الباحث القرآني
وقوله سبحانه: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ، أجمع المتأوِّلون أن الآية نزلَتْ في بني قُرَيْظَةَ، وهي بَعْدُ تَعُمُّ كلَّ مَنِ اتصف بهذه الصفة إِلى يوم القيامة، وقوله:
فِي كُلِّ مَرَّةٍ: يقتضي أن الغَدْرَ قد تكرَّر منهم.
وحديثُ قُرَيْظَةَ هو أنهم عاهدوا النبيّ ﷺ على ألاَّ يحاربوه، ولا يعينوا عَلَيْه عدوًّا من غيرهم، فلمَّا اجتمعت الأحزاب على النبيِّ ﷺ بالمدينةِ، غَلَبَ على ظنِّ بني قريظة أَنَّ النبيّ ﷺ مغلوبٌ ومستأصَلٌ، وخَدَعَ حُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ النَّضْرِيُّ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ القُرَظِيَّ صاحبَ عَقْد بني قريظة، وعهْدِهِم، فغدروا ووالوْا قريشاً، وأمدُّوهم بالسِّلاح والأَدْرَاعِ، فلما انجلت تلك الحالُ عن النبي ﷺ، أمره اللَّه تعالَى بالخروج إِليهم وحَرْبِهم، فاستنزلوا، وضُرِبَتْ أعناقهم بحُكْم سَعْدٍ، واستيعاب قصَّتهم في «السِّير» وإِنما اقتضبت منها ما يخُصُّ تفسير الآية.
وقوله سبحانه: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ... الآية: معنى تَثْقَفَنَّهُمْ تأسرهم، وتحصِّلهم في ثِقَافِكَ، أو تَلْقَاهم بحالٍ تقدرُ عليهم فيها، وتغلبهم، ومعنى: فَشَرِّدْ أي: طَرِّدْ، وأبْعِدْ، وخَوِّف. والشريدُ: المبعد عن وطَنٍ ونحوه، ومعنى الآية: فإِن أَسَرْتَ هؤلاءِ الناقضين في حربك لهم، فافعل بهم من النقمة ما يكُونُ تشريداً لمن يأتي خلْفَهم في مثْلِ طريقتهم، وعبارةُ البخاريِّ: «فَشَرَّدْ» فَرَّقَ. انتهى.
والضمير في لَعَلَّهُمْ عائدٌ على الفرقة المشرَّدة، وقال ابن عباس: المعنى: نكِّل بهم مَنْ خلفهم [[أخرجه الطبري (6/ 271) برقم: (16227- 16228) ، وذكره ابن عطية (2/ 542) ، والبغوي (2/ 257) بنحوه، وابن كثير (2/ 320) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 347) .]] .
وقالَتْ فرقة: معناه: سَمِّعْ بهم، والمعنَى متقارب، ومعنى: خَلْفَهُمْ أي: بعدهم، ويَذَّكَّرُونَ، أيْ: يتعظون.
وقوله سبحانه: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً ... الآية: قال أكثر المفسِّرين: إِن الآية في بني قُرَيْظة، والذي يظهر من ألفاظ الآية أنَّ أَمْرَ بني قريظة قد انقضى عند قوله: فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، ثم ابتدأ تبارَكَ وتعالَى في هذه الآية بما يَصْنَعُهُ في المستقبل، مع مَنْ يخافُ منه خيانةً إِلى آخر الدهر، وبَنُو قريظة لم يَكُونوا في حَدِّ مَنْ تُخَافُ خيانته، وقوله: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ، أي: أَلْقِ إِليهم عَهْدهم، وقوله: عَلى سَواءٍ، قيل: معناه: حتى يكونَ الأمْرُ في بيانِهِ والْعِلْمِ به، على سواءٍ منْكَ ومنهم فتكُونُونَ في استشعار الحَرْب سواءً، وذَكَرَ الفَرَّاء أن المعنَى: فانبذ إليهم على اعتدال وسواءٍ من الأمر، أي: بَيِّنْ لهم على قَدْر ما ظهر منهم، لا تُفَرِّطْ، ولا تَفْجَأْ بحربٍ، بل افعل بهم مِثْلَ ما فعلوا بك، يعني: موازنةً ومقايسةً، وقرأ نافع وغيره: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ» - بالتاء- مخاطبةً للنبيِّ ﷺ، وسَبَقُوا: معناه: فَاتُوا بأنفسهم وأنْجَوْهَا، إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ أي: لا يُفْلِتُونَ، ولا يُعْجِزُونَ طالبهم، ورُوِيَ أن الآية نزلَتْ فيمن أَفْلَتَ من الكفَّار في بَدْرٍ وغيره فالمعنى: لا تظنَّهم نَاجِينَ، بل هم مُدْرَكُون، وقرأ حمزة وغيره: «ولا يحسبنّ» - بالياء من تحت، وبفتح السين [[وقرأ بها ابن عامر وحفص عن عاصم.
ينظر: «السبعة» ص: (307) ، «الحجة» (4/ 154- 155) ، «حجة القراءات» (312) ، «إعراب القراءات» (1/ 230) ، و «إتحاف» (2/ 81- 82) ، و «معاني القراءات» (1/ 441) ، و «شرح الطيبة» (4/ 329) ، و «العنوان» (101) .]] .
{"ayahs_start":55,"ayahs":["إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَاۤبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ","ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ یَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِی كُلِّ مَرَّةࣲ وَهُمۡ لَا یَتَّقُونَ","فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ","وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِیَانَةࣰ فَٱنۢبِذۡ إِلَیۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَاۤءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ","وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ سَبَقُوۤا۟ۚ إِنَّهُمۡ لَا یُعۡجِزُونَ"],"ayah":"فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق