الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾. قال ابن عباس: (﴿لَرَفَعْنَاهُ﴾ بعلمه بها) [[أخرجه الطبري 9/ 127، بسند ضعيف، وذكره الثعلبي 6/ 23 ب، والبغوي 3/ 304، والخازن 2/ 315، وقال ابن الجوزي 3/ 290: (هاء الكناية تعود إلى الإنسان المذكور وهو قول الجمهور والمعنى: ولو شئنا لرفعنا منزلته بما علمناه) اهـ. وهو اختيار الطبري 9/ 127، والسمرقندي 1/ 583.]]، أي بالآيات، يعني وفقناه للعمل بها، فكنا نرفع بذلك منزلته. وقال عطاء [[ذكره الثعلبي 6/ 23 ب، والبغوي 3/ 304، والخازن 3/ 315، عن عطاء فقط، وانظر: "تفسير الماوردي" 2/ 280.]] عنه: (يريد: لعصمتُه عن معاصي). وهو اختيار الزجاج لأنه قال: (أي: لو شئنا أن نحول فيما بينه وبين المعصية لفعلنا) [["معاني الزجاج" 2/ 391، وهو قول النحاس في "معانيه" 3/ 106.]]. وهذا كالقول الأول، لأنه إذا لم يعصمه عن المعصية لم يوفقه للعمل بالآيات، ولو وفقه عصمه عن المعصية، ولو عصمه أستحق الرفعة بالآيات. وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾. قال الفراء: (ركن إليها وسكن). قال: (ويقال: خلد إلى الأرض بغير ألف وهي قليلة) [[هنا في (ب) وقع اضطراب في ترتيب الأوراق فوقع الوجه ب من ص 177 في 185 ب.]]. ونحو ذلك قال الزجاج [["معاني الفراء" 1/ 399. وانظر: "غريب القرآن" لليزيدي ص 153، و"تفسير غريب القرآن" 1/ 182، و"تفسير الطبري" 9/ 128، و"تفسير المشكل" ص 88.]] والكسائي [["معاني الزجاج" 2/ 391. وقال الأخفش في "معانيه" 2/ 315: إلا نعلم أحدًا يقول: خلد، وقوله ﴿أَخْلَدَ﴾ أي: لجأ إليها) اهـ.]] في خلد وأخلد [["تهذيب اللغة" 1/ 1080 (خلد). انظر: "العين" 4/ 231، و"المنجد" لكراع ص 78، و"الجمهرة" 1/ 579، و"الصحاح" 2/ 469، و"المجمل" 2/ 299، و"مقاييس اللغة" 2/ 207، و"المفردات" ص 291، و"اللسان" 2/ 1225 (خلد).]]، وقال أصحاب العربية: (أصل الإخلاد اللزوم على الدوام، وكأنه قيل: لزم الميل إلى الأرض، ومن هذا يقال: أخلد فلان بالمكان إذا لزم الإقامة به) [[انظر: "مجاز القرآن" 2/ 233، و"تفسير الطبري" 9/ 128، و"نزهة القلوب" ص 74، و"الدر المصون" 5/ 516.]]. قال مالك [[مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد اليربوعي التميمي، أبو حنظلة، شاعر فحل، وفارس مغوار، من أرداف الملوك في الجاهلية. يقال له: الجفول، وسمي ذا الخمار نسبة إلى فرسه، أدرك الإسلام فأسلم، وولاه رسول الله ﷺ صدقات قومه بني يربوع فبقي كذلك حتى وفاة النبي ﷺ ثم اضطرب عمله ولم يحمد، ورأى خالد بن الوليد ما استوجب قتله عنده فقتله، وقيل: ارتد فقتل في حروب الردة، انظر: "طبقات فحول الشعراء" 1/ 204، و"الشعر والشعراء" ص 209، و"الأغاني" 15/ 289، و"معجم المرزباني" ص 232، و"الإصابة" 3/ 357، و"الأعلام" 5/ 267.]] بن نويرة: بأبناء حيٍّ من قبائل مالكٍ ... وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا [["الشاهد في الأصمعيات" ص 193، و"تفسير الطبري" 9/ 128، والثعلبي 6/ 23 ب والرازي 15/ 56، و"بدائع التفسير" لابن القيم 2/ 310، و"الدر المصون" 5/ 516.]] قال ابن عباس: ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]]، يريد: مال إلى الدنيا) [["تنوير المقباس" 2/ 141، وذكره الرازي 15/ 56.]]. وقال مقاتل: (رضي بالدنيا) [["تفسير مقاتل" 2/ 75، وفيه: (رضي بالدنيا وركن إليها) اهـ.]]. وقال الزجاج: (ولكنه سكن إلى الدنيا) [["معاني الزجاج" 2/ 391، وقال أيضًا: (المعنى: أنه سكن إلى لذات الأرض) اهـ. وقال الطبري 13/ 261: (سكن إلى الحياة الدنيا في الأرض ومال إليها وآثر لذاتها وشهواتها على الآخرة) اهـ. وانظر: "معاني النحاس" 3/ 106، والسمرقندي 1/ 583، والماوردي 2/ 282.]]. فهؤلاء فسروا ﴿الْأَرْضِ﴾ في هذه الآية بالدنيا، وذلك لأن الدنيا هي الأرض؛ لأن ما فيها من العقار والرباع [["الرِّباع": جمع ربع، وهي الدار والمحلة والموضع يرتع فيه في الربيع، انظر: "القاموس" ص 718 (ربع).]] والضياع كلها أرض، وسائر متاعها يستخرج من الأرض، فالدنيا كلها هي الأرض [[جاء في (ب) بعد قوله: (كلها هي الأرض) تكرار قوله: (سائر متاعها) إلى (كلها هي الأرض) وعليه ضرب.]]، فصلح أن يعبر عنها بالأرض لأنها هي [[انظر: "تفسير ابن الجوزي" 1/ 290، والرازي 15/ 56، والخازن 2/ 315، وقال القرطبي 7/ 322: (كأن المعنى: لزم لذات الأرض، فعبر عنها بالأرض، لأن متاع الدنيا على وجه الأرض) اهـ.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾. قال ابن عباس: (يريد: ما زين له الشيطان) [[لم أقف عليه]]. وقال ابن زيد: (كان هواه مع القوم) [[أخرجه الطبري 9/ 128، وابن أبي حاتم 5/ 1620 بسند جيد.]]. وقال أهل المعاني: (انقاد لما دعاه إليه الهوى، والهوى يدعو إلى أمور تجر إلى الهلاك، فكان القابل لدعاه متبعًا له) [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 361.]]. وقال أهل [[قال النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 652: (في هذه الآية أعظم الفائدة لمن تدبرها، وذلك أن فيها منعًا من التقليد لعالم إلا بحجة يبينها؛ لأن الله عز وجل أخبر أنه أعطى هذا آياته فانسلخ منها فوجب أن يخاف مثل هذا على غيره وأن لا يقبل منه إلا بحجة) اهـ.]] العلم: (هذه الآية من أشد الآي على أصحاب العلم، وذلك أن الله تعالى أخبر أنه آتاه آياته من اسمه الأعظم والدعوات المستجابة والعلم والحكمة، فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتباع الهوى تغيير النعمة عليه، والانسلاخ عنها، ومن الذي سلم من هاتين الخلتين، إلا من عصمه الله) [[انظر: "تفسير البغوي" 3/ 304، وابن الجوزي 3/ 209، والرازي 15/ 56، الخازن 2/ 315.]]. وقوله تعالى: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾، قال الليث: (اللَّهث لهث الكلب عند الإعياء وعند شدة الحر، وهو إدلاع اللسان من العطش) [["تهذيب اللغة" 4/ 3306، وانظر: "العين" 4/ 42 (لهث).]]. وقال الفراء [[لم أقف عليه.]] في "المصادر": (يقال اللهْثُ واللهَث واللهثان) [[قال السمين في "الدر" 5/ 517: (يقال لهث يلهث -بفتح العين في الماضي والمضارع-، لهثًا ولهثًا -بفتح اللام وضمها- وهو خروج لسانه في حال راحته وإعيائه، وأما غيره من الحيوان فلا يلهث إلا إذا أعيا أو عطش) اهـ. وفي "الصحاح" 2/ 292: (اللهثان بالتحريك العطش وبالتسكين العطشان وقد لهث لهثًا ولهاثًا مثل سمع سماعًا ولهث بالفتح يلهث لهثًا ولهاثًا بالضم، إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش وكذلك الرجل إذا أعيا) اهـ. وانظر: "الجمهرة" 1/ 433، و"المجمل" 3/ 796، و"مقاييس اللغة" 5/ 214، و"المفردات" ص 748، و"اللسان" 7/ 4083 (لهث).]]. قال مجاهد: (هذا مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به) [["تفسير مجاهد" 1/ 251، وأخرجه الطبري 9/ 129، وابن أبي حاتم 5/ 1620 من طرق جيدة.]]. و [[لفظ: (الواو) ساقط من (ب).]] قال ابن عباس: (معناه: إن تحمل عليه الحكمة لم يحملها، وإن ترك لم يهتد لخير، كالكلب إن كان رابضًا لهث وإن طرد لهث) [[أخرجه الطبري 9/ 129، وابن أبي حاتم 5/ 1620 بسند جيد.]]. وقال الحسن: (هو المنافق لا يُنيب [[في (ب): (لا يثبت).]] إلى الحق، دُعي أو لم يدع، وعظ أو لم يوعظ، كالكلب يلهث طردًا وتركًا) [[ذكره الثعلبي 6/ 24 أ، وفيه: (لا ينيب)، وأخرج الطبري 9/ 129 بسند جيد عن الحسن في الآية قال: (هذا مثل الكافر ميت الفؤاد) اهـ.]]. وروي معمر [[معمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي. تقدمت ترجمته.]] عن بعضهم قال: (هو الكافر؛ ضال إن وعظته وإن لم تعظه) [[أخرجه الطبري 9/ 129، بسند جيد عن معمر عن بعضهم، وذكره الثعلبي 6/ 24 أ، وقال الشيخ أحمد شاكر في "حاشية الطبري": (كأنه يعني بقوله عن بعضهم الكلبي ولذلك نكّره) اهـ. وقد أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 244، عن معمر عن الكلبي، وذكره هود الهواري 2/ 60 عن الكلبي.]]، فهذا قول المفسرين في تفسير هذا المثل، ويحتاج إلى الشرح حتى يتبين وجه التمثيل بين هذا الكافر وبين الكلب، وهو أن يقال: أراد أن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر، وإن تركته لم يهتد، فالحالتان عنده سواء كحالتي الكلب؛ فإنه إن طرد وحمل عليه بالطرد كان لاهثًا، وإن ترك وربض كان أيضًا لاهثًا، فهو [في الحالتين لاهث كهذا الكافر] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] في الحالتين ضال، وذلك أن بلعام زُجر ونهي عن الدعاء على موسى في ينزجر ولم ينتفع بالزجر، يبين هذا ما قاله أبو إسحاق قال: (ضرب الله تعالى للتارك لآياته والعادل عنها أحسن [[في (أ): (أخس شيء في أخس أحواله)، وفي (ب): (أحسن شيء في أحسن أحواله) وعند الزجاج في "معانيه" 2/ 391: (أحسن مثل في أخس أحواله).]] شيء في أخس أحواله مثلًا فقال: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ﴾، إذا كان الكلب لهثان؛ لأن التمثيل به على أنه على كل حال حملت عليه أو لم تحمل، فمعناه: فمثله كمثل الكلب لاهثًا) [["معاني الزجاج" 2/ 391، ونحوه قال النحاس في "معانيه" 3/ 106.]]. فقد بين أبو إسحاق أنه مثل بالكلب إذا كان لاهثًا، واللهث في الكلاب طباع، وقد كشف ابن قتيبة عن هذا المعنى فقال: (كل شيء يَلهثُ إنما يلهث من إعباء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال، وحال الراحة، وحال الري، وحال العطش، فضربه الله مثلًا لهذا الكافر [[في "تأويل مشكل القرآن" ص 369: (لمن كذب بآياته).]] فقال: إن وعظته فهو ضال، وإن تركته فهو ضال كالكلب إن طردته لهث وإن تركته على حاله لهث) [["تأويل مشكل القرآن" ص 369.]] انتهى كلامه، وهذا التمثيل لم يقع لكل كلب إنما وقع بالكلب اللاهث، وذلك بأخس ما يكون وأبشعه [[في (ب): (كأنها أشنعه) وقال القرطبي 7/ 323: (هذا المثل في قول كثير من أهل العلم بالتأويل عام في كل من أوتي القرآن فلم يعمل به وقيل: هو في كل منافق والأول أصح) اهـ. وانظر: "تفسير الطبري" 13/ 273، والسمرقندي 1/ 583، و"بدائع التفسير" 2/ 312 - 314.]] ثم قال عز من قائل: ﴿ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾. فعم بهذا التمثيل جميع المكذبين بآيات الله. قال عطاء عن ابن عباس: (يريد: أهل مكة كانوا يتمنون هاديًا يهديهم وداعيًا يدعوهم إلى طاعة الله، فلما جاءهم من لا يشكون في صدقه كذبوه) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 272، والرازي 15/ 57، وذكره البغوي 3/ 305 بلا نسبة.]]، والتمثيل بينهم وبين الكلب كالتمثيل الأول فإنهم لم يهتدوا لما تركوا، ولم يهتدوا أيضًا لما دعوا بالرسول والكتاب، وزجروا بالوعيد، وكانوا ضالين عن الرشد في الحالتين كهذا الكلب اللاهث في الحالتين لاهث طرد أو ترك [[في (ب): (ترك وطرد)، وانظر: "تفسير الطبري" 9/ 129، والسمرقندي 1/ 583.]]. وقوله تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ﴾. قال عطاء [[لفظ: (عطاء) ساقط من (ب).]]: (يريد: قصص الذين كفروا وكذبوا أنبيائهم. ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾. يريد: يتعظون) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 272، وابن الجوزي 3/ 291، وذكره الرازي 15/ 57، بلا نسبة.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب