الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾. قال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ﴾ يا محمد، يريد على قومك، ﴿نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ كما كان، يريد هابيل وقابيل. وكان هابيل له ضأن، وقابيل له زرع، ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ فنظر هابيل إلى خير كبش في ضأنه فتقرب به إلى الله، ونظر قابيل إلى شر قمحه، فتقرب به إلى الله، فنزلت نار من السماء فاحتملت قربان هابيل، ولم تحمل قربان قابيل، فعلم أن الله قد قَبِلَ من أخيه ولم يقبل منه فحسده، قال الله تعالى: ﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا﴾ يريد هابيل ﴿وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾ يريد قابيل. ويقال إن قربان هابيل هو الكبش الذي فدى الله به إسماعيل [[كأن هذا القول اعتراض ضمن قول ابن عباس، فإنه نُسِب إلى سعيد بن جبير. انظر القرطبي في "تفسيره" 6/ 134.]] ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ﴾ هابيل {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}. انتهى كلامه [[الأثر أخرجه الطبري في "تفسيره" بمعناه من طريقين: أحدهما طريق العوفي عن ابن عباس، والثاني طريق أبي صالح عنه. انظر: "جامع البيان" 6/ 186 - 189، وذكره البغوي في "تفسيره" 6/ 42، وابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 333.]]. وهذا قول جميع أهل التفسير إلا الحسن والضحاك فإنهما قالا: إن ابني آدم اللذين قربا قربانًا لم يكونا ابني آدم لصلبه، إنما كانا رجلين من بني اسرائيل [[أخرجه عن الحسن الطبري في "تفسيره" 6/ 189، وانظر: "النكت والعيون" 2/ 27، "زاد المسير" 2/ 331، ورجح كل من الطبري في "تفسيره" وابن الجوزي القول الأول، وأنهما ابني آدم لصلبه.]]. ومضى الكلام في معنى القربان في سورة آل عمران. وتقديره قوله: ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ قرب كل واحد منهما قربانا، نجمعهما في الفعل وأفرد الاسم؛ لأنه يستدل بفعلها على أن لكل واحد قربانًا. وقيل: إن القربان اسم جنس، فهو يصلح للواحد وللعدد، على أن القربان مصدر كالرُّجحان والعُدوان والكُفران، يقال: قَرَّبْت الرجل [[قربت الرجل: أي أدنيته، من القرب ضد البعد. انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2915 (قرب).]] أقربه قُربًا وقُربانًا [[انظر: الطبري في "تفسيره" 6/ 190، "زاد المسير" 2/ 332.]]. وكان الرجل فيما مضى إذا رفع إلى الله حاجة قدم أمامها نسيكة، وكاذت تلك الذبيحة تسمى: قربانا، إذ [[في (ج): (إذا).]] كان صاحبها يتقرب إلى الله، فسمي المتقرب به قربانًا، والمصادر لا تثنى ولا تجمع. وقوله تعالى: ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾. مختصر، أي قال الذي لم يتقبل منه للثاني: لأقتلنك، فحذف لأن المعنى يدل على أن الذي لم يتقبل منه هو القائل بحسده لأخيه: لأقتلنك. قاله الفراء [["معاني القرآن" 1/ 305، ولا يزال الكلام له.]]. ومثله في الكلام أن تقول إذا اجتمع السفيه والحليم: حمد، تنوي بالحمد الحليم. وإذا رأيت الظالم والمظلوم: أعنت، وأنت تنوي المظلوم، للمعنى الذي لا يُشكل [[انتهى من "معاني القرآن" 1/ 305، وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 166، "زاد المسير" 2/ 334.]]. وقوله تعالي: ﴿قَرَّبَا﴾. ليس معناه من القريب الذي هو ضد البعيد، ولكنه من قولهم قرّب قربانًا، إذا تقرب بمال له [[في (ش): (لنا).]] إلى الله تعالى، وليس معنى ﴿قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ قربه إلى موضع. وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. أي المتقين للمعاصي [[انظر: "زاد المسير" 2/ 334.]]، فأطلق للعلم بأن المراد أنها أحق ما يجب أن يُخَاف منه. قال ابن عباس: قال له هابيل: إنما يتقبل الله ممن كان زاكيَ القلب، ورد عليك لأنك لست بزاكي القلب [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 112.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب