الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها﴾ في هاءِ الكِنايَةِ في "رَفَعْناهُ" قَوْلانِ. (p-٢٩٠)أحَدُهُما: أنَّها تَعُودُ إلى الإنْسانِ المَذْكُورِ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ؛ فَيَكُونُ المَعْنى: ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْنا مَنزِلَةَ هَذا الإنْسانِ بِما عَلِمْناهُ. والثّانِي: أنَّها تَعُودُ إلى الكُفْرِ بِالآَياتِ، فَيَكُونُ المَعْنى: لَوْ شِئْنا لَرَفَعْنا عَنْهُ الكُفْرَ بِآَياتِنا، وهَذا المَعْنى مَرْوِيٌّ عَنْ مُجاهِدٍ. وقالَ الزَّجّاجُ: لَوْ شِئْنا لَحُلْنا بَيْنَهُ وبَيْنَ المَعْصِيَةِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَكِنَّهُ أخْلَدَ إلى الأرْضِ﴾ أيْ: رَكَنَ إلى الدُّنْيا وسَكَنَ. قالَ الزَّجّاجُ: يُقالُ: أخْلَدَ وخُلِّدَ، والأوَّلُ أكْثَرُ في اللُّغَةِ. والأرْضُ هاهُنا عِبارَةٌ عَنِ الدُّنْيا، لِأنَّ الدُّنْيا هي الأرْضُ بِما عَلَيْها. وفي مَعْنى الكَلامِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ رَكَنَ إلى أهْلِ الدُّنْيا، ويُقالُ: إنَّهُ أرْضى امْرَأتَهُ بِذَلِكَ، لِأنَّها حَمَلَتْهُ عَلَيْهِ. وقِيلَ: أُرْضِي بَنِي عَمِّهِ وقَوْمِهِ. والثّانِي: أنَّهُ رَكَنَ إلى شَهَواتِ الدُّنْيا؛ وقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿واتَّبَعَ هَواهُ﴾ والمَعْنى أنَّهُ انْقادَ لَمّا دَعاهُ إلَيْهِ الهَوى. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: كانَ هَواهُ مَعَ قَوْمِهِ. وهَذِهِ الآَيَةُ مِن أشَدِّ الآَياتِ عَلى أهْلِ العِلْمِ إذْ مالُوا عَنِ العِلْمِ إلى الهَوى. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ مَعْناهُ: أنَّ هَذا الكافِرَ، إنْ زَجَرْتَهُ لَمْ يَنْزَجِرْ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَهْتَدِ، فالحالَتانِ عِنْدَهُ سَواءٌ كَحالَتَيِ الكَلْبِ، فَإنَّهُ إنْ طُرِدَ وحُمِلَ عَلَيْهِ بِالطَّرْدِ كانَ لاهِثًا، وإنْ تُرِكَ ورُبِضَ كانَ أيْضًا لاهِثًا، والتَّشْبِيهُ بِالكَلْبِ اللّاهِثِ خاصَّةً؛ فالمَعْنى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ لاهِثًا؛ وإنَّما شَبَّهَهُ بِالكَلْبِ اللّاهِثِ، لِأنَّهُ أخَسُّ الأمْثالِ عَلى أخَسِّ الحالاتِ وأبْشَعِها. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كُلُّ لاهِثٍ إنَّما يَلْهَثُ مِن إعْياءٍ أوْ عَطَشٍ، إلّا الكَلْبُ، فَإنَّهُ يَلْهَثُ في حالِ راحَتِهِ وحالِ كَلالِهِ، فَضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا لِمَن كَذَّبَ بِآَياتِهِ، فَقالَ: إنْ (p-٢٩١)وَعَظْتَهُ فَهو ضالٌّ، وإنْ لَمْ تَعِظْهُ فَهو ضالٌّ، كالكَلْبِ إنْ طَرَدْتَهُ وزَجَرْتَهُ فَسَعى لَهَثَ، أوْ تَرَكْتَهُ عَلى حالِهِ رابِضًا لَهَثَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: زَجَرَ في مَنامِهِ عَنِ الدُّعاءِ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ فَلَمْ يَنْزَجِرْ، وخاطَبَتْهُ أتانُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، فَضَرَبَ لَهُ هَذا المَثَلَ ولِسائِرِ الكُفّارِ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ لِأنَّ الكافِرَ إنْ وعَظْتَهُ فَهو ضالٌّ، وإنْ تَرَكْتَهُ فَهو ضالٌّ؛ وهو مَعَ إرْسالِ الرُّسُلِ إلَيْهِ كَمَن لَمْ يَأْتِهِ رَسُولٌ ولا بَيِّنَةٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاقْصُصِ القَصَصَ﴾ قالَ عَطاءٌ قَصَصُ الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا أنْبِياءَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب