الباحث القرآني
ولَمّا تَواتَرَتِ النَّواهِي لِلْمُتَخَلِّفِينَ وتَواصَلَتِ الزَّواجِرُ وتَعاظَمَ التَّبْكِيتُ والتَّهْدِيدُ، طارَتِ القُلُوبُ وأشْفَقَتِ النُّفُوسُ، فَكانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ أنْ لا يَتَخَلَّفَ بَعْدَها أحَدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وعَمَّنْ يَقُومُ مَقامَهُ فَيَتَمَكَّنُ حِينَئِذٍ الأعْداءُ مِنَ الأمْوالِ والذَّرارِيِّ والعَيّالِ، فَأتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وما كانَ المُؤْمِنُونَ﴾ أيِ الَّذِينَ حَثَّهم عَلى النَّفْرِ الرُّسُوخُ في الإيمانِ ﴿لِيَنْفِرُوا كافَّةً﴾ أيْ جَمِيعًا؛ فَإنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِكَثِيرٍ مِنَ الأغْراضِ الصّالِحَةِ، وهو تَعْلِيمٌ لِما هو الأنْسَبُ بِالدِّينِ والدُّنْيا مِنَ انْقِسامِ النّاسِ قِسْمَيْنِ: قِسْمًا لِلْجِهادِ، وقِسْمًا لِلنَّفَقَةِ وحِفْظِ الأمْوالِ والأوْلادِ، كُلُّ ذَلِكَ بِأمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والعَمَلِ بِما يَرْضاهُ، ولا يَخْفى ذَلِكَ عَلى المُخْلِصِ، ولَعَلَّ التَّعْبِيرَ بِالفِعْلِ الماضِي في قَوْلِهِ مُسَبَّبًا عَمّا قَبْلَهُ: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ﴾ لِيُفْهَمَ تَبْكِيتُ مَن قُصِدَ تَبْكِيتُهُ مِنَ المُتَخَلِّفِينَ في جَمِيعِ هَذِهِ السُّورَةِ بِأنَّهُ كانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَنْفِرَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ﴿مِن كُلِّ فِرْقَةٍ﴾ أيْ ناسٍ [كَثِيرٍ] يَسْهُلُ افْتِراقُهُمْ، قالُوا: وهو اسْمٌ يَقَعُ عَلى ثَلاثَةٍ ﴿مِنهم طائِفَةٌ﴾ أيْ: ناسٌ لا يَنْفَكُّونَ حافِّينَ بِالنَّبِيِّ ﷺ يَلْزَمُونَهُ، قِيلَ: والطّائِفَةُ واحِدٌ واثْنانِ، فالآيَةُ حُجَّةٌ عَلى قَبُولِ خَبَرِ الواحِدِ ووُجُوبِ العَمَلِ بِهِ، [وكَأنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِلْإشارَةِ (p-٤٨)إلى الحَثِّ عَلى كَثْرَةِ النّافِرِينَ كَما هو أصْلُ مَدْلُولِها الأغْلَبِ فِيهِ] ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾ أيْ لِيُكَلِّفَ النّافِرُونَ أنْفُسَهُمُ الفَهْمَ مِنهُ ﷺ شَيْئًا فَشَيْئًا \ ﴿فِي الدِّينِ﴾ أيْ: بِما يَسْمَعُونَهُ مِن أقْوالِهِ ويَرَوْنَهُ مِن جَمِيلِ أفْعالِهِ ويَصِلُ إلى قُلُوبِهِمْ مِن مُسْتَنِيرِ أحْوالِهِ، وهَذا غايَةُ الشَّرَفِ لِلْعِلْمِ حَيْثُ جُعِلَ غايَةَ المُلازَمَةِ لَهُ ﷺ لِلْجِهادِ، هَذا إنْ كانَ هو ﷺ النّافِرَ في تِلْكَ الغَزاةِ، وإنْ كانَ غَيْرَهُ كانَ ضَمِيرُ ”يَتَفَقَّهُوا“ لِلْباقِينَ مَعَهُ ﷺ.
ولَمّا كانَ مِنَ العِلْمِ بِشارَةٌ ومِنهُ نِذارَةٌ، وكانَ الإنْسانُ - لِما فِيهِ مِنَ النُّقْصانِ - أحْوَجَ شَيْءٍ إلى النِّذارَةِ، خَصَّها بِالذِّكْرِ فَقالَ عَطْفًا عَلى نَحْوِ: لِيَخافُوا في أنْفُسِهِمْ فَيَعْمَلُوا في خَلاصِها: ﴿ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ أيْ: يُحَذِّرُوهم ما أمامَهم مِنَ المَخاوِفِ إنْ فَرَّطُوا في جانِبِ التَّقْوى ﴿إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ﴾ أيْ: ما أنْذَرَهُمُوهُ الرَّسُولُ ﷺ ويُبَشِّرُوهم [بِما بَشَّرَهُمْ] بِهِ؛ ثُمَّ بَيَّنَ غايَةَ العِلْمِ مُشِيرًا إلى أنَّ مَن جَعَلَ لَهُ غايَةً غَيْرَها مِن تَرَفُّعٍ أوِ افْتِخارٍ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا كَبِيرًا، فَقالَ مُوجِبًا لِقَبُولِ خَبَرِ مَن بَلَّغَهُمْ: ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ أيْ كُلَّهم ﴿يَحْذَرُونَ﴾ أيْ لِيَكُونَ حالُهم حالَ أهْلِ الخَوْفِ مِنَ اللَّهِ بِما حَصَّلُوا مِنَ الفِقْهِ لِأنَّهُ أصْلُ كُلِّ خَيْرٍ، بِهِ تَنْجَلِي القُلُوبُ فَتُقْبِلُ عَلى الخَيْرِ وتُعْرِضُ عَنِ الشَّرِّ، فَإنَّ الحَذَرَ تَجَنُّبُ الشَّيْءِ لِما فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، والمُرادُ بِالفِقْهِ هُنا حِفْظُ الكِتابِ والسُّنَّةِ وفَهْمُ مَعانِيهِما مِن (p-٤٩)مِنَ الأُصُولِ والفُرُوعِ والآدابِ والفَضائِلِ، وقالَ الرُّمّانِيُّ: الفِقْهُ فَهْمُ مُوجِباتِ المَعانِي المُضَمَّنَةِ بِها مِن غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالدَّلالَةِ عَلَيْها.
{"ayah":"۞ وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِیَنفِرُوا۟ كَاۤفَّةࣰۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةࣲ مِّنۡهُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ لِّیَتَفَقَّهُوا۟ فِی ٱلدِّینِ وَلِیُنذِرُوا۟ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَحۡذَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق