الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ أَيْ صِدْقُهُمْ فِي الدُّنْيَا فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا يَنْفَعُ فِيهَا الصِّدْقُ وَصِدْقُهُمْ فِي الدُّنْيَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِدْقَهُمْ فِي الْعَمَلِ لِلَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكَهُمُ الْكَذِبَ عَلَيْهِ وَعَلَى رُسُلِهِ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُمُ الصِّدْقُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ نَافِعًا فِي كُلِّ الْأَيَّامِ لِوُقُوعِ الْجَزَاءِ فِيهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ صِدْقُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنْبِيَائِهِمْ بِالْبَلَاغِ وَفِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَيَكُونُ وَجْهُ النَّفْعِ فِيهِ أَنْ يُكْفَوُا الْمُؤَاخَذَةَ بِتَرْكِهِمْ كَتْمَ الشَّهَادَةِ فَيُغْفَرُ لَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ "يَوْمَ" بِالنَّصْبِ. وَرَفَعَ الْبَاقُونَ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ ف يَوْمُ يَنْفَعُ خَبَرٌ لِ"- هَذَا "وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْقَوْلِ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ مُحَيْصِنٍ فَحَكَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ نَصْبُ خَبَرِ الِابْتِدَاءِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْبِنَاءُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ: هِيَ جَائِزَةٌ بِمَعْنَى قال الله هذا لعيسى بن مريم يوم ينفع الصادقين صدقهم فيوم ظرف للقول و" هذا" مَفْعُولُ الْقَوْلِ وَالتَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ هَذَا الْقَوْلَ فِي يَوْمٍ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَنْفَعُ يَوْمَ القيامة. وقال الكسائي والفراء: بني يوم ها هنا عَلَى النَّصْبِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى غَيْرِ اسْمٍ، كَمَا تَقُولُ: مَضَى يَوْمَئِذٍ وَأَنْشَدَ الْكِسَائِيُّ [[البيت للنابغة والشاهد في إضافة (حين) إلى الفعل وبنائها معه على الفتح.]]: عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا ... وَقُلْتُ أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ الزَّجَّاجُ: وَلَا يُجِيزُ الْبَصْرِيُّونَ مَا قَالَاهُ إِذَا أَضَفْتَ الظَّرْفَ إِلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ فَإِنْ كَانَ إِلَى مَاضٍ كَانَ جَيِّدًا كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْتِ وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُضَافَ الْفِعْلُ إِلَى ظُرُوفِ الزَّمَانِ لِأَنَّ الْفِعْلَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا ظَرْفًا وَيَكُونَ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ "هَذَا" لِأَنَّهُ مُشَارٌ بِهِ إِلَى حَدَثٍ، وَظُرُوفُ الزَّمَانِ تَكُونُ إِخْبَارًا عَنِ الْأَحْدَاثِ تَقُولُ: الْقِتَالُ الْيَوْمَ وَالْخُرُوجُ السَّاعَةَ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْقَوْلِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "هَذَا" فِي مَوْضِعِ رفع بالابتداء و "يَوْمُ" خَبَرُ الِابْتِدَاءِ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: قَالَ اللَّهُ هَذَا الَّذِي قَصَصْنَاهُ يَقَعُ يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ. وَفِيهِ قِرَاءَةٌ ثَالِثَةٌ "يَوْمٌ يَنْفَعُ" بِالتَّنْوِينِ "الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ" فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ "فِيهِ" مِثْلَ قَوْلِهِ: "وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً" [[راجع ج ١ ص ٣٧٦.]]] البقرة: ٤٨] وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. "تَجْرِي" فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ. "مِنْ تَحْتِهَا" أَيْ مِنْ تَحْتِ غُرَفِهَا وَأَشْجَارِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى ثَوَابَهُمْ وَأَنَّهُ رَاضٍ عنهم رضا لا يغضب بَعْدَهُ أَبَدًا "وَرَضُوا عَنْهُ" أَيْ عَنِ الْجَزَاءِ الَّذِي أَثَابَهُمْ بِهِ. (ذلِكَ الْفَوْزُ) "أَيِ الظَّفَرُ" (الْعَظِيمُ) " أَيِ الذِي عَظُمَ خَيْرُهُ وَكَثُرَ، وَارْتَفَعَتْ منزلة صاحبه وشرف.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب