا كُرْهًا ودَمَيْتُها في كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ. قالَ: فَرَنَّتْ حَوّاءُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَها: عَلَيْكِ الرَّنَّةُ وعَلى بَناتِكِ.
وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ في“ الأفْرادِ ”، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إنَّ اللَّهَ بَعَثَ جِبْرِيلَ إلى حَوّاءَ حِينَ دَمِيَتْ فَنادَتْ رَبَّها جاءَ مِنِّي دَمٌ لا أعْرِفُهُ، فَناداها لَأدْمِيَنَّكِ وذَرِّيَّتَكِ ولَأجْعَلَنَّهُ لَكِ كَفارَّةً وطَهُورًا» .
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، والحاكِمُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لَوْلا بَنُو إسْرائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، ولَوْلا حَوّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثى زَوْجَها» .
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في “ الدَّلائِلِ “ والخَطِيبُ في التّارِيخِ والدَّيْلَمِيُّ في (p-٢٩١)“ مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ ”، وابْنُ عَساكِرَ بِسَنَدٍ واهٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «فُضِّلْتُ عَلى آدَمَ بِخَصْلَتَيْنِ، كانَ شَيْطانِي كافِرًا فَأعانَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ حَتّى أسْلَمَ وكُنَّ أزْواجِي عَوْنًا لِي، وكانَ شَيْطانُ آدَمَ كافِرًا وزَوْجَتُهُ عَوْنًا لَهُ عَلى خَطِيئَتِهِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ في حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، أنَّ آدَمَ ذَكَرَ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ فَقالَ: إنَّ أفْضَلَ ما فُضِّلَ بِهِ عَلَيَّ ابْنِي صاحِبُ البَعِيرِ، أنَّ زَوْجَتَهُ كانَتْ عَوْنًا لَهُ عَلى دِينِهِ وكانَتْ زَوْجَتِي عَوْنًا لِي عَلى الخَطِيئَةِ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ والآجُرِّيُّ في“ الشَّرِيعَةِ ”، والبَيْهَقِيُّ في “ الأسْماءِ والصِّفاتِ “ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «تُحاجَّ آدَمُ ومُوسى فَحَجَّ آدَمُ مُوسى فَقالَ مُوسى: أنْتَ آدَمُ الَّذِي أغْوَيْتَ النّاسَ وأخْرَجْتَهم مِنَ الجَنَّةِ. قالَ لَهُ آدَمُ: أنْتَ مُوسى الَّذِي أعْطاكَ اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ واصْطَفاكَ بِرِسالَتِهِ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَتَلُومُنِي عَلى أمْرٍ قُدِّرَ عَلِيَّ قَبْلَ أنْ أُخْلَقَ» .
(p-٢٩٢)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ في“ مُسْنَدِهِ ”، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «احْتَجَّ آدَمُ ومُوسى، فَقالَ مُوسى: أنْتَ خَلِيقَةُ اللَّهِ بِيَدِهِ، أسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وأسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، فَأخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الجَنَّةِ وأشْقَيْتَهم. فَقالَ آدَمُ: أنْتَ مُوسى الَّذِي اصْطَفاكَ اللَّهُ بِكَلامِهِ ورِسالاتِهِ، تَلُومُنِي في شَيْءٍ وجَدْتُهُ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أخْلُقَ. فَحَجَّ آدَمُ مُوسى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسى» .
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ والآجُرِّيُّ في“ الشَّرِيعَةِ ”، والبَيْهَقِيُّ في “ الأسْماءِ والصِّفاتِ “ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ مُوسى قالَ: يا رَبِّ أرِنا آدَمَ الَّذِي أخْرَجَنا ونَفْسَهُ مِنَ الجَنَّةِ. فَأراهُ اللَّهُ آدَمَ، فَقالَ: أنْتَ أبُونا آدَمُ؟ فَقالَ لَهُ آدَمُ: نَعَمْ، قالَ: أنْتَ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيكَ مِن رُوحِهِ وعَلَّمَكَ الأسْماءَ كُلَّها وأمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَما حَمَلَكَ عَلى أنْ أخْرَجْتَنا ونَفْسَكَ مِنَ الجَنَّةِ؟ فَقالَ لَهُ آدَمُ: ومَن أنْتَ؟ قالَ: أنا مُوسى. قالَ: أنْتَ نَبِيُّ بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِي كَلَّمَكَ اللَّهُ مِن وراءِ (p-٢٩٣)الحِجابِ ولَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ رَسُولًا مِن خَلْقِهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَما وجَدْتَ أنَّ ذَلِكَ كانَ في كِتابِ اللَّهِ قَبْلَ أنْ أُخْلَقَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَلِمَ تَلُومُنِي في شَيْءٍ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ القَضاءُ قَبْلُ؟ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسى» .
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ، وأبُو يَعْلى، والطَّبَرانِيُّ والآجُرِّيُّ عَنْ جُنْدُبٍ البَجَلِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «احْتَجَّ آدَمُ ومُوسى فَقالَ مُوسى: يا آدَمُ أنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ وأسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ وأسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وفَعَلْتَ ما فَعَلْتَ فَأخْرَجْتَ ولَدَكَ مِنَ الجَنَّةِ. فَقالَ آدَمُ: أنْتَ مُوسى الَّذِي بَعَثَكَ اللَّهُ بِرِسالاتِهِ، وكَلَّمَكَ وآتاكَ التَّوْراةَ، وقَرَّبَكَ نَجِيًّا أنا أقْدَمُ أمِ الذِّكْرُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسى» .
وأخْرَجَ أبُو بَكْرٍ الشّافِعِيُّ في“ الغَيْلانِيّاتِ ”عَنْ أبِي مُوسى قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «احْتَجَّ آدَمُ ومُوسى فَقالَ مُوسى: أنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وأسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ وعَمِلْتَ الخَطِيئَةَ الَّتِي أخْرَجَتْكَ مِنَ الجَنَّةِ. قالَ (p-٢٩٤)آدَمُ: أنْتَ مُوسى الَّذِي اصْطَفاكَ اللَّهُ بِرِسالَتِهِ وأنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْراةَ وكَلَّمَكَ تَكْلِيمًا، فَبِكم خَطِيئَتِي سَبَقَتْ خَلْقِي؟ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسى» .
وأخْرَجَ ابْنُ النَّجّارِ في“ تارِيخِهِ ”عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «التَقى آدَمُ ومُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ فَقالَ لَهُ مُوسى: أنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وأسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ وأدْخَلَكَ جَنَّتَهُ ثُمَّ أخْرَجْتَنا مِنها؟ فَقالَ لَهُ آدَمُ: أنْتَ مُوسى الَّذِي اصْطَفاكَ اللَّهُ بِرِسالَتِهِ وقَرَّبَكَ نَجِيًّا، وأنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْراةَ، فَأسْألُكَ بِالَّذِي أعْطاكَ ذَلِكَ بِكَمْ تَجِدُهُ كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُخْلَقَ؟ قالَ: أجِدُهُ كُتِبَ عَلَيْكَ بِالتَّوْراةِ بِألْفَيْ عامٍ. فَحَجَّ آدَمُ مُوسى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسى» .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى ﴿وقُلْنا اهْبِطُوا﴾ الآيَةَ.
أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وقُلْنا اهْبِطُوا بَعْضُكم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ قالَ: آدَمُ وحَوّاءُ وإبْلِيسُ والحَيَّةُ ﴿ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ قالَ: القُبُورُ ﴿ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ قالَ: الحَياةُ.
(p-٢٩٥)وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿اهْبِطُوا بَعْضُكم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ قالَ: آدَمُ والحَيَّةُ والشَّيْطانُ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أبِي صالِحٍ: ﴿اهْبِطُوا﴾ قالَ: آدَمُ وحَوّاءُ والحَيَّةُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ ﴿اهْبِطُوا﴾ يَعْنِي: آدَمَ وحَوّاءَ وإبْلِيسَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَتْلِ الحَيّاتِ، فَقالَ: خُلِقَتْ هي والإنْسانُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما عَدُوٌّ لِصاحِبِهِ، إنْ رَآها أفْزَعَتْهُ وإنْ لَدَغَتْهُ أوْجَعَتْهُ، فاقْتُلْها حَيْثُ وجَدْتَها» .
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ قالَ: القُبُورُ ﴿ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ قالَ: إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿ولَكم في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ قالَ: مُسْتَقَرٌّ فَوْقَ الأرْضِ ومُسْتَقَرٌّ تَحْتَ الأرْضِ، ﴿ومَتاعٌ إلى حِينٍ﴾ حَتّى يَصِيرَ إلى الجَنَّةِ أوْ إلى النّارِ.
(p-٢٩٦)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أُهْبِطَ آدَمُ إلى أرْضٍ يُقالُ لَها: دَحْنًا بَيْنَ مَكَّةَ والطّائِفِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: أُهْبِطَ آدَمُ بِالصَّفا وحَوّاءُ بِالمَرْوَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: إنَّ أوَّلَ ما أهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إلى أرْضِ الهِنْدِ، وفي لَفْظٍ بِدَجْناءَ أرْضٌ بِالهِنْدِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في “ البَعْثِ “، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: أطْيَبُ رِيحِ الأرْضِ الهِنْدُ، هَبَطَ بِها آدَمُ فَعَلِقَ شَجَرُها مِن رِيحِ الجَنَّةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أُهْبِطَ آدَمُ بِالهِنْدِ وحَوّاءُ بِجُدَّةَ، فَجاءَ في طَلَبِها حَتّى أتى جَمْعًا فازْدَلَفَتْ إلَيْهِ حَوّاءُ، فَلِذَلِكَ (p-٢٩٧)سُمِّيَتِ المُزْدَلِفَةَ، واجْتَمَعا بِجَمْعٍ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ جَمْعًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ رَجاءِ بْنِ أبِي سَلَمَةَ قالَ: أُهْبِطَ آدَمُ يَدَيْهِ عَلى رُكْبَتَيْهِ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ، وأُهْبِطَ إبْلِيسُ مُشْبِكًا بَيْنَ أصابِعِهِ، رافِعًا رَأْسَهُ إلى السَّماءِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في“ المُصَنَّفِ ”عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قالَ: إنَّما كُرِهَ التَّخَصُّرُ في الصَّلاةِ لِأنَّ إبْلِيسَ أُهْبِطَ مُتَخَصِّرًا.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ، وأبُو نُعَيْمٍ في “ الحِلْيَةِ “، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَزَلَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالهِنْدِ، فاسْتَوْحَشَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَنادى بِالأذانِ: اللَّهُ أكْبَرُ أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ- مَرَّتَيْنِ- أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ- مَرَّتَيْنِ-، فَقالَ لَهُ: ومَن مُحَمَّدٌ هَذا؟ قالَ: هَذا آخِرُ ولَدِكَ مِنَ الأنْبِياءِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في“ مَكايِدِ الشَّيْطانِ ”، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: إنَّ آدَمَ لَمّا أُهْبِطَ إلى الأرْضِ هَبَطَ بِالهِنْدِ، وإنَّ رَأْسَهُ كانَ يَنالُ السَّماءَ، وإنَّ الأرْضَ شَكَتْ إلى رَبِّها ثِقَلَ آدَمَ فَوَضَعَ الجَبّارُ تَعالى يَدَهُ عَلى رَأْسِهِ فانْحَطَّ مِنهُ سَبْعُونَ ذِراعًا، وهَبَطَ مَعَهُ بِالعَجْوَةِ (p-٢٩٨)والأُتْرُجِّ والمَوْزِ، فَلَمّا أُهْبِطَ قالَ: رَبِّ هَذا العَبْدُ الَّذِي جَعَلْتَ بَيْنِي وبَيْنَهُ عَداوَةً إنْ لَمْ تُعِنِّي عَلَيْهِ لا أقْوى عَلَيْهِ. فَقالَ: لا يُولَدُ لَكَ ولَدٌ إلّا وكَّلْتُ بِهِ مَلَكًا. قالَ: رَبِّ زِدْنِي. قالَ: أُجازِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وبِالحَسَنَةِ عَشْرَ أمْثالِها إلى ما أزِيدُ. قالَ: رَبِّ زِدْنِي، قالَ: بابُ التَّوْبَةِ لَهُ مَفْتُوحٌ ما دامَ الرُّوحُ في الجَسَدِ. قالَ إبْلِيسُ: يا رَبِّ هَذا العَبْدُ الَّذِي أكْرَمْتَهُ إنْ لَمْ تُعِنِّي عَلَيْهِ لا أقْوى عَلَيْهِ قالَ: لا يُولَدُ لَهُ ولَدٌ إلّا وُلِدَ لَكَ ولَدٌ، قالَ: يا رَبِّ زِدْنِي. قالَ: تَجْرِي مِنهُ مَجْرى الدَّمِ، وتَتَّخِذُ في صُدُورِهِمْ بُيُوتًا، قالَ: رَبِّ زِدْنِي، قالَ ﴿وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ وشارِكْهم في الأمْوالِ والأوْلادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] [ الإسْراءِ: ٦٤] .
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ كانَ رَأْسُهُ يَمَسُّ السَّماءَ، فَوَطّاهُ اللَّهُ إلى الأرْضِ حَتّى صارَ سِتِّينَ ذِراعًا في سَبْعَةِ أذْرُعٍ عَرْضًا.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: لَمّا أهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ أهْبَطَهُ بِأرْضِ الهِنْدِ ومَعَهُ غَرْسٌ مِن شَجَرِ الجَنَّةِ، فَغَرَسَهُ بِها وكانَ رَأْسُهُ في السَّماءِ، ورِجْلاهُ في الأرْضِ، وكانَ يَسْمَعُ كَلامَ المَلائِكَةِ فَكانَ ذَلِكَ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ (p-٢٩٩)وحْدَتَهُ، فَغَمَزَ غَمْزَةً فَتَطَأْطَأ إلى سَبْعِينَ ذِراعًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ أنِّي مُنْزِلٌ عَلَيْكَ بَيْتًا يُطافُ حَوْلَهُ كَما تَطُوفُ المَلائِكَةُ حَوْلَ عَرْشِي، ويُصَلّى عِنْدَهُ كَما تُصَلِّي المَلائِكَةُ حَوْلَ عَرْشِي، فَأقْبَلَ نَحْوَ البَيْتِ فَكانَ مَوْضِعُ كُلِّ قَدَمٍ قَرْيَةً، وما بَيْنَ قَدَمَيْهِ مَفازَةً، حَتّى قَدِمَ مَكَّةَ فَدَخَلَ مِن بابِ الصَّفا وطافَ بِالبَيْتِ وصَلّى عِنْدَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلى الشّامِ فَماتَ بِها.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ في “ العَظَمَةِ “ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لَمّا أُهْبِطَ آدَمُ إلى الأرْضِ فَزِعَتِ الوُحُوشُ ومَن في الأرْضِ مِن طُولِهِ فَأُطِرَ مِنهُ سَبْعُونَ ذِراعًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ في“ تارِيخِهِ ”، والبَيْهَقِيُّ في“ شُعَبِ الإيمانِ ”، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ آدَمَ حِينَ خَرَجَ مِنَ الجَنَّةِ كانَ لا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إلّا عَبِثَ بِهِ، فَقِيلَ لِلْمَلائِكَةِ: دَعُوهُ فَلْيَتَزَوَّدْ مِنها ما شاءَ، فَنَزَلَ حِينَ نَزَلَ بِالهِنْدِ، ولَقَدْ حَجَّ مِنها أرْبَعِينَ حُجَّةً عَلى رَجُلَيْهِ.
(p-٣٠٠)وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رِياحٍ قالَ: أُهْبِطَ آدَمُ بِأرْضِ الهِنْدِ ومَعَهُ أرْبَعَةُ أعْوادٍ مِنَ الجَنَّةِ وهي هَذِهِ الَّتِي يَتَطَيَّبُ بِها النّاسُ وأنَّهُ حَجَّ هَذا البَيْتَ عَلى بَقَرَةٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الجَنَّةِ لِلسّاعَةِ التّاسِعَةِ أوِ العاشِرَةِ، فَأخْرَجَ مَعَهُ غُصْنًا مِن شَجَرِ الجَنَّةِ عَلى رَأْسِهِ تاجٌ مِن شَجَرِ الجَنَّةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ الحَسَنِ قالَ: أُهْبِطَ آدَمُ بِالهِنْدِ وهَبَطَتْ حَوّاءُ بِجُدَّةَ وهَبَطَ إبْلِيسُ بِدَسْتِ مَيْسانَ مِنَ البَصْرَةِ عَلى أمْيالٍ، وهَبَطَتِ الحَيَّةُ بِأصْبَهانَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ في“ تارِيخِهِ ”عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: إنَّ اللَّهَ أوْحى إلى آدَمَ وهو بِبِلادِ الهِنْدِ أنْ حُجَّ هَذا البَيْتَ، فَحَجَّ، فَكُلَّما وضَعَ قَدَمَهُ صارَ (p-٣٠١)قَرْيَةً، وما بَيْنَ خُطْوَتَيْهِ مَفازَةً، حَتّى انْتَهى إلى البَيْتِ فَطافَ بِهِ، وقَضى المَناسِكَ كُلَّها، ثُمَّ أرادَ الرُّجُوعَ فَمَضى، حَتّى إذا كانَ بِالمَأْزِمَيْنِ تَلَقَّتْهُ المَلائِكَةُ فَقالَتْ: بَرَّ حَجُّكَ يا آدَمُ. فَدَخَلَهُ مِن ذَلِكَ، فَلَمّا رَأتْ ذَلِكَ المَلائِكَةُ مِنهُ قالُوا: يا آدَمُ إنّا قَدْ حَجَجْنا هَذا قَبْلَ أنْ تُخْلَقَ بِألْفَيْ عامٍ، فَتَقاصَرَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ.
وأخْرَجَ الشّافِعِيُّ في“ الأُمِّ ”، والبَيْهَقِيُّ في “ الدَّلائِلِ “ والأصْبِهانِيُّ في“ التَّرْغِيبِ ”عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ قالَ: حَجَّ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَلَقِيَتْهُ المَلائِكَةُ فَقالُوا: بَرَّ نُسُكُكَ يا آدَمُ، لَقَدْ حَجَجْنا قَبْلَكَ بِألْفَيْ عامٍ.
وأخْرَجَ الخَطِيبُ في“ التّارِيخِ ”بِسَنَدٍ فِيهِ مَن لا يُعْرَفُ، عَنْ يَحْيى بْنِ أكْثَمَ أنَّهُ قالَ في مَجْلِسِ الواثِقِ: مَن حَلَقَ رَأْسَ آدَمَ حِينَ حَجَّ؟ فَتَعايا الفُقَهاءُ (p-٣٠٢)عَنِ الجَوابِ فَقالَ الواثِقُ: أنا أُحْضِرُكم مَن يُنْبِئُكم بِالخَبَرِ، فَبَعَثَ إلى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ فَسَألَهُ، فَقالَ: حَدَّثَنِي أبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أُمِرَ جِبْرِيلُ أنْ يُنْزِلَ بِياقُوتَةٍ مِنَ الجَنَّةِ، فَهَبَطَ بِها فَمَسَحَ بِها رَأْسَ آدَمَ، فَتَناثَرَ الشَّعَرُ مِنهُ فَحَيْثُ بَلَغَ نُورُها صارَ حَرَمًا» .
وأخْرَجَ البَزّارُ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمّا أخْرَجَ آدَمَ مِنَ الجَنَّةِ زَوَّدَهُ مِن ثِمارِ الجَنَّةِ، وعَلِمَهُ صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ، فَثِمارُكم مِن ثِمارِ الجَنَّةِ غَيْرَ أنَّ هَذِهِ تَتَغَيَّرُ وتِلْكَ لا تَتَغَيَّرُ» .
وأخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصُحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في “ البَعْثِ “ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ مَوْقُوفًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أُهْبِطَ آدَمُ بِثَلاثِينَ صِنْفًا مِن فاكِهَةِ الجَنَّةِ مِنها ما يُؤْكَلُ داخِلُهُ وخارِجُهُ، ومِنها ما يُؤْكَلُ داخِلُهُ ويُطْرَحُ خارِجُهُ (p-٣٠٣)ومِنها ما يُؤْكَلُ خارِجُهُ ويُطْرَحُ داخِلُهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في كِتابِ“ البُكاءِ ”عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ قالَ: أوَّلُ شَيْءٍ أكَلَهُ آدَمُ حِينَ أُهْبِطَ إلى الأرْضِ الكُمَّثْرى، وأنَّهُ لَمّا أرادَ أنْ يَتَغَوَّطَ أخَذَهُ مِن ذَلِكَ كَما يَأْخُذُ المَرْأةَ عِنْدَ الوِلادَةِ، فَذَهَبَ شَرْقًا وغَرْبًا لا يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ، حَتّى نَزَلَ إلَيْهِ جِبْرِيلُ فَأقْعى آدَمُ فَخَرَجَ ذَلِكَ مِنهُ، فَلَمّا وجَدَ رِيحَهُ مَكَثَ يَبْكِي سَبْعِينَ سَنَةً.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ثَلاثَةُ أشْياءَ أُنْزِلَتْ مَعَ آدَمَ، السَّنُدانُ والكَلْبَتانِ والمِطْرَقَةُ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ، وابْنُ عَساكِرَ في“ التّارِيخِ ”بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ سَلْمانَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ آدَمَ أُهْبِطَ إلى الأرْضِ ومَعَهُ السَّنْدانُ والكَلْبَتانِ والمِطْرَقَةُ وأُهْبِطَتْ حَوّاءُ بِجُدَّةَ» .
(p-٣٠٤)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ لَمّا خَلَقَ الدُّنْيا لَمْ يَخْلُقْ فِيها ذَهَبًا ولا فِضَّةً، فَلَمّا أنْ أهْبَطَ آدَمَ وحَوّاءَ، أنْزَلَ مَعَهُما ذَهَبًا وفِضَّةً، فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ في الأرْضِ؛ مَنفَعَةً لِأوْلادِهِما مِن بَعْدِهِما، وجَعَلَ ذَلِكَ صَداقَ آدَمَ لِحَوّاءَ، فَلا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَتَزَوَّجَ إلّا بِصَداقٍ» .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: لَمّا أهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ أهْبَطَهُ بِأشْياءَ: ثَمانِيَةِ أزْواجٍ مِنَ الأبْلِ والبَقْرِ والضَّأْنِ والمَعْزِ، وأهْبَطَهُ بِباسِنَةٍ فِيها بَذْرٌ وتَعْرِيشَةٌ -عِنَبَةٌ ورَيْحانَةٌ- والعَلاةِ والكَلْبَتَيْنِ والرُّكْنِ.
قالَ في النَّهايَةِ: العَلاةُ هي السَّنانُ، والباسِنَةُ: قِيلَ: إنَّها آلاتُ الصُّنّاعِ، وقِيلَ: هي سِكَّةُ الحَرْثِ ولَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ في “ العَظَمَةِ “ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيى قالَ: أُهْبِطَ آدَمُ مِنَ الجَنَّةِ ومَعَهُ البُذُورُ، فَوَضَعَ إبْلِيسُ عَلَيْها يَدَهُ فَما أصابَ يَدُهُ ذَهَبَتْ مَنفَعَتُهُ.
(p-٣٠٥)وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَبَطَ آدَمُ وحَوّاءُ عُرْيانَيْنِ جَمِيعًا عَلَيْهِما ورَقُ الجَنَّةِ، فَأصابَهُ الحُرُّ حَتّى قَعَدَ يَبْكِي ويَقُولُ لَها: يا حَوّاءُ قَدْ آذانِي الحَرُّ، فَجاءَهُ جِبْرِيلُ بِقُطْنٍ وأمَرَها أنْ تَغْزِلَ وعَلَّمَها، وأمَرَ آدَمَ بِالحِياكَةِ وعَلَّمَهُ وكانَ لَمْ يُجامِعِ امْرَأتَهُ في الجَنَّةِ حَتّى هَبَطَ مِنها، وكانَ كُلٌّ مِنهُما يَنامُ عَلى حِدَةٍ، حَتّى جاءَهُ جِبْرِيلُ فَأمَرَهُ أنْ يَأْتِيَ أهْلَهُ، وعَلَّمَهُ كَيْفَ يَأْتِيها، فَلَمّا أتاها جاءَهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: كَيْفَ وجَدَتِ امْرَأتَكَ؟ قالَ: صالِحَةً» .
وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ في“ مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ ”عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا: «أوَّلُ مَن حاكَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَرّاثًا، وكانَ إدْرِيسُ خَيّاطًا، وكانَ نُوحٌ نَجّارًا وكانَ هُودٌ تاجِرًا، وكانَ إبْراهِيمُ راعِيًا، وكانَ داوُدُ زَرّادًا، وكانَ سُلَيْمانُ خَوّاصًا، وكانَ مُوسى أجِيرًا، وكانَ عِيسى سَيّاحًا، وكانَ مُحَمَّدٌ ﷺ شُجاعًا؛ جُعِلَ رِزْقُهُ تَحْتَ رُمْحِهِ.
وأخْرَجَ الحاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: ادْنُ مِنِّي أُحَدِّثْكَ عَنِ (p-٣٠٦)الأنْبِياءِ المَذْكُورِينَ في كِتابِ اللَّهِ، أُحَدِّثُكَ عَنْ آدَمَ كانَ حَرّاثًا وعَنْ نُوحٍ كانَ نَجّارًا، وعَنْ إدْرِيسَ كانَ خَيّاطًا، وعَنْ داوُدَ كانَ زَرّادًا، وعَنْ مُوسى كانَ راعِيًا، وعَنْ إبْراهِيمَ كانَ زَرّاعًا عَظِيمَ الضِّيافَةِ، وعَنْ شُعَيْبٍ كانَ راعِيًا، وعَنْ لُوطٍ كانَ زَرّاعًا، وعَنْ صالِحٍ كانَ تاجِرًا، وعَنْ سُلَيْمانَ كانَ أُوتِيَ المُلْكَ، ويَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ سِتَّةَ أيّامٍ في أوَّلِهِ، وثَلاثَةً في وسَطِهِ، وثَلاثَةً في آخِرِهِ، وكانَ لَهُ تِسْعُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ وثَلاثُمِائَةِ مَهْرِيَّةٍ، وأُحَدِّثُكَ عَنِ ابْنِ العَذْراءِ البَتُولِ عِيسى، أنَّهُ كانَ لا يَخْبَأُ شَيْئًا لِغَدٍ، ويَقُولُ: الَّذِي غَدّانِي سَوْفَ يُعَشِّينِي، والَّذِي عَشّانِي سَوْفَ يُغَدِّينِي. يَعْبُدُ اللَّهَ لَيْلَتَهُ كُلَّها، وهو بِالنَّهارِ سائِحٌ ويَصُومُ الدَّهْرَ ويَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، والبَيْهَقِيُّ، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَ آدَمُ بِالحَجَرِ الأسْوَدِ مِنَ الجَنَّةِ يَمْسَحُ بِهِ دُمُوعَهُ ولَمْ يَرْقَ دَمْعُ آدَمَ حِينَ خَرَجَ مِنَ الجَنَّةِ حَتّى رَجَعَ إلَيْها (p-٣٠٧)وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: إنَّ آدَمَ لَمّا أُهْبِطَ إلى الأرْضِ شَكا إلى رَبِّهِ الوَحْشَةَ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: أنِ انْظُرْ بِحِيالِ بَيْتِي الَّذِي رَأيْتَ مَلائِكَتِي يَطُوفُونَ بِهِ، فاتَّخِذْ بَيْتًا فَطُفْ بِهِ كَما رَأيْتَ مَلائِكَتِي يَطُوفُونَ بِهِ، فَكانَ ما بَيْنَ يَدَيْهِ مَفاوِزَ وما بَيْنَ قَدَمَيْهِ الأنْهارَ والعُيُونَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: نَزَلَ آدَمُ بِالهِنْدِ فَنَبَتَ شَجَرُ الطِّيبِ.
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: خَرَجَ آدَمُ مِنَ الجَنَّةِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، صَلاةِ الظُّهْرِ وصَلاةِ العَصْرِ، فَأُنْزِلَ إلى الأرْضِ، وكانَ مُكْثُهُ في الجَنَّةِ نِصْفَ يَوْمٍ مِن أيّامِ الآخِرَةِ- وهو خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ مِن يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ساعَةً، واليَوْمُ ألْفُ سَنَةٍ مِمّا يَعُدُّ أهْلُ الدُّنْيا، فَأُهْبِطَ آدَمُ عَلى جَبَلٍ بِالهِنْدِ يُقالُ لَهُ: نَوْذٌ وأُهْبِطَتْ حَوّاءُ بِجُدَّةَ، فَنَزَلَ آدَمُ مَعَهُ رِيحُ الجَنَّةِ فَعَلِقَ بِشَجَرِها وأوْدِيَتِها فامْتَلَأ ما هُنالِكَ طِيبًا، فَمِن ثَمَّ يُؤْتى بِالطِّيبِ مِن رِيحِ آدَمَ وقالُوا: أُنْزِلَ مَعَهُ مِن طِيبِ (p-٣٠٨)الجَنَّةِ أيْضًا، وأُنْزِلَ مَعَهُ بِالحَجَرِ الأسْوَدِ وكانَ أشَدَّ بَياضًا مِنَ الثَّلْجِ وعَصا مُوسى، وكانَتْ مِن آسِ الجَنَّةِ، طُولُها عَشَرَةُ أذْرُعٍ عَلى طُولِ مُوسى، ومُرٌّ ولُبانٌ، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَعْدُ العَلاةُ والمِطْرَقَةُ والكَلْبَتانِ فَنَظَرَ آدَمُ حِينَ أُهْبِطَ عَلى الجَبَلِ إلى قَضِيبٍ مِن حَدِيدٍ نابِتٍ عَلى الجَبَلِ، فَقالَ: هَذا مِن هَذا، فَجَعَلَ يَكْسِرُ أشْجارًا قَدْ عَتِقَتْ ويَبِسَتْ بِالمِطْرَقَةِ، ثُمَّ أوْقَدَ عَلى ذَلِكَ الغُصْنِ حَتّى ذابَ، فَكانَ أوَّلَ شَيْءٍ ضَرَبَ مِنهُ مُدْيَةٌ، فَكانَ يَعْمَلُ بِها، ثُمَّ ضَرَبَ التَّنُّورَ وهو الَّذِي ورِثَهُ نُوحٌ وهو الَّذِي فارَ بِالهِنْدِ بِالعَذابِ، فَلَمّا حَجَّ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ وضَعَ الحَجَرَ الأسْوَدَ عَلى أبِي قُبَيْسٍ، فَكانَ يُضِيءُ لِأهْلِ مَكَّةَ في لَيالِي الظُّلَمِ كَما يُضِيءُ القَمَرُ، فَلَمّا كانَ قُبَيْلَ الإسْلامِ بِأرْبَعِ سِنِينَ وقَدْ كانَ الحُيَّضُ والجُنُبُ يَعْمَدُونَ إلَيْهِ يَمْسَحُونَهُ فاسْوَدَّ، فَأنْزَلَتْهُ قُرَيْشٌ مِن أبِي قُبَيْسٍ وحَجَّ آدَمُ مِنَ الهِنْدِ إلى مَكَّةَ أرْبَعِينَ حَجَّةً عَلى رِجْلَيْهِ، وكانَ آدَمُ حِينَ أُهْبِطَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ السَّماءُ، فَمِن ثَمَّ صَلِعَ وأُورِثَ ولَدُهُ الصَّلَعَ ونَفَرَتْ مِن طُولِهِ دَوابُّ البَرِّ فَصارَتْ وحْشًا يَوْمِئِذٍ، وكانَ آدَمُ وهو عَلى ذَلِكَ الجَبَلِ قائِمًا يَسْمَعُ أصْواتَ المَلائِكَةِ ويَجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ، فَحُطَّ مِن طُولِهِ ذَلِكَ إلى سِتِّينَ ذِراعًا، فَكانَ ذَلِكَ طُولَهُ حَتّى ماتَ، ولَمْ يُجْمَعْ حُسْنُ آدَمَ لِأحَدٍ مِن ولَدِهِ إلّا لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأنْشَأ آدَمُ يَقُولُ: رَبِّ كُنْتُ جارَكَ في دارِكَ لَيْسَ لِي رَبٌّ غَيْرُكَ (p-٣٠٩)ولا رَقِيبٌ دُونَكَ، آكُلُ فِيها رَغَدًا وأسْكُنُ حَيْثُ أحْبَبْتُ فَأهْبَطْتَنِي إلى هَذا الجَبَلِ المُقَدَّسِ، فَكُنْتُ أسْمَعُ أصْواتَ المَلائِكَةِ وأراهم كَيْفَ يَحُفُّونَ بِعَرْشِكَ، وأجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ وطِيبَها، ثُمَّ أهْبَطْتَنِي إلى الأرْضِ وحَطَطْتَنِي إلى سِتِّينَ ذِراعًا، فَقَدِ انْقَطَعَ عَنِّي الصَّوْتُ والنَّظَرُ، وذَهَبَ عَنِّي رِيحُ الجَنَّةِ. فَأجابَهُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى: لِمَعْصِيَتِكَ يا آدَمُ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ، فَلَمّا رَأى اللَّهُ عُرْيَ آدَمَ وحَوّاءَ، أمَرَهُ أنْ يَذْبَحَ كَبْشًا مِنَ الضَّأْنِ مِنَ الثَّمانِيَةِ الأزْواجِ الَّتِي أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الجَنَّةِ، فَأخَذَ آدَمُ كَبْشًا وذَبَحَهُ، ثُمَّ أخَذَ صُوفَهُ فَغَزَلَتْهُ حَوّاءُ ونَسَجَهُ هُوَ، فَنَسَجَ آدَمُ جُبَّةً لِنَفْسِهِ وجَعَلَ لِحَوّاءَ دِرْعًا وخِمارًا، فَلَبِساهُ وقَدْ كانا اجْتَمَعا بِجَمْعٍ، فَسُمِّيَتْ جَمْعًا، وتَعارَفًا بِعَرَفَةَ فَسُمِّيَتْ عَرَفَةَ، وبَكَيا عَلى ما فاتَهُما مِائَتَيْ سَنَةٍ، ولَمْ يَأْكُلا ولَمْ يَشْرَبا أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ أكَلا وشَرِبا وهُما يَوْمَئِذٍ عَلى نَوْذٍ الجَبَلِ الَّذِي أُهْبِطَ عَلَيْهِ آدَمُ ولَمْ يَقْرَبْ حَوّاءَ مِائَةَ سَنَةٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّ آدَمَ كانَ لُغَتُهُ في الجَنَّةِ العَرَبِيَّةَ، فَلَمّا عَصى سَلَبَهُ اللَّهُ العَرَبِيَّةَ فَتَكَلَّمَ بِالسُّرْيانِيَّةِ، فَلَمّا تابَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ العَرَبِيَّةَ.
(p-٣١٠)وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: أوْحى اللَّهُ إلى المَلِكَيْنِ: أخْرِجا آدَمَ وحَوّاءَ مِن جِوارِي فَإنَّهُما عَصَيانِي. فالتَفَتَ آدَمُ إلى حَوّاءَ باكِيًا وقالَ: اسْتَعِدِّي لِلْخُرُوجِ مِن جِوارِ اللَّهِ، هَذا أوَّلُ شُؤْمِ المَعْصِيَةِ. فَنَزَعَ جِبْرِيلُ التّاجَ عَنْ رَأْسِهِ وحَلَّ مِيكائِيلُ الإكْلِيلَ عَنْ جَبِينِهِ، وتَعَلَّقَ بِهِ غُصْنٌ فَظَنَّ آدَمُ أنَّهُ قَدْ عُوجِلَ بِالعُقُوبَةِ، فَنَكَسَ رَأْسَهُ، يَقُولُ: العَفْوَ العَفْوَ فَقالَ اللَّهُ: فِرارًا مِنِّي؟ فَقالَ: بَلْ حَياءً مِنكَ يا سَيِّدِي.
وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ عَنْ غَيْرِ عَطاءٍ، أنَّ آدَمَ لَمّا أُهْبِطَ مِنَ الجَنَّةِ خَرَّ في مَوْضِعِ البَيْتِ ساجِدًا فَمَكَثَ أرْبَعِينَ صَباحًا لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ قَتادَةَ قالَ: لَمّا أهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إلى الأرْضِ قِيلَ لَهُ: لَنْ تَأْكُلَ الخُبْزَ بِالزَّيْتِ حَتّى تَعْمَلَ عَمَلًا مِثْلَ المَوْتِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: لَمّا أُهْبِطَ آدَمُ وإبْلِيسُ، ناحَ إبْلِيسُ حَتّى بَكى آدَمُ ثُمَّ حَدا حَتّى ضَحِكَ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ الحَسَنِ قالَ: «بَلَغَنِي أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: إنَّ (p-٣١١)آدَمَ قَبْلَ أنْ يُصِيبَ الذَّنْبَ كانَ أجَلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وأمَلُهُ خَلْفَهُ، فَلَمّا أصابَ الذَّنْبَ جَعَلَ اللَّهُ أمَلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وأجَلَهُ خَلْفَهُ، فَلا يَزالُ يُؤَمِّلُ حَتّى يَمُوتَ» .
وأخْرَجَ وكِيعٌ، وأحْمَدُ في “ الزُّهْدِ “ عَنِ الحَسَنِ قالَ: كانَ آدَمُ قَبْلَ أنْ يُصِيبَ الخَطِيئَةَ أجَلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وأمَلُهُ وراءَ ظَهْرِهِ، فَلَمّا أصابَ الخَطِيئَةَ حُوِّلَ أمَلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وأجَلُهُ وراءَ ظَهْرِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ الحَسَنِ قالَ: كانَ عَقْلُ آدَمَ مِثْلَ عَقْلِ جَمِيعِ ولَدِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ الحَسَنِ، أنَّ آدَمَ لَمّا أُهْبِطَ إلى الأرْضِ تَحَرَّكَ بَطْنُهُ فَأخَذَ لِذَلِكَ غَمٌّ فَجَعَلَ لا يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ: أنِ اقْعُدَ، فَقَعَدَ، فَلَمّا قَضى حاجَتَهُ فَوَجَدَ الرِّيحَ جَزِعَ وبَكى وعَضَّ عَلى إصْبَعِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَعَضُّ عَلَيْها ألْفَ عامٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: بَكى آدَمُ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الجَنَّةِ بُكاءً لَمْ يُبْكِهِ أحَدٌ، فَلَوْ أنَّ بُكاءَ جَمِيعِ بَنِي آدَمَ مَعَ بُكاءِ داوُدَ عَلى خَطِيئَتِهِ، ما (p-٣١٢)عَدَلَ بُكاءَ آدَمَ حِينَ أُخْرِجَ مِنَ الجَنَّةِ، ومَكَثَ أرْبَعِينَ سَنَةً لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ.
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في“ الأوْسَطِ ”، وابْنُ عَدِيٍّ في“ الكامِلِ ”، والبَيْهَقِيُّ في“ شُعَبِ الإيمانِ ”والخَطِيبُ، وابْنُ عَساكِرَ مَعًا في“ التّارِيخِ " عَنْ بُرَيْدَةَ يَرْفَعُهُ قالَ: لَوْ أنَّ بُكاءَ داوُدَ وبُكاءَ جَمِيعِ أهْلِ الأرْضِ يَعْدِلُ بُكاءَ آدَمَ ما عَدَلَهُ. ولَفْظُ البَيْهَقِيِّ: لَوْ وُزِنَ دُمُوعُ آدَمَ بِجَمِيعِ دُمُوعِ ولَدِهِ لَرَجَحَ دُمُوعُهُ عَلى جَمِيعِ دُمُوعِ ولَدِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الحَسَنِ قالَ: بَكى آدَمُ عَلى الجَنَّةِ ثَلاثَمِائَةِ سَنَةٍ.
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: إنَّ اللَّهَ لَمّا أهْبَطَ آدَمَ وحَوّاءَ قالَ: اهْبِطُوا إلى الأرْضِ، فَلِدُوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا لِلْخَرابِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُبارَكِ في “ الزُّهْدِ “ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لَمّا أُهْبِطَ آدَمُ إلى الأرْضِ قالَ لَهُ رَبُّهُ عَزَّ وجَلَّ: ابْنِ لِلْخَرابِ ولِدْ لِلْفَناءِ.
وأخْرَجَ أبُو نُعَيْمٍ في “ الحِلْيَةِ “ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: لَمّا أُهْبِطَ آدَمُ إلى الأرْضِ كانَ فِيها نَسْرٌ وحُوتٌ في البَحْرِ ولَمْ يَكُنْ في الأرْضِ غَيْرُهُما، فَلَمّا رَأى النَّسْرُ آدَمَ وكانَ يَأْوِي إلى الحُوتِ ويَبِيتُ عِنْدَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ قالَ: يا حُوتُ (p-٣١٣)لَقَدْ أُهْبِطَ اليَوْمَ إلى الأرْضِ شَيْءٌ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْهِ، ويَبْطِشُ بِيَدِهِ. فَقالَ لَهُ الحُوتُ: لَئِنْ كُنْتَ صادِقًا ما لِي في البَحْرِ مِنهُ مَنجًا ولا لَكَ في البَرِّ.
{"ayah":"فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّیۡطَـٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِیهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُوا۟ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوࣱّۖ وَلَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرࣱّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق