قوله: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ﴾، إلى قوله: ﴿ٱلخَائِنِينَ﴾.
"إمّا": للشرط، وتلزمه النون الشديدة توكيداً، لدخول "ما" من "إنْ"، هذه علة البصريين.
وقال الكوفيون: تدخل "النون" الخفيفة والشديدة مع "إمّا" للفرق بين كونها للشرط وكونها للتخيير.
ومعنى الآية: إنْ لقيت يا محمد، هؤلاء الذين عاهدتم، ثم نقضوا عهدك في الحرب ﴿فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾.
أي: افعل بهم فعلاً يكون مُشَرَّداً لمن خلفهم من نظرائهم، ممن بينك وبينه عَهْد.
و "التَّشْرِيدُ": التطريد والتبديد والتفريق.
فأُمر بذلك ﷺ ليكون أدباً لغيرهم، فلا يجترئوا على مثل ما فعله [هؤلاء] من نقض العهد.
وقال السدي: ﴿فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾، أي: نكل بهم، ليحذر من خلفهم ممن بينك وبينه عهد.
* * *
﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾.
أي: يتعظون إذا رأوا ما صنع بمن نقض العهد.
* * *
وقوله: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً﴾.
أي: إن خفت يا محمد، من قوم بينك وبينهم عهد (وعقد) أن يخونوك وينقضوا عهدك، ﴿فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ﴾، أي: حاربهم وأعلمهم قبل إتيانك لحربهم أنك فسخت عهدهم، لِمَا كان منهم من أمارة نقض العهد، وإتيان الغدر والخيانة منهم، فيستوي علمك وعلمهم في الحرب، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ﴾، أي: من خان عهداً، أو نقض عهداً.
و "الخَوْفُ" هنا: ظهور ما يتيقن منهم من إتيان الغدر، وليس هو الظن.
ومعنى: ﴿فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ﴾.
أي: انبذ إليهم العهد، وأعلمهم بأنك قد طرحته، لما ظهر إليك منهم، وأنك محارب لهم، فيستوي أمركما في العلم.
قال الكسائي: ﴿عَلَىٰ سَوَآءٍ﴾: على عدل، أي: تعدل بأن يستوي علمك وعلمهم.
وقال الفراء المعنى: افعل بهم كما يفعلون سواء.
وقال أيضاً: ﴿عَلَىٰ سَوَآءٍ﴾: جهراً لا سراً.
قال أبو عبيدة معنى: ﴿تَخَافَنَّ﴾: تُوقِنَنَّ.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ","وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِیَانَةࣰ فَٱنۢبِذۡ إِلَیۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَاۤءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ"],"ayah":"فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ"}