الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهم في الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَن خَلْفَهم لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ﴾ ﴿وَإمّا تَخافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيانَةً فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ﴾ ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنَّهم لا يُعْجِزُونَ﴾
دَخَلَتِ النُونُ مَعَ "فَإمّا" تَأْكِيدًا، ولِتُفَرِّقَ بَيْنَها وبَيْنَ"إمّا" الَّتِي هي حَرْفُ انْفِصالٍ في قَوْلِكَ: "جاءَنِي إمّا زَيْدٌ وإمّا عَمْرٌو "، ( وتُثَقِّفُهم ) مَعْناهُ: تَأْسِرُهم وتُحَصِّلُهم في ثِقافِكَ، أو تَلْقاهم بِحالِ ضَعْفٍ تَقْدِرُ عَلَيْهِمْ فِيها وتَغْلِبُهُمْ، وهَذا لازِمٌ مِنَ اللَفْظِ لِقَوْلِهِ: ﴿فِي الحَرْبِ﴾، وقِيلَ: ثَقِفَ: أخَذَ بِسُرْعَةٍ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ ثَقِفٌ لَقِفٌ.
وقالَ بَعْضُ الناسِ: مَعْناهُ: تُصادِفَنَّهُمْ، إلى نَحْوِ هَذا مِنَ الأقْوالِ الَّتِي لا تَرْتَبِطُ في المَعْنى، وذَلِكَ أنَّ المُصادِفَ يَغْلِبُ فَيُمْكِنُ التَشْرِيدُ بِهِ، وقَدْ لا يَغْلِبُ، والثِقافُ في اللُغَةِ: ما تُشَدُّ بِهِ القَناةُ ونَحْوُها، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ إنَّ قَناتِي لَنَبْعٌ ما يُؤَيِّسُها ∗∗∗ عَضُّ الثِقافِ ولا دُهْنٌ ولا نارُ
(p-٢٢٠)وَقالَ آخَرُ:
؎ تَدْعُو قُعَيْنًا وقَدْ عَضَّ الحَدِيدُ بِها ∗∗∗ ∗∗∗ عَضَّ الثِقافِ عَلى صُمِّ الأنابِيبِ
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَشَرِّدْ﴾ مَعْناهُ طَرِّدْ وخَوِّفْ وأبْعِدْهُ عن مِثْلِ فِعْلِهِمْ، والشَرِيدُ: المُبْعَدُ عن وطَنٍ أو نَحْوِهِ، والمَعْنى: بِفِعْلٍ تَفْعَلُهُ بِهِمْ مِن قَتْلٍ أو نَحْوِهِ يَكُونُ تَخْوِيفًا لِمَن خَلْفَهُمْ، أيْ: لِمَن يَأْتِي بَعْدَهم بِمِثْلِ ما أتَوْا بِهِ، وسَواءٌ كانَ مُعاصِرًا لَهم أمْ لا.
وما تَقَدَّمَ الشَيْءَ فَهو بَيْنَ يَدَيْهِ وما تَأخَّرَ عنهُ فَهو خَلْفُهُ، فَمَعْنى الآيَةِ: فَإنْ أسَرْتَ هَؤُلاءِ الناقِضِينَ في حَرْبِكَ لَهُمْ، فافْعَلْ بِهِمْ مِنَ النِقْمَةِ ما يَكُونُ تَشْرِيدًا لِمَن يَأْتِي خَلْفَهم في مِثْلِ طَرِيقَتِهِمْ، والضَمِيرُ في "لَعَلَّهُمْ" عائِدٌ عَلى الفِرْقَةِ المُشَرَّدَةِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: المَعْنى: نَكِّلْ بِهِمْ مَن خَلْفَهُمْ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: "شَرِّدْ بِهِمْ" مَعْناهُ: سَمِّعْ بِهِمْ، حَكاهُ الزَهْراوِيُّ عن أبِي عُبَيْدَةَ، والمَعْنى مُتَقارِبٌ لِأنَّ التَسْمِيعَ بِهِمْ في ضِمْنِ ما فَسَّرْناهُ أوَّلًا، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ: "فَشَرِّذْ" بِالذالِ مَنقُوطَةً، وهي قِراءَةُ الأعْمَشِ، ولَمْ يُحْفَظْ "شَرِّذْ" في لُغَةِ العَرَبِ، ولا وجْهَ لَها إلّا أنْ تَكُونَ الذالُ المَنقُوطَةُ تُبْدَلُ مِنَ الدالِ كَما قالُوا: لَحْمٌ خَرادِيلُ وخَراذِيلُ، وقَرَأ أبُو حَيَوَةَ –وَحَكاها المَهْدَوِيُّ عَنِ الأعْمَشِ بِخِلافٍ عنهُ-: "مِن خَلْفِهِمْ" بِكَسْرِ المِيمِ مِن قَوْلِهِ: "مَن" وخَفْضِ الفاءِ مِن قَوْلِهِ: "خَلْفَهُمْ" والتَرَجِّي في قَوْلِهِ" "لَعَلَّهُمْ" بِحَسَبِ البَشَرِ، و﴿يَذَّكَّرُونَ﴾ مَعْناهُ: يَتَّعِظُونَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإمّا تَخافَنَّ﴾ الآيَةُ قالَ أكْثَرُ المُؤَلِّفِينَ في التَفْسِيرِ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ هي في بَنِي قُرَيْظَةَ، وحَكاهُ الطَبَرِيُّ عن مُجاهِدٍ، والَّذِي يَظْهَرُ مِن ألْفاظِ القُرْآنِ أنَّ أمْرَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدِ انْقَضى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَشَرِّدْ بِهِمْ مَن خَلْفَهُمْ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ تَبارَكَ وتَعالى (p-٢٢١)فِي هَذِهِ الآيَةِ بِأمْرِهِ بِما يَصْنَعُهُ في المُسْتَقْبَلِ مَعَ مَن يَخافُ مِنهُ خِيانَةً إلى سالِفِ الدَهْرِ، وبَنُو قُرَيْظَةَ لَمْ يَكُونُوا في حَدِّ مَن تُخافُ خِيانَتُهُ فَتُرَتَّبَ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةُ، وإنَّما كانَتْ خِيانَتُهم ظاهِرَةً مُشْتَهِرَةً، فَهَذِهِ الآيَةُ هي عِنْدِي فِيمَن يُسْتَقْبَلُ حالُهُ مِن سائِرِ الناسِ غَيْرَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وخَوْفُ الخِيانَةِ بِأنْ تَبْدُوَ جَنادِعُ الشَرِّ مِن قِبَلِ المُعاهِدِينَ، وتَتَّصِلُ عنهم أقْوالُ، وتُحَسُّ مِن تِلْقائِهِمْ مَبادِئُ الغَدْرِ، فَتِلْكَ المَبادِئُ مَعْلُومَةٌ، والخِيانَةُ الَّتِي هي غايَتُهم مَخُوفَةٌ لا مُتَيَقَّنَةٌ، وحِينَئِذٍ يَنْبِذُ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، فَإنِ التَزَمُوا السِلْمَ عَلى ما يَجِبُ وإلّا حُورِبُوا، وبَنُو قُرَيْظَةَ نَبَذُوا العَهْدَ مَرَّتَيْنِ، وقالَ يَحْيى بْنُ سَلامٍ: "تَخافُ" في هَذِهِ الآيَةِ بِمَعْنى: تَعْلَمُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولَيْسَ كَذَلِكَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿خِيانَةً﴾ يَقْتَضِي حُصُولَ عَهْدٍ، لِأنَّ مَن لَيْسَ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَهْدٌ فَلَيْسَتْ مُحارَبَتُهُ لَكَ خِيانَةً، فَأمَرَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ إذا أحَسَّ مِن أهْلِ عَهْدٍ ما ذَكَرْنا وخافَ خِيانَتَهم أنْ يُلْقِيَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، وهو النَبْذُ، ومَفْعُولُ قَوْلِهِ: "فانْبِذْ" مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: إلَيْهِمْ عَهْدَهم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وتَقْتَضِي قُوَّةُ هَذا اللَفْظِ الحَضَّ عَلى حَرْبِهِمْ ومُناجِزَتِهِمْ إنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا. وقَوْلُهُ: ﴿عَلى سَواءٍ﴾ قِيلَ: مَعْناهُ: حَتّى يَكُونَ الأمْرُ في بَيانِهِ والعِلْمُ بِهِ عَلى سَواءٍ مِنكَ ومِنهُمْ، فَتَكُونُونَ فِيهِ أيْ: في اسْتِشْعارِ الحَرْبِ- سَواءً، وقِيلَ: مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿عَلى سَواءٍ﴾ عَلى مَعْدَلَةٍ، أيْ: فَذَلِكَ هو العَدْلُ والِاسْتِواءُ في الحَقِّ، قالَ المَهْدَوِيُّ: مَعْناهُ: جَهْرًا لا سِرًّا.
(p-٢٢٢)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا نَحْوُ الأوَّلِ، وقالَ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: ﴿عَلى سَواءٍ﴾ مَعْناهُ: عَلى مَهَلٍ، كَما قالَ تَعالى: ﴿بَراءَةٌ مِنَ اللهِ ورَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١] ﴿فَسِيحُوا في الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢].
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
واللُغَةُ تَأْبى هَذا القَوْلَ، وذَكَرَ الفَرّاءُ أنَّ المَعْنى: انْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى اعْتِدالٍ وسَواءٍ مِنَ الأمْرِ، أيْ: بَيِّنْ لَهم عَلى قَدْرِ ما ظَهَرَ مِنهُمْ، لا تُفْرِطْ ولا تَفْجَأْ بِحَرْبٍ، بَلِ افْعَلْ بِهِمْ مِثْلَما فَعَلُوا بِكَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
يَعْنِي مُوازَنَةً ومُقايَسَةً، وقَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ طَعْنًا عَلى الخائِنِينَ مِنَ الَّذِينَ عاهَدَهُمُ النَبِيُّ ﷺ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ حَتّى تَبْعُدَ عَنِ الخِيانَةِ، فَإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ، فَيَكُونُ النَبْذُ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- لِأجْلِ أنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ.
والسَواءُ في كَلامِ العَرَبِ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنى العَدْلِ والمَعْدَلَةِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ﴾ [آل عمران: ٦٤] ومِنهُ قَوْلُ الراجِزِ:
؎ فاضْرِبْ وُجُوهَ الغُدَّرِ الأعْداءِ ∗∗∗ ∗∗∗ حَتّى يُجِيبُوكَ إلى السَواءِ
وقَدْ يَكُونُ بِمَعْنى الوَسَطِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي سَواءِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥]. (p-٢٢٣)وَمِنهُ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ:
؎ يا ويْحَ أنْصارِ النَبِيِّ ورَهْطِهِ ∗∗∗ ∗∗∗ بَعْدَ المُغَيَّبِ في سَواءِ المُلْحَدِ
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنَّهم لا يُعْجِزُونَ﴾ قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، والكِسائِيُّ: "وَلا تَحْسِبَنَّ" بِالتاءِ مُخاطَبَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ، وبِكَسْرِ السِينِ -غَيْرَ عاصِمٍ فَإنَّهُ فَتَحَها- "الَّذِينَ كَفَرُوا" مَفْعُولٌ أوَّلُ، و"سَبَقُوا" مَفْعُولٌ ثانٍ، والمَعْنى: فاتُوا بِأنْفُسِهِمْ وأنْجَوْها، "إنَّهم لا يُعْجِزُونَ" بِكَسْرِ ألِفِ "إنَّ" عَلى القَطْعِ والِابْتِداءِ، و"يُعْجِزُونَ" مَعْناهُ: يُفْلِتُونَ ويُعْجِزُونَ طالَبَهُمْ، فَهو مُعَدّى "عَجَزَ" بِالهَمْزَةِ، تَقُولُ: عَجَزَ زَيْدٌ وأعْجَزَهُ غَيْرُهُ وعَجَّزَهُ أيْضًا، قالَ سُوِيدٌ:
؎ وأعْجَزَنا أبُو لَيْلى طُفَيْلٌ ∗∗∗ ∗∗∗ صَحِيحُ الجِلْدِ مِن أثَرِ السِلاحِ
ورُوِيَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَن أفْلَتَ مِنَ الكُفّارِ في حَرْبِ النَبِيِّ ﷺ، كَقُرَيْشٍ في بَدْرٍ وغَيْرِهِمْ، فالمَعْنى: لا تَظُنَّهم ناجِينَ بَلْ هم مُدْرَكُونَ، وقِيلَ: مَعْناهُ: لا يُعْجِزُونَ في الدُنْيا، وقِيلَ: المُرادُ: في الآخِرَةِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: وقَرَأ مُجاهِدٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وشِبْلٌ: "وَلا تِحْسَبَنَّ" بِكَسْرِ التاءِ، وقَرَأ الأعْرَجُ، وعاصِمٌ، وخالِدُ بْنُ إلْياسٍ: "تَحْسَبَنَّ" بِفَتْحِ التاءِ مِن فَوْقُ وبِفَتْحِ السِينِ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَلا يَحْسَبُ" بِفَتْحِ السِينِ والياءِ مِن تَحْتُ وحَذْفِ النُونِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ، وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وعِيسى: "وَلا يَحْسِبَنَّ" بِياءٍ مِن تَحْتُ وسِينٍ مَكْسُورَةٍ ونُونٍ مُشَدَّدَةٍ، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمٍ، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ: "وَلا يَحْسَبَنَّ" بِالياءِ عَلى الكِنايَةِ عن غائِبٍ وبِفَتْحِ السِينِ، فَإمّا أنْ يَكُونَ في الفِعْلِ ضَمِيرُ النَبِيِّ ﷺ، أو يَكُونُ التَقْدِيرُ: ولا يَحْسَبَنَّ أحَدٌ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: "الَّذِينَ كَفَرُوا" مَفْعُولًا أوَّلًا، و"سَبَقُوا" مَفْعُولًا ثانِيًا، وإمّا أنْ يَكُونَ "الَّذِينَ كَفَرُوا" هُمُ الفاعِلُونَ، ويَكُونُ المَفْعُولُ الأوَّلُ مُضْمَرًا، و"سَبَقُوا" مَفْعُولٌ ثانِيًا، وتَقْدِيرُ هَذا الوَجْهِ: ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْفُسَهم سَبَقُوا، وإمّا أنْ يَكُونَ "الَّذِينَ كَفَرُوا" هو الفاعِلُ وتُضْمَرُ "أنْ" فَيَكُونُ التَقْدِيرُ: ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ سَبَقُوا، وتَسُدُّ "أنْ سَبَقُوا" مَسَدَّ المَفْعُولَيْنِ. (p-٢٢٤)قالَ الفارِسِيُّ: ويَكُونُ هَذا كَما تَأوَّلَهُ سِيبَوَيْهِ في قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلْ أفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ﴾ [الزمر: ٦٤]، فالتَقْدِيرُ: "أنْ أعْبُدَ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ونَحْوُهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ألا أيُّهَذا الزاجِرِي أحْضُرَ الوَغى ∗∗∗ ∗∗∗.................
قالَ أبُو عَلِيٍّ: وقَدْ حُذِفَتْ "أنْ" وهي مَعَ صِلَتِها في مَوْضِعِ الفاعِلِ، وأنْشَدَ أحْمَدُ بْنُ يَحْيى في ذَلِكَ:
؎ وما راعَنا إلّا يَسِيرُ بِشُرْطَةٍ ∗∗∗ ∗∗∗ وعَهْدِي بِهِ قَيْنًا يُسِيرُ بِكِيرِ
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ مِنَ السَبْعَةِ: "أنَّهم لا يُعْجِزُونَ" بِفَتْحِ الألِفِ مِن "أنَّهُمْ"، ووَجْهُهُ أنْ يُقَدَّرَ بِمَعْنى لِأنَّهم لا يُعْجِزُونَ، أيْ: لا تَحْسَبَنَّ عَلَيْهِمُ النَجاةَ لِأنَّهم لا يَنْجُونَ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "يُعْجِزُونَ" بِسُكُونِ العَيْنِ، وقَرَأ بَعْضُ الناسِ فِيما ذَكَرَ أبُو حاتِمٍ: "يُعَجِّزُونَ" بِفَتْحِ العَيْنِ وشَدِّ الجِيمِ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "يُعْجِزُونِ" بِكَسْرِ النُونِ، ومَنحاها "يُعْجِزُونِي" بِإلْحاقِ الضَمِيرِ، قالَ الزَجّاجُ: الِاخْتِيارُ فَتْحُ النُونِ، ويَجُوزُ كَسْرُها عَلى أنَّ المَعْنى: "إنَّهم لا يُعْجِزُونَنِي"، وتُحْذَفُ النُونُ الأُولى لِاجْتِماعِ النُونَيْنِ، كَما قالَ الشاعِرُ:(p-٢٢٥)
؎ تَراهُ كالثَغامِ يُعْلُّ مِسْكًا ∗∗∗ ∗∗∗ يَسُوءُ الفالِياتِ إذا فَلَيْنِي
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
البَيْتُ لِعَمْرِو بْنِ مَعْدِيَكْرِبَ، وقالَ أبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ في قَوْلِ مُتَمِّمِ بْنِ نُوَيْرَةَ:
؎ ولَقَدْ عَلِمْتُ ولا مَحالَةَ أنَّنِي ∗∗∗ ∗∗∗ لِلْحادِثاتِ فَهَلْ تَرَيْنِي أجْزَعُ
هَذا يَجُوزُ عَلى الِاضْطِرارِ، فَقالَ قَوْمٌ: حَذَفَ النُونَ الأُولى وحَذْفُها لا يَجُوزُ لِأنَّها مَوْضِعُ الإعْرابِ، وقالَ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ: أرى فِيما كانَ مِثْلَ هَذا حَذْفَ الثانِيَةِ، وهَكَذا كانَ يَقُولُ في بَيْتِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيَكْرِبَ.
وفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ: "وَلا يَحْسَبُ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم سَبَقُوا إنَّهم لا يُعْجِزُونِ"، قالَ أبُو عَمْرٍو الدانِي: بِالياءِ مِن تَحْتٍ وبِغَيْرِ نُونٍ في "يَحْسَبُ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وذَكَرَ ها الطَبَرِيُّ بِنُونٍ.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ","وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِیَانَةࣰ فَٱنۢبِذۡ إِلَیۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَاۤءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡخَاۤىِٕنِینَ","وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ سَبَقُوۤا۟ۚ إِنَّهُمۡ لَا یُعۡجِزُونَ"],"ayah":"فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ یَذَّكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق