الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ الآية، قال أبو إسحاق: هذا لفظ خبر فيه معنى أمر كقوله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 475.]] [التوبة: 113]، وقال صاحب النظم: هذا نفي معناه الحظر. واختلفوا في سبب نزول هذه الآية؛ فالذي عليه الجمهور أنه لما عيب من تخلف عن غزوة تبوك قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله ﷺ[ولا عن سرية أبدًا، فلما أمر رسول الله ﷺ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] [بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون جميعًا إلى الغزو وتركوا رسول الله ﷺ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] وحده بالمدينة، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهذا قول ابن عباس في رواية الكلبي [[انظر: "تفسير الثعلبي" 6/ 162 أ، وابن الجوزي 3/ 516، والبغوي 4/ 111، "أسباب النزول" للمؤلف.]]، وقتادة [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 67 - 68، وابن أبي حاتم 6/ 1910.]]، واختيار الفراء [["معاني القرآن" 1/ 454.]]، والزجاج [[" معاني القرآن وإعرابه" 2/ 475.]]، وعلى هذا معنى الآية: ليس لهم أن يخرجوا جميعًا إلى الغزو. وقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ (لولا) إذا دخل على الفعل كان بمعنى التحضيض مثل (هلّا). قال صاحب النظم: وإنما جاز أن يكون (لولا) بمعنى (هلّا) كلمتان: (هل) وهو استفهام وعرض و (لا) وهو جحد، فـ (هلا) تنتظم معنيين الجحد وهو (لا) والعرض وهو (هل)، وذلك أنك إذا قلت للرجل [هل تأكل] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] هل تدخل؛ كأنك تعرض ذلك [[ساقط من (م).]] عليه، وإنما جمعوا بين (هل) و (لا) [[في (ح): (ألا).]]؛ لأنهم أرادوا أن [[في (ح): (لآن).]] يخبروا بأنه لم يفعل ذلك [[ساقط من (م).]]، وكان يجب عليه أن يفعله، وكذلك (لولا)؛ لأن (لو) شبيهة المعنى بـ (هل)؛ لأنك إذا قلت: لو دخلت إليّ، ولو أكلت عندي، فمعناه أيضًا عرض [[في (ى): (بعوض).]] وإخبار عن سرورك به لو فعل، فلذلك اشتبها في المعنى، وكذلك (لوما) بمنزلة (هلّا) (ولولا)؛ لأن (لا) و (ما) بمنزلة واحدة في النفي ومنه قوله: ﴿لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَة﴾ [الحجر: 7]، ومعنى الآية: فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة، ويبقى مع النبي ﷺ جماعة؛ لئلا يبقى وحده. وقوله تعالى: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ قال ابن عباس: يريد: يتعلموا القرآن والسنن والحدود والفرائض [[ذكره بمعناه ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 517، والفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 206.]]، ويريد بالتفقه الفرقة القاعدين عن الغزو، ونظم الكلام يصح بإضمار واختصار كأنه قيل: فلو نفر من كل فرقة طائفة [وأقام طائفة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (م).]] ليتفقهوا في الدين، فاقتصر من ذكر إحدى الطائفتين على الأخرى، ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ يعني النافرين إلى الغزو، ﴿إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾، قال أبو إسحاق: المعنى أنهم إذا بقيت منهم بحضرة النبي ﷺ بقية فسمعوا منه علمًا [[في "معاني القرآن وإعرابه": وحيًا.]] أعلموا الذين نفروا ما علموا فاستووا في العلم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 475.]]. قال المفسرون: إذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن وتعلمه القاعدون قالوا لهم إذا رجعوا: إن الله تعالى قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآنًا، وقد تعلمناه فتتعلم السرايا ما أنزل الله على نبيهم بعدهم، فذلك قوله: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ أي: وليعلموهم بالقرآن ويخوفوهم به، ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ولا يعملون بخلافه، وهذا الذي ذكرنا معنى قول ابن عباس في رواية الوالبي [[رواه ابن جرير 68/ 11، وابن أبي حاتم 6/ 1913، وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في "المدخل" كما في "الدر المنثور" 3/ 521.]]، وعطاء الخراساني عنه [[رواه ابن أبي حاتم 6/ 1913، وابن مردويه وأبو داود في "ناسخه" كما في "الدر المنثور" 3/ 521.]]. وقال الحسن: هذا التفقه والإنذار راجع إلى الفرقة النافرة [[هذا معنى قول الحسن. انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 69 - 70، و"ابن أبي حاتم" 6/ 1913، و"الصنعاني" 1/ 2/ 291، وقد ذكره بنحو ما ذكره المؤلف، "الثعلبي" 6/ 162/ ب، و"البغوي" 4/ 111.]]، ومعنى الآية: ليتفقهوا: أي: ليتبصروا وليتيقنوا بما يريهم الله -عز وجل- من الظهور على المشركين، ونصرة الدين، ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد، فيخبروهم بنصرة الله النبي والمؤمنين [وأنهم لا يدان لهم بقتال النبي ﷺ والمؤمنين] [[ما بِن المعقوفين ساقط من (ح).]] ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ أن ينزل بهم ما نزل بغيرهم من الكفار. قال أبو إسحاق: وفي هذه الآية دليل على أن فرض الجهاد يجزئ فيه الجماعة [عن الجماعة [[" معاني القرآن وإعرابه" 2/ 475.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) وفي (ى): عن الجهاد، والمثبت موافق لـ"معاني القرآن وإعرابه".]]. [قال أبو عبيد [[في (م): (أبو عبيدة).]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]: لولا هذه الآية لكان الجهاد حتمًا واجبًا [[من (م).]] على كل مؤمن في خاصة نفسه وماله، كسائر الفرائض، ولكن هذه الآية جعلت للناس الرخصة في قيام بعضهم بذلك عن بعض [[لم أجده في كتاب "الأموال"، وكتاب "غريب الحديث" لأبي عبيد، ولا في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة، ولم تذكره المصادر التي بين يدي.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب