الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ﴾، قال الليث: ثقفنا فلانًا في موضع كذا أي: أخذناه، ومصدره: الثقف [["تهذيب اللغة" (ثقف) 1/ 489، والنص في كتاب "العين" (ثقف) 5/ 138 مختصرًا.]]. وقال ابن دريد: ثقفت الشيء: حذقته، وثقفته: إذا ظفرت به [["جمهرة اللغة" لابن دريد (ثقف) 1/ 429، و"تهذيب اللغة" (ثقف) 1/ 489.]]، واحتج بالآية، ونحو هذا قال ابن قتيبة: تظفر بهم [["تفسير غريب القرآن" ص 179.]]، وقال الزجاج: تصادفنهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 420.]]. وأصله: الإدراك بسرعة، قال مقاتل: فإن أدركتهم في القتال وأسرتهم [["تفسير مقاتل" ص 123 ب مع اختلاف يسير.]]. وهذا الحرف مما تكلمنا فيه عند قوله: ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ في سورة البقرة [[الآية 191، وانظر النسخة الأزهرية 1/ 118 ب، حيث قال: (ثقفتموهم: قال الليث: ثقفنا فلانًا في موضع كذا: أي أخذناه، ومصدره الثقف، وقال الفراء في "المصادر": ثقف يثقف ثقفًا، وربما ثقل فقيل: ثقفًا، قال المفسرون: أي حيث وجدتموهم، وقال الزجاج: معنى الآية: لا تمتنعوا من قتلهم في الحرم وغيره.]]. وقوله تعالى: ﴿فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ﴾ معنى التشريد في اللغة: التفريق على اضطراب، يقال: شرد يشرد شرودًا، وشرّده تشريدًا [[قال ابن فارس: (شرد) الشين والراء والدال أصل واحد وهو يدل على تنفير وإبعاد، وعلى نفار وبعد في انتشار. "معجم مقاييس اللغة" (شرد) 3/ 269.]]، ومعنى قوله: ﴿فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ﴾ ما قاله الزجاج وهو: إفعل بهم فعلًا تفرق به [[في (م): (بهم).]] من خلفهم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 420.]] ثم اختلفوا في ذلك الفعل الذي يفعل بهم، فقال عطاء: أثخن فيهم القتل حتى يخافوك غيرهم من أهل مكة وأهل اليمن [[رواه الثعلبي 6/ 68 ب.]]، وقال ابن عباس: نكل بهم تنكيلًا يشرد غيرهم من ناقضي العهد [[ذكره ابن الجوزي 3/ 373، ورواه ابن جرير 10/ 25 - 26، وابن أبي حاتم 5/ 1719 بلفظ: نكل بهم من بعدهم.]]، وجميع ما قيل في هذا يعود معناه إلى هذا القول [[اختلاف المفسرين في ذلك الفعل إنما هو اختلاف تنوع وتمثيل، وإذا تبين لنا أن هذه الآية نزلت في بني قريظة فالأولى تفسير التشريد بما فعل رسول الله ﷺ فيهم من قتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم؛ وذلك لأمرين: أ- أن فعل رسول الله ﷺ امتثال لأمر ربه وهو أعلم بمراده ب- أن سعد بن معاذ لما حكم فيهم بأن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية والنساء قال رسول الله ﷺ: "قضيت بحكم الله". رواه البخاري (3804) كتاب: المناقب، باب: مناقب سعد بن معاذ، ومسلم (1768) كتاب: الجهاد، باب: جواز قتال من نقض العهد، والظاهر أن حكم الله هو المذكور في هذه الآية.]]، ولقد أوجز من قال: فرق جمع كل ناقض بما تبلغ من هؤلاء [[ذكره الثعلبي 6/ 68 ب دون ذكر قائله، وروى ابن جرير 10/ 26، عن ابن زيد لفظا مقاربًا ونصه: أخفهم بما تصنع بهؤلاء.]]، وقال مقاتل: فنكل بهم من بعدهم من العدو وأهل عهدك ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ النكال فلا ينقضون العهد [["تفسير مقاتل" 123 ب.]]. ومعنى نكل بهم: أي افعل بهم فعلًا ينكل غيرهم عنك بسبب ذلك الفعل خوفًا منك، وقال صاحب النظم: معنى ﴿فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ﴾ اقتلهم ليخافوك غيرهم فيتفرقوا عنك، وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ معنى راجع إلى (مَنْ خَلْفَهُم)؛ لأنهم إذا قتلوا فليس لذكر قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ معنى، فهو منظوم بقوله: ﴿مَنْ خَلْفَهُمْ﴾ والتأويل: فشرد بقتلهم والإنكاء [[الإنكاء: إكثار الجراح والقتل في العدو حتى يهن ويضعف. انظر: "لسان العرب" (نكي) 8/ 4545، وفي (س): والإنكال، وهو خطأ.]] فيهم (مَنْ خَلْفَهُم) أي من بعدهم، يكن ذلك تخويفًا وعظة لهم، وهذا معنى قول ابن عباس: ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ لكي يتعظوا [[رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 184 بنحوه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب