الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ﴾ في الدنيا ﴿صِدْقُهُمْ﴾ في الآخرة؛ لأنه يوم الإثابة والجزاء، وما تقدم في الدنيا من الصدق إنما يتبين نفعه في هذا اليوم الذي نيل فيه جزاؤه [["تفسير الطبري" 7/ 141.]]. والدليل على أن المراد بالصادقين الذين صدقوا في الدنيا لا الصادقين في ذلك اليوم، أن الكفار لا ينفعهم الصدق في ذلك اليوم بما يكون من الإقرار على أنفسهم بالمعصية. قال المفسرون: هذا تصديق لعيسى بما يقول من قوله: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ﴾ الآية، وذلك أنه كان صادقًا في الدنيا ولم يقل للنصارى اتخذوني إلهًا، فنفعه صدقه [[معنى قول السدي عند الطبري 7/ 141.]]، وأما إبليس فإنه يصدق أيضًا في ذلك اليوم في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ [إبراهيم: 22] فلم ينفعه صدقه؛ لأنه كان كاذبًا في الدنيا. وهذا معنى قول قتادة [[انظر: البغوي 3/ 124.]]. والذي ذكرنا من أن المراد بهذا اليوم يوم القيامة قول عامة المفسرين إلا ما روى عطاء عن ابن عباس أنه قال: يريد يومًا من أيام الدنيا؛ لأن الآخرة ليس فيها عمل، إنما فيها الثواب والجزاء [[انظر: البغوي 3/ 124.]]، وذهب في هذا القول إلى ظاهر الآية من أن الصدق النافع يكون في الدنيا، فلما وصف اليوم بأنه ينفع فيه الصدق جعله من أيام الدنيا، ويكون معنى الآية: (قال الله هذا) أي: هذا الكلام الذي جرى ذكره (يوم ينفع الصادقين)، أي: في يوم ينفع الصادقين صدقهم، وهذا القول يوافق مذهب السدي في أن هذه المخاطبة جرت مع عيسى حين رفع إلى السماء [["تفسير الطبري" 7/ 141.]]، واختلف القراء في نصب ﴿يَوْمُ يَنْفَعُ﴾ ورفعه، فقرأ الأكثرون بالرفع، وقرأ نافع بالنصب [[النصب قراءة نافع وحده، والرفع للباقين. "الحجة" 3/ 282.]]، واختاره أبو عبيد. فمن قرأ بالرفع قال الزجاج: فعلى خبر هذا، المعنى: قال الله تعالى اليوم يوم منفعة الصادقين [["معانى القرآن وإعرابه" 2/ 224.]]. هذا كلامه، وشرحه أبو علي فقال: من رفع اليوم جعل الخبر المبتدأ الذي هو ﴿هَذَا﴾ وأضاف يومًا إلى ﴿يَنْفَعُ﴾ والجملة التي هي المبتدأ والخبر في موضع نصب بأنه مفعول القول، كما تقول: قال زيد: عمرو أخوك، وما بعد القول حكايته، ومن نصب {يَوْمَ يَنْفَعُ} فعلى أن (يومَ) منصوب على الظرف، المعنى: قال الله هذا، وهو إشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾، في ﴿يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ﴾ أي: ما قال الله هذا في القيامة، وجاء على لفظ المضي وإن كان المراد به الآتي كما قال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: 50] [["الحجة" 3/ 283.]]، وقد مر قُبَيْل، وليس ما قبل القول حكايته في هذا الوجه كما كان في وجه القراءة الأولى، وهذا في موضع نصب يقال: واليوم منصوب على الظرف، والعامل فيه قال، كما تقول: قال زيد هذا يوم الخميس، أي: قال زيد هذا القول في يوم الخميس. وهذا معنى قول الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 224، 225.]] وابن الأنباري وأبي علي [["الحجة" 3/ 283.]]، وعلى هذا اليوم ظرف للقول، وأجاز أبو علي أن يكون ظرفًا لفعل مضمر غير القول، ويكون التقدير: قال الله هذا يقع أو يحدث يوم ينفع الصادقين، فيكون هذا المبتدأ وخبره يوم ينفع وإن كان منصوبًا على الظرف؛ لأن ظروف الزمان يجوز أن تكون أخبارًا من الأحداث كما تقول: القتال يوم السبت، والحج يوم عرفة، أي: واقع في ذلك اليوم، وقوله: (هَذَا) إشارة إلى حدث يحدث في ذلك اليوم، وتكون الجملة في موضع نصب بأنها في موضع مفعول، قال: ويكون المعنى على الحكاية كما ذكرنا في قراءة من قرأ بالرفع [["الحجة" 3/ 283، 284.]]، وأجاز الفراء والكوفيون وجها آخر في القراءة بالنصب. قال الفراء: ويجوز أن تنصبه؛ لأنه مضاف إلى غير اسم، كما قالت العرب: مضى يومئذٍ بما فيه، ويفعلون ذلك به في موضع الخفض، وأنشد: رددنا بشعثاء [[..............]] الرسول ولا أرى ... كيومئذ شيئًا ترد رسائله [[البيت لجرير في "شرح ديوانه" ص 385.]] قال: وكذلك وجه القراءة في قوله: ﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ﴾ [المعارج: 11]، و ﴿وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ﴾ [هود: 66] قال: وما أضيف إلى كلام ليس فيه مخفوض فافعل به هكذا، كقول الشاعر: على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا ... وقلتُ ألمَّا تَصحُ والشيبُ وازعُ [[البيت للنابغة الذبياني كما في "الكتاب" ص 53 وهو من "شواهد الإنصاف" لأبي البركات ابن الأنباري 2/ 292 "شذور الذهب" ص 112 رقم (25).]] [["معاني القرآن للفراء" 1/ 326، 327.]] وشرح أبو بكر بن الأنباري هذا المذهب فقال: يجوز أن يكون ﴿يَوْمُ﴾ رفعًا بهذا، ولا يتبين الرفع في لفظ اليوم لأن إضافته غير محضة، والعرب إذا أضافت أسماء الزمان إلى الأفعال الماضية والمستقبلة فتحوها في حال إضافتها لبعدها عن معنى الاسم، وأشبه الزمان عندهم الأداة فجعلوا اليوم مع الفعل بمنزلة الشيء الواحد، واختاروا له الفتحة لأنها أخف الحركات، فيقولون: أعجبني يوم قام أخوك، ويوم يقوم أخوك؛ لأن الإضافة إلى الفعل غير صحيحة فألزم الوقت الفتح، فعلى هذا القول ﴿يَوْمُ﴾ رفع لأنه خبر المبتدأ، ولكنه نُصِب لأنه مضاف إلى الفعل، فنصب كما يضاف إلى ما هو مبني مثل: يومئذ، وهذا لا يصح عند البصريين. قال الزجاج: زعم بعضهم: يعني: الفراء، أن يوم منصوب بأنه مضاف إلى الفعل، وهو في موضع رفع بمنزلة: يومئذٍ، مبني على الفتح في كل حال، وهذا خطأ عند البصريين، لا يجيزون: هذا يومَ آتيك، يريدون هذا يومُ آتيك؛ لأن آتيك فعل مضارع، فالإضافة إليه لا تزيل الإعراب عن جهته، ولكنهم يجيزون: ذلك يومَ نفعَ زيدًا صدقه؛ لأن الفعل الماضي غير مضارع، فهي إضافة إلى غير متمكن وإلى غير مضارع [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 224، 225.]]. وقال أبو علي منكرًا على الكوفيين: لا يجوز أن يكون ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ﴾ في موضع رفع وقد فتح، لإضافته إلى الفعل؛ لأن المضاف إليه مُعَرب وإنما يكتسي المضاف البناء من المضاف إليه، إذا كان المضاف إليه مبنيًا والمضاف مبهمًا، كما يكون في هذا الضرب من الأسماء إذا أضيف إلى ما كان مبنيًا نحو: ﴿وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ﴾ [هود: 66] وصار في المضاف البناء للإضافة إلى المبني كما صار فيه الاستفهام للإضافة إلى المستفهم به، نحو: غلامُ من أنت؟ وكما صار فيه الجزاء نحو: غلامُ من تضربْ أضرِبْ. وليس المضارع في هذا كالماضي في نحو: على حين عاتبتُ المشيبَ [[صدر بيت النابغة المتقدم قريبًا.]] لأن الماضي مبني والمضارع معرب، فإذا كان معربًا، لم يكن شيء يحدث من أجله البناء في المضاف [["الحجة" 3/ 283، 285.]]. وقوله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ قال عطاء ومقاتل: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ بطاعتهم (ورضوا عنه) بثوابه وما تفضل به عليهم من الكرامة سوى الثواب [[انظر: "تفسير مقاتل" 1/ 522، و"تفسير الوسيط" 2/ 249، والبغوي 3/ 124، و"زاد المسير" 2/ 467.]]. ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [المائدة: 119] قال الحسن: فازوا بالجنة ونجوا من النار [["تفسير الوسيط" 2/ 249.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب