الباحث القرآني
ولَمّا كانَتْ قِصَّتُهم هَذِهِ - في أمْرِهِمْ بِالدُّخُولِ إلى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ؛ لِما فِيها مِن نَقْضِ العُهُودِ والتَّبَرُّؤِ مِنَ اللَّهِ؛ والحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِالفِسْقِ؛ والتَّعْذِيبِ - ناقِضَةً لِما ادَّعاهُ اليَهُودُ مِنَ البُنُوَّةِ؛ كانَ ذَلِكَ كافِيًا في إبْطالِ مُدَّعى النَّصارى لِذَلِكَ؛ لِأنَّهم أبْناءُ اليَهُودِ؛ وإذا بَطَلَ كَوْنُ أبِيكَ ابْنًا لِأحَدٍ بَطَلَ أنْ تَكُونَ أنْتَ ابْنَهُ؛ لَمّا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ ناسَبَ أنْ تُعْقَبَ بِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ؛ لِما يُذْكَرُ؛ فَقالَ (تَعالى) - عاطِفًا عَلى قَوْلِهِ -: ﴿وإذْ قالَ مُوسى﴾ [المائدة: ٢٠] ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ﴾؛ (p-١١٣)؛ أيْ: عَلى المَدْعُوِّينَ؛ الَّذِينَ مِن جُمْلَتِهُمُ اليَهُودُ؛ تِلاوَةً؛ وهي مِن أعْظَمِ الأدِلَّةَ عَلى نُبُوَّتِكَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لا عِلْمَ لَكَ ولا لِقَوْمِكَ بِهِ؛ إلّا مِن جِهَةِ الوَحْيِ؛ ﴿نَبَأ ابْنَيْ آدَمَ﴾؛ أيْ: خَبَرَهُما الجَلِيلَ العَظِيمَ؛ تِلاوَةً مُلْتَبِسَةً؛ ﴿بِالحَقِّ﴾؛ أيْ: الخَبَرِ الَّذِي يُطابِقُهُ الواقِعُ؛ إذا تُعُرِّفَ مِن كُتُبِ الأوَّلِينَ؛ وأخْبارِ الماضِينَ؛ كائِنًا ذَلِكَ النَّبَأُ؛ ﴿إذْ﴾؛ أيْ: حِينَ؛ ﴿قَرَّبا﴾؛ أيْ: ابْنا آدَمَ؛ ولَمّا لَمْ يَتَعَلَّقِ الغَرَضُ في هَذا المَقامِ بِبَيانِ أيِّ نَوْعٍ قَرَّبا مِنهُ؛ قالَ: ﴿قُرْبانًا﴾؛ أيْ: بِأنْ قَرَّبَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما شَيْئًا مِن شَأْنِهِ أنْ يُقَرِّبَ إلى المَطْلُوبِ؛ مُقارَبَتَهُ غايَةَ القُرْبِ.
ولَمّا كانَ المُؤْثِرُ لِلْحَسَدِ إنَّما هو عَدَمُ التَّقَبُّلِ؛ لا بِالنِّسْبَةِ إلى مُتَقَبِّلٍ خاصٍّ؛ بَناهُ لِلْمَفْعُولِ؛ فَقالَ: ﴿فَتُقُبِّلَ﴾؛ أيْ: قُبِلَ قَبُولًا عَظِيمًا؛ ظاهِرًا لِكُلِّ أحَدٍ؛ ﴿مِن أحَدِهِما﴾؛ أبْهَمَهُ أيْضًا؛ لِعَدَمِ الِاحْتِياجِ في هَذا السِّياقِ إلى تَعْيِينِهِ؛ ﴿ولَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ﴾؛ عَلِما ذَلِكَ بِعَلامَةٍ كانَتْ لَهم في ذَلِكَ؛ إمّا أكْلِ النّارِ لِلْمَقْبُولِ؛ كَما قالُوهُ؛ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها مِن حَيْثُ إنَّها أيْضًا ناقِضَةٌ لِدَعْواهُمُ البُنُوَّةَ؛ لِأنَّ قابِيلَ مِمَّنْ وُلِدَ في الجَنَّةِ؛ عَلى ما قِيلَ؛ ومَعَ ذَلِكَ فَقَدْ عُذِّبَ لَمّا نَقَضَ العَهْدَ؛ فانْتَفى أنْ يَكُونَ ابْنًا؛ وكانَ هو وغَيْرُهُ شَرْعًا واحِدًا دائِرًا أمْرُهم في (p-١١٤)العَذابِ؛ والثَّوابِ؛ عَلى الوَفاءِ؛ والنَّقْضِ؛ مَن وفى كانَ حَبِيبًا ولِيًّا؛ ومَن نَقَضَ كانَ بَغِيضًا عَدُوًّا؛ وإذا انْتَفَتِ البُنُوَّةُ عَنْ ولَدٍ لِآدَمَ - صَفِيِّ اللَّهِ - مَعَ كَوْنِهِ لِصُلْبِهِ؛ لا واسِطَةَ بَيْنَهُما؛ ومَعَ كَوْنِهِ وُلِدَ في الجَنَّةِ؛ دارِ الكَرامَةِ؛ فانْتِفاؤُها عَمَّنْ هو أسْفَلُ مِنهُ مِن بابِ الأوْلى؛ وكَذا المَحَبَّةُ؛ ومِنَ المُناسَباتِ أيْضًا أنَّ كُفْرَ بَنِي إسْرائِيلَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ إنَّما هو لِلْحَسَدِ؛ فَنُبِّهُوا بِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ عَلى أنَّ الحَسَدَ يَجُرُّ إلى ما لا يُرْضِي اللَّهَ؛ وإلى ما لا يَرْضاهُ عاقِلٌ؛ ويَكُبُّ في النّارِ؛ ومِنها أنَّ في قِصَّةِ بَنِي إسْرائِيلَ إحْجامَهم عَنْ قِتالِ أعْداءِ اللَّهِ؛ البُعَداءِ مِنهُمُ؛ المَأْمُورِينَ بِقِتالِهِمُ؛ المَوْعُودِينَ عَلَيْهِ بِخَيْرَيِ الدّارَيْنِ؛ وأنَّ اللَّهَ مَعَهم فِيهِ؛ وفي قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ إقْبالُ قابِيلَ عَلى قَتْلِ أخِيهِ؛ حَبِيبِ اللَّهِ؛ المَنهِيِّ عَنْ قَتْلِهِ؛ المُتَوَعَّدِ بِأنَّ اللَّهَ يَتَبَرَّأُ مِنهُ إنْ قَتَلَهُ؛ فَفي ذَلِكَ تَأْدِيبٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عِنْدَ كُلِّ إقْدامٍ؛ وإحْجامٍ؛ وتَذْكِيرٌ بِالنِّعْمَةِ في حِفْظِهِمْ مِن مِثْلِ ذَلِكَ؛ وأنَّ فِيها أنَّ مُوسى؛ وهارُونَ - عَلَيْهِما السَّلامُ - أخَوانِ في غايَةِ الطَّواعِيَةِ في أنْفُسِهِما؛ ورَحْمَةِ كُلٍّ مِنهُما لِلْآخَرِ؛ والطّاعَةِ لِلَّهِ؛ وقِصَّةُ ابْنَيْ آدَمَ بِخِلافِ ذَلِكَ؛ وفي ذَلِكَ تَحْذِيرٌ مِمّا جَرَّ إلَيْهِ؛ وهو الحَسَدُ؛ وأنَّ في قِصَّةِ بَنِي إسْرائِيلَ أنَّهم لَمّا قَدَّمُوا الغَنائِمَ لِلنّارِ فَلَمْ تَأْكُلْها؛ عَلِمَ نَبِيُّهم ﷺ أنَّها لَمْ تُقْبَلْ لِغُلُولٍ غَلُّوهُ؛ فاسْتَخْرَجَهُ؛ ووَضَعَهُ فِيها؛ فَأكَلَتْها؛ فَفي ذَلِكَ الِاسْتِدْلالُ بِعَدَمِ أكْلِ النّارِ عَلى عَدَمِ القَبُولِ - كَما (p-١١٥)فِي قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ -؛ وأنَّ بَنِي إسْرائِيلَ عُذِّبُوا بِالمَنعِ مِن بَيْتِ المَقْدِسِ بِالتِّيهِ؛ وقابِيلَ نُفِيَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي كانَ فِيها مَقْتَلُ أخِيهِ؛ وأنَّ بَنِي إسْرائِيلَ تاهُوا أرْبَعِينَ سَنَةً عَلى عَدَدِ الأيّامِ الَّتِي غابَ فِيها نُقَباؤُهم في جَسِّ أخْبارِ الجَبابِرَةِ؛ وأنَّ قابِيلَ حَمَلَ هابِيلَ بَعْدَ أنْ قَتَلَهُ أرْبَعِينَ يَوْمًا - ذَكَرَهُ البَغَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُما - قالَ: وقَصَدَهُ السِّباعُ؛ فَحَمَلَهُ عَلى ظَهْرِهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا؛ وكُلُّ هَذِهِ مُحَسِّناتٌ؛ والعُمْدَةُ هو الوَجْهُ الأوَّلُ؛ وأحْسَنُ مِنهُ أنْ يَكُونَ الأمْرُ لِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَطْفًا عَلى النَّهْيِ في ”فَلا تَأْسَ“؛ والمَعْنى أنَّ الأرْضَ المُقَدَّسَةَ مَكْتُوبَةٌ لَهُمْ؛ كَما قَدِمْتَهُ أنْتَ أوَّلَ القِصَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] ”فَأنا مُورِثُها؛ لا مَحالَةَ؛ لِأبْنائِهِمْ وأنْتَ مَتُوفًّى قَبْلَ دُخُولِها؛ وقَدْ أجْرَيْتُ سُنَّتِي في بَنِي آدَمَ بِأنَّهم إذا تُوَطِّنُوا واسْتَراحُوا؛ تَحاسَدُوا؛ وإذا تَحاسَدُوا تَدابَرُوا؛ فَقَتَلَ بَعْضُهم بَعْضًا؛ فاتْلُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ القِصَّةَ لِتَكُونَ زاجِرَةً لَهم مِن أنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ إذا فَرَغُوا مِنَ الجَبابِرَةِ؛ وأبادُوهُمْ؛ وصَفَتْ لَهُمُ البِلادُ فَتَوَطَّنُوها؛ وأخْرَجْتُ لَهم بَرَكاتِها فَأبْطَرَتْهُمُ النِّعَمُ؛ ونَسُوا غَوائِلَ النِّقَمِ“؛ ويَكُونُ ذَلِكَ وعْظًا لِهَذِهِ الأُمَّةِ؛ ومانِعًا مِن فِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ؛ بَعْدَ إكْمالِ دِينِهِمْ ووَفاةِ نَبِيِّهِمْ؛ وإظْهارِهِمْ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ؛ كَما تَقَدَّمَ بِهِ الوَعْدُ لَهُمْ؛ فَقَهَرُوا العِبادَ؛ وفَتَحُوا البِلادَ؛ وانْتَثَلُوا كُنُوزَها؛ (p-١١٦)وتَحَكَّمُوا في أمْوالِها؛ فَنَسُوا ما كانُوا فِيهِ مِنَ القِلَّةِ؛ والحاجَةِ؛ والذِّلَّةِ؛ فَأبْطَرَتْهُمُ النِّعَمُ؛ وارْتَكَبُوا أفْعالَ الأُمَمِ؛ وأعْرَضُوا عَنْ غَوائِلِ النِّقَمِ - كَما قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «”دَبَّ إلَيْكم داءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ؛ والبَغْضاءُ؛ ألا والبَغْضاءُ هي الحالِقَةُ؛ لا أقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ؛ ولَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ“؛» أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ؛ والإمامُ أحْمَدُ؛ وأبُو داوُدَ الطَّيالِسِيُّ؛ في مَسْنَدَيْهِما؛ والبَزّارُ - قالَ المُنْذِرِيُّ: بِإسْنادٍ جَيِّدٍ -؛ والبَيْهَقِيُّ؛ وقالَ: «”لا يَزالُ النّاسُ بِخَيْرٍ ما لَمْ يَتَحاسَدُوا“؛» رَواهُ الطَّبَرانِيُّ؛ ورُواتُهُ ثِقاتٌ؛ وذَكَرَ الحافِظِ أبُو الرَّبِيعِ بْنُ سالِمٍ الكَلاعِيُّ؛ في القِسْمِ الثّانِي مِن سِيرَتِهِ؛ في فَتْحِ جَلُولاءَ؛ مِن بِلادِ فارِسٍ؛ أنَّ سَعْدَ بْنَ أبِي وقّاصٍ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ - لَمّا أرْسَلَ الغَنِيمَةَ إلى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ -؛ أقْسَمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يَخْبَأُها سَقْفُ بَيْتٍ حَتّى تُقَسَّمَ! فَوُضِعَتْ في صَحْنِ المَسْجِدِ؛ فَباتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أرْقَمَ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُما - يَحْرُسانِهِ؛ فَلَمّا جاءَ النّاسُ كُشِفَ عَنْهُ؛ فَنَظَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ - إلى ياقُوتَةٍ؛ وزَبَرْجَدَةٍ؛ وجَوْهَرَةٍ؛ فَبَكى؛ فَقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ما يُبْكِيكَ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ فَواللَّهِ إنْ هَذا إلّا مَوْطِنُ شُكْرٍ؛ فَقالَ عُمَرُ: ”واللَّهِ ما ذاكَ يُبْكِينِي؛ وتاللَّهِ ما أعْطى اللَّهُ هَذا قَوْمًا إلّا تَحاسَدُوا؛ وتَباغَضُوا؛ ولا تَحاسَدُوا إلّا أُلْقِيَ بَأْسُهم بَيْنَهُمْ“.
شَرْحُ قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ مِنَ التَّوْراةِ؛ قالَ المُتَرْجِمُ في أوَّلِها؛ بَعْدَ قِصَّةِ أكْلِ آدَمَ (p-١١٧)- عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ الشَّجَرَةِ؛ ما نَصُّهُ: (فَدَعا آدَمُ اسْمَ امْرَأتِهِ حَوّاءَ؛ مِن أجْلِ أنَّها كانَتْ أُمَّ كُلِّ حَيٍّ؛ وصَنَعَ الرَّبُّ لِآدَمَ وامْرَأتِهِ سَرابِيلَ مِنَ الجُلُودِ؛ وألْبَسَهُما؛ فَأرْسَلَهُ اللَّهُ مِن جَنَّةِ عَدْنٍ؛ لِيَحْرُثَ الأرْضَ الَّتِي مِنها أُخِذَ؛ فَأخْرَجَهُ اللَّهُ رَبُّنا؛ فَجامَعَ آدَمُ امْرَأتَهُ حَوّاءَ؛ فَحَبِلَتْ؛ ووَلَدَتْ قايِينَ؛ وقالَتْ: لَقَدِ اسْتَفَدْتُ لِلَّهِ رَجُلًا؛ وعادَتْ فَوَلَدَتْ أخاهُ هابِيلَ؛ فَكانَ هابِيلُ راعِيَ غَنَمٍ؛ وكانَ قايِينُ يَحْرُثُ الأرْضَ؛ فَلَمّا كانَ بَعْدَ أيّامٍ جاءَ قايِينُ مِن ثَمَرِ أرْضِهِ بِقُرْبانٍ لِلَّهِ؛ وجاءَ هابِيلُ أيْضًا مِن أبْكارِ غَنَمِهِ بِقُرْبانٍ؛ فَسُرَّ اللَّهُ بِهابِيلَ وقُرْبانِهِ؛ ولَمْ يُسَرَّ بِقايِينُ وقُرْبانِهِ؛ فَساءَ ذَلِكَ قايِينَ جِدًّا؛ وهَمَّ أنْ يَسُوءَهُ؛ وعَبَسَ وجْهُهُ؛ فَقالَ الرَّبُّ لِقايِينَ: ما ساءَكَ؟ ولِمَ كُسِفَ وجْهُكَ؟ إنْ أحْسَنْتَ تَقَبَّلْتُ مِنكَ؛ وإنْ لَمْ تُحْسِنْ فَإنَّ الخَطِيئَةَ رابِضَةٌ عَلى البابِ؛ وأنْتَ تُقْبِلُ إلَيْها؛ وهي تَتَسَلَّطُ عَلَيْكَ؛ فَقالَ قايِينُ لِهابِيلَ أخِيهِ: تَتَمَشّى بِنا في البُقْعَةِ؛ فَبَيْنَما هُما يَتَمَشَّيانِ في الحَرْثِ؛ وثَبَ قايِينُ عَلى أخِيهِ هابِيلَ فَقَتَلَهُ؛ فَقالَ اللَّهُ لِقايِينَ: أيْنَ هابِيلُ أخُوكَ؟ فَقالَ: لا أدْرِي؛ أرَقِيبٌ أنا عَلى أخِي؟ قالَ اللَّهُ: ماذا فَعَلْتَ؟! فَإنَّ دَمَ أخِيكَ يُنادِي لِي مِنَ الأرْضِ؛ مِنَ الآنَ مَلْعُونٌ أنْتَ مِنَ الأرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فاها (p-١١٨)فَقَبِلَتْ دَمَ أخِيكَ مِن يَدِكَ؛ فَإذا أنْتَ عَمِلْتَ في الأرْضِ فَإنَّها لا تَعُودُ تُعْطِيكَ حِراثَها؛ وتَكُونُ فَزِعًا تائِهًا في الأرْضِ؛ فَقالَ قايِينُ لِلرَّبِّ: عَظُمَتْ خَطِيئَتِي مِن أنْ تَغْفِرَها؛ وقَدْ أخْرَجْتَنِي اليَوْمَ عَنْ وجْهِ الأرْضِ؛ وأتَوارى مِن قُدّامِكَ؛ وأكُونُ فَزِعًا تائِهًا في الأرْضِ؛ وكُلُّ مَن وجَدَنِي يَقْتُلُنِي؟ فَقالَ اللَّهُ رَبُّنا: كَلّا! ولَكِنْ كَذَلِكَ كُلُّ قاتِلٍ؛ وأمّا قايِينُ فَإنَّهُ يُجْزى بَدَلَ الواحِدِ سَبْعَةً؛ فَخَرَجَ قايِينُ مِن قُدّامِ اللَّهِ؛ فَجَلَسَ في أرْضِ نُودٍ؛ شَرْقِيِّ عَدْنَ )؛ انْتَهى؛ قالَ البَغَوِيُّ عَنِ ابْنِ إسْحاقَ؛ عَنْ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ بِالكِتابِ الأوَّلِ: إنَّ آدَمَ كانَ يَغْشى حَوّاءَ في الجَنَّةِ؛ قَبْلَ أنْ يُصِيبَ الخَطِيئَةَ؛ فَحَمَلَتْ فِيها بِقابِيلَ؛ وتَوْأمَتِهِ - فَذَكَرَ قِصَّتَهُ في النِّكاحِ؛ وقَتْلَهُ لِأخِيهِ؛ وشُرْبَ الأرْضِ لِدَمِهِ؛ وقَوْلَ قابِيلَ لِلَّهِ - حِينَ قالَ لَهُ: إنَّهُ قَتَلَهُ -: إنْ كُنْتَ قَتَلْتَهُ فَأيْنَ دَمُهُ؟ فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلى الأرْضِ يَوْمَئِذٍ أنْ تَشْرَبَ دَمًا بَعْدَهُ أبَدًا؛ انْتَهى.
ولَمّا أخْبَرَ اللَّهُ (تَعالى) بِأنَّ أحَدَهُما فَعَلَ مَعَهُ مِن عَدَمِ القَبُولِ ما غاظَهُ؛ كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَما فَعَلَ حِينَ غَضِبَ؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ﴾؛ أيْ: لِأخِيهِ الَّذِي قُبِلَ قُرْبانُهُ؛ حَسَدًا لَهُ: ﴿لأقْتُلَنَّكَ﴾؛ فَكَأنَّهُ قِيلَ: بِمَ أجابَهُ؟ (p-١١٩)فَقِيلَ: نَبَّهَهُ أوَّلًا عَلى ما يَصِلُ بِهِ إلى رُتْبَتِهِ؛ لِيَزُولَ حَسَدُهُ؛ بِأنْ ﴿قالَ إنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ﴾؛ أيْ: يَقْبَلُ قَبُولًا عَظِيمًا؛ المُحِيطُ لِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وعِلْمًا؛ المَلِكُ الَّذِي لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ؛ فَلَيْسَ هو مُحْتاجًا إلى شَيْءٍ؛ وكُلُّ شَيْءٍ مُحْتاجٌ إلَيْهِ؛ ﴿مِنَ المُتَّقِينَ﴾؛ أيْ: العَرِيقِينَ في وصْفِ التَّقْوى؛ فَلا مَعْصِيَةَ لَهم يُصِرُّونَ عَلَيْها؛ بِشِرْكٍ ولا غَيْرِهِ؛ فَعَدَمُ تَقَبُّلِ قُرْبانِكَ مِن نَفْسِكَ؛ لا مِنِّي؛ فَلِمَ تَقْتُلُنِي؟ فَقَتْلُكَ لِي مُبْعِدٌ لَكَ عَمّا حَسَدْتَنِي عَلَيْهِ؛
{"ayah":"۞ وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَیۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانࣰا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ یُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡـَٔاخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا یَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق