الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهم في الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَن خَلْفَهم لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ﴾ ﴿وإمّا تَخافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيانَةً فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى تارَةً يُرْشِدُ رَسُولَهُ إلى الرِّفْقِ واللُّطْفِ في آياتٍ كَثِيرَةٍ، مِنها قَوْلُهُ: ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنْبِياءِ: ١٠٧] ومِنها قَوْلُهُ: ﴿فاعْفُ عَنْهم واسْتَغْفِرْ لَهم وشاوِرْهم في الأمْرِ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٥٩] وتارَةً يُرْشِدُ إلى التَّغْلِيظِ والتَّشْدِيدِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَهم في كُلِّ مَرَّةٍ، بَيَّنَ ما يَجِبُ أنْ يُعامَلُوا بِهِ فَقالَ: ﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهم في الحَرْبِ﴾ قالَ اللَّيْثُ: ثَقِفْنا فُلانًا في مَوْضِعِ كَذا، أيْ أخَذْناهُ وظَفِرْنا بِهِ، والتَّشْرِيدُ عِبارَةٌ عَنِ التَّفْرِيقِ مَعَ الِاضْطِرابِ، يُقالُ: شَرَدَ يَشْرُدُ شُرُودًا، وشَرَّدَهُ تَشْرِيدًا، فَمَعْنى الآيَةِ أنَّكَ إنْ ظَفِرْتَ في الحَرْبِ بِهَؤُلاءِ الكُفّارِ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ العَهْدَ فافْعَلْ بِهِمْ فِعْلًا يُفَرِّقُ بِهِمْ مَن خَلْفَهم، قالَ عَطاءٌ: تُثْخِنُ فِيهِمُ القَتْلَ حَتّى يَخافَكَ غَيْرُهم، وقِيلَ: نَكِّلْ بِهِمْ تَنْكِيلًا يُشَرِّدُ غَيْرَهم مِن ناقِضِي العَهْدِ﴿لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ﴾ أيْ لَعَلَّ مَن خَلْفَهم يَذْكُرُونَ ذَلِكَ النَّكالَ فَيَمْنَعُهم ذَلِكَ عَنْ نَقْضِ العَهْدِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ ”فَشَرِّذْ“ بِالذّالِ المُنَقَّطَةِ مِن فَوْقُ بِمَعْنى فَفَرِّقْ وكَأنَّهُ مَقْلُوبُ ”شَذِّرْ“، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ ”مِن خَلْفِهِمْ“، والمَعْنى: فَشَرِّدْ تَشْرِيدًا مُتَلَبِّسًا بِهِمْ مِن خَلْفِهِمْ؛ لِأنَّ أحَدَ العَسْكَرَيْنِ إذا كَسَرُوا الثّانِيَ، فالكاسِرُونَ يَعْدُونَ خَلْفَ المَكْسُورِينَ فَأمَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنْ يُشَرِّدَهم في ذَلِكَ الوَقْتِ.
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وإمّا تَخافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيانَةً﴾ يَعْنِي مِن قَوْمٍ مُعاهِدِينَ خِيانَةً ونَكْثًا بِأماراتٍ ظاهِرَةٍ﴿فانْبِذْ إلَيْهِمْ﴾ فاطْرَحْ إلَيْهِمُ العَهْدَ عَلى طَرِيقٍ مُسْتَوٍ ظاهِرٍ، وذَلِكَ أنْ تُظْهِرَ لَهم نَبْذَ العَهْدِ وتُخْبِرَهم إخْبارًا مَكْشُوفًا بَيِّنًا أنَّكَ قَطَعْتَ ما بَيْنَكَ وبَيْنَهم، ولا تُبادِرْهُمُ الحَرْبَ وهم عَلى تَوَهُّمِ بَقاءِ العَهْدِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ خِيانَةً مِنكَ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ﴾ في العُهُودِ، وحاصِلُ الكَلامِ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ تَعالى أمَرَهُ بِنَبْذِ مَن يَنْقُضُ العَهْدَ عَلى أقْبَحِ الوُجُوهِ وأمَرَهُ أنْ يَتَباعَدَ عَلى أقْصى الوُجُوهِ مَن كُلِّ ما يُوهِمُ نَكْثَ العَهْدِ ونَقْضَهُ، قالَ أهْلُ العِلْمِ: آثارُ نَقْضِ العَهْدِ إذا ظَهَرَتْ، فَإمّا أنْ تَظْهَرَ ظُهُورًا مُحْتَمَلًا أوْ ظُهُورًا مَقْطُوعًا بِهِ، فَإنْ كانَ الأوَّلَ وجَبَ الإعْلامُ عَلى ما هو مَذْكُورٌ في هَذِهِ الآيَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ قُرَيْظَةَ عاهَدُوا النَّبِيَّ ﷺ ثُمَّ أجابُوا أبا سُفْيانَ ومَن مَعَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ إلى مُظاهَرَتِهِمْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ فَحَصَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ خَوْفُ الغَدْرِ مِنهم بِهِ وبِأصْحابِهِ فَهَهُنا يَجِبُ عَلى الإمامِ أنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ عُهُودَهم عَلى سَواءٍ ويُؤْذِنَهم بِالحَرْبِ، أمّا إذا ظَهَرَ نَقْضُ العَهْدِ ظُهُورًا مَقْطُوعًا بِهِ فَهَهُنا لا حاجَةَ (p-١٤٧)إلى نَبْذِ العَهْدِ كَما فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ بِأهْلِ مَكَّةَ فَإنَّهم لَمّا نَقَضُوا العَهْدَ بِقَتْلِ خُزاعَةَ وهم مِن ذِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ وصَلَ إلَيْهِمْ جَيْشُ رَسُولِ اللَّهِ بِمَرِّ الظَّهْرانِ، وذَلِكَ عَلى أرْبَعَةِ فَراسِخَ مِن مَكَّةَ. واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِالصَّوابِ وإلَيْهِ المَرْجِعُ والمَآبُ.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ","وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِیَانَةࣰ فَٱنۢبِذۡ إِلَیۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَاۤءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ"],"ayah":"فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق