الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ﴾. قال الزجاج: (إذ) موضعها نصب على معنى: وما جعله الله إلا بشرى في ذلك الوقت، قال: ويجوز أن تكون على [[عبارة الزجاج هكذا: ويجوز على أن يكون.]]: اذكروا إذ يغشيكم [[في (ح) و (س): (يغشاكم)، وما في (م) موافق للمصدر التالي.]] النعاس [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 2/ 403.]]. واختلف القراء في ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾ فقرؤوا [[في (ج): (فقريء).]] من غشي ومن أغشى ومن غشّى [[إذا كان الفعل (غشي) فالقراءة (يغشاكم)، وإذا كان الفعل (أغشى) فالقراءة (يُغْشِيكم)، وإذا كان الفعل (غشى) فالقراءة (يُغَشّيكم) والقراءة الأولى لابن كثير وأبي عمرو، والثانية لنافع، والثالثة لعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. انظر: "التبصرة في القراءات" ص 221، و"تقريب النشر" ص 118، و"إتحاف فضلاء البشر" ص 236.]]، فمن قرأ (يغشاكم) فحجته قوله: ﴿أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى﴾ [آل عمران: 154] فكما أسند الفعل هناك إلى النعاس أو الأمنة التي هي سبب النعاس؛ كذلك في هذه الآية، ومن قرأ (يُغْشِيكم) أو (يُغَشّيكم) فالمعنى واحد، وقد جاء التنزيل بهما في قوله تعالى: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: 9] وقال ﴿فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى﴾ [النجم: 54] وقال: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ﴾ [يونس: 27]،وإسناد الفعل في هذا إلى الله تعالى أشبه بما بعده من قوله (وينزل) (ويذهب). وقوله ﴿أَمَنَةً﴾ منصوب مفعول له كقولك: فعلت ذلك حذر الشر، والتأويل: إن الله جل وعز أمنهم أمنًا حتى غشيهم النعاس بما وعدهم من النصر [[التعليل بأن الأمن بسبب وعدهم بالنصر يحتاج إلى دليل ولم أجده، ويشكل على == هذا التعليل نزول الأمن عليهم بعد معركة أحد كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: 154]، ثم إن التعبير بقوله (أمنة منه) في قصة بدر، وبقوله: ﴿أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾ في قصة أحد ما يؤكد أن الأمن فيض من الله، ونفحة من نفحات رحمته على عباده المؤمنين سواء وعدوا بالنصر أم لم يوعدوا.]]. قال ابن مسعود: النعاس في القتال أمنةً من الله، وفي الصلاة من الشيطان [[رواه ابن جرير 9/ 193 - 194، والسمرقندي 2/ 9، والثعلبي 6/ 42 ب، والبغوي 3/ 334.]]. وغشيان النعاس أصحاب بدر، كغشيانه إياهم يوم أُحد، وقد ذكرنا الكلام فيه وفي قوله ﴿أَمَنَةً﴾، في سورة آل عمران. وقوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ ذكر أهل التفسير [[انظر: "تفسير ابن جرير" 13/ 412 - 426، والثعلبي 6/ 43 أ، و"الدر المنثور" 4/ 32، 33.]] أن المسلمين لما بايتوا المشركين ببدر أصابت جماعة منهم جنابات احتاجوا لها إلى الماء فساءهم عدم الماء عند فقرهم إليه، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء وغلبوهم عليه [[في (ج): (إليه).]]، فوسوس إليهم الشيطان أن ذلك عون من الله للعدو، وقال لهم: كيف ترجون الظفر عليهم وقد غلبوكم على الماء [[تضاربت الروايات فيمن غلب على الماء، فالمشهور أن المسلمين غلبوا عليه، وصنعوا حوضًا كبيرًا، وقد روى ذلك البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 321 عن ابن شهاب وعروة بن الزبير وعاصم بن عمر وموسى بن عقبة، ورواه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" 2/ 259 - 260 عن رجال من بني سلمة، وكلا الإسنادين غير متصل. وروى ابن جرير 9/ 195 عن ابن عباس أن المشركين هم الذين غلبوا على الماء، == لكن سند هذه الرواية مسلسل بالضعفاء، وهم أسرة العوفي، انظر: "تفسير ابن جرير" 1/ 263 حاشية (1)، وقد أبدع المحقق في بيان ذلك. وهناك رواية أخرى عن ابن عباس عند ابن جرير 9/ 196 تفيد أن المشركين غلبوا على الماء أول الأمر، وسندها ضعيف أيضًا لأن أحد رجالها مدلس وهو ابن جريج، ولم يصرح بالتحديث. انظر: "إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس" ص 37. والذي صح عن ابن عباس ما رواه ابن جرير 9/ 195 من رواية علي بن أبي طلحة أنه قال: نزل النبي ﷺ يعني حين سار إلى بدر والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ، فوسوس بينهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء .. إلخ. لكن هذه الرواية ليست نصًّا في غلبة المشركين على الماء لاحتمال وصول المسلمين إليه بعد نزول المطر، وأما قوله: (وقد غلبكم المشركون) فهو من وسوسة الشيطان لا حقيقة. والله أعلم.]] وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين وتزعمون أنكم أولياء الله وفيكم نبيه؟! فأنزل الله تعالى مطرًا أسال منه الوادي حتى اغتسلوا وتطهروا وزالت الوسوسة؛ فذلك قوله: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ أي من الأحداث والجنابة، ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ أي وسوسته التي تكسب عذاب الله وغضبه، ولذلك سمى الوسوسة رجزًا [[قال ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ص 471 الرجز: العذاب. قال تعالى -حكايته عن قوم فرعون-: ﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ﴾ [الأعراف: 134] أي العذاب، ثم قد يسمى كيد الشيطان رجزًا؛ لأنه سبب العذاب، قال الله تعالى: ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾.]]، ومضى الكلام في الرجز وأن معناه العذاب [[البقرة: 59.]]، ومن المفسرين من يحمل رجز الشيطان على الجنابة وهي من الشيطان [[انظر: "البحر المحيط" 5/ 283، و"تفسير الفخر الرازي" 15/ 138.]]. وقال عطاء: رجز الشيطان: تخويفه إياهم بالعطش [[لم أعثر عليه فيما بين يدي من مراجع.]]، وهذا أيضًا نوع من الوسوسة. وقوله تعالى: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ قال ابن عباس: باليقين والعز والنصر [[لم أجد من ذكره عن ابن عباس، وقد ذكر ابن الجوزي عنه أنه قال: بالصبر، انظر: "زاد المسير" 3/ 328.]]، ومعنى الربط في اللغة: الشد، ذكرنا ذلك في قوله: ﴿وَرَابِطُواْ﴾ [آل عمران:200] ويقال: لكل من صبر عل أمر: ربط قلبه، كأنه حبس قلبه عن أن يضطرب، ويقال: رجل رابط الجأش، قال الأصمعي: هو الذي يربط نفسه يكفها بجرأته [[في "تهذيب اللغة": لجرأته.]] وشجاعته [[انظر: "تهذيب اللغة" (ربط) 2/ 1346.]]، ومنه قول لبيد: رابط الجأش على كل وجل [[هذا عجز بيت وصدره: يُسْئِد السير عليها راكب انظر: "ديوانه" ص 176، ومعنى: يسئد: يغذّ ويسرع، كما في المصدر نفسه.]] ويشبه أن يكون (على) هاهنا صلة، والمعنى وليربط قلوبكم بالصبر [[في (م): (النصر)، واللفظ ساقط من (س).]] وما أوقع فيها من اليقين فتثبت ولا تضطرب. وقوله [[من (م).]]: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ قال المفسرون: وذلك أن المسلمين كانوا [قد نزلوا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]] على كثيب تغوص فيه أرجلهم، فلبده المطر حتى ثبتت عليه الأقدام [[انظر: "تفسير ابن جرير" 9/ 194، و"تفسير الثعلبي" 6/ 43 أ.]]، والكناية تعود على الماء. قال الزجاج: وجائز أن يكون (به): بالربط؛ لأن (يربط) يدل عليه، فكأنه قال: ويثبت بالربط أقدامكم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 404 بتصرف.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب