الباحث القرآني

ولَمّا انْقَضى جَوابُهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - عَلى هَذا الوَجْهِ الجَلِيلِ؛ تَشَوَّفَ السّامِعُ إلى جَوابِ اللَّهِ لَهُ؛ فَقالَ (تَعالى) - مُشِيرًا إلى كَوْنِ جَوابِهِ حَقًّا؛ ومَضْمُونِهِ صِدْقًا؛ مُنَبِّهًا عَلى مَدْحِهِ؛ حاثًّا عَلى ما بُنِيَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ مِنَ الوَفاءِ بِالعُقُودِ -: ﴿قالَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: المَلِكُ المُحِيطُ بِالجَلالِ والإكْرامِ؛ جَوابًا لِكَلامِهِ؛ ﴿هَذا﴾؛ أيْ: مَجْمُوعُ يَوْمِ القِيامَةِ؛ ولَمّا كانَ ظُهُورُ الجَزاءِ النّافِعِ هو المَقْصُودَ؛ قالَ: ﴿يَوْمُ﴾؛ هَذا عَلى قِراءَةِ الجَماعَةِ بِالرَّفْعِ؛ وقِراءَةُ نافِعٍ بِالنَّصْبِ؛ غَيْرَ مُنَوَّنٍ أيْضًا؛ لِإضافَتِهِ إلى مُتَمَكِّنٍ؛ بِمَعْنى: ”هَذا الَّذِي ذُكِرَ واقِعٌ...“؛ أوْ قالَ اللَّهُ هَذا الَّذِي تَقَدَّمَ يَوْمَ ﴿يَنْفَعُ الصّادِقِينَ﴾؛ أيْ: العَرِيقِينَ في هَذا الوَصْفِ؛ نَفْعًا لا يَضُرُّهم مَعَهُ شَيْءٌ؛ ﴿صِدْقُهُمْ﴾؛ أيْ: الَّذِي كانَ لَهم في الدُّنْيا وصْفًا ثابِتًا؛ فَحَداهم عَلى الوَفاءِ بِما عاهَدُوا عَلَيْهِ؛ فَكَأنَّهُ قِيلَ: يَنْفَعُهم بِأيِّ شَيْءٍ؟ فَقالَ: ﴿لَهم جَنّاتٌ﴾؛ أيْ: هي مِن رَيِّ الأرْضِ؛ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ زُكاءَ الشَّجَرِ؛ وطِيبَ الثَّمَرِ؛ بِحَيْثُ ﴿تَجْرِي﴾؛ ولَمّا كانَ تَفَرُّقُ المِياهِ في (p-٣٦٩)الأراضِي أبْهَجَ؛ بَعَّضَ؛ فَقالَ: ﴿مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾؛ ولَمّا كانَ مِثْلُ هَذا لا يُرِيحُ إلّا إذا دامَ؛ قالَ: ﴿خالِدِينَ فِيها﴾؛ وأكَّدَ مَعْنى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿أبَدًا﴾ ولَمّا كانَ ذَلِكَ لا يَتِمُّ إلّا بِرِضى المالِكِ؛ قالَ: ﴿رَضِيَ اللَّهُ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ؛ ﴿عَنْهُمْ﴾؛ أيْ: بِجَمِيعِ ما لَهُ مِنَ الصِّفاتِ؛ وهو كِنايَةٌ عَنْ أنَّهُ أثابَهم بِما يَكُونُ مِنَ الرّاضِي ثَوابًا مُتَنَوِّعًا بِتَنَوُّعِ ما لَهُ مِن جَمِيعِ صِفاتِ الكَمالِ؛ والجَمالِ؛ ولَمّا كانَ ذَلِكَ لا يَكْمُلُ ويَبْسُطُ؛ ويَجْمُلُ؛ إلّا بِرِضاهُمْ؛ قالَ: ﴿ورَضُوا عَنْهُ﴾؛ يَعْنِي أنَّهُ لَمْ يَدَعْ لَهم شَهْوَةً إلّا أنالَهم إيّاها؛ وقالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعْدَما أسْلَفْتُهُ عَنْهُ: فَلَمّا طَلَبَ (تَعالى) المُؤْمِنِينَ بِالوَفاءِ فِيما نَقَضَ بِهِ غَيْرُهُمْ؛ وذَكَّرَهم بِبَعْضِ ما وقَعَ فِيهِ النَّقْضُ؛ وما أعْقَبَ ذَلِكَ فاعِلَهُ؛ وأعْلَمَهم بِثَمَرَةِ التِزامِ التَّسْلِيمِ؛ والِامْتِثالِ؛ أراهم - جَلَّ وتَعالى - ثَمَرَةَ الوَفاءِ؛ وعاقِبَتَهُ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿وإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ﴾ [المائدة: ١١٦]؛ إلى قَوْلِهِ: ﴿هَذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ﴾؛ إلى آخِرِها؛ فَيَحْصُلُ مِن جُمْلَتِها الأمْرُ بِالوَفاءِ فِيما تَقَدَّمَها؛ وحالُ مَن حادَّ ونَقَضَ؛ وعاقِبَةُ مَن وفى؛ وأنَّهُمُ الصّادِقُونَ؛ وقَدْ أمَرَنا أنْ نَكُونَ مَعَهُمْ؛ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩]؛ انْتَهى. ولَمّا كانَ - سُبْحانَهُ - قَدْ أمَرَهم أوَّلَ السُّورَةِ بِالوَفاءِ؛ شُكْرًا عَلى ما أحَلَّ لَهم في دُنْياهُمْ؛ ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهُ زادَ الشّاكِرِينَ مِنهُمْ؛ ورَقّاهم إلى أنْ أباحَهم أجَلَّ (p-٣٧٠)النَّفائِسِ في أُخْراهُمْ؛ ووَصَفَ - سُبْحانَهُ - هَذا الَّذِي أباحَهُ لَهُمْ؛ إلى أنْ بَلَغَ في وصْفِهِ ما لا مَزِيدَ عَلَيْهِ؛ أخَذَ يَغْبِطُهم بِهِ؛ فَقالَ: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الأمْرُ العالِي؛ لا غَيْرُهُ؛ ﴿الفَوْزُ العَظِيمُ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب